الأمر يتطلب وعي الأسرة واهتمامها

الأمر يتطلب وعي الأسرة واهتمامها

الأزمنة

الاثنين، ٩ فبراير ٢٠١٥

زهير جبور
تخضع أفعال الإنسان وتصرفاته منذ الولادة للغرائز التي تولد معه وأسلوب إشباعها، وطريقته التي تتوقف عليها استمراريته، وأولى خطوات الإشباع المعني يتم عبر العالم الخارجي لتتحول الأشياء والعناصر المستمدة منه إلى أنواع مختلفة من الطاقة، ومن الوجود المحيط وتأثيراته يمكن أن يتم تحديد الشخصية مستقبلاً، وثمة تراجع كنا نواجهه سابقاً في فهمنا للطفولة، وكانت التربية محصورة في البداية بما يتوفر عند الأسرة من ثقافة عامة، وهكذا فنحن لم ندرج في مجتمعاتنا القديمة أو الحديثة ما يمكن أن نسميه بطاقات سيرة الطفل منذ دخوله للمرة الأولى إلى عيادة الطبيب، ونوع الأدوية التي تلقاها أو درجة حرارته، وغيرها من التفاصيل التي يمكن أن يستعين بها الدكتور بعد سنوات من عمر الطفل في حال تعرضه للمرض، وكثيرة هي الأمراض التي أودت بحياة الأطفال بسبب إهمال الأسرة أو استسهال الأم وعدم وصولها في الوقت المناسب للعيادة أو المستشفى ويكون ثمن هذا التأخير باهظاً جداً ومأساوياً والعناية ينبغي أن تبدأ مع لحظة اتصال الطفل بالعالم الخارجي الذي حل عليه ضيفاً.
•    التأثير  الخارجي
لم تكن أم علاء تعلم أن العبوات البلاستيكية المليئة بمادة البنزين التي يحضرها زوجها لاستعمالها في (موتوره) وتضعها في الغرفة التي يرقد بها وحيدها بعد ثلاث بنات ستؤدي لاحقاً إلى إصابته بأمراض أنهت حياته وهو في سن العاشرة، حيث الطفل الذي أدمن استنشاق الرائحة النفطية منذ ساعاته الأولى بعد الولادة، ومع تقدمه بالعمر تحولت إلى حالة إدمانية وأصبح استنشاقها نوعاً من الغريزة كالجوع والعطش مما كان يدفعه لفتح خزان الموتور وإدخال أنفه والحصول على كميات من الرائحة دون أن يثير ذلك انتباه الأم والأب وهما يعيشان في قرية صغيرة على طريق البسيط. اللاذقية.
تميز الطفل في مدرسته الابتدائية وسلوكه العام دون أن يقدر أحد خطورة هذه العادة والإسراع في معالجتها، وحياته تمضي عادية، تفوقه في المدرسة، وامتلاكه لمقدرة من الذكاء جعله محبوباً جداً بين أساتذته ومجتمعه ورفاقه، حتى حلت المأساة حين داهمه المرض ليدخل في مرحلة العلاج من عيادة طبيب في اللاذقية إلى أخرى ونقله إلى مستشفى الأطفال في العاصمة وصولاً إلى مدينة بيروت، ونتائج الفحوص تظهر بعض الأمراض المعروفة والأخرى المجهولة وسرعة تقلبات الحالة وتقبلها للجرعة الدوائية وتأثيرها العلاجي، أو العكس تماماً، واكتشف الأمر.. وعرفت الأسباب التي تعود لأيام ولادته الأولى مرافقة نموه الجسدي والنفسي مع رائحة النفط دون أن يتنبه أحد لخطورتها، ففارق الحياة.. هي حادثة وقعت ولو فتشنا عن المصادفة التي جعلتها تنتمي للواقعية فينبغي أن نتساءل كم عدد الأطفال الذين ينتهون بسبب أمراض حملوها من المصادر الخارجية وهي طبعاً ليست سعالاً أو كريباً كما يتم التعليل السريع أو التشخيص الأمومي للحالة، إنما لأسباب ترافق النمو لتباشر في سن معينة وبعد تمكنها من الفتك بالجسد حين تضعف المناعة.
•    ومصادفة أخرى
 أن يكتشف في أمعاء الرجل وبالمصادفة (إبرة وزر وخيط) تكلس اللحم عليها لتظهر الصور بعد مرور خمسين عاماً على ابتلاعهم، كان الرجل يحدثني وهو يضحك قائلاً: حين علمت بالموضوع لم يحضر إلى ذهني إلا تلك الليلة التي تم بها البلع وكم من ساعات أمضيتها في البكاء والألم، دون أن يلحظ غياب الزر والإبرة اهتمام الوالدة أو معرفة أسباب هذا البكاء الذي حل دون إنذار، وما هي أيام المرض التي عبرتها مهدداً بالموت لكن من له عمر لا تقتله إبرة، هكذا سلّم الرجل أمره وهو يصاب بالدهشة كلما تذكر ذلك.
•    الوعي الأسروي
حال الأسرة حالياً يختلف عنها في الماضي خاصة أن الحكومة السورية لم تهمل جانب الرعاية في الأطفال والحرص عليهم ولعبت المنظمات الشعبية والإعلام والثقافة دورها وكانت بلادنا متقدمة في ذلك من تقديم الخدمات واللقاحات، وثمة أجيال تحمل إلى اليوم أثر لقاح الجدري الذي تلقيناه في المدرسة ويظهر على الساعد وكانت الفرق تجول منفذة عملها، ولكن هناك ما يحتاج لوعي الأسرة أولاً وفي ساحلنا السوري تكثر بين الأطفال أمراض الربو. والصدر. والخناق. بسبب ارتفاع الرطوبة وهي تجعل المرأة الحامل في حالة ضيق نفس، وهو ما يؤثر على الجنين، ولذلك فإنّ عيادة طب الأطفال تكتظ بمن يعانون التهاب القصبات الرئوي ويتطلب هذا في حال اشتداده الرذاذ وتعتبر الحالة إسعافية دون تردد، خاصة في أيام البرد وقد عشناها مختلفة تماماً منذ بداية العام الحالي (2015) حين دخلنا العيادة كانت مزدحمة جداً والأمهات بقلق والشكوى ارتفاع الحرارة دون الاستجابة للدواء أو الانتكاس وكان تعليق الطبيب الوصول المتأخر والمعالجة الفردية دون تشخيص الحالة المرضية وهذا لا يجوز أبداً، ومن لا يتمكن من مراجعة العيادة المختصة فعليه الوصول إلى أقرب مستوصف أو مستشفى أو مركز صحي.
•    المرض والطقس
حقيقة الأمر أنّ الطقس الذي عشناه مختلفاً لا يترك تأثيره على الأطفال بل على الشبان الذين يتحصنون بمناعة فتوتهم وطاقاتهم والبرد الذي ينخر العظم كما يقال في المفهوم الشعبي، وفي الساعة الواحدة يتقلب ويتبدل من شمس حارقة إلى برودة لا تحتمل، ومن نسمة خفيفة إلى ريح عاصفة، وجميعها تعكس مخاطرها المرضية على الكبار والصغار وحصر الغرف دون تهوية، وإفرازات التدفئة من المازوت إلى الطاقة أو الغاز والحطب يؤدي إلى نقص الأوكسجين، ومع فقدان المواد فإن معظم أبناء الريف يستعملون الحطب وكذلك نسبة كبيرة من أبناء المدينة رجعوا إليه، فهو للطبخ والتدفئة داخل البيوت، قالت أم رزان إنّها للمرة الخامسة تراجع الطبيب خلال هذا الأسبوع لأنّ ابنتها لا تشفى ولا يؤثر به الدواء،  بين سعال شديد وارتفاع حرارة لا ينخفض، أما نوبات الربو الطفولي فهي ظاهرة بوضوح من خلال تنفس الأطفال وحشرجات صدورهم.
ونتوجه لكل الجهات المعنية والمسؤولة التي تعمل حالياً على شد الأسر إلى اللقاحات وتدعوهم إلى المراكز أن تخصص الوقت الكافي للتوعية وأن تدعو لعدم إهمال أو استسهال أية حالة يمكن أن تعتبرها الأم عادية أو عابرة، وهي في حال تطورها فسوف تهدد حياة الطفل، وبالمناسبة فإنّ مديرية الصحة في اللاذقية وعبر مستشفى الأطفال والمراكز الصحية المنتشرة تستقبل جميع الحالات وتقدم الخدمة المطلوبة ضمن الإمكانات المتاحة وأن لا يخضع موضوع المرض للاجتهاد الشخصي فالعلم يرفض مثل هذا الفهم المتراجع .. وبالمناسبة فلم تكن تعلم أم علاء خطورة ما تفعل وإلا لقذفت بالبنزين خارج بيتها وبعض الجهل يؤدي إلى الفاجعة.