الحطب بدلاً من المازوت..قطع الأشجار حدّث ولا حرج..مَن يهرّب الأحطاب؟!!

الحطب بدلاً من المازوت..قطع الأشجار حدّث ولا حرج..مَن يهرّب الأحطاب؟!!

الأزمنة

السبت، ٢٤ يناير ٢٠١٥

محمد العمر
أربعة مواسم من الشتاء تمر، ومازالت حلقة قطع الأشجار جارية، فظاهرة الاحتطاب الجائر التي شهدتها وتشهدها مناطق عديدة في المحافظة، أدت وتؤدي إلى تخريب وإخراج بعض الغابات التي تتميز بالتنوع الحيوي، إذ أصبح موضوع تأمين مادة التدفئة هاجساً بالنسبة للمواطن في درعا، الأمر الذي دفعه إلى الاحتطاب الجائر وفي أغلب الأحيان دون وعي بيئي يحافظ على الثروة الحراجية. وأضحى هذا الاستغلال للغطاء النباتي غير المرشد أمراً مقلقاً للجهات المعنية في سعيها للحد منه وإيجاد السبل الكفيلة للحفاظ عليه من التدهور والانقراض.‏ ‏وحسب تقارير الزراعة فإنّ نسبة الاحتطاب بلغت أكثر من 65 % كما تسبب التخريب الممنهج الذي مارسته المجموعات الظلامية خلال العام الماضي بتضرر مساحات كبيرة من الدونمات الزراعية، ويمكن القول إنّ  الاحتطاب بدأت تتصاعد وتيرته جراء رفع أسعار المازوت وعدم مقدرة الناس على شرائه كوقود للتدفئة، هذا إن توفر- فضلاً عن غيابه!. خاصة مع ما تمت مشاهدته من سيارات وجرارات محملة بالأطنان من الحطب المقطوع، مما يمكن أن نطلق عليه "لصوص" الاحتطاب من هول "الجريمة" المرتكبة بحق الغابات!. إذ إنّ العديد من المواطنين الذين يقومون بقطع هذه الأشجار وصل بهم الأمر أن يستخدموا مناشير كاتمة للصوت أثناء قطع الأشجار، وبعضهم الآخر يحرق الغابات للاستفادة من أخشابها في وقت لاحق كمبرر لتحطيب ناتج الحريق. وهذا ما يستدعي حسب دائرة الحراج بالمحافظة بذل المزيد من الجهد والعمل على إعادة ترميم ما تم تدميره وحرقه والاعتداء عليه من الرعي والاحتطاب وزيادة الرقعة الخضراء...
 
ظاهرة تتفاقم.!
محمد أحمد مهندس زراعي أشار إلى أنّ ظاهرة الاحتطاب تتكرر كل عام وقد برزت من خلال الاستخدام الأكثر من أجل التدفئة بشكل واسع ومكثف، وهناك فئة استغلت الظروف الحالية وهم من دون شك (مستغلو الأزمات) وأصحاب النفوس الضعيفة وقاموا بتهريب الأحطاب من المواقع الحراجية ليلاً للاتجار بها وبيعها لمحتاجيها, وهذه الفئة أثرت بشكل أساسي على الحراج وخاصة الاحتطاب على جوانب الطرقات للحصول على كمية كبيرة من الأحطاب بأقل وقت ممكن، وقد تم تنظيم ضبوط حراجية بحق مخالفين، ولكن فعلياً لا تكاد تخلو قرية أو بلدة في أي منطقة على وقع الأزمة من الاحتطاب بيد أنّ أهالي القرى الحقيقيين يمارسون ظاهرة الاحتطاب دون إلحاق ضرر كبير بالغابات، مضيفاً أنّ نسبة الاحتطاب ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة الماضي منذ بداية العام 2012 حتى اليوم وزادت التعديات على حراج الدولة، ولعل أبرز الأسباب هي نقص مادة التدفئة (المازوت). كما أدى انخفاض درجات الحرارة بشكل كبير خلال فصل الشتاء هذا إلى زيادة الاحتطاب وتجاوزت نسبة التعديات على حراج الغابات 70%, وحسب قول المهندس أحمد إنّه يحق لأهالي القرى الحراجية قانوناً الاستفادة من الغابات بالاحتطاب من الأحطاب اليابسة ضمن الغابات مجاناً والاستفادة من نواتج التقليم من أعمال التربية والتنمية مجاناً وكانت هذه المواد تفي بحاجة المحتاجين سابقاً في ظل توفر هذه المادة (للطهو ولخبز التنور وقسم بسيط للتدفئة وكان توفر هذه المواد بالنسبة للأهالي في متناول اليد دون إحداث أضرار بالغابات.‏‏
لا رادع لها..!
يبدو أنّ حالات القطع تزداد ولا رادع لها، رغم مرور أربع سنوات من الأزمة، إذ نظم عناصر الضابطة الحراجية خلال العام 2014، 28 ضبطاً في مختلف المواقع من درعا، تمثلت بالقطع الجائر الذي طال معظم المواقع الحراجية فيها بإجمالي عدد الأشجار 9 ملايين شجرة.
 رئيس دائرة الحراج في مديرية زراعة درعا جميل العبد الله أشار إلى أنّ المساحة الإجمالية للحراج والغابات تصل إلى 10624 هكتاراً، منها 300 هكتار حراج طبيعي في وادي اليرموك، والبقية اصطناعية، من أنواع الكينا والصنوبر الثمري والبروتي، والأكاسيا والكازورينا والسرو بأنواعه والبطم ولسان الطير.
وتتوزع المساحة فيما يزيد على 130 موقعاً حراجياً، أهمها غابة الأسد في تسيل وتل الجابية، وتل الحارة وعين ذكر وعابدين وعالقين ونمر، ونافعة وجملة وابطع والشيخ مسكين، والعقربية، الموجودة معظمها في غرب المحافظة، لكونها منطقة استقرار أولى، ومناسبة من حيث الأمطار والتربة، يضاف لها الأشجار الحراجية على طرفي الطرق ولاسيما “أوتستراد دمشق- درعا الدولي”، والطريق القديم ودرعا والمزيريب، والواصل من نوى إلى السكرية فجاسم والحارة، وكذلك طريق السهوة بصرى.

الحراج خارج التغطية..!
وحسب تصريح دائرة الحراج بالمحافظة، فإنّ تخريب الغابات كان يقتصر على بعض ضعاف النفوس وكانت هذه الحالات تقمع لتعاون الأهالي من جهة ولكون هذه الحالات فردية من جهة أخرى من خلال عناصر الضابطة الحراجية المنتشرة في المحافظة, ولكن هؤلاء العناصر في أحيان كثيرة لا يتمكنون من السيطرة على هذه الظاهرة ومنع الاحتطاب الجائر وحماية الحراج بسبب نقص عددهم وكون تعاون الأهالي انخفض لدرجة كبيرة (على حد تعبيره).‏‏ فوزارة الزراعة كانت قد طرحت خلال السنوات الماضية أهمية النهج التشاركي مع الأهالي بهدف حماية الثروة الحراجية المتنوعة، ولكن حتى اليوم لم يتم وضع أسس وخطوات حقيقية على الأرض لاتباع هذا النهج. ولعل التباطؤ في ترويج هذا النهج دفع إلى تفشي الاحتطاب الجائر والرعي الجائر والتهاون في حماية الغابات وتجاهل قوانين الحراج. واليوم ومع مرور الوقت وبعد تعرض الغابات للتعدي وبعض الأنواع للانقراض برزت الحاجة الماسة لاتباع هذا النهج.‏‏ ومؤخراً تم السماح بالبيع المباشر للمواطنين وبأسعار وكميات محددة وإحداث منافذ للبيع ضمن مراكز تجميع الحطب في أغلب القرى والبلدات ووضع آلية واضحة للبيع، ويمكن القول إنّ ما جعل المواطن يتجه إلى الاحتطاب العشوائي وتجاهل القوانين هو حاجته الماسة لهذه المادة من أجل التدفئة وما زاد الطين بلة قرار السماح بتصدير الأخشاب خلال السنوات الماضية والتي تنتجها غاباتنا (الأخشاب الحراجية المثمرة والفحم والدق والبيرين)، هذه الحالة دفعت المواطن للاحتطاب من أحراج الدولة والسبب عدم وجود منافذ بيع من قبل الدولة ليكون المستفيد الأكبر التاجر الذي يقوم بتصديره خارج القطر، ولو كان هذا الأمر متوفراً لما كان وضع الحراج والغابات في هذا الوضع المأساوي التي وصلت إليه اليوم.
 
حقّ الاستفادة والانتفاع..!
دائرة الحراج بالمحافظة، بالتعاون مع قاطني مناطق الغابات الحراجية، أنشأت غابات كثيرة في مناطق من درعا ومنها غابتان شعبيتان في موقع حرفوش بمدينة نوى وعين ذكر وتسيل، وللسكان حق الاستفادة والانتفاع واستثمار الغابة بالإضافة إلى واجبهم في حمايتها من العبث والحرائق وغيرها ولاسيما أنّ موضوع التحريج، لم يأت من فراغ وإنما هو عمل رائد جاء نتيجة تضافر جميع جهود الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الزراعة الأمر الذي يعطي سورية بشكل عام والمحافظة بشكل خاص موقعاً سياحياً ومنظراً غاية في الجمال إضافة إلى أنّ هذه المشاريع تستهدف خلق علاقة جيدة بين سكان المناطق الحراجية وتجمعات البدو والغابات المحيطة بهم.
ما أحوجنا إذن، أن نعيد لهذا العطاء حقه في الحياة، قد لا نستطيع إيقاف الزحف الجائر على الشجرة ومنع عملية الاحتطاب بسبب الظروف الحالية إلا أننا نستطيع تكثيف عملية التشجير، وإطلاق حملة تشجير ضخمة وفعالة في مختلف المناطق تسهم في إحياء ما تدمر وحرق وقطع من غاباتنا بفعل الإرهاب أو غيره، الذي نتعرض له بشراً وحجراً وشجراً، وزيادة الوعي بأهمية الأشجار لدى قطاعات المجتمع المختلفة لما لذلك من أهمية في مساندة الجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية بالتشجير.