بين العام الجديد ووجه البحر الذي ما عرفوه

بين العام الجديد ووجه البحر الذي ما عرفوه

الأزمنة

السبت، ٢٤ يناير ٢٠١٥

زهير جبور
من الطبيعي وحسب الساعة الزمنية للأعمار أن تأتي إضافة لرقم مضى وآخر يحل مكانه ونسميها سنة ميلادية، ليست مادية كما هي الأشياء لكنها ملموسة ممن يعيشون والذي من المؤكد أن تنتهي مع نهايتهم، وهكذا فإنّ تبادل التهاني يعني بخلفيته النفسية استمرارية الحياة، ويتخللها الدعاء بعمر طويل. مديد. ورؤية المزيد من الأرقام المضافة، ومن المرجح المنطقي أن يستفيد العاقل من تجربته ومن أخطاء ارتكبها وخرج منها بعبرة عدم تكرارها، والغبي يعيدها دون اتعاظ، وما كل عام وأنتم بخير إلا التعبير المختصر لما هو يخص التجربة والنضج والفهم والخير الذي ينبغي أن يستمر، ومن المعروف أنّ الإنسان يغادر الدنيا دون الوصول إلى استكمال حاجته من العلم . المعرفة. الاستكشاف ويبقى بحاجة لها بمن فيهم العباقرة والعظماء، الذين ينحنون تواضعاً كلما تألقوا عبقرية، وما الحياة إلا مسؤولية من يتقن فهمها يمارسها بسلاسة، ومن يجهلها يمشي عكس الاتجاه تتقاذفه التيارات متخبطاً في رحلته بحثاً عن استقرار لا يتحقق، ومع بداية العام تتسع الأمنيات التي اختصرت في عامنا الحالي بأمنية واحدة تكررت على شفاه أبناء الوطن في أن ينتصر، طارداً عن أرضه الأوغاد الذين تخفوا بوجوه البشر وبداخلهم شراسة الوحوش،  يريدون إعادتنا إلى بدائية الأزمان، قبل اكتشاف النار. الزراعة. وهم لا يعرفون إلا غريزة الدم المسفوك، وبتر القيم. والمثل. والتقدم. وطمس معاني الإنسانية، ومما لا شك فيه فإنّ المشترك يلغي الفردي، وحين يتحد أبناء الوطن ضد فردية قاتلة فهم المنتصرون حتماً، ومن يتوهم أنّ في خروجه وتمرده وسلوكه ما ينجيه من العقاب فهو الذي لم يتقن فهم الحياة، ويتخبط بها خارجاً عن إرادتها، وعن تعاريفها، ومفاهيمها، والوطن يحمي الجماعة، يؤمن لهم كرامة العيش في كل الظروف، وها نحن قد أطلقنا مع القادم أمنية جامعة. قوية. هادرة. في انتصاره على الأوغاد وضعفاء النفوس الذين استغلوا لتحقيق مصالحهم وغاياتهم، ومع القادم سيكون احتفالنا انتصاراً لسورية المجد.
•    كانت ليلة
لم تحتفل اللاذقية بأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة، كما يحمل معنى المفردة، بل اقتصرت على بعض التهاني الممزوجة بالحزن وهي تودع كل يوم الشهداء البواسل الذين يتصدون لقاتلي الحياة بإرادتهم وعزيمتهم، فكانت ليلة حملت ضرورة بقناعة أنّ الحياة ينبغي أن تستمر، مهما بلغ الحزن مداه، وإذا ما قارناها في ليلة العام الماضي فسنجدها مختلفة، حيث تم ضبط إطلاق العيارات النارية وغيرها، ونظمت فيها حركة المرور حتى ساعة متأخرة من الليل، ولم يسجل أي خرق، وهذا بفضل الإجراءات التي اتخذت، وكانت صارمة وشديدة، وغير خاضعة لأية مساومة، وهو ما جعل الناس يطمئنون، واقتصرت السهرة على البيوت بين العائلات، وقدمت في الكنائس الطقوس الدينية وبعض الألعاب الطفولية لإدخال البهجة إلى قلوبهم، ومسرحيات للأطفال تم عرضها على خشبة المركز الثقافي العربي، وفي اليوم التالي عادت الحياة إلى طبيعتها وفتحت الأسواق لتلبية حاجات المواطنين، اللافت أنّ الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ في أيام ما بين الميلاد ورأس السنة، لكن مظاهر الرقابة لم تغب عنها، تقول السيدة رجاء أن سهرتهم اقتصرت على أفراد العائلة فقط، وزيارة قصيرة لجيران البناء كنوع من الواجب الروتيني، وهي كانت قد استعدت لاستقبال زوارها من الأهل، الذين اتفقوا على أن تكون الكلفة مشتركة بينهم، ففي هذا الغلاء الفاحش جداً لا يمكن أن يتحمل أصحاب الدخل المحدود أو من هم فوقهم مادياً أية دعوة مهما كان عدد أفرادها، وهي تقترح أن ندخل جميعنا في مثل هذا النمط المعيشي، صحيح أننا لم نعتد عليه من منطلق مفهومنا لمعنى الكرم لكنه أمر فرضه الواقع وينبغي التعامل معه، وينقل أبو جورج حالة أخرى فلولا إلحاح أطفاله لما فكر أبداً في إعادة تأهيل شجرة الميلاد التي أهملها منذ أربع سنوات(هذا العام طالب بها الأولاد فأجبرت على إصلاحها وصعقت حين عرفت الأسعار التي وصلتها الزينة الكهربائية فاكتفيت بما هو قليل جداً، وحتى هذا القليل كان بسعر مرتفع، وكل ما نأمل به أن يكون عامنا أفضل، وبلادنا بأمان، وأن تعود حياتنا إلى ما كانت عليه)
•    البحر والعاصفة
بعد مناسبة رأس السنة بيومين أعلنت الطبيعة خروجها عن مألوفها في مثل هذا الشهر كما هو المتعارف عليه، هطول للأمطار وانخفاض في دراجات الحرارة، وتساقط للثلوج على المرتفعات، لكنها جاءت عاصفة ابتدأت يوم 4-1-2015 برياح متقطعة بلغت سرعتها 100 كم في الساعة وراحت بالتصاعد، وتساءل الناس فعلاً ما لها فهم لا يعرفونها بهذه الشدة والصخب، وأيام 5-6-7 ازدادت سرعة الرياح ولم تتوقف الأمطار عن الهطول يتخللها حبات برد كبيرة، وتيارات من هواء قلعت الأشجار من جذورها فتحولت بعض الشوارع إلى ما يشبه الأنهار لأنّ فوهات التصريف لم تتمكن من استيعاب الكميات الهاطلة، فدب الذعر في القلوب وهم يتوقعون خطراً قادماً من طبيعة غاضبة، تسببت في أخطار مادية كبيرة جداً، وأتلفت جميع البيوت البلاستيكية على امتداد طريق طرطوس. جبلة . بانياس. كما دمرت أبنية محاذية للبحر، وأماكن أقيمت مخالفة لم تترك بينها وبين الشاطئ مسافة أمان، وأضرار أخرى في بعض المنتجعات، أكثرها الدراسات بسبب الانفتاح الواسع على البحر دون حواجز طبيعية، وكان الثلج يتساقط على ارتفاع 500م ما أدى إلى قطع طرق الريف، كل هذا لم يمنع سكان اللاذقية من الخروج والتجمهر على الكورنيش الغربي لرؤية البحر، ترتفع أمواجه وتضرب كل الاتجاهات، وفي هذا العنفوان البحري الهادر استرجعت أجواء روايات الكاتب حنا مينه (الشراع والعاصفة) (الثلج يأتي من النافذة) وما كان قد كتبه عن البحر والعواصف في خمسينيات القرن الماضي، وكانت اللاذقية قد تعرضت في ذلك الزمن لما يشبه ما يحدث الآن لكنها لم تكن لاذقية اليوم بل قرية صغيرة أضرارها قليلة جداً إذا ما قورنت بما هي عليه حالياً، وفي الثمانينات من القرن الماضي أيضاً تعرضت لعاصفة أخف حدة من هذه التي تعبر غير مكترثة بأحد.. رأيت أنغام ورفيقتها سمر تتبادلان الأدوار في التصوير فطلبتا أن أصورهما معاً، والموج المرتفع فوق حدوده جداً خلفهما، وعبّرتا وهما بعمر 28 سنة، أنهما لم تشهدا البحر كما هو الآن، واعتبرتاه رؤية جديدة عليهما وما هذه الصور إلا للاحتفاظ بها من أجل الذكرى وهي حتماً ستكون ضمن تاريخ اللاذقية الذي سيسجل عاصفة صعبة في ظروف صعبة حلت لتضغط على الناس أكثر مما هم فيه من ضغوط، أما الدكتور طارق عبد الله نقيب أطباء أسنان اللاذقية فقد رافق زوجته وولديه وهو البالغ من العمر 48 سنة ولم ير البحر كما هو الآن قال: إنّه شهد أمواجاً لكنها ليست بهذه السرعة والارتفاع وكان الموج يشكل هضاباً متلاحقة بلون أزرق يطفو عليه الزبد الأبيض، وصوته يشبه معزوفة موسيقية متناغمة مع الريح واتجاهاتها المختلفة، هو منظر بديع فعلاً، وبعفوية تامة صرخ الطفل البالغ من العمر 8 سنوات مستغرباً (يا الله أنا ما بعرف البحر هيك) ومعظم أبناء الأجيال الجديدة لا يعرفونه بوجهه الآخر، وتلك العاصفة التي داهمت عامنا الجديد لم تمر منذ سبعين سنة كما يقول من رأيناهم من المسنين مسترجعين أيام شبابهم حين كانوا يصارعون البحر وهم في الصيد، ويواجهون الموج بمهارة السباحين كما عبر السباح القديم (جلال زيدان) الذي نال عدة بطولات عالمية في السباحة، ومهارة السباحين تعني الذين يتقنون لغة البحر في كل أحواله، ويترجمون تدفق الموج وحركاته، ويجيدون التعامل معه، وهم ليسوا كسباحي هذا الزمن، يستعرضون فقط، عام دخل علينا حمل معه خير الثلج والمطر وأمنية تجمع كل السوريين الشرفاء في النصر القريب.