الإصرار ينبت الفرح من الحزن

الإصرار ينبت الفرح من الحزن

الأزمنة

السبت، ٣ يناير ٢٠١٥

زهير جبور
عام آخر يدخل والمؤامرة لم تزل تمتد على سورية وتزداد شراسة. دماً. قتلاً. وصمود شرفاء الوطن يتأجج إصراراً وعزيمة ومنعة دون استكانة ولا خفوت، ومقاومة التخلف، والجهل بما يزود من دعم وسلاح يستهدف العقول المنيرة، التي ترفض أن يشوّه تاريخها المجيد، أو تنال منه أيدي الغدر والمخططات المجردة من أي حس إنساني، والمعروف أنّ السوري المبدع تفوق دائماً بين البشر، وها هم يسطرون بإبائهم وتحديهم وانتصارهم ما شهد عليه العالم كله من قوة إنسان حصّن ذاته بجذر دروعها رافضاً الانكسار، عام آخر بميلاده وليأتي القادم بآمال تتسع بفضائها وخضرتها والمناسبة تجعلنا نتوقف عند محطات عبرت بما فيها من أسف وحزن.
•    ما قبل هذا
إذا عدنا للوراء فسوف نجد بلدة كسب (المصيف العريق والمشهور) كانت في مثل هذه الأوقات تلبس حلة احتفاليتها. تدق أجراس كنائسها. وتنشغل إدارات فنادقها بحجوزات الزوار محولة الميلاد ورأس السنة إلى أيام سياحية دينية، وفيها ما يؤهلها لأن تأخذ دورها هذا في امتياز وخاصة أنّ المغتربين سيحضرون بشوقهم وحبهم وحنينهم لأرض الوطن.
لم يحصل ذلك، والذين عادوا قلائل جداً، وسورية في جرحها، وكسب تعرضت لغزو بربري. حاقد. دمر فيها وخرب. وأحرق ذاك الطوق الأخضر من الصنوبر والسنديان الذي كان يغطي مساحات شاسعة لتتحول إلى أرض محروقة. مفحمة. أبناء كسب الذين غادروها إلى اللاذقية في القتال عادوا بعد تحريرها مباشرة، صغاراً وكباراً، شباناً وفتايات، دون خوف ولا تردد، غرضهم إعادة إعمارها والرجعة إلى حياتهم السابقة قدر المستطاع، متجاوزين حدود الوهم الذي حاول الغزاة زرعه، عددهم اليوم /2000/ وكانوا قد باشروا حالاً في العمل لترتدي كسب ثوب احتفالية الأعياد، المقتصرة على ما يفرح الصغار من طقوس تبعث في نفوسهم السعادة وتخرجهم من هول صدمة العنف التي حلت عليهم وقد سارعت الجهات المختصة لإعادة تأهيل المدارس واستقبال الطلاب مع بداية العام الدراسي.
•    الفرح من الحزن
التقيناهم في كسب. تحدثنا إليهم. عبروا عن أمانيهم. وهم متفقون أنّ الوطن لهم وليس للغزاة، الذين يدخلونه بغرض القتل، ولأنّه لهم فقد عادوا ليعملوا في الزراعة ويعتنوا ببساتين الثمر يعيدونها إلى الإنتاج، وما خسروه يعوض، قال كارو من الحزن يولد الفرح، مقولة حفظها عن حكيم قديم، وهو قد طبقها، ووجد فيها الحقيقة، ولو أنّهم استسلموا لليأس لما رجعوا وتابعوا متخطين الصعوبات ويضيف من حزن سورية سينبت الفرح الآتي حتماً مع الانتصار، وتحضر (مانويل) مع صديقاتها وأصدقائها هدايا بابا نويل لتقدمها ضمن احتفالية طفولية تتضمن المعاني والرموز الوطنية وحب الإنسان لأرضه وكيف عليه حمايتها.
أما جيان فقد وضحت اقتصار الاحتفالية للجانب الطفولي والديني خاصة أنّ الفنادق والمطاعم مغلقة بسبب عدم توافد الزوار، وثمة حوانيت لم تفتح بعد، باستثناء المختصة ببيع المواد الغذائية والخضروات، وهم الآن في انتظار تشغيل الفرن العائد للقطاع العام من أجل توفر مادة الخبز التي يحضرونها من اللاذقية حالياً، وحين سألنا السيد واسكين رئيس مجلس بلدة كسب عن الموضوع وضح أنّه في خلال أقل من شهر سوف يكون الفرن جاهزاً للإنتاج، وكانت أضراره جسيمة وقد تم إصلاحها، ويقول أحد المسنين إنّه لم يخرج من بيته أثناء القتال وبقي مع زوجته والمعارك تدور في محيطهم، وقرارهم أن نموت في البيت ولا نخرج، وبقينا نأكل من الحواضر، وشاهدناهم ينهبون ويسرقون إلى أن دخل الجيش العربي السوري وحرر كسب من حقدهم، وفي كسب دمرت بالكامل أعمدة الطاقة الكهربائية وأسلاكها المغذية، وقامت ورش الكهرباء بإعادتها خلال فترة وجيزة جداً، وتتوفر حالياً الطاقة والتقنين لا يشملها إلا لساعات قليلة، وأعيد إصلاح الطرق التي أعطبت بكاملها وزفتت، وشمل الإصلاح العام موقع السمرة، ويتحدثون عن بطولات حققها الجيش العربي السوري في جبل النسر والسمرة والنبعين وغيرها.
•    حياتهم الآن
تمضي بشكل شبه طبيعي لكنها ليست كسب التي شهدت في سنوات ما قبل الأزمة حركة عمرانية واسعة، والتي استقطبت الزوار من جميع أنحاء العالم والتي كانت تزدهر بصناعة صابون الغار، وقد احترقت نسبة كبيرة من أشجاره، شعارهم الذي يعملون عليه الآن سنعيدها إلى ما كانت عليه، ولن نتوانى عن ذلك، بدأت ورش الأعمال اليدوية الفنية والصوفية عملها، ويأملون أن يكون العام القادم أفضل من السنوات السابقة، وقد خسروا الكثير وبسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بخطوط الهاتف الأرضي فقد واجهت طواقم الإصلاح صعوبات بالغة خاصة أنّ التضاريس لا تمكنهم من إنجاز عملهم سريعاً وكذلك الشتاء القاسي، تغيب عنها الاتصالات الأرضية، لكن رئيس المجلس أعلمنا أنّ العمل مستمر وسوف يتم الانتهاء منه في النصف الأول من الشهر القادم ويذكر أنّ المجتمع المدني يساند عمل الحكومة وهم يتحركون بنشاط وبما يجدونه مناسباً ومطلوباً.
•    الكنائس
من المعروف أنّ كسب تضم مجموعة كنائس قديمة جداً، وتعتبر كنيسة السمرة من الكنائس التي يعود تاريخها إلى المسيحية الأولى، وهي عبارة عن بناء حجري وفيها الجرس القديم جداً الذي كان على بواباتها، وحولها دارت المعارك، وبداخلها ثمة أيقونات ذات بعد تاريخي نهبت، وكان في كسب القديمة 8 كنائس مع مدارسها، ويوجد حالياً كنيسة مريم العذراء والقديس ميكائيل والثالوث المقدس، والقيمة الأثرية لهذه الكنائس كانت في طبيعة الأيقونات بداخلها، وكذلك الأخشاب الثمينة جداً التي تتواجد فيها ولوحات يرجع عمرها إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر وتعرضت الكنائس لوحشية بالغة وسرقات وتدمير وحرق، وكانت الخطوات الأولى التي تمت بعد تحريرها مباشرة إعادة الكنائس إلى ما كانت عليه مع تقدير القيمة التاريخية لخسائرها، ستقام الاحتفالات في الكنائس بعد أن جهزت للاستقبال، وتم تزيينها من قبل الشبان والشابات، الذين أكدوا على أنّهم سيبنون ما خرب فيها وسيحاولون جعله أكثر فنية وإبداعاً، وهم قادرون على ذلك فمن بينهم الرسامون والنحاتون والذين اشتهروا بفن الديكور، وفي كسب نخبة من الصناعيين يشهد العالم بتفوقهم المهني، وهم سيضعون خبراتهم في بلدتهم ليعيدونها كما كانت عليه.
•    عام آخر
سيدخل علينا وسورية الغالية تعيش وحشية من يحاربونها وتواجه العصابات التي تمولها بلدان المؤامرة لكن شعبها الأبي يواجه ويرفض ويبني وما أبناء كسب إلا النموذج لهذا، الشعب الذي سيعيد الإعمار والحياة ويمضي منتصراً، والإصرار ينبت الفرح من الحزن وهذا ما ينبغي أن يكون.