خطوة لا تحد من حجم الخسائر

خطوة لا تحد من حجم الخسائر

الأزمنة

السبت، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤

زهير جبور
تقول كلمات الأغنية المصرية القديمة (ماحلاها عيشة الفلاح.. مطمن قلبو ومرتاح) وفي هذه نظرة رومانسية لحياة الفلاحين الذين لا يطمئن قلبهم إلا حين يحصون غلال الموسم، وبطبيعة الحال العمل في الأرض لا يعني الراحة أبداً، وبناء عليه ليس في حياة الفلاح سوى المشقة والتعب والعمل المتواصل، وهذا هو حال الذين ينتجون الحمضيات على امتداد ساحلنا السوري خلافاً للأغنية وهم يواجهون في كل موسم قلق التصريف ومعاناته، ويخرجون في النهاية خاسرين.. هو الحال دون تبدل ولا تغير، وفي مجلة الأزمنة تمت متابعة سنوية لهذه المشكلة المستعصية، ونوقشت على صفحاتها التي نشرت تصريحات للمسؤولين تضمنت الحلول ونقلت الآراء المختلفة، وها نحن في موسم آخر جديد ولا شيء نفذ من كل ذلك.
•    كان الهدف
عدة أهداف رسمت من خلال معرض الحمضيات الذي أقيم في اللاذقية عام 2013 الماضي... منها تسهيل انسياب المنتج في السوق المحلية والأسواق التصديرية بما يتفق وجودته ومواصفاته وقيمته التنافسية، وهو العمل الذي يتطلب التعاون المشترك مع جميع الجهات المعنية. وزارة الزراعة. اتحاد الفلاحين. وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية. وزارة الصناعة. هيئة تنمية الصادرات. غرفة الزراعة. اتحاد المصدرين. والغرف التجارية والصناعية. وجهات الفرز والتوضيب، وعملياً حين يقام المعرض ينبغي أن يأخذ أبعاده في مجال الإعلان والتصدير واستقطاب المصدرين، ولم يحقق المعرض أغراضه حسب رأي المنتجين، في غياب الشركات أو المستوردين، والدعاية الخارجية الضعيفة جداً، وينبغي أن نضع في حسابنا ونحن نتطرق للموضوع الأزمة المؤسفة التي تعيشها البلاد والتي أثرت على كافة نواحي الحياة، وشملت الحمضيات والزيتون والزراعة بشكل عام، ويظهر أنّ المعالجات الإسعافية لم تتم، ففي العام الماضي تساقط المنتج على الأرض والمعرض المعني لم يساهم في إسعافه، مكتفياً بالعرض الذي افتقر إلى الفنية، ليعتبر نشاطاً إعلامياً لم يثمر أهدافاً حقيقية، وكل ما طالب به المتضررون لم يتحقق منه أي شيء، من إحداث معمل للعصائر إلى معالجة موضوع غلاء مستلزمات الإنتاج التي ارتفعت أسعارها هذا العام، وتراجع خدمات الوحدات الإرشادية في المكافحة المرضية والتوجيه، ولا ينسى مكتب الحمضيات أن يعلن بأنّ التواصل معه سيساهم في زيادة الأرباح، وتحسين جودة الحمضيات وحماية بيئتها، وحين سألنا ميدانياً عن حقيقة هذا التواصل المطلوب وصلتنا ردود ربطت مباشرة بتصريحات المسؤولين عن الحلول ووعدهم، وأنّهم منذ عشرين سنة يواجهون مشكلاتهم متفردين وأجيالهم ورثت التعامل الفطري مع البساتين وأتقنت أساليبها، والمساحة المزروعة في المحافظة للحمضيات 33189 هكتاراً، وعدد الأشجار (10643000) المنتج منها (9738500) والمحصول الرئيسي من شاطئ البحر وحتى ارتفاع 350م من الساحل وحتى منابع السن يعاني من فائض الإنتاج وارتفاع كلفة الإنتاج والتسويق، وهذا ما يؤكد على عدم الاطمئنان ولا الراحة مع ملاحظة أنّ جميع أفراد العائلة يعملون في الأرض من صغيرهم إلى كبيرهم.
•    ماذا جرى؟
زرنا غرفة زراعة اللاذقية وفيها أعلمونا أنّه تم تصدير باخرتين في الأزمة الأخيرة إلى روسيا عبر الخط المباشر من اللاذقية ومرفأ (نوفراسيك) وخلال عشرة أيام يمكن وصول المنتج في حين كان يأخذ في السابق ثلاثين يوماً، ولابد أنّ لهذا الإسراع فوائده الكثيرة، وجاء العمل بجهد مشترك بين مجلس رجال الأعمال. اتحاد المصدرين. جمعية (سابيا) للصادرات الزراعية، والمصدر بمعدل (1500) طن، وتتوقع الغرفة تصاعداً في النسبة بعد أعياد الميلاد ورأس السنة لتصل كل عشرة أيام شحنة بوزن (1000) طن، حسب المواصفات المطلوبة، وما ترغب به الجهة المستوردة، وثمة تصدير إلى العراق الشقيق دون كميات معلومة بسبب مشكلة النقل الذي تتحكم به طبيعة الحرب الدائرة مع العصابات المسلحة الإرهابية والأجور الباهظة جداً التي تفرض، أما في السوق المحلية فإنّ المنتج يخضع أيضاً للأجور المرتفعة خاصة مع فقدان مادتي المازوت والبنزين، وحدّثني أحدهم أنّه قرر المغامرة بما تبقى في (تركتوره) من مازوت فحمل الصناديق إلى سوق الهال في اللاذقية ولم يتمكن من تصريفها أمام الأسعار المتدنية جداً ووفرة المادة في السوق، وفرض تجار الجملة للسعر الذي يريدونه بحجة النقل وغلاء الوقود، وغيرها مما يحتج به التجار، وهم يتحكمون بكل منتج زراعي، من الحمضيات إلى الزيتون والعطون والزيت وصولاً إلى باقة البقدونس وبيض الدجاج، عاد الرجل في خسارتين عدم تصريف المحمول وكمية المازوت التي وفرها للحالات الطارئة، وهذه المادة التي تباع في أدنى سعر ممكن لتجار الجملة تصل إلى دمشق كما علمنا لتباع بأسعار مرتفعة، وحين يتم عرضها بالسعر المفرق تصل إلى /300/ ل.س للكيلو الواحد، حسب المكان الذي تعرض فيه، ووجودها في أبي رمانة يختلف عن المزة، وهذا ما يجعل المواطن هو الضحية بكل الأحوال، وثمرة التعب والجهد يقطفها تجار الجملة.
إنتاجنا هذا العام من الحمضيات وصل إلى مليون طن وكان في العام الماضي أكبر من هذا الرقم لكن الانحباس المطري الذي اجتاح البلاد والجفاف الذي مر في الشتاء الماضي أثر بشكل مباشر على الإنتاج وكذلك على الزيتون والزيت الذي وصل سعر التنكة الواحدة منه إلى مبلغ /20000/ ل.س وهذا من غير المعقول ولكنه حصل، ووصل نوع (الكارمنتينا) بالجملة إلى 35 ل.س ووسطياً سعر بقية الأصناف 25 ل.س، وإذا ما قورن السعر بالصنف والحرص والقطاف والمواد اللازمة للإنتاج وسعر الصندوق وطبيعة استجرار البضاعة فسنجد المنتج في خسارة، وثمة أصناف لا تبقى طويلاً على شجرتها فتسقط تلقائياً وتتلف، والمطلوب للتصدير يخضع لفحص دقيق جداً من المستورد الذي يحدد شروطه ومواصفات البضاعة المطلوبة.
•    خطوة أولى
معلومات غرفة الزراعة لا بأس بها كخطوة أولى تحتاج لخطوات أوسع، ولا تقتصر عليها فقط، وهذا ما يتطلب إعادة النظر في موضوع مراقبة كميات الإنتاج للمواسم القادمة، وإنقاذ ما يمكن، وهم يجدون أنّ معمل العصائر الطبيعية الذي وعدوا بإنشائه منذ سنوات طويلة قد يساهم ببعض الإنقاذ خاصة للأصناف التي لا تستمر طويلاً وزمنها الاستهلاكي محدد، وهم أيضاً يجدون في غياب بعض الأسواق المحلية حالياً بسبب سخونتها خسارة كبيرة.
مرة أخرى مع الحمضيات وما لها من تأثير على حياة أبناء الساحل السوري وهي تعتبر لمجموعة لا بأس بها المصدر الرئيس لدخلهم وينبغي أن نوضح هنا أنّ المحافظة خسرت مواسمها السياحية، والزيتون، والخضار، والاعتماد الحالي لمعظم السكان على مرتب الوظيفة الذي يواجه حالة هستيريا الغلاء. المحافظة فقيرة وغير منتجة حالياً وكلها بسبب الظروف الراهنة، ومن فيها يقدّرون ذلك بشعور وطني كبير ويتحملون بصبر منتظرين الأمل في الانتصار الذي سيعيد حياتهم إلى ما كانت عليه.