رمزية آرمة رحلت من مكانها

رمزية آرمة رحلت من مكانها

الأزمنة

الاثنين، ١٥ ديسمبر ٢٠١٤

زهير جبور
المخططات التي نفذت في توسيع مدينة اللاذقية احتاجت للكثير من الدقة وتوقعات المستقبل من زيادة السكان إلى الأسواق والحدائق. وبعد مرور الزمن عليها يمكن تصنيفها على أنّها جاءت ارتجالية, فغيبت عنها خدمات الحداثة لتظهر عيوبها, وحين تم توسيع المرفأ على حساب الجمالية حيث طمس الإطلالة البحرية, بدأت تنتشر أبنية لا تحمل فنية هندسية مبتعدة عن الطبيعة البحرية, وغير منسجمة معها ولا مع الحالة السياحية التي كانت مطلوبة. فارتفعت كتل الاسمنت. نجدها اليوم على طريق الشاطئ في ما سمي (الشريط الأخضر) وهو الآن ليس بالأخضر ولا الأزرق، والملفت عدم الاهتمام بالحدائق التي لم تلحظ في أبنية الاتحاد التعاوني السكني ومخططات التنظيم. التي درست في نهاية القرن الماضي ثم جمدت. وعاشت مرة أخرى لتجمد مجدداً. وهل ما حصل بسبب سوء الفهم أو النية الحسنة؟. وبكل الأحوال هي أخطاء تبرز فاقعة في المشاريع العمرانية وأحياء التوسع والكورنيش الغربي الذي حل كبديل عن القديم بعد أن نسفه المرفأ.
•    الآرمة التي رحلت:
بداية ثمانينات القرن الماضي أقيمت حديقة للأطفال في نهاية حي السجن, قبل نقطة تفرع الرمل الشمالي إلى طريق الشاطئ الأزرق مقابل سور المرفأ الحديدي. وأكاديمية العلوم. وفي ذلك الوقت كنا بحاجة لصناعة الألعاب الطفولية التي توفرت فيما بعد, فوضعت بداخلها أرجوحة. زحليقة. مقاعد خشبية. وكانت مكشوفة, وفيها بعض الأشجار القليلة، قبل أنّ يتم افتتاحها رحل الكاتب اللاذقاني (عبد الله عيد) وهو من الجيل الذي ساهم بتأسيس مدرسة الحداثة في القصة السورية مع زكريا تامر. عادل أبو شنب. جورج سالم. وليد إخلاصي. واهتم بأدب الأطفال الذي لقي حينذاك إقبالاً تربوياً بغرض دفع الأطفال للتحفز والاستكشاف, وظهرت مجلة أسامة التي اختصت بهذا الجانب. وترأست تحريرها الراحلة دلال حاتم. حرصنا نحن الذين كنا نشق طريقنا في الأدب أن نطلق على الحديقة اسم (عبد الله عبد) وتمكنا من ذلك بموافقة البلدية التي تقع على مسؤوليتها تسمية الحدائق, والشوارع, والمدارس, ورفعت الآرمة فوق المدخل, بعد وقت أغلقت الحديقة, ومن بعدها سقطت الآرمة المعدنية الطويلة حاملة الاسم على الأرض. وإنقاذاً لسمعة أدب الأطفال وإكراماً لروح الراحل, ومن أجل قيمة الفكر, طالبنا مراراً في رفعها, لنفاجأ أنّها رحلت إلى مكب في منطقة (البصة) حيث التجمع المرعب للقمامة على شاطئ هو الأجمل متفوقاً على شاطئ البسيط.. ومن المعروف أنّ المدن تتفاخر بأسماء مفكريها. كتابها. مخترعيها. ويتسارعون لإبراز رموزهم الإبداعية.
•    مقارنة بين هذه وتلك
نريد أن نوضح هنا أنّه لا توجد في اللاذقية حديقة مطلة على البحر, فهل يصدق هذا؟ والوحيدة التي كانت (البطرنة) على الكورنيش القديم أبعدها التوسع عنه بجدار إسمنتي تم الحجب فيما بينهما, ومقارنة بمدينة طرطوس فها هي حديقة ممتدة على الكورنيش. فسيحة. منظمة. رئة للمدينة ومتنفساً لها. يؤمها الزوار صيفاً بالآلاف. يشاهدون البحر وأمامهم جزيرة أرواد وبداخلها ما يخص الكبار للراحة والصغار للعب والمتعة.
لا تتجاوز حدائق الأطفال في اللاذقية العشر, وبكاملها لا تحمل المعنى الحقيقي. وهي تتحول إلى مستنقع حين تهطل الأمطار، وأرضها طينية، ولا وجود للغطاء المناسب في أي واحدة منها. ومساحاتها ضيقة جداً. وعند علمي لم يتفقدها أي مسؤول, ولم أسمع أنّهم قاموا بزيارة إلى حديقة قبل الأحداث وبعدها. وكان من الممكن إنشاء حديقة متطورة مطلة على البحر في الكورنيش الغربي تجمع الكبار والصغار, لم يحصل ذلك. وللكورنيش سردية تطول, حيث تعرقل إنجازه منذ عشرين سنة, وتحول إلى كتل من باطون صماء. ولم تستغل إطلالته البديعة التي شوهت واجهتها. ومن المكان المذكور وحتى فندق اللاذقية السياحي - (المرديان) سابقاً- وعلى امتداد 15كم سيج البحر بسور من حديد, ونعود للمقارنة فثمة حديقة الباسل في طرطوس المواجهة لمبنى المحافظة بمساحة تشغلها وصولاً إلى دوار المشبكة وسط المدينة, ولابد أنّ عقل المبدع الذي خططها كان يريدها تحفة فنية يحق التفاخر بها وأبناء طرطوس يرافقون زوارهم إليها وهي معلم سياحي هام. اجتهدوا في اللاذقية لإقامة حديقة سموها (العروبة) محاصرة بين حي (المارتقلا) ومبنى المحافظة. مساحتها ضيقة. المميز فيها البناء الخشبي الذي منحها جمالية خاصة. لكنها أيضاً افتقرت إلى لمسات فنية لم تهملها حديقة طرطوس.
•    ما هو رأيهم؟
أثناء تنقلنا بين حدائق الأطفال في أحياء الصليبة. الزراعة. بداية قنينص. والمشروع السابع. استمعنا إلى آراء من اصطحبوا أولادهم, وهم من روادها تلبية لرغبة الأبناء الصغار, فوجدوا أنّها تحتاج لإعادة صيانة وأنّ غالبية الألعاب ليست جاهزة بكامل صلاحيتها وقد مر عليها زمن دون عناية. قالوا إنّ حديقة الطلائع خلف دار الثقافة معقولة أكثر, لكنها مستثمرة من قبل متعهد رفع التسعيرة مؤخراً, وثمن البطاقة لأية لعبة عشرون ليرة سورية ومن لديه أطفال لا يمكنه أن يصطحبهم, وكذلك البانوراما المستثمرة أيضاً في وسط حديقة عامة.
وعليه فهم مجبرون لتمشية الحال في الحدائق المجانية, وطالبوا بضرورة الاعتناء بها, وتنظيم الدخول إليها, وخاصة أنّها تزدحم وثمة من يبيعون القهوة, والفطائر, ويقدمون النراجيل ومن يتحرشون بالنساء بشكل وقح. وتجمع ما هب ودب. وتبقى المسألة خاضعة لحرص الأسرة, وضبط الأولاد, وتجنبها الأكلات المكشوفة.
•    أين وصلنا؟
سعينا فيما مضى لصنع مقومات بناء الإنسان, ولابد أنّ الطفولة هي الأساس. وأنفقنا المال الكثير بغية تحقيق الهدف. لكنه لم يكن كما أريد له, وبصراحة ربما نكون قد وصلنا في جانب وأخفقنا في جوانب عديدة, والآن ونحن نواجه حرباً تستهدفنا في الوطن, والإنسان. فمن المفترض أن نعمل جميعنا على صياغة برنامج إنسان سورية الجديد, اعتماداً على علم المستقبليات. أن نبدأ بمعالجة الأخطاء التي أوقعنا بها الفساد والجهل وعدم الإتقان. وأن نسارع للتخطيط من أجل القادم. مستفيدين من الدرس القاسي الفريد من نوعه الذي تلقيناه. فهل سنفعل؟ ولا يجوز إلا أن نكون مستبشرين بالغد. هكذا تحكم الواقعية.