" الأزمنة " تفتح ملف:إصلاح القضاء.. إعداد: حسان المنيّر

" الأزمنة " تفتح ملف:إصلاح القضاء.. إعداد: حسان المنيّر

الأزمنة

الثلاثاء، ٢ ديسمبر ٢٠١٤

الحلقة الأولى
 ما دام الشعور بالغبن والظلم واليأس من استعادة الحق مستمراً، فإنّ حاضناً رئيسياً للإرهاب سيظل متجذراً في بنية المجتمع، وبالطبع هناك أكثر من حاضن رئيس ستتم معالجته تباعاً على صفحاتنا، ومن ذلك مناهج التعليم وتغيير الخطاب الديني..الخ، ولكننا رأينا ضرورة البدء بفتح ملف إصلاح القضاء لأهميته القصوى، داعين جميع الفعاليات إلى المشاركة فيه بإبداء الرأي عبر هذه المجلة، وكذلك عبر موقعنا الإلكتروني. ولابد من الإشارة هنا إلى أنّ عملية إصلاح القضاء لا تتم بين ليلة وضحاها ولا خلال شهر أو شهرين، بل تتطلب أكثر من عام (لو بدأنا اليوم بالخطوة الأولى).
الديمقراطية ليست صناديق اقتراع وحسب وليست وجبة جاهزة ولا وصفة طبية يمكن صرفها من صيدلية، بل هي ثقافة يجب أن تتكرس في التقاليد الشعبية عبر عقدين أو ثلاثة من زماننا. وأرجو أن لا يتحدث أحد عن الديمقراطية قبل إعادة بناء القضاء، فعندما يكون بإمكان المرء أن يستعيد حقه من خصمه، - حتى لو كان هذا الخصم من كبار المسؤولين – بسرعة ونزاهة وشفافية، عندها تكون أقدامنا على أول الطريق الصحيحة..
المواطن ليس ساذجاً أو حالماً ليتخيل ولو للحظة واحدة وجود قضاء مستقل تماماً عن آليات القهر والظلم وعموماً تشتد صور ارتباط القضاء بالسلطة التنفيذية كلما اشتد الرفض لتلك السلطة ما دامت تحافظ على أوضاع اجتماعية وطبقية ظالمة. إنّ ما نشهده في سورية الآن من تدني لحال القضاء هو نتاج مزج بين حالتين. الأولى هي نشوء حالة مهددة للنظام الطبقي المسيطر، والثانية هي مجمل وضع القضاء في سورية بعد عقود من سيطرة النخب البيروقراطية على مواقع السلطة والثروة وحاجتها لتأمين علاقتها الفاسدة برأس المال، في مسعى لامتلاك المصادر والثروات. مما استدعي أمرين، الأول هو تحييد وتأمين جانب القضاء تمهيداً لجعله في النهاية طرفاً مستفيداً "مادياً" و"اجتماعياً" و "بيروقراطياً" عبر سلسلة من القوانين والمكاسب المادية والعينية "مكافآت وأراض وتسهيلات" وتعيينات في مناصب كبيرة، ثم خلق حالة النخبة المميزة التي لا تخضع للقوانين التي تسري على العامة،،وتنزيهها عن الخطأ.
هذا ما تم إنجازه خلال عشرات السنين. هناك عامل آخر مهم في التأثير على وضع القضاء يتمثل في مناخ التدني العام في التوجه السياسي للطبقة الوسطى، التي عبرت عن إفلاسها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بعجزها الواضح عن طرح برنامج للخروج من أزمة هي السبب في وجودها. وقبولها بالتبعية وتدني خطابها الإعلامي إلى مستويات لم تشهد سورية له مثيلاً في أسوأ لحظات تاريخها الحديث. والقضاء بالطبع، بوصفه جزءاً محورياً من التركيبة كان له النصيب الأكبر. ولا ننكر أن لقضاء سورية في تاريخه القريب مواقف لا تنسى، في اعتزازه باستقلاله وترفعه ومواقفه الرافضة لتدخل السلطة التنفيذية! لكن ذلك أصبح، للأسف، تاريخاً مجيداً ماضياً.
لا يمكن للمجتمع المدني، وأقصد هنا المجتمع المدني بالمفهوم الحقيقي وليس مجموعة المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان وما شابه، ويشمل كافة أوجه وجود المجتمع باستثناء أجهزة الدولة من شرطة وجيش وأجهزة بيروقراطية وأمنية ومؤسسات دينية وقضاء، لا يمكن لهذا المجتمع أن يمارس وجوده الحر بالمفهوم الليبرالي من دون وجود قضاء نزيه سريع عادل وله درجة كافية من الاستقلال عن السلطة التنفيذية، وله استقلاله المادي (المعاشي).
يظل العامل الحاسم في قوة أي من الحقوق أو المكاسب الديمقراطية هو الوجود القوي للرأي العام، أي بمعنى آخر قوة مؤسسات المجتمع المدني من صحافة وأحزاب ومؤسسات. وفي سعينا كقوى مدنية للحد من هيمنة السلطة التنفيذية بأجهزتها الإعلامية والأمنية والبيروقراطية، فإنه لابد لنا من السعي لإصلاح القضاء.
 هناك ثوابت أساسية في ذلك التوجه أعتقد أنها تشكل الأساس الذي يعيد للقضاء استقلاله:
1- لا يصح أن يترأس الهيئة القضائية وزير أو حتى مسؤول سياسي.
2- منع تعيين أي قاضٍ في وظيفة حكومية إلا بعد تقاعده بفترة لا تقل عن ثلاث سنوات على الأقل لإيقاف أسلوب رشوة القضاة المرضي عنهم بالمناصب الكبيرة.
3- منع ورفض قيام وزير العدل من التدخل أو صرف منح أو بدلات أو مكافآت لأي من القضاة تحت أي مسمى كان واعتبار ذلك محاولة صريحة للرشوة.
4- اعتبار جهاز النيابة العامة جهازاً مستقلاً عن وزارة العدل ويخضع لسلطة النائب العام وحده دون وزير العدل.
5- انتخاب النائب العام من أحد أفراد الهيئة القضائية، ولا يحق لأي كان الاعتراض على ترشيح الهيئة. مع التجديد أو التغيير كل فترة زمنية.
6- اعتماد نظام قاضي التحقيق، ومنع سلطة التحقيق عن النيابة العامة.
7- قصر صفة القضاء على قضاة المنصة ومنع تلك الصفة عن النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة باعتبارها إحدى إدارات وزارة العدل. أي من أجهزة السلطة التنفيذية.
8- منع العاملين السابقين في وزارة الداخلية من العمل بسلك القضاء. وإحالة القضاة الحاليين ممن كانوا ضباطاً للشرطة للعودة للعمل بجهة عملهم الأصلي في وزارة الداخلية.
9- تعزيز المبدأ الدستوري الأصلي في حق المواطن في الوقوف أمام قاضيه الطبيعي.
10- إلغاء وتجريم مبدأ المحاكمات العسكرية واعتبار هذا المبدأ حجر الزاوية في سبيل تحقيق الحريات الديمقراطية وتأكيد دور واستقلال القضاء.
11- تجريم تعمد اختيار قاض معين لقضية معينة واعتباره نية قصدية للتأثير على الحكم الذي سيصدر في هذه القضية، واعتماد نظام الحركة الدورية لتوزيع القضايا على القضاة من خلال جمعيتهم العامة لكل مستوى.
12- منع تدخل الجهات الأمنية المختلفة في التحقيقات مع المتهمين، وقصر سلطة التحقيق على الهيئة القضائية.
13- تشديد وتغليظ العقوبة على الفاسدين من القضاة (بعد إنصافهم معاشياً على الوجه الأمثل).
14- إعادة الحصانة الدستورية لأعضاء مجلس الدولة، ومنع انتدابهم للعمل بأي من جهات الإدارات الحكومية.
15- منح المواطن حق التقاضي المباشر ضد أي من أجهزة الدولة أو أحد أفرادها المعينين، حين يحدث له ضرر من إحدى تلك الأجهزة أو الأفراد. وجعله حقاً مطلقاً لا يقيد بقرار من سلطة إدارية.
16- منع التمييز بين القضاة ذوي الأقدمية والدرجة الواحدة في العائد المادي.
17- إخضاع كافة الجهات ومؤسسات الدولة دون استثناء لسلطة القضاء.
18- منع التفتيش والقبض وتجميع الأدلة من دون وجود ممثل للنيابة العامة لمنع دس الاحراز وتزوير القضايا.
  لم يحدث أن استطاعت القوى الوطنية الحصول على كل أو حتى نصف تلك الحقوق مرة واحدة بالطبع، ولكنه طريق لابد من السير فيه ومطالب لابد من تحقيقها، وهي قابلة للتحقق ولابد منها إذا أردنا قضاء يحمل قدراً معقولاً من النزاهة والحياد نعم، لابد من إصلاح المنظومة القضائية، وذلك بصفة تشاركية ومن دون إقصاء، وعبر الانفتاح على كل الكفاءات والاقتراحات، بما يضمن استمرار العمل في المحاكم، واستعادة ثقة الجميع في الجهاز القضائي وفي أداء القائمين عليه.
ونؤكّد بأنّ مشروع الإصلاح العميق والشامل ومتعدد الأبعاد، بقدر ما يتطلب تخطيطاً يستهدف تطوير القوانين وإعلاء مكانة السلطة القضائية وتغيير الأوضاع المادية والمعنوية لكل العاملين في المرفق، بقدر ما يحتاج إلى مساءلة المشتبه في ارتكابهم لتجاوزات أخلت بشرف المهنة ونالت من ثقة الناس فيها. وهو ما يفرض إبعاد كل من تسبب في خدمة الفساد والاستبداد الذي تفرضه أبسط شروط الواجب توفرها في القاضي.
والإصلاحات يفترض أن يتم الشروع بها بالتعاون مع مكونات المجتمع المدني والمنظمات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتنمية. وفي هذا الإطار أشير إلى ما يلي:
1-إنّ كل المشاريع المعروضة أو التي ستعرض تباعاً ولاحقاً تستحق كل الاحترام وإنّ المصلحة تقتضي تعميق الحوار حولها والتوصّل إلى توافقات تخلق تياراً ضاغطاً للبت في الموضوع لربح الوقت حتى يتمّ إقرار هيئة مؤقتة للإصلاح القضائي في أقرب وقت لحاجة البلاد لها.
2- لابد من تكوين لجنة للنظر في سبل تطوير أوضاع المحامين.
3-سنتبنى لاحقاً الدعوة إلى ندوة حول إصلاح المنظومة القضائية تنظمها وزارة العدل بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية حقوق الإنسان.
ويتم خلالها تقديم نتائج الحوار الوطني. وذلك باتباع مقاربة تشاركية تجمع بين المناهج الكمية والكيفية في جمع وتحليل المعطيات ويتم ذلك باجتياز 3 مراحل:
المرحلة الأولى، وهي مستقاة من التجربة التونسية التي أثبتت نجاحاً كبيراً، وتقتضي جمع آراء مختلف ممثلي القضاء وذلك بعد انعقاد مؤتمرات على امتداد التراب الوطني السوري بهدف إجراء تشخيص أولي لوضعية المنظومة القضائية في سورية. ويتم على هامش كل من هذه المؤتمرات، تنظيم ورشات تفكير مع مجموعات من القضاة، والمحامين، وكتبة المحاكم وموظفي وزارة العدل، والخبراء العدليين وسائر المهن القضائية، فيما تخصص ورشتان لرصد آراء ممثلين عن منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والباحثين الجامعيين.
والمرحلة الثانية هي مرحلة نوعية وتتم عن طريق عقد مقابلات معمقة وحلقات تركيز مع ممثلي القضاء ومعهد القضاة ونقابة المحامين وممثلي وسائل الإعلام. وستمكن هذه الأنشطة من تعميق التفكير حول العناصر البارزة خلال ورشات المرحلة الأولى.
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة كمية وتتضمن عمليات استجواب لمهنيي القضاء والمواطنين حول المشكلات واقتراحات الإصلاح التي تظهرها المرحلتان السابقتان في هذا الإطار، ويمكن أن يتم عبر الهاتف استجواب خبراء قضائيين ومحامين، كما يتم استجواب مباشر لعينة ممثلة مكونة من ألف شخص من المواطنين.
ويتم تأليف الآراء والمقترحات التي يتم رصدها وفق ستة محاور، وهي صورة المنظومة القضائية، واستقلالية ونزاهة القضاء، والنفاذ إلى القضاء، وسير الخدمات القضائية، وـسير خدمات السجون، وأخلاقيات المهنة والوقاية من الفساد. ويتم تجميع النتائج في دراسة ستؤدي إلى صياغة رؤية تشاركية وشاملة لإصلاح القضاء ويمكن اعتمادها كوثيقة مرجعية لكل الأطراف المعنية ولكل شريك من شأنه أن يدعم تطور المنظومة القضائية خلال السنوات المقبلة.
 لقد أبرزت استشارات وعملية سبر لآراء المواطنين في هذا الإطار، وبصفة واضحة اهتزاز صورة القضاء لدى المواطنين السوريين وهي ترجمة لنقص الثقة وانعدام الاطمئنان تجاه الجهاز القضائي في مجموعه. وهذه الوضعية تبين ضرورة الإسراع في إنجاز إصلاح عميق وشامل للمنظومة القضائية، كما أسلفنا، بهدف إعادة إنشاء رابط الثقة بين المواطنين والجهاز القضائي وتعزيز الاستقلالية وفعالية القضاء هي أيضاً مرحلة ضرورية لنجاح الانتقال السياسي الذي يجب أن يسمح لسورية بوضع مؤسسات ضامنة للحقوق والحريات الفردية والمحترمة لدولة القانون.
كما أنّ الإصلاح من شأنه أن يلعب دوراً أساسياً في سير العدالة الانتقالية مع ضمان قيام ملاحقات ضد القائمين بأعمال خرق وقعت في السابق وضمان عدم وجود هذه الخروقات في المستقبل.

(فعاليات الملف تتوالى في الأعداد المقبلة)