الشباب والعمل الجماعي .. بلدة القطيلبية أنموذجاً

الشباب والعمل الجماعي .. بلدة القطيلبية أنموذجاً

الأزمنة

الاثنين، ١ ديسمبر ٢٠١٤

زهير جبور
حين يتواجد الشباب في أي مكان، فهم دون شك سوف يصنعون حركة تخرج الحياة من جمودها. لأنهم إذا تحملوا مسؤوليتهم كما ينبغي وأدركوا ماذا عليهم أن يعملوا فسوف يقدمون لوطنهم ومجتمعهم مبادراتهم الواعية المدروسة وهي ما نحتاجه في وقتنا الحاضر. والبلاد تواجه حرباً عكست خرابها, ودمارها، واستهدفت الإنسان السوري المجيد الذي ميز عن سواه, متكاملاً في العطاء، والفكر, والحس الإنساني. ولهذا أريد النيل منه, فالعالم اليوم يتقدمه الأشرار طمساً لأي تاريخ منير.
•    الشباب والمبادرة:
وصلتني دعوة لزيارة بلدة القطيلبية في ريف جبلة وتبعد عنها في اتجاه جنوب شرق 13 كم وهي بداية الارتقاء نحو سلسلة الجبال الساحلية. وصولاً إلى إطلالة سهل الغاب. ويبلغ عدد سكانها25 ألف نسمة. هناك أنتجت جهود الشبان والشابات ما أطلقوا عليه (جمعية القطيلبية الثقافية) وهو نشاط مدني تمت التحضيرات له عبر الوسائل القانونية، مرخص بشكل رسمي من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. وهي الجمعية الثقافية الأولى من نوعها في ريف اللاذقية وأشرف على قيامها الشبان سليمان محرز, مضر الخطيب, عدي الخطيب، آصف حسن, حسين عيد, سارة علي حبيب, وغيرهم ممن أبدوا حماسة لهذا العمل. الذي سيكون مكملاً لعمل المنظمات الشعبية المتواجدة. وبهدف تحريك المجتمع المدني ضمن أسس ونظام داخلي درس من قبل الجهة المانحة للموافقة، وشجع من جميع أبناء البلدة بمختلف أعمارهم. وهو إنجاز ثقافي كانوا السباقين إليه ومن جملة أهدافهم الإشراف على حياة أبناء البلدة. ومساعدة المحتاج وتقديم الخدمات الممكنة. ومؤازرة الجهات الحكومية في تنظيم عملها، من الإشراف على توزيع جرار الغاز حتى معالجة القضايا التي يمكن أن تظهر في ظرفنا هذا, عرفت بلدة القطيلبية بثقافة أبنائها ونشاطاتهم الفكرية وحبهم للزوار واستضافة وجوه أدبية وسياسية ومنذ بداية القرن الماضي أنشئت فيها مدرسة خاصة وكذلك المكتبات المنزلية ولا يكاد يخلو بيت منها.
•    لمحة تاريخية:
قبل الدخول في طبيعة عمل الجمعية وأهدافها لنلقي بعض الضوء على تاريخ القطيلبية.. ثمة إشارة إلى أنّ الاسم يعود لشجر القطلب المعروف في المنطقة والذي يتفرد جذعه بلونه الأحمر وأوراقه بخضرة فاقعة، وثمره أقرب إلى حب الزعرور بلونه الأحمر، ويحتوي على نسبة عالية من السكر ويوصف لأمراض الأمعاء والمغص والبلعوم، وهناك من يفسرها على أنها تسمية آرامية مؤلفة من ثلاثة مقاطع (قطي) (لبي) (يهوى) القطي تعني قطرة الندى، واللبي أول طعام يتناوله الطفل بعد الولادة، ويهوى إله المطر. وحين تجمع المقاطع فذلك يترجم آرامياً (ربة المطر) وفي الحالتين التسمية صحيحة لأن المطر غزير وأشجار القطلب كثيفة في الوديان وخاصة وادي بيت الحجل، وتعود التسمية لسبب وجود الحجل بداخله، وبالمناسبة فإن موقع اللوديقية يطل عليه وهو قصر كان ملك (لاوديكيا) اللاذقية قد أهداه لابنته ومازالت بقايا الحجارة حتى الآن. وفيها أيضاً معاصر زيتون حجرية تعود للزمن الفينيقي والآرامي، والباطوس موجود في عدة مواقع بالقرب من البلدة باتجاه جبلة وفي إحداها يشاهد المجرى الصخري الذي ينقل الزيت من تحت الباطوس إلى مكان تخزينه وتهيئته للتصدير عبر السفن الفينيقية التي اشتهرت في زمنها، والمستغرب أن زيت المنطقة عرف منذ القدم حيث تزايد أشجار الزيتون وأعد للتصدير وفي وقتنا الحاضر نعاني من قلة زيت الزيتون وارتفاع أسعاره، فهل نعود للفينيقيين لنسألهم كيف حافظوا على تلك الثروة أم لإستراتيجية وزارة الزراعة التي أهملتها خلال سنوات طويلة ولم تبد أي اهتمام بها ووصل كيلو غرام الزيت إلى 1500 ليرة سورية معادلاً سعر الذهب إذا ما قورن بالنقطة. وفي وادي الحجل ينابيع ماء متدفقة. عذبة.كانت تغطي حاجة السكان من مياه الشرب إلى جانب كهوف تعود للإنسان القديم وقائمة حتى الآن يحافظ عليها أبناء القطيلبية، وفي حال استثمارها سياحياً فإنها ذات قيمة تاريخية وهذا لم يحصل والدراسات الأثرية لم تأخذ دورها لإبرازها. واكتفت فقط بتل سوكاس القريب جداً حيث ظهرت أدوات الإنسان القديم وكان مملكة تتبع أوغاريت وعرفت البلدة بصناعة صمد الحراثة وكنا قد التقينا سابقاً في مجلة الأزمنة مع الجد الذي ورث المهنة من أجداده وورثها فيما بعد لأحفاده وكان إنتاجهم يغطي الحاجة من ريف حمص حتى اللاذقية.
•    أهداف الجمعية:
يقول الأستاذ سليمان محرز وهو يرافقنا مع مجموعة شبان ونحن نتجول في البلدة بعد أن تم افتتاح الجمعية أن الهدف الأول لها هو الاهتمام بالثقافة العامة الشاملة، وقد خصصوا قاعة للمطالعة وزودوها بالكتب والغاية هي جذب الأطفال والشباب والنساء وحثهم على المطالعة وبسبب تعاون الأهالي فإن المبادرة حظيت بالإعجاب والرواد بدؤوا بالتوافد قبل الإعلان الرسمي عن الافتتاح وهو ما يؤكد نجاحها وهذا التعاون فيما بينهم انعكس على المواهب الطفولية والميول الفردية للأطفال والكبار، وتابع محرز أن السيد جمال خضور المربي المعروف والذي خرّج أجيالاً من المثقفين في اللاذقية قد تبرع بكامل مكتبته التي أنشأها منذ 50 سنة لصالح الجمعية، وأما الأستاذ عادل عيد فاختار الكثير من عناوين الكتب من مكتبته المنزلية وقدمها، وعلمنا من السيدة مناة الخير رئيس فرع اتحاد الكتاب أنهم سيقدمون مجموعة منتقاة من منشورات الاتحاد تشجيعاً لهذا العمل الذي تميز به شبان القطيلبية، ومن الأهداف الأخرى الإشراف على النشاط الاجتماعي بكامل جوانبه التربوية والرياضية والإبداعية وتطبيق النظام وضبط الشؤون العامة وهي جمعية للجميع وليست لأشخاص وهو ما يجعلها المكمل العملي لما تقوم به المؤسسات الحكومية الأخرى وسيتم بالتنسيق والتعاون المشترك.
•    الخطوة الأولى
هي خطوة أولى كما وصلني من الشباب وطموحهم المستقبلي أن يحصلوا على آلة عرض سينمائي وفي وقت قريب لأن السينما الجماعية انعدم حضورها حتى في المدن الكبيرة وهم سيعملون على إحيائها في بلدتهم وإنشاء الملاعب الرياضية وعرض المسرحيات واستضافة الشخصيات الأدبية وما يخدم تطور البلدة.
مبادرة رائعة قام بها شبان وشابات القطيلبية. فهل ثمة من حراك اجتماعي سوف نسمع به في وقت قريب داخل بلدات كثيرة ينبغي أن تربط بين حضورها وشبانها وثقافتها وتاريخها ونحن اليوم في مواجهة قاسية تتطلب منا الثقافة والوعي والمحافظة على القيم المشتركة وحمايتها من الانهيار والمخطط لها من الأعداء الذي تتطلب مواجهتهم زج كل الطاقات والإمكانيات والتعاون التام وتحمل المسؤولية الوطنية بما تعنيه.