غلاء العقارات..غياب التنظيم أحد الأسباب وتجار يحلّلون الأرقام المرتفعة والخيالية للأسعار..!!

غلاء العقارات..غياب التنظيم أحد الأسباب وتجار يحلّلون الأرقام المرتفعة والخيالية للأسعار..!!

الأزمنة

الاثنين، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٤

السويداء- فريال أبو فخر firyaaf14@gmail.com
مشكلة أخرى تُضاف إلى المشكلات الكثيرة التي يعاني منها المواطنون منذ بدء الأزمة التي دخلت عامها الرابع، وهي عدم إيجاد حل لمشكلاتهم هذه بعد أن جُندت أقلامنا لإلقاء الضوء على هذه المشكلات والصعوبات ولكن لا حلول!! ولعل مشكلة الإيجارات المرتفعة في ظل غياب التشريعات والضوابط القانونية واحدة من أهم هذه المشكلات والهم الأكبر لدى أهالي محافظة السويداء بالإضافة للمهجرين الوافدين من مختلف المناطق الساخنة، حيث أصبح البحث عن شقة للإيجار- بالرغم من سعرها الخيالي- كالذي يبحث عن إبرة في كومة قش بعد أن شهدت أسعار الإيجارات ارتفاعاً متلاحقاً ومتسارعاً حتى وصلت نسبة زيادة أسعار إيجار الشقق إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف منذ بدء الأزمة وحتى الآن.
الغلاء المستشري جعل الكثيرين يبحثون عن وسيلة دخل إضافية..
وتكثر الأحاديث الآن وضمن المجتمع المحلي عن انحطاط أخلاقيات بعض المواطنين الذين تجاوزوا حدود المنطق في طلبهم للإيجارات المرتفعة والخيالية لبيوت وغرف لا تصلح بالكاد للعيش فيها، مع إخلاء ساكنيها في أول بادرة اعتراض من قبلهم على الخدمات المقدمة من قبل المالك- والذي يبرر هو الآخر تصرفه للحاجة الماسة- وذلك لتزايد الطلب على شقق الإيجار، فالبديل موجود والأعداد تفوق العشرات ممن يبحثون عن هذه الشقة أو تلك، لتعلو أصوات أخرى مبررة لبعض هؤلاء المالكين تصرفهم هذا، فالغلاء المستشري لجميع المواد والسلع الاستهلاكية جعل الكثيرين يبحثون عن وسيلة دخل إضافية تساعدهم على شراء الحاجات الأساسية والسلع اليومية وخاصة أولئك الذين يعتمدون في معيشتهم على الأعمال الحرة حيث وجدوا بهذا الظرف فرصة لاقتناص من هم بحاجة لهذا المأوى.
نحن مظلومون ودائماً يحسبوننا على هؤلاء التجار الذين يستغلون الأزمة لتكديس الأموال..
أحد المالكين لبعض الغرف والذي قام منذ عامين بترميمهم وزيادة حمام ومطبخ على كل غرفة إضافية في بيته الذي يسكنه ذكر للأزمنة أنه لا يوجد له دخل آخر بعد أن هجر أرضه بسبب غلاء المواد والمستلزمات الزراعية عداك على أنه غير موظف ولديه ثلاثة أطفال، وبهذا بحث عن البديل في إيجاد دخل يعيله لإطعام أطفاله فأخذ قرضاً عن طريق أحد أصدقائه وقام بإصلاح وترميم بعض الغرف في بيته وبدأ يعتمد على هذا الدخل لسد حاجاته وأضاف: دائماً توجه إلينا التهم بأننا نستغل ونبتز الآخرين!! لكن أنا لا أقوم بتأجير هذه الغرف إلا لأنني بحاجة إلى المال لإطعام أطفالي، نحن مظلومون ودائماً يحسبوننا على هؤلاء التجار الذين يستغلون الأزمة لتكديس الأموال، أما نحن فنقوم بتأجير بيوتنا لكي نعيش بعد أن أصبح ثمن المواد الأساسية أضعافاً مضاعفة، ومن هنا يجب أن لا نستغرب عندما يقوم أحدنا بتأجير كراج منزله بعد أن يضيف إليه حماماً ومطبخاً للتخديم بـ10 آلاف ليرة سورية مثلاً، أو غرفة سكنية وبذات مواصفات الكراج وبعد أن يضع ما تيسر بها من أثاث ليستثمرها كبدل إيجار لسد حاجاته وحاجات أطفاله، ليأتي أحدهم ويقول ويتساءل: ألا توجد جهة معنية قادرة على كبح جماح وطمع الأشخاص ممن استغلوا الأزمة وقاموا بتأجير منازلهم بأرقام فلكية؟ ألا يمكن إيجاد قانون أو تشريع أو حتى اجتهاد يحمي المواطن من جشع أصحاب البيوت السكنية المؤجرة؟ وهل عجزت الجهات المعنية وغير المعنية من وزارة الإدارة المحلية والجهات القضائية وصولاً إلى رئاسة مجلس الوزراء من الخروج بقرار أو قانون أو حتى تشريع كفيل بحماية المواطن من آثار الأزمة التي عصفت بالبلاد وكانت إحدى نتائجها اضطرار آلاف الأسر وفي جميع المحافظات الآمنة من استئجار منازل لا تتعدى مواصفاتها وتجهيزاتها النجمة الواحدة من تصنيف الفنادق، وأضاف: صدقيني أنا أشعر بالحزن الشديد على هؤلاء الأشخاص المستأجرين في بيتي، ولكن ماذا أفعل لا يوجد عندي دخل آخر يعيلني في ظل هذا الغلاء، والقوانين التي يطالب بها البعض يجب أن توضع لهؤلاء الذين يملكون أربع وخمس شقق وعقارات كثيرة ويقومون من خلالها باستغلال الآخرين والتحكم بالسوق، وليس للذين يؤجرون غرفة أو غرفتين للاسترزاق من خلالها.
مواطن آخر أضاف: أنا من الناس الذين لا يملكون بيتاً ولهذا أسعى إلى استئجار البيت والذي أتمنى أن أمكث به لوقت طويل، ولا أنتقل إلى غيره لكثرة ما أتعرض له من تعب من التنقل من شقة لأخرى، ولكن هناك مشكلة نواجهها في هذه الأيام تزيد من أعبائنا أعباء أخرى وهي رفع صاحب الإيجار بدل الإيجار في السنة الواحدة لمرتين أو ثلاث مرات وفي كل مرة يزيد الضعف في المبلغ وتساءل أين العدالة في ذلك؟ بعد أن أصبحت رحلة البحث عن شقة للإيجار في المدينة أو في أطرافها كمن يبحث عن حلم ضائع، كما أن الأمر لم يقتصر بدوره على المدينة بل تجاوزها إلى الريف حيث إن الشقة الموجودة في المدينة فارغة والبالغ إيجارها 25-30 ألفاً تجدها في الريف بين 15-20 ألفاً أما الشقة المفروشة فهي في المدينة تبدأ من 40 ألفاً متجاوزة الـ75 ألفاً على حين في الريف تبدأ بـ 25 ألفاً ويمكن أن تنتهي بـ40 ألفاً.
أعداد محددة للشقق والبيوت وكثرة الطلب وقلة العرض أدت للارتفاعات الخيالية للأسعار....
ويرى الكثيرون أن المشكلة الحقيقية التي تكمن وراء أزمة السكن ليست في تراجع استثمارات القطاع الخاص في سوق العقارات التي تشهد ازدهاراً كبيراً مُضافاً إليها مساهمة اتحادات التعاون السكني ومشاريع الدولة في السكن الشبابي والادخار وما شابه، إنما تكمن المشكلة في الأرقام غير المنطقية التي تطرح كسعر للشقة السكنية الواحدة وبالتالي ارتفاع آجارها، ففي أدنى رقم يحتاج موظف من الدرجة الأولى إلى ما لا يقل عن 40– 50 سنة ليجمع ثمنها ما أدى إلى ازدياد عدد الشقق المغلقة غير المأهولة في مدينة صغيرة كالسويداء بسبب ارتفاع أسعارها والتي تفوق قدرة المواطنين حتى على مجرد التفكير فيها، لينحصر عدد البيوت والشقق المعروضة للإيجار في أعداد محددة ما يؤدي إلى قلة العرض وكثرة الطلب، وبالنتيجة إلى الارتفاعات الخيالية للأسعار، وبرأي كثير من الخبراء الاقتصاديين فإنّ الحل يكمن بالمساهمة بالتدخل الإيجابي من قبل الدولة عن طريق القيام بمهمة الإسكان وذلك بتوفير أراضٍ لجمعيات سكنية، وتنشيط التعاون السكني الذي كان موجوداً في السبعينيات والثمانينات، والذي أسكن نحو أكثر من 150 ألف عائلة تقريباً. وإذا أمنت الدولة الأراضي بأسعار مقبولة لجمعيات سكنية، وهي أراضٍ ملك للدولة وليست ملكاً للأشخاص، يعني ثمنها عند الدولة هو صفر، فالدولة في هذه الحالة تلجأ فقط لإنشاء البنية التحتية، وتأخذ تكاليف بناء وتمديد المياه والكهرباء والصرف الصحي والهاتف وغيرها، وفي هذه الحالة سعر الأرض لا يساوي شيئاً بالنسبة لسعر البناء، لذلك يجب أن تقدّم الدولة قروضاً ميسّرة بفائدة مخفّضة إلى هؤلاء التعاونيين أي الجمعيات التعاونية السكنية، بحيث يكون ثمن البيت مقبولاً لأصحاب الدخل المحدود، لاسيما من الموظفين ومن العمال، الذين يشكلون الغالبية العظمى من الشعب، والذين يصلون تقريباً 90- 95%، والابتعاد ما أمكن عن بناء القصور والحدائق والمسابح، بالإضافة لضبط الدولة لعمل الجمعيات الخاصة أي شركات البناء الخاصة، لأنه ثبت أن هذه الشركات في البداية تسهل عملية الإسكان، لكنها في النهاية تكسب المليارات من الليرات السورية، وتهربها إلى خارج سورية، ويبقى هؤلاء المواطنون فاقدين لكلّ مدخراتهم.
انعدام وجود بنك المعلومات الإسكاني والربط الدقيق للسياسات الإسكانية بعملية التنمية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي..
وفي المقابل لم يساهم القطاع العام والتعاون السكني سوى بتأمين أقل من 10% فقط من الحاجة الفعلية للسكن في سورية، وذلك في ظلِّ عدم وجود قوانين واضحة وعدم تدخّل الدولة بشكل فاعل من أجل تقديم حلول تعالج هذه المشكلة وتوفِّر العرض الملائم من السكن النظامي، حيث يقدّر عدد المحتاجين لمسكن بـ1.5 مليون شخص على الأقل، في حين أن الزيادات السنوية في عدد المساكن لم تتجاوز 10% من الحاجة سنوياً، وقد حدد الخبراءُ العاملون في مجال القطاع العقاري عدداً من العقبات التي يحاولون إيجاد حلول لها، لكن ومنذ ما قبل عام 2000 وإلى الآن لم تُخترق أي عقبة مما وضعت، فإلى الآن لا توجد قواعد بيانات كاملة أو بنك معلومات إسكاني، كما لا يوجد ربط دقيق للسياسات الإسكانية بعملية التنمية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى تعدّد الأنظمة والتشريعات وكذلك الجهات المعنية بعملية الإسكان، وعدم وجود هيكلية واضحة لقطاع الإسكان تنظِّم أدوار الجهات المعنية فيه بمختلف مراحله، البعض أرجع العقبات إلى ضعف التشريعات التي تساعد على تأمين الأراضي المهيأة للبناء، وعدم تناسب العرض مع الطلب في سوق الإسكان، وضعف ومحدودية آليات التمويل وارتفاع نسب الفائدة، فيما أشار البعض الآخر إلى ضعف مساهمة القطاعين العام والتعاوني في خطة الإسكان، وعدم وجود الأطر الموجّهة الواضحة في تقديم التسهيلات للقطاع الخاص لضمان مشاركة فاعلة له، الأمر الذي أدى إلى المضاربة بالعقارات القائمة، وعدم استقرار أسعارها نتيجة للدور الخاطئ للقطاع الخاص والذي يشغل فعلياً حيِّزاً أكثر من 75% من نشاط الإسكان، وارتفاع كلفة الحصول على مسكن بالنسبة للشريحة الأوسع من المواطنين (من ذوي الدخل المحدود).
كلمة أخيرة
غياب التنظيم عن سوق العقارات واحدٌ من أسباب الغلاء، إضافة إلى زيادة أسعار مواد البناء، مثل طن الإسمنت الذي زاد عدة أضعاف في الأعوام السابقة وكذلك الأمر بالنسبة للحديد وكافة مستلزمات البناء الذين يشكلون عاملاً مهماً في زيادة الأسعار، بالإضافة إلى غياب المخططات التنظيمية لتلبية الطلب المتنامي على السكن، وعدم تغطية القروض العقارية لحاجات الباحثين عن السكن، مما أدى إلى تحوُّل سوق العقارات إلى نار كاوية تحرق المواطن العادي من ذوي الدخل المحدود، هذا قبل الأزمة فكيف هو الحال الآن مع تهجير الكثيرين من قراهم ومدنهم ليتمركزوا في مناطق آمنة محدودة، مع اختلاف بسيط بالنسبة لمحافظة السويداء، فهي على عكس كثير من المحافظات التي جمّدت فيها الأزمة جميع الأسواق ومن بينها سوق العقارات إلا أن سوق العقارات بالسويداء يبقى الأقل تأثراً من الأسواق الأخرى المتواجدة في باقي محافظات القطر، ولكن ما ينقصنا هو وجود قانون أو تشريع يمكّن الجهات المعنية في المحافظة بالاستناد إليه في تحديد قيمة بدل الإيجار ومنع كثير من التعديات والتجاوزات التي يستخدمها الكثيرون مستغلين حاجة الناس من أبناء المحافظة وخارجها من إيجاد بيت يلوذون فيه، والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستتمكن الجهات المسؤولة من صياغة ووضع قرار أو قانون لحماية المواطن المستأجر؟ أم إنّ غياب التنظيم عن سوق العقارات سيبقى سيد الموقف؟!!.