سقوط الأقنعة ومواجهة خراب الزيف

سقوط الأقنعة ومواجهة خراب الزيف

الأزمنة

الاثنين، ١٧ نوفمبر ٢٠١٤

زهير جبور
الخروج من طوق فلسفة الانحطاط التي سادت يتطلب أولاً قهر الفساد والوثوق بالنظرة للغد، والانتصار في كل الجبهات، وزج الإمكانيات، والمزيد من العمل المخلص، والبحث في أسباب طغيان السلب الإداري والنفسي، وبتر من يتبنون تلك الفلسفة التي أثرت على مفاصل حياتنا، وجعلتنا نميل إلى الاستسلام بأنها المسيطرة، فهل تشدنا إلى الهاوية؟ فاقدين أمل النجاة، أثبتت سنوات الألم الأخيرة أن قوة أبناء شعبنا الشرفاء لا تلين واستعدادهم الوطني في ذروة شموخه، والأمر يتعلق بإدارة من يواجهون، داهمتني هذه الأفكار ومحافظتنا اللاذقية تستقبل محافظها الجديد، والمفردة تكررت مرات مع الأزمة، والمعدل النسبي أننا منذ بدايتها تبدل علينا أربعة محافظين، وكان الأخير إبراهيم خضر السالم، قادم بمرتبته من سلك الشرطة، قيل عمن يعرفونه سابقاً أنه يحمل أخلاق الشهم وعنفوان الحق وإدارة لا تغمض عيناً عن الأخطاء ولا تغفر، وترفض سلوك الانحطاط والعمل المعاكس للقيم الوطنية والأخلاقية، هذا ما وصلنا من معلومات أدخلت بعض الأمل بالنفوس، ومع القائلين قلنا يا مرحبا.
•    هل يتوسع الأمل؟
ليست مشكلتنا في المحافظة مرتبطة بمحافظ، كونها حالة استفحال من فساد ومفسدين، لهم من حماهم ويحميهم، يبرر لهم ويدعمهم، جعلهم الأقوى أمام تلاشي مقومات العمل النظيف، وتراجع فلسفة القيم، وسيطرة الانحطاط بكل ما فيها، وحين أخذنا الرأي حول قدومه وتكليفه من قبل القيادة، كانت أجوبة متقاربة تصب في كلام كنا قد سمعناه سابقاً ونشرته الأزمنة توقعاً بتغيير المعنى، ومن تسلموا المهمة سابقاً لم يجتهدوا ربما في تغيير الفلسفة ولا وجهها، عملوا أم لم يعملوا، واجهوا أم لم يواجهوا، بقي الحال على ما هو عليه، وفي السنة الماضية ازداد سوءاً وفجوراً، ما الفائدة إن بقي الأمر الإفسادي مستمراً، مدراء على رأس إداراتهم، اهترأت مصنفاتها ومشاريعها وخططها، وتراجعت وجمدت وانحرفت، وهم لم ينلهم ولو قليل من الاهتراء، يتجددون ويتكاثرون كالخلايا السرطانية، لأن ثمة من يمد لهم أسباب الاستمرارية دون محاسبة ولا وقفة، ماذا قدمتم؟ وفي أي مجال نهضتم؟
•    الحال كما هو
بعد سنة من الأزمة الشيطانية عملت مجلة الأزمنة بطاقمها على رصد الواقع السوري، غطت المحافظات الساخنة ومتوسطة السخونة، والأخطاء في كل مكان، خاطبت المسؤول والمواطن، ساهمت بنقل واقع المعارك مرافقة قواتنا المسلحة، واشتغل محرروها بوفاء وحب ووطنية، وقتذاك نقلنا من اللاذقية موضوع مخالفات البناء وكانت في بداياتها، حيث الأبراج الإسمنتية، والسطو على أملاك الدولة، تشويه وجه المدينة ومدنها الأخرى، غاباتها. شاطئها. لكن شيئاً لم يتغير، أخذ الفساد في تصاعده، فغطت المخالفات المساحات، تشكلت أحياء داخل أحياء، وعمت الفوضى وداء الخرق بعدواه ينتقل من مكان إلى آخر، إلى أن وصل الحال إلى ما وصل إليه من فضائح لم يعد من الممكن التستر عليها، ثم سيرت مجموعات قمع المخالفات لتجد أمامها كل شيء قد أنجز أبنية أقيمت وتم بيع شققها، تعديات على الطرق وامتدادات وشاليهات، ومحلات تجارية، وأراض زراعية، والمعني بتراخيص البناء، وتحديد الأراضي والملكية، والسماح أو عدمه، والمواصفات وعدد الطوابق، كان في حالة غياب مقصودة، فإن حاول الفقير إضافة غرفة لبيته كي يتسع لأفراد الأسرة، بلّغ عنه وهدمت في الحال، أما البناء الطابقي الضخم. الواضح. فنظرهم لا يراه لأنه مقبوض الثمن قبل مباشرة المخالف بالعمل، وإذا عددنا فثمة الكثير، وجولة قصيرة في مدينة جبلة تبرز هذا الخرق، دون الحاجة لبوصلة تحدد الاتجاهات وهي مفتوحة على مداها، وفي موضوع النظافة وأكوام القمامة والروائح ما يبعث على الخجل فعلاً، والتبريرات موجودة دائماً. أزمة المازوت. قلة في العمال. الإمكانيات. الصعوبات فوق الطاقة المتوفرة. والمواطن يعرف جيداً من هم الذين يديرون الشؤون، وإذا انتقلنا لشؤون الحياة الأخرى ثمة ساعات تطول على مواقف الباصات والسرافيس، ومحطات الوقود في ازدحام لا ينتهي، أين يختفي المازوت؟ ويمكن الحصول عليه من السوق السوداء بسعر مرتفع ينعكس بطبيعته على أجور النقل التي يحددها السائق كما يشاء، وفي حال احتج أحدهم يطلب إليه مغادرة السرفيس دون كلام، مشيراً (وهذه الشرطة أمامك) وأية معاناة فوق معاناة يحملها الطالب الجامعي أو الموظف أو من يجبر إلى التنقل من حي إلى آخر، أو من قرية إلى أخرى، وهي مسافات لا بأس بها، وريف المحافظة يمتد من بانياس حتى كسب، في عمق شرقي بين الجبال بطول 45 إلى 50كم وإذا وقفنا عند الأسواق بمختلف مستوياتها وموجوداتها، موادها الغذائية، والخضار، فسنجدها أسعاراً متضاربة، لا شروط عليها، ولا حدود لها، هي عملية استغلال بكل ما فيها، أسرق من المستهلك قدر ما تستطيع والتجارة شطارة، ولا بد أن ما يقال في الإعلام حول تموين وحماية المستهلك ورقابة صارمة وضبوط نظمت بحق المخالفين في الأسعار والمواصفات، وفقدان الصلاحية، جميعها غائبة لا حضور لها إلا في التصريحات والتقارير الوهمية المعتمدة بين الإدارة ومن أعلى منها، وصولاً إلى مجلس المحافظة ومكتبه التنفيذي، الذي يتفاخر بما أنجز وهو لم ينجز ولم يحقق، وهكذا الحال في البلديات الكبيرة والصغيرة، وخدمات الريف المتراجعة، المتدنية من الطرق إلى المدارس. إلى الصحة. والعجيب أن هذا الكلام يتردد في جميع مؤتمرات الشعب الحزبية، والمنظمات الشعبية، وأحزاب الجبهة الوطنية، ويثار في كل مناسبة، ولقاء مع مسؤول رسمي أو حزبي يقوم بزيارة اللاذقية، وهو لا يسمع إلا حول الفساد والفاسدين، ويعلنوها صراحة مع ذكر الأسماء، ولا من مستجيب، ولا من سامع، وثمة حبلٌ من البال الطويل ليس له نهاية على ما يبدو في الاستئصال والعلاج.
•    حوادث مؤسفة
انتشر خبر وفاة المواطن البالغ من العمر 55 سنة أثر ضربة عربة مسرعة، مجنونة على الكورنيش الشمالي، طيرته إلى الأعلى عدة أمتار وبعد سقوطه عبرت من فوقه، لعدم تمكن سائقها التحكم بالمكابح، ولا المقود، وهي لا تحمل نمرة، وفرت بكل بساطة، وثمة من يختطفون من قبل عصابات مسلحة طمعاً بالفدية، وسرقات العربات تقلق من يملكونها، ليستيقظوا صباحاً ويجدونها مختفية، مع كل الإجراءات التي اتخذوها من صفارة إنذار إلى صعوبة تشغيل المحرك، لكن أيادي اللصوص ماهرة. فنية. تلغي كل وسائل الحماية، وخارطة الأحياء السكنية التي ترصد البيوت الخالية من سكانها، وهم بمعرفتهم يقدرون أيام تواجدهم، في حي المشروع العاشر فرغ البيت من كافة محتوياته بما فيها حنفيات الماء، ومالكه يقيم في دمشق بسبب عمله فيها، تنتشر هذه الأخبار على نطاق واسع فتدب الذعر والقلق في القلوب ويستسلم المواطن لقدره مع غياب من له أن يحميه ولا نستثني من ذلك المبادرات التي كثرت تحت تسميات إنسانية بغرض جمع التبرعات والنهب منها ما أمكن، أو الذين تسللوا لتحقيق مصالحهم تحت يافطة شعارات فرضتها الأزمة اللعينة، وكان لها تأثيراتها على المجتمع إلى جانب التراجع الثقافي الملحوظ جداً، والجهل ممن يتسلمون شأنه، بحكم القدم الوظيفي والإعلام الذي لا يهمه سوى إرضاء المسؤول المحلي، والارتباط به لغايات مصلحية.
 في اللاذقية وباختصار فلسفة مزيفة. طردت الأصلية بجوهرها والمواطن وحده ضحيتها، فهل قدوم المحافظ سوف يوسع من ضيق الأمل، ويخرق ما تم الرضوخ إليه على أنه قاعدة من الصعب إلغاء عمدها التي بنيت على فساد ونحن في جرح الوطن نحمل آلامه وحزنه وننتظر انتصاراته، ألسنا بحاجة لقتال من هم إرهابيون في ثوب وطني مخادع لا انتماء فيه لوطن ولا لقيم.. هل سيبادر محافظنا؟ هو ما يرجوه الجميع. أن تسقط الأقنعة عن الوجوه، وأن تعلن مواجهة الخراب الذي خلفه الزيف في الإنسان ومفاهيم القيم.