مجرد هزة أضيفت إلى هزاتنا

مجرد هزة أضيفت إلى هزاتنا

الأزمنة

السبت، ١ نوفمبر ٢٠١٤

زهير جبور
حدث ذلك قبل حلول عيد الأضحى بأسبوعين.. حين كان الناس الفقراء يتخبطون بين تأمين الغذاء ومستلزمات المدارس والغلاء الفاحش جداً الذي طال حتى خبز النخالة، المادة التي لم نكن نعرها سابقاً أي اهتمام، وهم يعيشون في همومهم تلك ويتابعون بقهر وألم ما يجري في البلاد، والمؤامرة تتسع عليها وسيناريو مجرياتها يتبدل بين يوم ويوم، والمآسي تدخل كل البيوت، والحزن يغطي المشهد العام، وإذ بها هزة أرضية تتعرض لها اللاذقية بدرجة 4.5 حسب مقياس ريختر، وقعت تحت سطح البحر جنوب غرب اللاذقية على بعد 32 كم وعمق 5كم، لتهتز المدينة بما فيها، وليشعر بها جميع السكان، وكانوا مع موعدها في العاشرة والنصف صباحاً، حيث الحركة في أوجها، وتراكض الناس بحثاً عن رزقهم، وتأمين قوتهم ولهاثهم، وعرقهم بسبب ارتفاع درجات الحرارة، واكتظاظ الشوارع، والطلاب في مدارسهم، والموظفون في دوائرهم، والفاسدون على رأس فسادهم، والمستغلون يمارسون جشعهم، وسيدات البيوت كانوا في مطابخهم، والثريات منهن يتناولون وجبة الإفطار على إطلالة البحر كي تفتح شهيتهم، والمتسولات في الطرق يرفعن أذرعهن بالرجاء والدعوات.. هكذا كانت المدينة حين حلت الهزة فاهتزت، وشعر بها من حالفه الحظ بهذا الشعور، ثم عبرت ولا بد أن الارتدادية قد أعقبتها، لكن الحال بقيت على ما هي عليه، وكأن شيئاً لم يحدث، ليس ثمة صفارة إنذار تشير إلى الخطر الطبيعي المداهم، ولا من أي استعداد طارئ لما سيجري بعد ذلك من تطورات محتملة.
•    طبيعة الهزة
بعد الهزة مباشرة حاولنا الاتصال بالمركز الزلزالي ولم نستطع بسبب انشغال الخط الأرضي، ومن المعروف أن للمركز 57 محطة موزعة على محافظات سورية، عملها تسجيل الهزات، ودراستها، وتحميلها على خرائط خاصة بها بغرض مقارنات الماضية مع الجديدة التي تقع، ومعرفة تطوراتها وتحرك فالقها، وخاصة أنّ قاع البحر المتوسط يحتوي على العديد من الفوالق التي تؤدي حركتها إلى مثل هذه الحركات (التكتونية) وهي علم دراسة تشوه القشرة الأرضية، وفي حال جفاف الماء من البحر فسوف يصبح أرضاً رملية وترابية، هذا ما أفادنا به السيد الدكتور فواز الأزكي المختص في الجيولوجيا ومدرس المادة بجامعة تشرين.
•    فماذا يقول؟
هي هزة لا تؤدي إلى أضرار مادية يمكن الشعور بها وتسجيلها من المرصد الزلزالي وما جرى في هذا الفالق البحري متابعة لفالق شرق الأناضول تحت البحر، الذي بشكل صفائحي بين الصفيحة الأفريقية التي تنتمي لها اللاذقية، والصفيحة الأوراسية التي تنتمي لها جزيرة قبرص، ولا علاقة لهذه الهزة بحركة الفالق السوري الأفريقي (انهدام الغاب) لأنه يشكل حداً صفائحياً بين الصفيحة العربية /شرق الغاب/ والصفيحة الأفريقية /غرب الغاب/ علماً بأن الفالق الذي أدى إلى الهزة الأخيرة يوازي الفالق المعروف (اللاذقية – كلس) الذي يتجه شمال شرق. جنوب غرب.
أرجو الاطمئنان وعدم الخوف. ولا تنتظروا الشر من الزلازل أو البراكين فلا علاقة للطبيعة بالشر.
•    المفهوم الشعبي
بعد هذا التحليل العلمي للدكتور الأزكي الذي لخص من خلاله مجموع الفوالق المتواجدة في محيطنا الساحلي، وبعد أن عزز فينا عنصر الطمأنينة الذي من واجبه أن يدلي به، ثمة مفاهيم شعبية في اللاذقية متداولة ولها تواريخها القديمة، فالهزات دمرتها عدة مرات، وبقايا الحضارات في باطنها، وكلما أجريت حفرة ما لإقامة بناء أو تمديد قساطل صحية يظهر الأثر، في الماضي كانوا يعلنون عنه كقيمة تاريخية لتسارع الآثار وتمنع تتمة الحفر وتنفيذ المشروع، وقبل عدة سنوات راحوا يتسترون على الأمر، ويتابعون عملهم ويطمرون الأثر مهما كانت قيمته المعنوية والمادية، وتقول الذاكرة الشعبية اللاذقانية إنّ الهزات القديمة حصلت عبر أزمان حددت بين الواحدة والأخرى، وقد حلّ أوانها اليوم، وهذه بداية إذ إنّ اللاذقية لم تعرف الهزات البحرية منذ عام 1888 حتى عام 1998 حين وقعت هزة مماثلة بدرجات أخف من الحالية وحينذاك دب الرعب وخرج السكان ليلاً ليقيموا في الحدائق البعيدة عن البيوت، وأمضوا سهرتهم حتى الصباح، تعارفوا على بعضهم، وأحضروا النراجيل والطعام وجعلوها ليلة لا تنسى، ومن خلالها حصلت زيجات، وعلاقات غرامية، وغيرها مما يمكن أن يجعل الناس متقاربين في حال الخطر الجماعي.. قالت إحداهن وأنا اسألها عن الهزة الأخيرة موضحاً ما جرى في السابقة (إن كانت الهزة ستجلب العريس فيا مرحباً بها ويا لها من هزة فرح)
•    لهم رأيهم
من المعروف أنّ سكان اللاذقية لا يحملون روح الدعابة، أو سرعة البديهة كما هم أبناء حمص، الذين يطلقون الطرفة دون جهد، ولا تخطيط لها، لكنني في سؤالي عن الهزة وكيف شعروا بها وجدت أنه برغم الحزن والقلق وصلتني أجوبة ربما تلخص مقولة شر البلية ما يضحك، أجابت إحدى السيدات: هزة.. هزة أرضية ؟! قلت نعم.. ضحكت وكأنني أطلقت على مسامعها طرفة، قالت: شعرت بها ونحن منذ زمن لم نرقص ونهز خصورنا، وأجابتني أخرى: هزة..؟! وما الجديد فيها؟ إذا جلسنا في البيت نتابع التلفاز نهتز، وإذا ذهبنا إلى السوق نصاب بصواعق هزات متتالية تضربنا من الرأس حتى أصابع القدمين، وأجاب مهران: يكفي أن نقبض المرتب الشهري حتى يستمر اهتزازنا منذ بداية الشهر، ويتصاعد كثيراً بعد عدة أيام، ولتأتي الهزة الكبيرة وتخلصنا من هذه الهزات، ومن الملاحظ أن سكان اللاذقية لم يتحركوا من أماكنهم واستمرت حركتهم على ما هي عليه، والرأي أنهم تحرروا من كل قيود الخوف، لأنّ الأحداث المؤسفة التي تشهدها البلاد جعلتهم يواجهون المصير بكثير من القدرية، (المكتوب سيحدث) مها حاولنا تجنبه، وأحدهم قال: سورية الله حاميها من الغدر والمؤامرة ولا بد أنه يشمل الهزات الأرضية.
•    الاهتمام العلمي
وبعد هذه الوقفة عند الهزة يجد الدكتور فواز الأزكي أنه من الضروري أن نهتم بها علمياً، ونبادر لدراستها، ونجعلها محطة لتوقعات أرضية قادمة، وأن لا تهمل وتعبر وتنسى، وينبغي الاهتمام بالعلماء وإعطاؤهم حقهم، وذكر أنه يوم الخميس 11 أيلول 2014 نشرت مجلة العلوم الأميركية خبر اكتشاف باحثين أميركيين (الديناصورات) ضمن الرسوبيات المائية في المغرب وأعلنوا أنه ديناصور برمائي هو الأول في العالم، والمفارقة أنّ جميع وسائل الإعلام العربية والمواقع الالكترونية قد سارعت لنقل الخبر، وفي 11 نيسان 2001 أعلن على منبر جامعة تشرين اكتشافه لجنين الديناصور المنطبع في بلدة العامود. صلنفة. ووضع فرضية الديناصور البرمائي الأول في العالم وأسماه (سيريايور) وفي المؤتمر الأوروبي للمستحاثات الفقارية 2002 أعلن عن ذلك وجميع المشاركين في المؤتمر أيدوا فرضية من خلال محاضرة ألقاها بعنوان (سورية كانت موطناً أو معبراً للديناصورات في زمن الدور الجيولوجي كريتاسي) وهو بدأ منذ 145 مليون سنة وانتهى منذ 65 مليون سنة، قوبل بحثه بالسخرية عندنا ولم تنقله أية وسيلة إعلام، ولم يكترث به، وذلك لأن مصدره عربي سوري، وكان من المفترض مخاطبة مجلة العلوم الأميركية رسمياً أن تعدل خبرها، لأنه ثاني اكتشاف في العالم للديناصور البرمائي والأول ظهر في سورية عام 2001
•    هذه المناسبة
جاءت مناسبة الهزة لنطالب الجهات العلمية المختصة بمزيد من الاهتمام والعناية بالخبرات السورية المهملة، والتي لا تحصل على أبسط حقوقها الفكرية وهذا يشمل جميع الاختصاصات والعلوم والبحوث.
هزة أرضية جعلتنا نهتز فوق ما نحن عليه من اهتزاز مفتعل، وتبقى الطبيعة أرحم من شر الحقد والعدوان، ولا بد أن في سورية المستقبل ما يبشر بتغيير كل أنماط الحياة والاتجاه صوب مجتمع حضاري علمي مثقف، يعطي كل إنسان حقه في العيش والإبداع.