ضرورة تخطي رتابة الوظيفة والعمل الثقافي إبداعاً

ضرورة تخطي رتابة الوظيفة والعمل الثقافي إبداعاً

الأزمنة

الأحد، ٢١ سبتمبر ٢٠١٤

زهير جبور
تستمد الثقافة مقوماتها من المجتمع متابعة تفاصيل مكنوناته مستندة على ماضيه، دافعة حاضره لمواكبة التطور، عاكسة واقعه مأثرة بشكل فعال بتشكيل الوعي العام والفردي، ويتم ذلك عبر مؤسسات. منظمات. وجمعيات مدنية، وفي الإعلام بمختلف وسائله، وإيصاله بإقامة نشاطات تتواصل مع الجماهير. ندوات. محاضرات. تشجيع القراءة والحرص عليها، وثمة فنون تخدمها بين مسرح وسينما، ووسائل كثيرة أخرى، فالثقافة هي الشاملة في مجتمعات عانت من غيابها، ثم استدركت أهميتها فدخلتها من أصولها علمياً وحققت نتائجها المطلوبة، هل وصلنا إلى ما يحدد مدى تأثيرها في حياتنا، وعندنا وزارة معنية بشؤونها مع تعدد مهامها في الفن. والتراث. ونشر الكتب. ومراكز ثقافية على طول البلاد وعرضها، أبنية أنيقة زودت بما يلزم، لكن الملاحظ عبر السنوات الطويلة الماضية أنّها افتقرت لوجود الإنسان المحرك، لم يحصل ذلك لأنّها اعتبرت عملاً وظيفياً خاضعاً للرتابة ليغيب عنها الإبداع، ومع مرور الوقت لم يُقْدم أحد ممن تسلموا مهامها على محاولة لإنقاذها، بل عملوا على تكريس ذلك كونه يوفر سبل الهيمنة لأغراض إفسادية تغلغلت في مفاصلها.
•    الواقع كما هو
ماذا علينا أن نتصرف.. نتوجه إلى السيد الوزير الذي تسلم مهام عمله في التشكيل الأخير للوزارة وقد عرفناه مستلهماً للشعر من زرقة البحر، وخضرة الجبل، متجهاً صوب الحداثة بخطوات واثقة، مؤمناً بمواكبة المعاصرة دون المساس بالتراث، المتخرج من جامعة دمشق محامياً لم يمارس المهنة، وتسلم منتخباً المهام الفكرية والإدارية في اتحاد الكتاب العرب، وما عرفته عنه عدم المساومة ولا إرضاء الآخر على حساب قناعاته، مدافعاً عن مواقفه لتقدمه الأحداث السورية المؤسفة محللاً، ظهر على شاشات التلفزة، ثم عضواً في مجلس الشعب، حصل على أعلى أصوات محافظة طرطوس، وها هو اليوم وزير للثقافة وطني. وفيٌ. والوزير عصام خليل المجبول بالثقافة، الخارج من إخفاقاتها ونجاحاتها إن وجدت، لن تدهشه حالة الأمية الفكرية المتواجدة بين مدراء وإداريين داخل نطاق عملها، بسبب خضوعها للقدم الوظيفي، والترقيات، والروتين، عندما سمعت الخبر بادرت إلى تقديم المباركة هاتفياً في خطوة لا أميل إليها إذا ما تسلم صديق منصباً ما، خاصة إن كانت قناعتي أنّه يستحق، وكثيرون هم الذين قفزوا فوق الصداقة بعد الكرسي، وتنكروا لها، وبعضهم تحفظ في توازن غير مبرر بين شخصية الأمس وما هي عليه بعد المنصب، وبكل الأحوال لا أذكر أني تقدمت لأي منهم بطلب شخصي، وما آمل منه في كتابتي هذه خدمة المصلحة العامة، ونقل صورة عن ثقافة عايشتها ربما أثّرت بها قدر استطاعتي، وأثّرت بي عبر رحلة السنوات الطويلة التي أفنيتها من أجلها، لأجدها في سنوات الأزمة مخيبة غير متفاعلة مع الحدث الهولي وجراح الوطن، من إبعاد المثقفين الحقيقيين وسد جميع وسائل التعبير والمشاركة في وجوههم إلى اعتماد مبدأ تمشية الحال، وطغيان المصلحة وانتهازية المواقف التي انتشرت وباء أثّر على المفاصل الأساسية وتفاعلها الحقيقي، وعدم وصولها إلى الجماهير خاصة النفسية التي كان عليها التصدي للصدمة، والتخفيف من روعها، والوصول إلى العقول مهما بلغت بساطة إدراكها، لم يحصل ذلك ومن عليهم الاعتماد طوقوا، ما جعلنا نفتقر إلى أدنى حد ثقافي في مراكزنا، وتنفيذ أنشطة لا تخرج عن مفهوم إنفاقها المالي المشكوك بأمره، والإذلال لمن هم أعلى حفاظاً على الموقع، ولم تعط الثقافة أي منتج يستفاد منه سواء قبل الأحداث أو بعدها وشكّل غيابها الفراغ الكبير.
•    رأي آخر
ما ورد هو الواقع الملموس، والمعروف لدى المهتمين والحريصين والجادين، الذين أبعدوا لأسباب ليست مجهولة.. تقول السيدة الشاعرة مناة الخير رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية أنّه كان من الواجب جعل الثقافة حاجة أساسية أقرب إلى رغيف الخبز، وهي حقيقة ليست للتذويق أو التغليف وآلاف البيوت لم تكن تدخلها المجلة، ولا الكتاب، ولا الصحيفة، وهو ما جعل الثقافة تبتعد عن الجماهير ولم تكن قيمة أو مطلباً، وينبغي أن لا نفرق بين ثقافة أزمة وغير أزمة، هي ثقافة وعلى المثقف أخذ دوره في كل الظروف لأنّها مشروع متكامل، ولنذكر القول: (ليس في المعركة تبرأ السهام) قيمة الثقافة تراجعت لنعترف بذلك والشعور بالنقص اجتاحها، وجاءت الأزمة امتحاناً لقدرتها، ولم تكن بحجم الخطر الذي أحاط، فغاب الإحساس بدور المثقف وأهميته، وعرضت نصوص على مسارحنا سواء للكبار أو الصغار لم يكن فكرها سوى سذاجة للعقول، بعيداً عن العمق، محاضرات. نشاطات اقتصرت على تنفيذ خطة حوّلت الثقافة إلى ما يشبه سوق البازار وهي تؤدى بالطريقة نفسها.
•    مقترحات
حصلنا على مقترحات كثيرة من شخصيات عديدة يهمها الأمر، والأمل في أن نشهد التحول المطلوب بالمرحلة القادمة، ومنها مثلاً تشكيل لجنة ثقافية على مستوى المحافظة وأن لا تكون وظيفية وتأخذ دورها الفعلي وليس الصوري في وضع الخطط الثقافية وكامل الأنشطة من دورات الخياطة والكمبيوتر إلى أهم نشاط ثقافي، ومراقبة التنفيذ والمستوى وتجنب الأخطاء وليس الاكتفاء بالمدير والمرشد في نطاق عمله، وتكلف بالعمل على النهوض الحقيقي، وتغيير الأساليب، والدخول في البعد الجماهيري، والابتعاد عن القشور، وهذه طريقة اتبعت بموافقة وزراء تسلموا مهام العمل ولن نذكرهم الآن، هؤلاء مارسوا مهرجانات خلبية فارغة، كلفت الملايين، وحولوا عمل الثقافة إلى تقارير إعلامية مضمونها فارغ جداً، وبداخلها التخريبي المتعمد، ومن المقترحات الأخرى مشاركة المبدعين الحقيقيين في المحافظات بعمل قراءة النصوص الأدبية أو الترجمة التي تقدم للنشر والخاضعة لرقابة الهيئة العامة للكتاب، وكثيراً ما تلعب العلاقات دورها بحيث ترفض كتب ذات قيمة فكرية وتقبل أخرى لا علاقة لها، ويمكن استحداث طريقة تعمل على ضبط المعايير وتنهي الكثير من إشكاليات وقعت في الماضي، وإيجاد صيغ تفاعلية مع المهرجانات الثقافية وتحديدها، وفي اللاذقية أقيمت مهرجانات تحت اسم الثقافة ضمت معرضاً لبيع السيارات المستعملة، وندوة حول خدمات البلدية في النظافة، مع ملاحظة أنّه لا نظافة، وإنقاذ الثقافة من المتاجرة عمل يستحق التوقف عنده، وهي تستغل بشكل غير منطقي، وفي الخلاصة ينبغي بذل الجهد والتعاون والتكاتف لإعادتها إلى طريقها السليم وهذا يعتمد على القادم واتخاذ القرارات الصارمة والمتابعة الدقيقة ومحاسبة المقصرين والاستغناء عن الأميين.
•    الموسوعة الساحلية
كلف الدكتور بسام جاموس المدير السابق للآثار والمتاحف بإعداد الموسوعة الساحلية، وقد باشر عمله متعاوناً مع محافظتي طرطوس واللاذقية وجامعة تشرين، والاختصاصيين والمهتمين، يقول: الموسوعة هي العمل الأول من نوعه لكن لا أحد قدّم لي الدعم المطلوب من الوزارة بعد تكليفي، وهذا العمل يتطلب الكثير، وهو كما وضّح سيضع السيد الوزير في صورة الأمر، وثمة موضوع آخر في إقامة معهد الدراسات الأوغاريتية ومواده جاهزة في القانون الأوغاريتي والعلاقات الاجتماعية والأبجدية والموسيقية والميثولوجيا، المشروع في وزارة التعليم العالي مع الدراسة الكاملة لافتتاح مثل هذا المعهد الهام، وهناك قضايا أخرى.. مثل موضوع محو الأمية وإلى أين وصلنا به، والاهتمام بالآثار، وغيرها... وما نرجوه أن يتحقق الانتصار الكبير لسورية الغالية وأن يترافق ذلك مع تغيرات في حياتنا العامة وثقافتنا وما يليق بحضارتنا التي نتفاخر بها، ولا يجوز التساهل بها، وصد مؤامرة نسفها، وتحويلنا إلى شعب فارغ دون ماضٍ ولا مستقبل، بلا جذر وهوية، والثقافة هي السياج الأمتن فكرياً إذا ما أبدعنا في البناء وتحصينه.