العطش للمنتجات الصناعية لا ترويه بضع مئات من المنشآت..لابد من خطة شاملة لإعادة تأهيل ما دمر وتقديم تسهيلات ودعم

العطش للمنتجات الصناعية لا ترويه بضع مئات من المنشآت..لابد من خطة شاملة لإعادة تأهيل ما دمر وتقديم تسهيلات ودعم

الأزمنة

الأحد، ١٤ سبتمبر ٢٠١٤

*أحمد سليمان
رغم التراجع في عدد المنشآت الصناعية التي دخلت حيز الإنتاج خلال فترة النصف الأول من العام الحالي بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي، إلا أنّ استمرار المستثمرين الصناعيين على مختلف ولاءاتهم المالية في تنفيذ منشآت جديدة، يؤكد أنّ إيمان هؤلاء بمستقبل صناعتهم الوطنية مازال راسخاً, رغم الظروف المحيطة بعملهم.
 فليس من باب التكرار بل من باب التذكير بما لحق بالصناعة الوطنية من أضرار مباشرة وغير مباشرة تقدر بمئات مليارات الليرات السورية، إن لم يكن أكثر نتيجة الاستهداف المباشر لهذه المنشآت إما تخريباً أو تدميراً أو سرقة آلات ومعدات أو مواد أولية أو مواد إنتاج، إلى جانب التراجع في كميات الطاقة الكهربائية والوقود المستخدم في هذه المنشآت وارتفاع أسعارها وعمليات قطع الطرقات من قبل المجموعات المسلحة، ما أدى إلى عدم وصول العمال إلى منشآتهم أو المواد الأولية أو إخراج وتسويق المواد المنتجة، يضاف إليها العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد والتي أدت إلى عقبات كثيرة تتمثل في صعوبة الاستيراد بسبب عدم قدرة المصارف المحلية على إجراء التحويلات المالية والعقوبات التي تطال شركات النقل البحرية والبرية وحتى الجوية التي يمكن أن تنقل المواد الأولية إلى سورية أو تنقل المواد المنتجة إلى أسواقها المستهدفة، ما أدى إلى تراجع الإنتاج الصناعي بشكل عام وشهدت السوق المحلية تراجعاً في الكميات المنتجة محلياً ما دفع إلى استيراد كميات من هذه المواد إلى السوق المحلية.
لم يثن العزيمة
كل هذا الفيض من جوانب العقبات التي تواجهها الصناعة الوطنية لم يثن من عزيمة الصناعيين، بل اعتبرها البعض فرصة لا يمكن تعويضها لإقامة منشآت لإنتاج سلع تتعطش لها السوق ما يضمن تسويق منتجاته، رغم كل الصعوبات التي تواجههم فقد تمكن المستثمرون الصناعيون من تنفيذ 223 مشروعاً ومنشأة وحرفة صناعية في مختلف المحافظات والمناطق خلال النصف الأول من العام الحالي برأسمال بلغ 55.419 مليار ليرة وفرت نحو 1471 فرصة عمل.
فقطاع الصناعات الغذائية الذي تأثرت منشآته إلى حد كبير وخاصة مع خروج جزء كبير من منشآت حلب عن العمل والإنتاج دفع الصناعيين إلى الإسراع بتنفيذ منشآتهم التي كانوا قد رخصوا لها سابقاً وإدخالها إلى مرحلة الإنتاج التي تتوفر معظم مواردها الأولية محلياً، حيث حاز القطاع الغذائي على 90 منشأة صناعية دخلت الإنتاج من بين إجمالي المنشآت الصناعية المنفذة تلاها القطاع الكيميائي بـ 51 منشأة وحرفة صناعية و12 في الهندسي حيث يقرأ من هذه الأرقام أيضاً حاجة السوق المحلية للمنتجات الكيميائية ثم الهندسية التي مازالت السوق تحتاجها في حين لا تبدو المنتجات النسيجية حيث لم يتم تنفيذ سوى 18 في قطاع الصناعات النسيجية في الإطار المستهدف من قبل الصناعيين مع تراجع عددها، وبارتباط هذا التراجع يتراجع إنتاج الأقطان التي تعد منتجاتها اللاحقة من غزول ونسيج المواد الأساسية لهذه الصناعة.
فعدد المنشآت الصناعية المنفذة والمرخصة وفق القانون 21 بلغت 101 منشأة وصل رأسمالها إلى نحو 1.124 مليار ليرة وفرت 636 منشأة إلا أنّ توزعها الجغرافي يدل على أنّ المحافظات الآمنة مازالت المقصد الرئيسي للاستثمار الصناعي إذ لاتزال محافظة حمص تتبوأ المرتبة الأولى بعدد المنشآت وحازت على أغلبها بواقع 21 منشأة، منها 6 منشآت في مدينة حسياء الصناعية والباقي وزعت في باقي أرجاء المحافظة تلتها محافظة ريف دمشق بـ 19 منشأة منها 9 منشآت في مدينة عدرا الصناعية وتوزع الباقي في أنحاء المحافظة ثم طرطوس بـ17 منشأة واللاذقية 14 والسويداء 12 وحماة 8 و5 في دمشق ومثلها في حلب.
 منشأة واحدة بـ50 ملياراً
كما أنّ هناك ثلاثة مشاريع استثمارية كبيرة منفذة تم تشميلها على قانون الاستثمار رقم 8 لعام 2007 تجاوز رأسمالها 54.277 مليار ليرة، منها منشأة واحدة في القطاع الهندسي بلغ رأسمالها 50 مليار ليرة انطلقت بعملها في مدينة حسياء الصناعية بحمص وأخرى في حماة في القطاع الغذائي برأسمال بلغ 4.2 مليارات ليرة والأخيرة في السويداء في القطاع الكيميائي برأسمال بلغ 77 مليون ليرة لتوفر حينها 529 فرصة عمل، في حين لم ينفذ على مستوى المشاريع الحرفية الصناعية سوى 117 حرفة بلغ رأسمالها 170.588 مليون ليرة وفرت 306 فرص عمل كانت لمحافظة طرطوس منها 47 حرفة وحماة 30 والسويداء 15 وحمص 13 وحلب 5 واللاذقية 3 وحرفة واحدة في كل من إدلب وريف دمشق والحسكة والقنيطرة. وفيما رخصت مديريات الصناعة في المحافظات خلال الفترة المذكورة 441 منشأة ومشروعاً صناعياً وصل رأسمالها إلى 21.360 مليار ليرة يمكن أن توفر 6698 فرصة عمل منها 128 منشأة غذائية و166 كيميائية و39 نسيجية و108 منشآت هندسية حيث تشير هذه المعطيات إلى أنّه مازال هناك صناعيون يثقون بقدرة الدولة على إعادة الأمن والأمان إلى ربوع البلاد، ومن هنا كان عدد التراخيص الصناعية خلال النصف الأول من هذا العام أكبر بكثير من عدد المنشآت المنفذة.
178 منشأة بريف دمشق
على القانون 21 الخاص بالاستثمار الصناعي الصادر عام 1958 ، صدرت تراخيص لـ 428 منشأة بلغ رأسمالها 7.574 مليارات ليرة يمكن أن توفر 4088 فرصة عمل نالت محافظة ريف دمشق على 178 منشأة منها 61 في مدينة عدرا الصناعية والبقية توزعت على مناطق المحافظة الأخرى تلتها محافظة حمص بـ 94 منشأة 81 منها في مدينة حسياء الصناعية و13 في باقي أرجاء المحافظة إذ حازت دمشق على 55 منشأة في حين تم الترخيص في محافظة طرطوس لـ 26 منشأة وفي اللاذقية 23 وحماة 22 والسويداء 11 وفي درعا منشأتين في حين تم الترخيص لـ 13 مشروعاً صناعياً مشملاً بقانون الاستثمار رقم 8 لعام 2007 برأسمال بلغ 13.786 مليار ليرة تشغل 2610 عمال تتوزع بين 6 منشآت هندسية وثلاث غذائية ومثلها كيميائية وواحدة نسيجية نالت محافظة ريف دمشق العدد الأكبر من هذه المشاريع بواقع 6 تلتها السويداء بـ 4 مشاريع ومنشأة واحدة في كل من حمص واللاذقية ومدينة حسياء الصناعية. وإن كانت هذه المنشآت منها ما دخل حيز الإنتاج أو في طريقه بعد الحصول على رخصة صناعية، إلا أنّ هناك أضعاف هذه الأعداد من المنشآت منها ما هو متوقف أو متضرر جزئياً في معظم المحافظات، ولعل عودتها إلى العمل والإنتاج يتطلب تضافر الجهود واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين مواقع بديلة آمنة لمنشآت دمرت أو يصعب الوصول إليها، وتوفير عوامل الأمن والأمان في المناطق والمدن الصناعية، والإسراع في تنفيذ المناطق الصناعية الجديدة لمعاودة الإنتاج ولو جزئياً وتسهيل نقل المنشآت الصناعية إلى المناطق الحرة. وتسهيل عمل المنشآت الصناعية التي انتقلت الى داخل المدن بشكل مؤقت والعمل على تنظيم هذه المنشآت ضمن تجمعات صناعية عنقودية والإسراع بصرف التعويضات للمنشآت الصناعية المتضررة ودفع جزء مقبول منها لتمكين الصناعيين من إعادة إحياء منشآتهم وتشغيلها أو نقلها إلى الأماكن الآمنة، مع ضرورة إعادة النظر بنسبة تعويض المنشآت ذات الخسائر الكبيرة، ومعالجة المصاعب التي تواجه الصناعيين فيما يتعلق بإعادة جدولة ديونهم، وبشكل خاص تخفيض دفعة حسن النية إلى النصف فيما يتعلق بالديون الكبيرة للمصارف العامة.
 قروض إعادة التشغيل
 ويُجمع العديد من الصناعيين المتضررين على ضرورة تقديم قروض قصيرة بشروط ميسرة للمنشآت الصناعية المتعثرة حالياً لاستخدامها كرأسمال عامل، وتسهيل عملية فتح الاعتمادات المستندية ومنح إجازات الاستيراد لتعويض الآلات والتجهيزات ووسائل النقل التي دمرت أو فقدت، وإعفاءها من كل الرسوم والضرائب، وتأمين مستلزمات الإنتاج وبشكل خاص للمنتجات الضرورية التي تلبي حاجة المواطن السوري الأساسية، مع مراعاة تثبيت سعر الصرف لفترة محددة، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفني لمساعدة المنشآت الصناعية وإعادة بناء القدرات التنظيمية فيها إلى جانب الإسراع في إصلاح البنية التحتية والخدمات اللازمة وإحداث صندوق وطني لإعادة إعمار المنشآت الصناعية وتشغيلها يتولى تقديم قروض وتسهيلات بشروط ميسرة للصناعيين المتضررين.
 استراتيجية
 ويجد مدير صناعة ريف دمشق المهندس ابراهيم بقاعي أنّه إلى جانب هذه الإجراءات التي لابد من تحديد الصناعات الاستراتيجية كالأدوية البشرية وأغذية الأطفال والمواد الغذائية المعلبة والأسمدة والأدوية البيطرية وغيرها ذات التأثير المباشر على المواطن ونقلها مباشرة إلى المناطق الآمنة إلى جانب تأمين المساعدة لباقي المنشآت لتأمين حمايتها الفردية بالتنسيق مع الجهات المعنية والطلب من لجان الأحياء في الوحدات الإدارية تحمل مسؤولياتها في حماية المنشآت الموجودة في المناطق الساخنة بالسبل الممكنة وضمان استمرار عملها وفق ما هو مرخص وإبلاغ مديريات الصناعة عن الحوادث الإرهابية التي تحصل بحق هذه المنشآت فور حدوثها وتوثيقها ووضع خطة تطوير شاملة للقطاع الصناعي تترافق مع إعادة الإعمار وتشجيع المنتج الصناعي الوطني وحمايته ووضع ضوابط لتسرب العمالة الخبيرة.