"داعش" من أين يتغذى؟؟؟؟السرطان الذي سطا على أرواح وأرزاق شعبيّ دولتين

"داعش" من أين يتغذى؟؟؟؟السرطان الذي سطا على أرواح وأرزاق شعبيّ دولتين

الأزمنة

الأربعاء، ١٠ سبتمبر ٢٠١٤

*أحمد سليمان
تجاهد دول عدة على جبهات عديدة لتأمين احتياجات مواطنيها عبر استثمار الفرص المتاحة لديها في القطاعات الاقتصادية والخدمية وغيرها، إضافة إلى الاستدانة من الخارج من خلال قروض من دول أو منظمات أو صناديق دولية وهي بالكاد تصل من وراء كل ذلك إلى حد الوصول لسد الجزء الأساسي من احتياجات مواطنيها وسد متطلباتهم، فيما لا تبدو الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" تشكو نقص الموارد والتي فجأة ظهرت كسرطان يقضم جسد واقتصاد دولتين متجاورتين، إضافة إلى تهديد أمن وجسد دول عديدة عبر خلايا نائمة تنتظر إعلان قيادة هذا التنظيم الإرهابي الجهاد في هذه الدول.
وقد لا يختلف اثنان من العقال على خلفية هذا التنظيم الذي نشأ من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي وانتشر بسرعة كبيرة خارج توقعات من أسسوه، ونقصد تنظيم القاعدة الذي دعمته الولايات المتحدة وأسسته في أفغانستان في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي لمحاربة القوات السوفيتية في ذلك البلد، لدرجة خرج التنظيم الأساسي عن سيطرتها بعد ما أغرى وصوّر مؤسسوه للشباب الإسلامي أنّ الوصول إلى الجنة عبر الجهاد تحت لواء هذا التنظيم، وطبعاً بدعم وتسهيل من دول عربية وخاصة السعودية حيث أطلق على هؤلاء الشبان "العرب الأفغان" وكان جلهم من دول عربية عدة وبالأخص السعودية وزعيم هذا التنظيم أسامة بن لادن والذي أحل كل شيء في أفغانستان من أجل توسيع وتعزيز قوة هذا التنظيم عبر فرض فكر إقصائي وإلغائي لكل ما هو ليس معه، متخذاً شعارات إسلامية في الظاهر فيما يمارس فعلاً لم يكن موجوداً حتى في زمن الجاهلية.
 موارد تتوسع
ولعل استمرار هذا التنظيم في أفغانستان وسيطرته على مناطق واسعة جعلت من موارده تتوسع رغم الحرب الأميركية عليه أو تحت لواء ما يسمى التحالف الدولي واستهداف قواه وعناصره، إلا أنّ موارده لم تنقطع عبر استثمارات كثيرة وبشركات عالمية عبر وسطاء أو عملاء لهم، وهو ما يشير إلى استمراره لعقود في دول مثل أفغانستان وانتقال نشاطه إلى العراق واليمن والجزائر تحت مسمى القاعدة وانبثاق تنظيم داعش من رحمه في العراق وتمدده إلى سورية وإعلان ما يسمى دولة الخلافة.
وهذا التنظيم لم يكن يحرك الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها إلا ببعض الضربات التي كانت تقوم بها بين فترة وأخرى، إلا أنّ سيطرة التنظيم على مناطق منابع النفط في العراق التي بدت مهتمة اليوم أكثر من أي وقت مضى لمحاربته ليس بالطبع مكافحة للإرهاب، بل خوف على مصالحها بعد سيطرة التنظيم على منابع وحقول النفط في العراق وباعتبار العراق يعد ثالث بلد على مستوى العالم في احتياطي النفط وهو يصدر حالياً نحو 3 ملايين برميل نفط يومياً ويمكن أن تصل صادراته إلى نحو 7 ملايين، لو أتيح له العمل بكامل طاقاته.
 أغنى منظمة في العالم
صحيفة دايلي تيلجراف البريطانية اعتبرت أنّ تنظيم "داعش" أغنى منظمة إرهابية على مر التاريخ، لأنّه على مدى الستة أشهر الماضية ومنذ التنظيم اجتاح شرق سورية وغرب العراق، قدّر الخبراء أنّ ميزانيته تصل إلى 1.2 مليون جنيه إسترليني، أي أكثر من سجل الإنفاق العسكري السنوي الأخير لإيرلندا، وحسب بول ستيفان المتخصص في شؤون الشرق الأوسط من جامعة جورج تاون الأميركية أنّ "داعش" ينمو في المنطقة الأغنى بالغاز والنفط والتجارة وليست في صحارى أفغانستان. إضافة إلى أنّه بعد احتلال مساحات واسعة من غرب العراق سيطرت "داعش" على الأراضي الزراعية التي تنتج 40 بالمئة من القمح، وبدأ أعضاء الجماعة في طحن الحبوب في الصوامع الحكومية وبيع الدقيق في السوق المحلي.
فالتبرعات الخاصة كانت تصل "داعش" من مؤيديها في الخليج مثل السعودية، حسب الصحيفة، رغم صعوبة إرسال المال دون موافقة حكومية مشيرة إلى أنّه خلال الحرب في أفغانستان تمكن السعوديون من إرسال الدعم المالي مباشرة دون أي إشراف حكومي.
 ويدعم هذا الكلام تصريح للشيخ نبيل نعيم، مؤسس تنظيم الجهاد سابقاً، الذي قال إنّ تنظيم "داعش" بدأ من إبراهيم عواد البكري الذي كان محتجزاً في السجون الأميركية وأنفق مبالغ طائلة لعمل تنظيم "داعش" للقضاء على القاعدة في بلاد الرافدين، بتمويل كان يأتي من قطر وتسليح التنظيم من تركيا.
تلكؤ أميركي
ومن هنا يفسر التلكؤ الأميركي حيال استهداف هذا التنظيم في سورية نظراً لقلة الموارد النفطية في سورية من جانب ومن جانب آخر استمراره بتنفيذ الأهداف الأميركية عبر استهداف مقومات وقوة الدولة في سورية.. ويجد الباحث الاقتصادي في شؤون النفط زياد عربش أنّ خسائر قطاع النفط السوري أقل من مثيلتها العراقية. ويعود ذلك لعدم قدرة "داعش" على استخراج كامل المخزون النفطي في الحقول التي يسيطر عليها. فهو يستخرج حوالي 10 آلاف برميل يومياً من أصل 30 آلاف كانت تنتجها الدولة السورية، لافتقاره إلى المعدات والفنيين.
مع الإشارة إلى أنّ اعتماد التنظيم على الطرق البدائية في استخراج النفط وتكريره يلحق ضرراً بحقول النفط التي يسيطر عليها، وقد يجعلها مع الوقت غير قابلة للإنتاج.
 السوري أغلى
وتشير تقارير إلى أنّ التنظيم يستهلك حاجته من هذا النفط، ويستخدم الباقي في تمويل خزينته وذلك عبر بيع برميل النفط السوري بسعر يتراوح بين 50 و60 دولاراً من خلال صهاريج تذرع الحدود التركية السورية ذهاباً وإياباً، أما برميل النفط العراقي فيبيعه بسعر يتراوح بين 20 و30 دولاراً.
عند دخول "داعش" إلى سورية وإعلان العديد من المجموعات المسلحة ولاءها لها وجّهت كل قواها إلى السيطرة على البلدات والقرى المحيطة بحقول النفط والتي جزء من سكانها يسيطرون على هذه الحقول ويستخرجون، إما يبيعون نفطها خاما أو يعيدون تكريرها بطرق بدائية أدت إلى انتشار أمراض كثيرة دفع بجزء غير قليل من سكان تلك المناطق ومن القادرين على الرحيل إلى ترك تلك المناطق، وهذا الجزء من سورية يعد بالطبع منابع ومصادر النفط فيها، لكن إنتاج سورية المتضائل عاماً بعد عام لم يكن ليغري الأميركان في ضرب "داعش" من جانب ولأمر آخر هو عدم وجود فرص كبيرة للاستثمار الأميركي للنفط في سورية.
تركيا المتورطة
وبالطبع السيطرة على منابع النفط ليس كل شيء، فعملية استخراجه ونقله وتسويقه وبيعه تتطلب جهوداً منظمة كانت المجموعات المسلحة في سورية قد مهدتها وفتحت طرقاتها عبر تركيا وهو ما استفاد منه التنظيم فيما بعد، حيث تشير تقارير إلى أنّ طرقات محددة وأشخاصاً معروفين يقومون بتسويق النفط السوري والعراقي وتصديره عبر تركيا أو تكريره هناك، ما يجعل تركيا متورطة حتى الأذنين في تمويل هذا الإرهاب الذي صدر قرار لمجلس الأمن يمنع ويحذر من تمويل هذا التنظيم ("داعش" وجبهة النصرة).
 وتدل بعض التقارير إلى أنّه يُصدر إلى تركيا ما بين 150 _ 250 ألف برميل يومياً من النفط السوري والعراقي يباع البرميل بسعر وسطي يصل إلى 50 دولار ما يفي وصول نحو 1.250 مليون دولار يومياً للتنظيم الذي أغرى الكثير من المسلحين للانضمام إليه بسبب المبالغ الكبيرة التي وزعها.
في حين تبيّن الديلي تلغراف أنّ أعظم انتصار مالي لـ"داعش" عندما استولت على مدينة الموصل العراقية حزيران الماضي ونهبت بنوك المدينة، فقد استولت على نحو 240 مليون جنيه إسترليني، على الرغم من نفي الحكومة العراقية للسرقة في وقت لاحق، وهي تسيطر أيضاً على خمسة حقول للنفط أي تحصل على 1.8 مليون جنيه يومياً كإيرادات، بالإضافة إلى تهريب النفط عبر الحدود، إلى جانب الابتزاز المالي عن طريق خطف الرهائن وطلب فدية مالية.
ذئاب إلى بيت الجار
وعلى المدى القصير فإنّ التنظيم إذا لم تتوفر إرادة دولية، بل أدوات ووسائل عملية تحجم منه وتقلل من حركة موارده المكشوفة (النفط) فإنّ عملية استئصاله ستكون صعبة للغاية وسوف تظل هذه المنطقة من سورية والعراق ساحة حرب طويلة الأمد واستنزاف لقوة واقتصاد وإمكانات البلدين، هذا إذا لم يمتد إلى دول أخرى كانت قد ساهمت سلطاتها في مد هذا التنظيم بالعتاد والسلاح والآن يعلن انقلابه عليها وبالأخص السعودية وعدد من دول الخليج، وذلك كمن جلب ذئباً إلى مزرعة جاره وبعدها هل يسلم إذا ازداد عدد الذئاب...!!!!؟؟؟
لا ندري كيف يفكر سياسيو وحكام تلك الدول هذا إذا كانوا يفكرون بالأساس بنظرة إستراتيجية ويقودون المنطقة والعالم إلى سرطان من الصعب استئصاله والدليل على تنظيم القاعدة الذي امتد لعشرات السنوات وتحت مسمى واحد، كيف هو الآن وقد فرّخ تنظيمات أخرى أعلنت إلغاء الآخر_ أي آخر.. وذهبت بالعالم إلى حرب لا تكاد تنتهي في سنوات قليلة في ظل فكر إقصائي ينتشر كالنار في الهشيم تغذيه موارد منظورة وغير منظورة لا يمكن تقديرها.