"مؤونة" السوريين..هل تصبح ترفاً؟!

"مؤونة" السوريين..هل تصبح ترفاً؟!

الأزمنة

الخميس، ٤ سبتمبر ٢٠١٤

الأزمنة | بسام المصطفى b.almustafa3@gmail.COM
لطالما تفننت الأسر السورية بطرق تحضير المؤونة، إلا أنّ ما هو واضح أنّ هذه المؤونة تكاد تتلاشى مع الارتفاع الكبير في أسعار الباذنجان والفليفلة والثوم والجوز في الأسواق المحلية حتى يكاد الحديث عن أكلة "المكدوس" وشرائها لهذا الموسم بمثابة أضغاث أحلام تدغدغ مخيلات المواطنين, وخاصة مع اقتراب بدء العام الدراسي وما يحمله من هموم متعلقة بشراء الألبسة المدرسية والقرطاسية وغيرها من الأعباء التي رصدتها مجلة الأزمنة عبر هذه اللقاءات:
بين الإصرار والابتعاد ..
 تفاوتت رغبات المواطنين بين مؤيد ومصرّ على شراء المؤونة وبين مبتعد عنها, وما بينهما حديث ذو شجون وتقليب للمواجع. وبحساب بسيط لتكلفة أطعمة المؤونة نجد أنّها أصبحت تكلف مبلغاً من المال لا يستهان به فالكيلو الواحد من الباذنجان اليوم يباع بـ 105 للنوع الجيد و85 للنوع المتوسط، وسعر الكيلو الواحد من الفليفلة الطازجة هو 175 وسعر الكيلو الواحد من دبس الفليفلة يتراوح بين 800 إلى 1100 ليرة حسب الجودة والنقاء، وسيد الأسعار الباهظة هو الجوز الذي تراوحت أسعاره بين 3000 آلاف ليرة و4500 ل.س وكذلك الأمر بالنسبة لزيت الزيتون المستخدم في تخزين المكدوس حيث أصبح سعر الليتر الواحد يتراوح بين 1000 إلى 1400 ليرة حسب الجودة أيضاً، وبالنسبة للمربيات أصبحت ترفاً لا يحلم به السوريون؟!! 
حسابات ربّ الأسرة ؟!!
إن أراد ربّ الأسرة أن يؤمن 50 كغ من المكدوس لأسرته فهذا يتطلب منه أن يدفع 3250 ليرة ثمن الباذنجان على سعر 65 ليرة تقريباً و7500 ليرة ثمن 25 كغ فليفلة على سعر 150 ليرة للكيلو غرام, إضافة إلى حدود ألفي ليرة من الثوم الذي وصل سعر الكيلو غرام منه إلى 200ليرة, و7500 ليرة ثمن الجوز على سعر بحدود 2500 ليرة للكيلو، إضافة إلى حاجة هذه الكمية بحدود عشرة آلاف ليرة زيت زيتون, لتصل التكلفة الكلية إلى أكثر من 30 ألفاً و250 ليرة أي إنّ تكلفة الكيلو غرام ستصل لأكثر من 600 ليرة, وإذا افترضنا أنّ الكيلو غرام فيه عشر حبات باذنجان فإنّ تكلفة المكدوسة الواحدة ستصل إلى 60 ليرة أي إنّ المكدوس تحوّل من طعام للفقراء إلى طعام للأثرياء فقط على صعيد الأسعار !!.
أسعار البيع في الأسواق
تفاوتت أسعار بيع الباذنجان والفليفلة والثوم بين سوق وآخر فقد شهدت أسواق دمشق تفاوتاً في الأسعار, وتفاوت سعر الباذنجان من 35 إلى 65 و 75 ليرة ليصل في بعض المحلات والبسطات إلى مئة ليرة لنفس الصنف، أما الفليفلة الحلوة فتفاوت سعرها ما بين 50 ليرة لدى البعض إلى 100 ليرة و 150 ليرة بالحد الأقصى, في حين استقرت الفليفلة الحادة عند سعر 150 ليرة فما فوق، أما الجوز فتفاوتت أسعاره حسب النوع من 1000 ليرة للكيلو غرام إلى 3800 ليرة بالحد الأقصى، علماً أنّ هناك أنواعاً تباع بـ 2100 ليرة وأنواعاً أخرى بـ 2300 ليرة و....الخ ووصلت صفيحة زيت الزيتون ذات الوزن 16 كغ إلى عشرة آلاف ليرة، الأمر الذي جعل تأمين مؤونة المكدوس لهذا العام ضرباً من الإعجاز لدى بعض الأسر وأثقل كاهل البعض الآخر.
حديث "المؤونة" ذو شجون !!
جمعة الجاسم موظف ويقطن حالياً في شقة مستأجرة في جرمانا والذي بادرنا بسيل من الأسئلة الصعبة والمحرجة عن أي موسم مؤونة تتحدث.. وأي مكدوس سوف نموّن ..!!؟ يا رجل بالكاد أستطيع أن أدفع أجر الشقة البالغ 16 ألف ليرة.. المؤونة نسيتها منذ ثلاث سنوات من عمر الأزمة .. وتابع: هل تصدق أنّني لا أرى أطفالي الثلاثة سوى يوم الجمعة كوني مرتبطاً بعمل آخر عقب دوام الوظيفة كي أستطيع تلبية احتياجات العام الدراسي الجديد من أقلام ودفاتر وحقائب .. وأردف بسؤال مؤثر: هل تصدق ما قالته لي طفلتي البالغة من العمر سبع سنوات "بابا اشتريلي قلم ودفتر وما بدي شنتاية بعرف ما معك مصاري" فكيف لي أن أفكر بالمكدوس الذي يكلف حوالي 15 ألف ليرة سورية لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص وماذا عن المازوت ؟! وختم بالقول: أهرب من البيت من كثرة المصاريف .. "وكتر خيرو يلي بيفتكرني بمطربان مكدوس صغير هذا الموسم"!!
على الضفة الأخرى قبلت السيدة أم فارس موظفة التحدي وخاضت موسم المؤونة باقتدار واستطاعت شراء 53 كغ باذنجان لزوم المؤونة بسعر 75 ل. س للكغ و2 كغ جوز بـ7500 ل. س وتجهد لتأمين الزيت النباتي لإتمام العملية بنجاح وقد دفعت حتى تاريخه 15 ألف ليرة سورية ما عدا الزيت, وعن هذه الخطوة الجريئة قالت: أصررت منذ بدء الصيف على عمل "المكدوس" مهما كان الثمن كوني لم أتمكن من القيام بذلك الموسم الماضي رغم إلحاح أطفالي المتكرر على عمل المكدوس فهي أكلة شعبية محببة لأطفالي الخمسة وقررت أن لا أحرمهم إياها. بينما قال أحمد حلاوة الموظف "أحب "المكدوس" ولا أستغني عنه مهما كلف الأمر, اتفقت أنا وزوجتي على عمل "المكدوس" بكمية 15 كغ بعد أنا كنا نموّن 50 كغ كون أسعار الجوز والباذنجان والفليفلة مرتفعة جداً فسعر كيلو الجوز البلدي غير المكسر «حب بقشره» 2500 ليرة والمكسر منزوع القشرة 3500 ليرة.
المكدوس حلماً!؟
السيدة هناء فياض "موظفة" قالت: اعتدت كل عام أن أقوم بإعداد نوعين من المربيات وهما مربى المشمش والفريز، ولكن بسبب ارتفاع أسعار الفاكهة لم أتمكن هذا العام من إعداد أي نوع من أنواع المربى. وعند سؤالها عن باقي الأطعمة أوضحت "المكدوس أصبح حلماً وكذلك الأمر بالنسبة للزيتون، الكيلو الواحد من الجوز الأوكراني أي النخب الثاني سعره اليوم 3500 ليرة، وأنا ربة منزل وزوجي موظف حكومي يتقاضى 21 ألف ليرة شهرياً، ولوازم المدارس قد كسرت ظهرنا وراكمت علينا ديوناً كبيرة جداً، وللعام الثاني على التوالي يخلو بيتي من أطعمة المؤونة التي كانت سنداً كبيراً لمائدتنا في الإفطار والعشاء. وشاطرتها زميلتها منى بالقول: "المكدوس هذا العام كما العام السابق، حلم صعب التحقيق". وعند سؤالها عن السبب أجابت: فلنحسب سعر المواد المطلوبة، سعر الكيلو الواحد من الجوز البلدي كما قال لي البائع البارحة هو 2500ليرة، وسعر الكيلو الواحد من دبس الفليفلة المستخدم بالمكدوس هو 850 ليرة، فكيف لي أن أفكر حتى مجرد تفكير بإعداد المكدوس، وختمت " الله يرحم زمن الــ 100 كغ مكدوس ومثلها زيتون .. 
الزوج مكره لا بطل ؟!!
تحت إصرار ربات المنازل على تحضير مؤونة الشتاء خاصة "المكدوس" رضخ العديد من الأزواج لرغبات الزوجات فالشاب زياد أبو معاذ "موظف" يروي لنا أنّه اضطر لشراء 15 كغ باذنجان استعداداً لعمل أكلة "المكدوس" ويستعد لشراء بقية المكونات بداية الشهر القادم ورصد لذلك 20 ألف ليرة سورية مطبقاً مقولة "مكره أخاك لا بطل" وتابع: الأسعار مرتفعة جداً لكن لابد من الشراء والمؤونة والتحضير لموسم المدارس وختم: كان الله بعون المواطن السوري.
رحم الله "الزوادة" !!
محمد مسعود "عامل بالقطاع الخاص" قال رحم الله أيام الزوادة التي كانت تحضرها لي زوجتي وتتكون من الزيتون ومربيات وحتى المكدوس والزعتر, ولكن اليوم لم يعد باستطاعته أخذ زوادة طعام ليقتات أثناء عمله الليلي وذلك حسبما قال بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وعدم قدرته على تحمل كلفتها، وتحدث عن ذلك قائلاً: واجهت وزوجتي صعوبة كبيرة جداً في العامين المنصرمين لتغطية النقص بالغذاء في بيتنا لأنّ المكدوس والزيتون كانا ركنين أساسيين في مائدتنا، أما اليوم فلم يعد بوسعي تحمل كلفة مواد المكدوس، وكذلك الأمر بالنسبة للزيتون لأنّ لا أقارب لي يملكون أراضي زراعية حيث يمكن أن أحصل منهم على الزيتون، ولست أنا بمقتدر مادياً حتى اشتري الزيتون، ولهذا تخليت مجبراً عن أحب نوعين من الأطعمة إلى قلبي، ويبدو أنّني قريباً أيضاً سأتخلى عن الزعتر لأنّ سعر الليتر الواحد من زيت الزيتون أصبح 1000 ليرة وهذا ما لا طاقة لي بشرائه ما إن تنتهي الكمية التي عندنا في المنزل. وبيّنت أم طارق ربة منزل "إعداد المكدوس يحتاج جهداً كبيراً جداً من سلق للباذنجان وطحن الفليفلة الحمراء وعصرها تهيئة لوضعها ضمن حشوة المكدوس، ولكن الأسعار الفظيعة جعلتني أغيّر قليلاً، حيث امتنعت هذا العام عن شراء الجوز البلدي لأنّ سعره حوالي 4آلاف ل.س واكتفيت بالجوز الأوكراني ذي النوعية الأقل من البلدي وعبوة زيت الزيتون ذات 20 ليتراً اختصرتها فبت اشتري عبوة الـ 12 ليتراً، وبالنسبة لدبس الفليفلة الذي كنت اشتريه جاهزاً اضطررت هذا العام لصناعته يدوياً لأنّ سعر الكيلو الجاهز وصل إلى 1000 ليرة، وهذا صعب علي أن أدفعه ثمن كيلو واحد من دبس الفليفلة لذلك قمت بشراء 3 كغ من الفليفلة الحمراء الطازجة بسعر 175 ليرة للكيلو الواحد، وقمت بإعدادها من سلق وعصر حتى نتج عندي ثلاثة أرباع الكيلو من الدبس، والقشور التي زادت عن عملية العصر لم أتخلص منها وإنما استخدمتها في الحشوة أيضاً، وهذا ما لم أتوقع أن أفعله، بالأخص أننا مقدرون مادياً، ولكن القدرة المادية ليست مبرراً حتى نرمي النقود في الهواء، ومن يشتري المأكولات أو المواد الجاهزة من السوق هو يرمي نقوده حقاً. وتابعت: كانت مأكولات المؤونة جزءاً لا يتجزأ من بيوتنا فقراء أو أغنياء، ولكنها اليوم صارت مأكولات الأغنياء فقط، والدراويش أمثالنا ليس لهم سوى الله يشكون له الفاقة وقلة الحيلة. وتقول السيدة مريم عامر: إنّها اضطرت إلى تأجيل شراء المكونات الأساسية لإعداد مؤونة المكدوس، نظراً لترافق موسم إعداد المؤونة مع افتتاح المدارس، وتضيف: لكنني فوجئت أنّ التأجيل لم يكن لمصلحتي فقد ارتفعت أسعار الباذنجان من 75 إلى 85 ليرة للكيلو الواحد وسعر الجوز من 2800 ليرة سورية البلدي إلى 3500 ليرة سورية فيما يباع الجوز الأوكراني بـ2600 ليرة من إنتاج العام الحالي، أما الجوز من إنتاج العام السابق والتي بدأت مظاهر الخراب والقدم تظهران عليه فيباع بـ2100 ليرة سورية للكيلو.
أجور النقل ترفع أسعار الشراء
وهو ما أوضحه أحد بائعي الباذنجان قائلاً: إنّ أسعار الجوز ارتفعت هذا العام بسبب ارتفاع أجور النقل حيث كان كيلو الجوز البلدي الجيد يباع العام الماضي بين 800 -900 ليرة بينما وصل سعره هذه الأيام إلى 2100 -4000 ليرة, وخاصة أنّ معظمه يجلب من محافظة حلب بينما وصل الجوز الأوكراني أو الأوزباكستاني إلى 2500 -2900 ليرة سورية، لافتاً إلى وجود أنواع رخيصة الثمن من الجوز البلدي يتراوح سعرها بين 900- 2000 ليرة بسبب قدمها وتغير طعمها إلى حد ما.