في درعا "فلوكيسترا" تفتك بزراعة العنب وموجة الحر بالمرصاد!

في درعا "فلوكيسترا" تفتك بزراعة العنب وموجة الحر بالمرصاد!

الأزمنة

الاثنين، ١٨ أغسطس ٢٠١٤

محمد العمر
 تحتل شجرة العنب مكاناً مرموقاً بين الأشجار الأخرى بمحافظة درعا، وتشهد زراعتها إقبالاً كبيراً من قبل الفلاحين وفق الطرق الحديثة، حيث تصدرت مزارع العنب المرتبة الأولى في الأراضي المروية بدرعا ووصلت المساحة المزروعة بهذه الأشجار إلى أكثر من 27 ألف دونم, فيها حوالي مليون ونصف شجرة أغلبها من نوع المائدة والتصديري، حيث تشتهر مناطق نوى وتل شهاب ومزيريب والعجمي وزيزون وجلين وطفس بمزارع العنب نظراً لتوافر مياه الري ورغبة الفلاحين بزراعتها كونها من الزراعات التي تدر دخلاً جيداً ويعيش من هذا الدخل آلاف العائلات في ريف المحافظة.‏ 

متطورة ..ولكن..!
كما هو معروف فإن زراعة الكرمة في درعا قد شهدت خلال السنوات العشر الأخيرة تطوراً ملحوظاً من حيث اتساع المساحات المزروعة وزيادة كميات الإنتاج وتحسن النوعية واتباع الطرق والأساليب الزراعية الحديثة, وأصبحت تحتل المرتبة الثانية بالمحافظة بعد الزيتون من حيث مساحة الأراضي المزروعة وعدد الأشجار. ويبلغ عدد أشجار الكرمة مليوناً و 648 ألف شجرة جميعها في طور الإنتاج أو الإثمار, والمساحة المزروعة 2670 هكتاراً, ويتراوح الإنتاج السنوي بين 60 و 65 ألف طن في السنوات الجيدة، حيث يصل إنتاج الشجرة الواحدة المزروعة في الأراضي المروية إلى /36/ كيلوغراماً و/10/ كيلوغرامات في الأراضي البعلية وفقاً لرئيس دائرة الإنتاج النباتي في مديرية الزراعة المهندس بسام الحشيش. ويوضح الحشيش أن الإنتاج المتوقع للموسم الحالي يصل إلى 19 ألف طن، مرجعاً أسباب انخفاضه مقابل المواسم السابقة إلى موجة الحر التي شهدتها المحافظة بداية شهر تموز الماضي, وقلة المياه والخدمات والأسمدة, إضافة إلى اضطرار أعداد من المزارعين إلى ترك بيوتهم ومزارعهم, وصعوبة قطف الثمار أحياناً نتيجة الأزمة التي تمر بها سورية.

خسائر للمحصول.!
عشرات المزارعين في مختلف مناطق درعا أكدوا أن محصول العنب بدرعا هذا الموسم شهد خسائر كبيرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير بداية الشهر الجاري وهي فترة بداية نضوج العناقيد، ويقدر المزارعون نسبة تلف (هلط) المحصول بنحو  80% من العناقيد، هذا ما سيؤدي إلى تراجع كميات الإنتاج المتوقعة لهذا الموسم وتقدر مصادر المزارعين نسبة التراجع بالإنتاج بحوالي 45 ألف طن من أصل ما هو مقدر بالمواسم الماضية، حيث كانت كميات العنب القابلة للاستهلاك، والمنتجة في المحافظة بالموسم الماضي 2013 تقدر بنحو 60 ألف طن من العنب التصديري، وعدد الأشجار أكثر من مليون ونصف شجرة مختلفة الأعمار. وغير ذلك لا يخفي المزارعون خوفهم من مرض الفلوكيسترا الفتاك الذي يحصد الأخضر واليابس وهو أرق للفلاح كل عام يتكرر، ولا سبيل لإنقاذ المحاصيل منه إلا بالعناية الحثيثة والدؤوبة، وهو في وقت الأزمة وشهود التوترات في بعض المناطق يعني الشيء الكثير حين لا يجد المزارع وقتاً آمناً لتفقد محصوله، وأشار بعض المزارعين إلى أن بعض أشجار العنب تعاني من مرض الفلوكسيرا الذي يحتاج لأدوية باهظة الثمن لعلاجه ومكافحته، الأمر الذي أدى لقلع الكثير من الفلاحين مزارعهم المريضة واستبدالها بزراعات أخرى أقل كلفة مثل الرمان والزيتون.‏
وعن أسعار مبيع مادة العنب في أسواق هال درعا ودمشق أكد المزارع محمد الفرحان أن أسعار العنب هذا العام ستكون مرتفعة جداً لارتفاع التكلفة في سقيها والاعتناء بها وقطافها ونقلها، مضيفاً: إن الأسعار المرتفعة في المواد الأولية أثرت بشكل ملحوظ على دخل المزارعين الذين يتكلفون الأموال الكثيرة على محصول العنب من أدوية حشرية وحراثة وسقاية وشبكات ري وأسمدة, حيث وصل سعر مبيع طن السماد في السوق السوداء نحو 400 ألف ليرة وهو غير متوافر، حيث ينتج دونم العنب المروي نحو 2.5 طن والبعل حوالي الطن فقط.‏. وأشار المزارع أحمد علي إلى أن زراعة العنب بدرعا تطورت كثيراً بعدما كانت منزلية في الحواكير وأصبحت شائعة بكثرة ويعيش من إنتاجها آلاف الأسر، ولكن الخطأ الذي وقع به المزارعون بدرعا هو اتجاههم نحو زراعة أشجار العنب التصديري من النوع القاسي الذي يصلح للمائدة وليس للعصير والمربيات.‏  كما أشار الفلاح علي فلاح إلى أن الميزات التي يتمتع بها محصول عنب حوران ليست موجودة في أي محافظة أخرى من حيث جمالية اللون وحجم العناقيد ونضوج حبات العنب، ويعود ذلك الأمر إلى درجة السطوع الشمسي في فترة النضوج بالمحافظة, حيث تكون مناسبة تماماً ما يعطي عناقيد العنب النضارة والنكهة اللذيذة.‏ وأشار المزارع مناف العثمان إلى أن مزارع العنب بدرعا حديثة ومتطورة وتستعمل فيها أحدث طرق الري التي كان لها الدور الكبير في زيادة الإنتاجية وتوفير المياه والأسمدة والأيدي العاملة والوقود، ولكن الشيء الذي يرهق كاهل المزارعين هو ارتفاع أثمان الأسمدة والمبيدات وأجور الأيدي العاملة من بقاء الأسعار على حالها.‏
مطالب محقة
من هنا يطالب فلاحو درعا بزيادة الدعم لزراعة الكرمة بما فيها التخلص من التحديات التي تواجه هذه الزراعة، ويذكّر عدد من الفلاحين بضرورة معالجة الصعوبات التي تعترض زراعة الكرمة التي تعتبر من الزراعات القديمة والمتجذرة في المحافظة, وخاصة ارتفاع تكاليف الإنتاج بعد ارتفاع أسعار الأسمدة والمحروقات والأدوية الزراعية، ويشير منتجو العنب إلى أن تسويق العنب في هذا العام يتعرض لصعوبات عديدة أهمها ارتفاع تكلفة نقل المحصول من المزارع إلى أسواق الهال, حيث ترتفع تكلفة نقل الكيلو الواحد أكثر من أي عام مضى مقارنة مع العام الماضي, وذلك  حسب الظروف الأمنية, إضافة إلى ارتفاع أسعار العبوات البلاستيكية وأجر القطاف والتعبئة والفرز وغيرها من الأمور، ما يجعل الأرباح الداخلة إلى جيب الفلاح رغم السعر المرتفع للعبوة الواحدة.
الدور المهم للمدارس الحقلية
رئيس دائرة الإرشاد الزراعي المهندس محمد الشحادات يبين الدور المهم للمدارس الحقلية في توعية مزارعي العنب من خلال نشر التقانات الزراعية الحديثة من أجل الوصول إلى زراعة نموذجية تتبع فيها أفضل الطرق والأساليب المتطورة وصولاً إلى الإنتاج الوفير كماً ونوعاً مشيراً إلى أهمية التنسيق بين الجهات المعنية ومزارعي الكرمة في المحافظة لتطبيق وسائل وطرق الإدارة المتكاملة للوقاية من الآفات التي تصيب شجرة الكرمة كونها من الزراعات شديدة الحساسية التي تتعرض خلال مرحلة الإنتاج. ويؤكد الشحادات أن الدائرة جاهزة للتعاون مع المزارعين للتحري عن الآفات ومكافحتها بالتعاون مع دائرة الوقاية من خلال استخدام الوسائل المتاحة "الحيوية والزراعية والكيماوية والميكانيكية" والحد من آثارها دون الضرر الاقتصادي.
وتنتشر مزارع الكرمة في مختلف أنحاء محافظة درعا وخاصة في منطقتي الاستقرار الأولى والثانية في نوى وطفس وتل شهاب وزيزون والمزيريب والعجمي والأشعري وجلين وغيرها حيث تتوفر في هذه المناطق الشروط الملائمة لزراعتها مثل مصادر مياه الري كالسدود والآبار الارتوازية, إضافة إلى خصوبة التربة وملائمة الظروف المناخية, فضلاً عن رغبة المزارعين بزراعتها كونها تدر عليهم دخلا جيداً, وتؤمن فرص عمل لجميع أفراد العائلة حيث يصل سعر كيلو العنب من النوع الجيد في أسواق درعا اليوم إلى نحو 150 ليرة سورية.