هل ثمة اختلاف بين إجابة وأخرى؟

هل ثمة اختلاف بين إجابة وأخرى؟

الأزمنة

الأحد، ١٧ أغسطس ٢٠١٤

زهير جبور
لم تكن إجابة مختلفة عن أخرى بخصوص سؤالنا عن الحال( كيف الحال)؟ قابلتنا هزات رأس متتالية إيحاؤها التعبيري إنه ممنوع من الصرف، ونظرات مذهولة ترجمتها، ما هذا السؤال الذي في غير مكانه وزمانه؟ وراعينا أن تحدد عدة نماذج مختلفة، مع التقدير لحال الفقراء فتوجهنا إلى شهادات علمية. وأخرى مهنية. متوقعين أن يكون عندهم أفضل، وبطبيعة الحال لم نقترب من التجار، ولا من يعملون في الفساد، ويرغبون أن تطول الأزمة، وقد حققوا في سنواتها ثروات خيالية، وأمثال هؤلاء فقدوا الحياء تماماً، وهم يتصدرون مجالس القيم والدفاع عن الوطن، ويدلون بآرائهم، ويتبجحون ويظهرون الوفاء، وفي حقيقة الأمر يتاجرون ويستغلون، ولا يهملون فرصة دون فائدة، وهو ما دفعنا للتفكير في الحال التي وصلنا إليها جامعة بين الإخفاق الكلي للمثل وبين التضحيات الكبيرة لأبناء الوطن الذين آمنوا واندفعوا واستشهدوا، وعلى حساب دمائهم شكّل هؤلاء ثرواتهم، واحتلوا مواقعهم، أزمة لعينة أخرجتنا عن سلوكيات كنا ندعي إعلامياً التمسك بها.
•    كيف الحال؟
حمل الجواب ابتسامات فارغة، لا طعم لها ولا لون، رأيته ليلاً يبسط على الأرض أمامه مجموعة من لعب الأطفال (البلاستيكية) تخطى الستين من العمر، وهو من مدينة حلب، يسكن مع أولاده حالياً في حي الرمل الجنوبي، صباحاً يتقاسم شراء دفتر أوراق اليانصيب مع شخص آخر ويجول الشوارع لبيعها، وليلاً يفرش الألعاب حتى وقت متأخر، أوراق اليانصيب لا تطعم خبزاً، بعد أن دبّ اليأس في قلوب الناس وأيقنوا أن الحظ هجرهم ولا أمل في الربح، هكذا فلسف الموضوع، وأشار إلى اللعب موضحاً أنها من النوع التجاري، ولا تجذب الأطفال، خاصة أولئك الذين تصحبهم أسرهم هرباً من حر البيوت وانقطاع التيار الكهربائي، أي ما يعني أن الحال سيئة جداً، وما زاد السوء ارتفاع ثمن الخبز والسكر والأرز، كنا نتدبر أمر طعامنا وأولادنا، ونكثر من أكلة (المامونية) هي ليست منتشرة في اللاذقية ولا يأكلونها، تتألف من سكر وسميد وجبنة، منذ أكثر من سنة لم نضع الجبنة فيها، وصرفنا النظر عنها، مكتفين بالسكر والسميد فقط، ونشكر الله ونحمده منتظرين الفرج، هذه الأكلة قبل ارتفاع الأسعار كلفتها /300/ ل.س فجأة رفعت الحكومة ثمن السكر المدعوم كما يقولون وربطة الخبز والسميد أيضاً، وأصبحت المامونية تكلف المبلغ مضاعفاً، هذا ما حصل في شهر رمضان، ترى لو أخرت الحكومة قرارها في الرفع إلى ما بعد عيد الفطر هل كانت وقعت عليها الخسائر الفادحة جداً؟ ولذلك لم تستطع الانتظار.
•    وقادنا الحال
كان لا بد من أن يقودنا للكشف عن انعكاس سعر ربطة الخبز على الفقراء، أصحاب الدخل المحدود جداً، واللادخل، في بعض الآراء إنها زيادة معقولة أمام فحش الأسعار الأخرى، وثمة من قال: أبداً هي ليست مقبولة، وجاء موعدها الرمضاني كنوع من استهداف المستهدف ويكفي ما فينا من شقاء، كيف تفكر الحكومة؟ وهل ثمة شعور لدى المسؤولين والمخططين أن لا جوع بين أبناء الشعب، والكثيرون يأكلون الخبز متفرداً إن توفر ثمنه، وفي حال الرفاهية إلى جانبه الشاي، وكانت تصريحاتهم تؤكد أن لا ارتفاع على أسعار المواد المدعومة، وما لدينا من احتياطي يساهم في توفير الخبز لسنوات قادمة، ولا خوف من الجوع، لكن الخوف حل وجعنا ووقع فوق الرؤوس، لا بأس لو أن هناك دراسة حقيقية للحدّ من الهدر والإنفاق في المؤسسات والمديريات العامة نفذت، لوجدت أن بعض الوفرة فيها يمكنها أن تنقذ، وعربات المسؤولين يقودها أولادهم (يشفطون) في الشوارع وأكاليل الزهور تقدم في أي مناسبة، وجميع ما عُلق من يافطات رفعتها الجهات العامة لم يكن ثمنها من جيوبهم، وكان الإخلاص الفعلي يقتضي أن لا تحال فواتيرها إلى الصندوق، مع زيادات, وإصلاح العربات على حاله بل أصبح متضاعفاً فوق المنطق، والقرارات صريحة بهذا الخصوص ولا أحد يعمل بها، وليس من يحاسب أو يراقب، وبالمناسبة لم يتراجع بعض السادة عن تغيير أثاث المكاتب، وهكذا دون تمهيد أو تبرير ترتفع أسعار مواد هي شريان العيش عند الفقراء، فماذا عن الحال والتحمل والصبر وحماية المستهلك؟ وغيرها الكثير، ترافق ذلك مع إشاعة انتقلت كالهواء حول ارتفاع سعر (المازوت) وبدأت أزمة محطات الوقود، سائقو سرافيس النقل رفعوا أجرتهم حالاً، ومع احتجاج بعض الركاب كان جوابهم أن محطة الوقود سترفع التسعيرة أيضاً لتأخذ الإشاعة مكان القرار الذي لم يعلن، ولقي ترحيباً من أصحاب المصلحة وقد سارعوا تلقائياً لتنفيذه، جهات الرقابة في كبوة، ومكاتب المسؤولين لا يؤثر على مبرداتها انقطاع التيار، فثمة البديل المتوفر، وارتفاع الحرارة يحول دون تفقدهم حال الناس وهكذا.
•    ليس في الخبز
منذ القدم وأبناء سورية ينتمون لمجتمع أكلة الخبز، وفقوا بين الكلمة التي تخرج من فم الرب وبينه، وجميع الحكومات من قبل الأزمة وبعدها ترى بتوفر الدقيق ما يحمي من الجوع، وفي الماضي البعيد كان الخبز يحضر على الصاج، غالباً في الأحياء أو البيوت، ويا له من زمن جميل، كانت فيه البركة، والرغيف الواحد يشبع مجموعة، ألم يأكل من السمكة 1300 رجل وامرأة؟ وشبعوا، إنها مباركة الرب ونعمته، بسبب تراجع الإيمان غابت البركة كما كانت تعبر جداتنا، افتقدناها، كنا نأكل الخبز مع الأرز، والبرغل، والحلاوة، والتين، والجبس، والخضار، وحين صنع (الصمون) وكان جديداً علينا صرنا نلف الصمونة بخبزة الصاج، أجيال كبرت على هذا، أما اليوم فثمة من لم يأكل الخبز منذ ولادته استبدله بالذهب، ومن وفرت لهم الأزمة المال الكثير على حساب أبناء الشعب، أدخلوه على أصناف طعامهم الفاخرة جداً، ومن أين للفقراء أن يدرجوا التين في رغيف الخبز إذا وصل سعر الكيلو منه (600) ل.س وهو ليس مستورداً ولا مجمركاً، ولا ضريبة عليه إلا ما يتقاضاه خفية حامي المستهلك، يا فقراء الأزمة الملعونة كفوا عن أكل الخبز أيضاً فليس به وحده يحيا الإنسان.
•    سنظل أوفياء
ومع جولة كيف الحال هذه، وردت إجابات لا تختلف في مضمونها بين واحدة وأخرى، انقطاع التيار لساعات طويلة شل حركة الحياة، ثمة أطباء عياداتهم في قرى الريف لا عمل لديهم، وصيادلة أيضاً، وفي المدينة الحصول على مادة البنزين لتشغيل المولد يحتاج لوساطة عمال المحطات ومن يحمل (بيدونه) يقابل بالرفض (ما عنا) أما عند الأمهات من الأسر الفقيرة، فالعودة (للنملية) هي الحل، ولا شيء يحفظ في البراد، ولا طبخة يمكن تركها لليوم التالي، قالت أم عماد كل شيء حتى الطبيعة ليست مع الفقراء، وأجابها أبو عماد (الله بيفرجها يا مرة، بدها صبر) ولمن لا يعرفون (النملية) هي القطعة الخشبية ذات الرفوف، وكانت تخرج مع جهاز العروس، تغطي واجهتها بشباك ناعمة استعملت تاريخاً لحفظ الطعام، وتوضع في مكان مناسب للتهوية، وتم الاستغناء عنها بعد التطور، ودخول البراد إلى الحياة العامة، والعودة إليها أصبحت ضرورة.
•    لا دخان بلا......
انتشرت على نطاق واسع جداً خبرية غلاء المازوت، وقد طبقت عند البعض قبل إعلانها، وحسب التقديرات لم تصدر إشاعة ما إلا وتحققت وإن حصل فثمة أسعار سوف تتضاعف وأسواق سوف يتصاعد لهبها كاوياً، حارقاً أكثر، ولعل الحكومة العتيدة تجد في مرتبات الدخل المخنوق ما يسد الحاجة الشهرية، وفقراء البلاد يأكلون (الكافيار) لأسباب كثيرة وهي لم تفكر بالموضوع، لكن التصريحات متزاحمة هذه الأيام، وبعد أداء القسم للسيد الرئيس بشار الأسد ثمة تشكيلة جديدة وهو ما يدفع القائمين الآن أن يعرضوا ما أنجزوه، وقدموا ليشعرونا أنهم لو لم يكونوا على رأس وزارتهم لكان الحال أسوأ بكثير، وينبغي المطالبة في أجل إبقائهم ناعمين منعمين، أن نثني على ما بذلوه من جهود، وأن نعمي أبصارنا عما فعلوه، وفي الخلاصة الفقراء يدفعون الثمن فهل نأمل بحكومة تتبنى فكرة إنقاذهم من الجوع ولننتظر زرقاء اليمامة.
كيف الحال؟؟ المضمون لا يختلف لكن مقدرة التعبير والمعاناة والسخط والقهر هي المتبدلة فقط.