آفاق مستقبلية ينبغي العمل لتحقيقها

آفاق مستقبلية ينبغي العمل لتحقيقها

الأزمنة

الأحد، ١٠ أغسطس ٢٠١٤

زهير جبور
واقع السياحة ليس متطابقاً مع تصريحات المسؤولين وهم يحلقون في فضاء يستمدون مفرداته من إشغالهم لكراسيهم، ونفوذهم الوزاري والإداري، وكنا قبل الأحداث المؤسفة المؤلمة التي عاشتها البلاد قد تابعنا وسمعنا عن أسواق سياحية سوف تستقطب وتجذب ويتم التحضير والاستعداد لها. اجتماعات عقدت في المنتجعات، ووفود غادرت إلى بلدان، ومشاركات تحت مسميات التسويق السياحي، الجذب واستحضار الشركات وغيرها، ودفعت مبالغ طائلة جداً جداً من أجل الترويج، ثم وقع الحريق المعروف في وزارة السياحة والتهم المخططات والعقود، وهكذا كان الحال بين سياحة الإعلام والتصريحات، والواقع الذي لا يُكذب الغطاس كما في المثل الشعبي.
•    وماذا بعد؟
ثمة اجتهاد ملحوظ في وزارة السياحة، والنيات صادقة، لكن عدم توفر الشروط المطلوبة على الأرض لا يُمكنها من النهوض، وهو ما يطلق عليه خارج الإرادة، وهذا الخروج قائم، لكن ما بعث فينا التفاؤل هو الإجراءات التي اُتّخذت بحق شركات حصلت على الأرض وسيّجتها وأقامت حولها طوقاً شائكاً، وأبعدت الناس في اللاذقية عن شواطئ عرفوها وأحبوها، كما هو (جول جمال) (نقابة المعلمين) والمنطقة الممتدة من محاذاة فندق اللاذقية السياحي (الميرديان) سابقاً وحتى دوار الشاطئ الأزرق فيما بعد يشكل مدينة سياحية متكاملة، ولتكون الأولى من نوعها على الساحل السوري أخذت اسم (رويال بلاس) وهي تتبع لشركة روسية تركية مشتركة، ومنذ حصولها على الأرض لم تقم بأي عمل. كان ذلك قبل الأحداث بعدة سنوات واستمر من بعدها، وعطلت تلك المساحة، بعد أن فرغت تماماً من إشغالات سابقة، وتحولت إلى مكان لنمو الحشرات، والقوارض، وتكاثر البرغش.
بوشر العمل الآن بالتنفيذ تحت طائلة المسؤولية العقدية المبرمة بين الجهات المعنية، ومنها مجلس مدينة اللاذقية الذي غطى التقصير عبر السنوات السابقة، وكانت مجلة الأزمنة قد نشرت عدة مواضيع مطالبة الجهات المعنية بتحمل مسؤوليتها، بدأت مرحلة الحفريات، آلات تعمل، ترفع التراب، وحسب الأنموذج التصميمي ستكون موقعاً سياحياً يمكن أن نطلق عليه (عالمي)، كما بدأت التصفيات الأخيرة في مشروع الديري المحاذي لمنتجع الشاطئ الأزرق والمنفذ منه حسب المصادر 85% وسيتم افتتاحه مع نهاية العام الحالي.
هي تطلعات وزير السياحة الدكتور بشر اليازجي وقد حللناها من جملة تصريحات إعلامية وميدانية، وهو يُشكر فعلاً فقد حوّل الثابت إلى متحرك، ويكفي أن أبناء اللاذقية أدركوا أنها مشاريع حقيقية وليست وهمية، وما نرجوه أن تتابع هذه الحقيقة فالعمل في (رويال بلاس) يمضي حتى الآن كنوع من رفع العتب، ولم نلحظ من خلال جولاتنا أي خطوة جدية، وورشة عمل موزعة بين هنا وهناك وحركة في المكان توحي أن التنفيذ محدد بمدة زمنية.
أما جول جمال المسبح القديم الذي جمع ذاكرة أبناء اللاذقية ويمكن أن تكتب عنه روايات كثيرة فصولها تمتد منذ الطفولة إلى الشباب، من الحب إلى الخطوبة والزواج والأولاد الذين عشقوا هم أيضاً، وهذه تجربة أجيال، كنت أحد أفرادها، وكم خفق قلبي للمكان، ثم لم يعد كذلك، جول جمال الذاكرة هو مسيّج الآن بشباك وباب من الحديد وبسبب الرطوبة فقد مزاياه اللونية، وتحول إلى صدئ يبعث على الحزن، المكان مهمل جداً، ولم تدخله قدم منذ سبع سنوات وأكثر، بعد أن راحت الآلة تهدم (الشاليهات) المتواجدة فيه، ومع تهديمها كانت الذكريات تتساقط قطعاً إسمنتية على الأرض، ومازالت الشركة المستثمرة في غفوتها وهي روسية، ونأمل أن يتم إيقاظها سريعاً.
 وللسيد بلال الخبير في القضايا السياحية رأي مفاده أن ما نشهده من عمل لا يعبر بالضرورة عن إنجاز سريع للمشاريع سواء المتوقفة أو المتحركة بخطى السلحفاة، فثمة إجراءات لم تكتمل بعد، وقروض لم تصل إلى المستثمرين، وما طرأ من غلاء على المواد بشكل عام، ومفارقات الموازنات التي كانت متوقعة من قبل، وما حصل هوات واسعة يحتاج ترميمها الكثير من التعديل للخطط مع اختلاف الواقع وصدامات الجديد منه. والمشاريع الكبيرة تختلف عن الصغيرة، والمسألة ليست محصورة بقطعة أرض على الشاطئ أعطتها البلدية استثماراً لإقامة صالة مطعم ومطبخ، وزراعة بعض الزهور في المدخل، وإشغال مساحة معينة بألعاب الأطفال.
تراخيص المطاعم على الشاطئ منحت بسخاء، عفواً ليس لكل مواطن لديه طموح بل لنوع خاص منهم، أعضاء من مجلس المدينة والمحافظة ومن هم أصحاب القرار بالموضوع، وهكذا تحولت جميع المنافذ البحرية إلى مستثمرة لإقامة صالات تشجيعاً للسياحة إلى جانب الأماكن المخالفة والفوضى وليس من مراقب أو متابع، ولكل حسب دعمه ومن خلفه.
هكذا الحال مع غياب الضوابط المحاسبة والفشل الذي شهدته المحافظة حيث إن صاحب القرار يكتفي بتنفيذ (بروتوكولات) وتصريحات وثمة من يبرر في الحكومة، ومنذ بداية الأزمة إلى الآن تبدّل على اللاذقية عدة محافظين لم يتمكن أي منهم انتزاع مدير من موقعه، أو رئيس مجلس مدينة، أو بلدة. ويكفي أن ننظر إلى واقع الريف وانعدام الخدمات فيه لندرك أي فساد يضرب المفاصل، وليست الحكومة بعيدة عن معرفتها بالأمر، ولنفتش عن الحالة نجدها في الشوارع وقمامتها، والطرق وحفرياتها، والمشاريع المتوقفة، وعمل (السكاجة) الذي يتم من مبدأ (على عينك يا تاجر) والمخالفات الفظيعة جداً.
•    مشاريع أخرى
وما دمنا في موضوع السياحة ومشاريعها فسوف نذكر هنا (لاوديسا) المشروع العائد لنقابة المهندسين، وكانت الأرض قد خصصت منذ عدة سنوات حيث تم وضع حجر الأساس قبل الأحداث بعدة سنوات، والمنطقة تحاذي (مسبح أفاميا) المجاور لمنتجع (روتانا) سابقاً، وهي شاطئية في امتياز، ورمالها كثيفة، وتأخذ تسمية (بلاج) بشروطه المتكاملة، علمنا أن مذكرات الإخلاء للشاغلين قد وزعت عليهم، وتتجه النقابة حالياً للبدء بالتنفيذ، ولا بد أن المنطقة في حال تنظيمها واستثمارها بالشكل الأمثل، سوف تعتبر اصطيافية بحرية بما تعنيه التسمية، وستبدل النقابة في وجهها القديم مع قربها من أفاميا, روتانا, شاطئ النخيل, ومن المفترض أن يدخلها الزائر أو السائح وجميع متطلباته السياحية والغذائية والخدمية متوفرة، وثمة مشروع لاتحاد الكتاب العرب على طريق الشاطئ الأزرق مقابل المنطقة المذكورة ينبغي أن ينهض في وقت قريب جداً.
إن الحاجة المستقبلية للسياحة تتطلب وجود هذه المنشآت مع اختلاف نماذجها، وتنبغي دراسة التصنيف بشكل دقيق، والمحافظة على الزائر أياً كان, سواء الشعبي أم غيره، وأن تظهر بوضوح مسألة الاختيار، مراعية ظروف القادم وما يمكنه من إنفاق مهما قل أو كثر، ولا بد أن تقدر المخططات السياحية القادمة الحالة. وبعد الانتهاء من تلك الأزمة المؤسفة المؤلمة، ومن أجل تعويض الخسائر الفادحة التي حلت في السنوات الماضية، سيكون على جميع الجهات المعنية العمل الجاد والمخلص لتخطي آثار الخراب والانهيارات وتجاوزها بثقة، وخطوات تحمل في تنفيذها الرؤية الجديدة لسياحة محققة على الأرض وتعطي نتائجها المطلوبة على جميع الأصعدة.. لنحمل الأمل ونسعى من أجل الوصول إليه.