مع كثرة الملفات وتزايد الأعباء..هل تستطيع الحكومة القادمة تنفيذ ما عجزت عنه الحكومة الحالية؟

مع كثرة الملفات وتزايد الأعباء..هل تستطيع الحكومة القادمة تنفيذ ما عجزت عنه الحكومة الحالية؟

الأزمنة

الاثنين، ٢١ يوليو ٢٠١٤

*أحمد سليمان
بحكم الدستور تصبح الحكومة الحالية بعد تأدية القسم الرئاسي لفترة رئاسية جديدة حكومة تسيير أعمال، بانتظار تشكيل حكومة جديدة ولعل ما استطاعت الحكومة الحالية فعله - والتي تم تشكيلها في عز الأزمة التي تمر بها سورية والتي استمرت على مدى عامين-  يشكل محطة لمراجعة ما أنجز في ظل ظروف محلية ودولية واجهتها في إدارة البلاد لتقدير ما يمكن أن نقول إنه نجاح في مجالات وإخفاقات في مجالات مع تقدير الظروف الموضوعية التي واجهت العمل الحكومي.
فالحكومة التي تشكلت في ظل حصار اقتصادي وعقوبات مفروضة من قبل دول عربية وغربية يعد تحدياً كبيراً لهذه الحكومة ليس في تأمين أسواق للمنتجات السورية التي تراجع إنتاجها بنسب واضحة لم تعد خافية على أحد، بل حتى في تأمين احتياجات المواطنين من الأسواق الخارجية وبخاصة الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء وكساء، والتي كانت من أكبر التحديات في فتح ثقوب أو نوافذ في جدران تلك العقوبات التي طالت كل المؤسسات الحكومية والعديد من الشركات والمؤسسات الخاصة ومع تزايد عدد الأسماء من القيادات الحكومية والوزراء على قائمة هذه العقوبات والأخيرة سياسية أكثر من كونها عقوبات اقتصادية.
تحدٍ ضاغط
إن هذا التحدي الضاغط على الحكومة الحالية لتأمين احتياجات المواطنين من الأسواق الخارجية جعلها تخوض معارك شتى وعلى جبهات عديدة لفتح بعض النوافذ في جدران هذه العقوبات واستجرار ما أمكن من أسواق الدول التي فرضت العقوبات على سورية شعباً ودولةً ودفعها إلى الاستعانة بالشركات الوطنية الخاصة ورجال الأعمال الوطنيين لتأمين هذه الاحتياجات مع توفير عدد من حزم القرارات والتشريعات اللازمة لتشجيع هؤلاء على الاستيراد وعدم فقدان أي سلعة من السوق المحلية إلى جانب تأمين القطع اللازم لهؤلاء في ظل تراجع هذا الاحتياطي من القطع مع ضعف حركة الصادرات وحجمها والتي تعدّ المصدر الرئيسي لهذا القطع.

نجاح التعاون
ولعل نظرة متفحصة للأسواق المحلية تكشف أن الحكومة نجحت في توفير هذه الاحتياجات والسلع الرئيسة للمواطنين مع وجود هذا التعاون بين الحكومة ورجال الأعمال الوطنيين ومع وجود طيف واسع من هذه السلع حتى يكاد المواطن لولا ارتفاع أسعار هذه السلع لا يشعر بوجود حرب تُشن على بلاده أو أزمة تلاءم معها المواطنون رغم منعكساتها التي طالت كل شيء في حياته وأمنه الذي يعد من المتطلبات الرئيسة والتي لم يشعر بحاجته إليه من قبل كما هو الآن.
حيث تمكنت هذه الحكومة من خلال سعيها ورأيها والسير ليس في حقل ألغام فحسب بل طرقات محدودة وأحياناً مغلقة مزروعة بالعبوات الناسفة في تجاوز هذا التحدي وتوريد ما تحتاجه السوق المحلية ليس من أسواق الدول الغربية والعربية التي فرضت دولها عقوبات ضد سورية، بل فتح أسواق جديدة والاستثمار ضمن الإمكانيات من أسواق الدول الصديقة والدول الجديدة لتوريد ما أمكن من السلع كبدائل عن السلع التي لم تتمكن من توريدها من بعض الأسواق وإدخالها إلى الأسواق المحلية مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية دخول وتوفير هذه السلع في المناطق التي تسيطر عليها الدولة وليس الأسواق التي خارج سيطرتها.
تخريب مواقع الإنتاج
 وعلى الصعيد المحلي ومع استمرار وانتقال هذه الحرب من مكان إلى آخر ومع دخول وسيطرة المجموعات الإرهابية على بعض المناطق التي لا تتواجد بها القوات المسلحة والتي تقوم بتحرير الكثير من المناطق من سيطرة تلك المجموعات وحيث دفع انتقال هذه الحرب جزءاً غير قليل من مواقع الإنتاج وبخاصة الزراعي والصناعي إلى التراجع أو التوقف عن الإنتاج ما أدى إلى تراجع تواجد السلع والمنتجات في السوق المحلية بشكل كبير وتراجع كميات وقيم التصدير إلى جانب الاعتداءات الإرهابية على الطرقات ومواقع الإنتاج وسرقة هذه المنتجات علاوة على سرقة وتخريب مواقع الإنتاج وخاصة الصناعي حيث تعدّ المدينة الصناعية بالشيخ نجار ومواقع صناعية أخرى بحلب خير دليل على ما نراه في هذا المجال حيث تتجاوز تقديرات أضرار هذه الصناعة الوطنية بقطاعيها العام والخاص الترليون ليرة بالأسعار الجارية مع الإشارة إلى إنه لم يتم إحصاء كل الأضرار لكافة المنشآت الصناعية.
وما تم الكشف عنه بعد تحرير المدينة الصناعية بالشيخ نجار بحلب بعد تحريرها وقبلها منطقة العرقوب بحلب والمناطق الأخرى التي تم تحريرها بأطراف مدينة دمشق وريفها وبعض المناطق الأخرى وما كان واضحاً من تخريب وسرقة ونهب للآلات والمعدات وخطوط الإنتاج وتهريب جزء كبير منها إلى خارج البلاد وبخاصة تركيا التي رعت وسهّلت دخول الإرهابيين عبر الحدود حيث ثمة دعوى مرفوعة من قبل اتحادات غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة ونقابات العمال أمام المحاكم الأوروبية ضد الحكومة التركية الحالية لرعايتها وتسهيلها لسرقة المصانع السورية.
تخريب مواقع الإنتاج
و لعل هذا التراجع في مواقع الإنتاج الصناعي ترافق مع تراجع الإنتاج الزراعي الذي تأثر بهذه الحرب إلى حد كبير أيضاً إلى جانب تراجع في القطاعات السياحية والخدمية الأخرى ما أدى إلى تراجع قيم الإيرادات والموارد للخزينة العامة للدولة ما شكل ضغطاً عليها في ظل استمرارها في تقديم الرواتب والأجور لأكثر من مليون عامل في الجهات العامة إلى جانب تخريب مواقع الإنتاج والأبنية إلى جانب تلبية احتياجات ومصاريف المؤسسات الخدمية وأعباء إعادة الإعمار والتعويض على المتضررين التي تم تخصيصها من ميزانية هذا العام لجزء غير قليل منها.
كل ذلك ترافق مع ارتفاع في الأسعار ثلاثة أضعاف مع الضغط على الليرة السورية وتراجع قيمتها الشرائية وأمام العملات الأجنبية إلى أكثر من ثلث قيمتها قبل الأزمة.
لم يكن على قدر التحديات
كل هذا شكّل عوامل ضغط أخرى على الحكومة بالاستمرار في إدارة الأزمة في البلاد والتخفيف قدر المستطاع من منعكسات هذه الأزمة وتداعياتها، تدعونا للاعتراف بأن ما ذكر شكل عوامل ضغط على عمل الحكومة وعلى أدائها؛ وإن نجحت في بعض الأماكن والمواقع فإن هذا الأداء لم يكن على قدر التحديات المفروضة على البلاد، إذ تمكنت الحكومة وبالتعاون مع رجال الأعمال من توفير تشكيلة سلعية واسعة في الأسواق تزامن مع ارتفاع أسعار هذه السلع لم يعنِ أبداً تمكّن هذه الحكومة من ضبط أسعارها ولا خفضها بل إن إجراءاتها تخفّض ارتفاع صرف الدولار مقابل الليرة والتي لاقت الكثير من الانتقادات عبر ضخ مبالغ من القطع الأجنبي في السوق أو بيعها لشركات الصرافة أو البنوك لم تثمر كما يأمل المواطنون في خفض الأسعار بشكل عام مع وجود انخفاض طفيف في أسعار بعض المواد إلى جانب رفع أسعار المواد النفطية من المازوت والبنزين والغاز؛ ما أدى إلى تثبيت الأسعار لثلاثة أضعاف؛ ما أدى إلى إنهاك متواصل لدخل المواطنين وبخاصة مع تراجع قدراتهم الشرائية وارتفاع البطالة إلى نحو 50 بالمئة مما كانت قبل الأزمة واتساع دائرة الفقر إلى جانب غياب الرقابة التموينية على حلقات البيع العديدة وإن كان ثمة ضبوط تم تداولها في الإعلام خلال الأشهر الأخيرة إلا أنها كانت بخصوص مخالفة المواد للمواصفات ما جعل هذه الأسعار ينفلت عقالها ويصعب ضبطها بالشكل الذي يأمله المواطنون.
إغاثة المهجرين
و لعل فتح المجال لإيجاد بضعة آلاف لفرص العمل عبر برنامج تشغيل الشباب لم يكن أكثر من ذر الرماد في العيون وخاصة في ظل فقدان أكثر من مليوني مواطن لفرصة عملهم باعتراف حكومي، كما أن إغاثة المهجرين الذين تجاوز عددهم 6 ملايين قد شكّل عبئاً على الميزانية العامة للدولة؛ غير أن الحكومة لم تستطع الوصول إلى كافة المهجرين رغم المبالغ التي يتم دفعها من أجل إغاثة بضعة عشرات الآلاف في مراكز الإيواء أو في الأماكن الأخرى.
رغم هذه الجوانب السلبية في بعض مواقع العمل الحكومي، إلا إنه ثمة نقاط تسجل لها وخاصة عودة عدد من المنشآت الصناعية إلى العمل والإنتاج؛ سواء في القطاع الخاص وعبر العديد من المناطق التي تم إعادة الأمن والاستقرار لها وخاصة مدينة حسياء الصناعية وبعض المواقع في حماة مع استمرار وتوسع بعض المنشآت في المحافظات الآمنة. هذا ما يتعلق بالقطاع الخاص.
 إعادة الصناعة
لكن ما يتعلق بالقطاع العام؛ فقد تمكنت من إعادة العمل إلى عدد من الشركات العامة الصناعية ودعم استمرار بعض الشركات بعملها ولو بالحد الأدنى لتلبية احتياجات السوق المحلية من جانب وتأمين رواتب العاملين في هذا القطاع. إلا أن تراجع توفر المواد الأولية للعديد من الشركات وبخاصة النسيجية شكّل عوامل ضغط على هذه الشركات في استمرارها بعملها ما جعل وزارة الصناعة تستعين بقدرات القطاع الخاص لتزويد الشركات العامة بالمواد الأولية وهو إجراء قابَله القطاع الخاص بالترحيب على أن يتم الاتفاق على تفاصيل هذه الإجراءات خلال الأيام القادمة. ولعل التحدي الآخر الذي واجهته الحكومة هو خروج العديد من المنشآت والمؤسسات وبخاصة الصناعية من العمل والإنتاج ما جعل الميزانية العامة للدولة تتكفل برواتب عمال القطاع العام الصناعي في ظل توقفهم عن العمل.
 ملفات الاستحقاق وإجراءات تنفيذية
على كل، هذه المشكلات والإخفاقات والصعوبات التي واجهت الحكومة الحالية، على الحكومة القادمة تذليلها عبر ملفات يتم وضع استراتيجيات وبرامج وإجراءات تنفيذية يشتمل أولها بملف إعادة الإعمار المرتبط طبعاً بعودة الأمن والاستقرار إلى المناطق السورية إلى جانب عودة المنشآت الصناعية إلى العمل والبناء، نظراً لأهمية هذا القطاع في تشغيل قطاعات أمامية وخلفية وجانبية يمكنها العمل وتقديم الخدمات وبالتالي النهوض بالاقتصاد الوطني وهو ما يرتبط بملف البطالة الذي يمكن معالجته عبر توفير فرص عمل واسعة لمئات آلاف المواطنين وبخاصة الذين فقدوا أعمالهم وهو ما يعالج ملف الفقر مع توفير دخول معقولة للمواطنين تمكنهم من سد الثغرة الواسعة بين الدخول المنخفضة والأسعار المرتفعة؛ ما يتطلب معالجة ملف الرواتب والأجور في الدولة والقطاع الخاص الذي يجب تطوير قدراته ودعمه بكافة الأشكال وتوفير الأطر التشريعية التشجيعية لديه حيث يشكل دعم ومساعدة قطاع الصناعات الصغيرة والمتناهية الصغر، والقطاع الحرفي الملف الأبرز في هذا المجال لما يمكن أن يسهم في تعزيز قدرات الاقتصاد الوطني والنهوض به.
وبالطبع ثمة ملفات كثيرة اجتماعية عديدة تتطلب معالجتها كملفات الشهداء وأسرهم والمفقودين والمهجرين والمتضررين وتوسيع المجال للمصالحات وغيرها من المعالجات التي تتطلب فرق عمل تعمل ليل نهار وتتمتع بالصلاحيات اللازمة للنهوض بسورية المستقبل.