بعد إخراجه من الأدراج.. الحكومة تقرّ مشروع قانونه.. التشاركية حل لأزمة تمويل مشاريع الإعمار.. أم سكة لقاطرة التنمية وعرباتها؟!

بعد إخراجه من الأدراج.. الحكومة تقرّ مشروع قانونه.. التشاركية حل لأزمة تمويل مشاريع الإعمار.. أم سكة لقاطرة التنمية وعرباتها؟!

الأزمنة

الاثنين، ٧ يوليو ٢٠١٤

*أحمد سليمان
في الأزمات يكثر المنظرون ويقل عدد الفاعلين، هذا في الأزمات العادية، فكيف بالأزمات التي تمر بها سورية، في محاولة للدولة قدر المستطاع تخفيف آثار هذه الأزمة على المواطنين، وتوفير موارد للاستمرار بوظيفتها الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية.
ومن هنا ونتيجة الأضرار التي لحقت بقطاع البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية والخدمية نتيجة عمليات الإرهاب والتخريب والنهب الممنهج لهذه المنشآت والمؤسسات فإن وضع رقم محدد لقيمة هذه الأضرار لا يمكن أن يكون دقيقاً في ظل عدم قدرة العديد من الجهات الرسمية الوصول إلى بعض المناطق وبسبب الأعمال الإرهابية المستمرة لهذه المؤسسات.. وهذا لا يعني عدم معالجة أوضاع هذه المنشآت والقطاعات للنهوض بها وخاصة للقطاعات أو المؤسسات ذات الصلة المباشرة باحتياجات المواطنين وخاصة الرئيسة منها لإعادة النهوض بها وإعادتها إلى سابق عهدها بالحد الأدنى من خلال القيام بالإصلاحات والترميم اللازم؛ ما يستدعي توفير التمويل اللازم في ظل تراجع إيرادات الموازنة نتيجة تراجع القطاعات الإنتاجية والتصديرية والموارد الضريبية.

حدود الإلحاح
ورغم أن موضوع إيجاد الحل التمويلي وإدخال القطاع الخاص كشريك في المشاريع المختلفة وخاصة الكبيرة منها كان على أجندات الحكومات السابقة منذ أعوام عديدة إلا إنه لم يتم إقراره وظل كمسودات مشاريع قوانين مركونة في الأدراج، إلى أن بلغت مشكلة تمويل المشاريع وضرورة مشاركة القطاع الخاص بأمواله وخبراته وفعاليته حدود الإلحاح والضرورة التي لا بد منها في ظل إقدامنا على مرحلة إعادة الإعمار من خلال توفير إطار تشريعي لهذه العملية عبر إقرار الحكومة الحالية لمشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والذي يهدف حسب مصادر المجلس إلى تنظيم إجراءات التعاقد لتحقيق أشكال هذه الشراكة متضمناً نطاق التطبيق والإطار التنظيمي والمؤسسي وإجراءات طرح وترسية وإبرام عقود الشراكة ومضمون هذه العقود وآليات مشاركة الجهات العامة في مشروعات الشراكة.
فأهمية هذا الموضوع وانعكاسه على عمليات التنمية والذي يمثل السكّة التي تسير عليها قاطرات التنمية وعرباتها؛ وخاصة في ظل الظروف الحالية ليس موضوع نقاش؛ لكن لا ندري إن كان هو نفس مشروع القانون الذي أعدّ منطلقاً من الوثيقة الوطنية للتشاركية التي تم طرحها للرأي العام عام 2009 والتي انكبّ على أساسها عدد من الباحثين والقوانين والخبراء على إعداد مشروع القانون.

تحفيز النمو
 والوثيقة التي برّرت الدعوة إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص انطلقت مما كان يتطلب تحقيق معدلات النمو المستهدفة في الخطط الحكومية وتنفيذ مجموعة ضخمة من مشاريع البنى التحتية والخدمات ذات الجودة العالية، ومن ثمَّ يمْكن للمشاريع المطروحة وفق أسلوب الشراكة، والمعدَّة بشكل جيد ومدروس، المساعدة على توفير جزء كبير من هذه الاستثمارات، وأن إحداث شراكات استراتيجية بين القطاعين في مختلف المجالات والاستفادة من الطاقات والخبرات المالية والإدارية والتنظيمية المتوافرة لدى القطاع الخاص بالإضافة إلى تخفيض الأعباء التمويلية عن الموازنة العامة للدولة وتحفيز النمو الاقتصادي وزيادة معدلاته والمساهمة في خلق المزيد من فرص العمل وتخفيض معدلات البطالة ومكافحة الفقر، من خلال جذب وضخ المزيد من الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي.
فمفهوم التشاركية الذي بدأ يطلّ على المشهد الاقتصادي العالمي في الخمس والعشرين سنة الماضية جاء لتشجيع القطاع الخاص وخاصة في الدول النامية على تولي قسط من الاستثمارات اللازمة- كما يقول الباحث الاقتصادي الدكتور نبيل سكر- لمشاريع البنى التحتية التي تضطلع بها الدولة عادة وهي المشاريع غير الهادفة إلى الربح والتي تتطلب نفقات رأسمالية باهظة توظف لآجال زمنية طويلة وذلك لإفساح المجال للدولة لزيادة إنفاقها على المشاريع الاجتماعية والخدمية وتقليص عجزها المالي.. فجاءت قوانين الدول لتنظم العلاقة بين جهة تهدف إلى تقديم خدمة عامة وأخرى تهدف إلى الربح، وتضمّنت هذه القوانين حوافز للقطاع الخاص ليقوم باستثمارات طويلة الأجل، عالية المخاطر ما كان ليقدم عليها، وضمانات تحفظ حقوق الدولة والمواطن.

نهج مناسب
 إن إعداد مشروع قانون التشاركية كان يتطلب حسب باحثين، إعداداً بعد إعادة صياغة نهج اقتصادي اجتماعي مناسب، وفق مبادئ جديدة تستطيع أن تجابه التغيرات الهامة التي طرأت على الاقتصاد العالمي، وذلك بإعادة توزيع متوازن وعادل للأدوار بين الدولة وبين القطاعين العام والخاص، بما يخدم تحقيق أهداف التنمية المستدامة وترسيخ الجانب الاجتماعي لعملية التنمية المادية في الإطار الذي يحافظ على الدور القوي للدولة، دون الإخلال بحق القطاع الخاص وواجبه في المساهمة بهذه العملية مشترطين صياغة مفهوم للشراكة خاص بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في سورية بعيداً عن القوالب الجاهزة في حدود توصيات المؤسسات الدولية، لتجعل الشراكة موجّهة فقط نحو مشروعات وأنشطة استراتيجية، وتحتاج إلى رساميل كبيرة، وقادرة على تشغيل أكبر عدد ممكن من العمالة الوطنية وتستخدم الموارد المحلية، وتؤدي إلى إقامة مشروعات تخدم الاقتصاد الوطني وبما لا يتعارض مع مقتضيات الأمن القومي.

عقد اجتماعي
وتؤكد "الباحثة الاقتصادي" رشا سيروب على أهمية أن تندرج الشراكة ضمن عقد اجتماعي جديد، يعيد بناء العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على أسس من العدالة الاجتماعية، وبما يحقق متطلبات التنمية، وبما يؤدي إلى زيادة وتيرة معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي وتطوير أداء مؤسسات القطاع العام وإصلاحها وإعطائها المزيد من المرونة والاستقلالية في الإدارة ومعاملتها على التوازي مع مؤسسات القطاع الخاص والعمل على رفع تنافسية الاقتصاد السوري من خلال الحد من الفساد وإرساء الحياة الديمقراطية والمشاركة الشعبية، فضلاً عن توفير مؤسسات قابلة للمساءلة والمحاسبة وتعزيز الاعتماد على الموارد المحلية وألا تكون المشروعات التشاركية وسيلة جديدة لتعزيز الاحتكار وترسيخ سيطرة ونفوذ فئات معينة من رجال الأعمال والشركات والمؤسسات المحلية والأجنبية، عن طريق احتكارها للمشروعات والأنشطة الاستثمارية والتشاركية، عدا ضرورة لجم سيطرة الرأسمال الأجنبي على مواقع وأنشطة أساسية أو استراتيجية في سورية مع الإبقاء على دورٍ قويٍّ للدولة وترسيخ وجود أجهزة حكومية قوية وذات صلاحيات، قادرة على توجيه نشاط القطاع الخاص والتدخل عند الضرورة بغية تخفيف الآثار الناجمة عن الفشل السوقي، والتي تكون تكاليفها الاجتماعية والاقتصادية مرتفعة.

أعبـاء!!
وإن كنّا في سورية بحاجة لهذه التشاركية لجذب القطاع الخاص لمثل هذه المشاريع وبحاجة لقانون ينظم هذه التشاركية قبل الأزمة، أصبحنا أكثر حاجة إلى هذه التشاركية والقانون المطلوب في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها، نظراً للأعباء المالية والبشرية والإدارية الهائلة التي ستترتب على الدولة في مرحلة إعادة الإعمار وإعادة البناء وإعادة المهجرين وإسكانهم وتكاليف الإغاثة وخلق فرص عمالة ومواجهة الفقر الجديد والقديم، والتعويض على المتضررين، وإعادة السلم الأهلي، إلخ وتقليص اضطرار الدولة للاقتراض الداخلي والخارجي، في ظل تدني مواردها المالية المحلية واحتياطاتها من القطع الأجنبي بسبب الأزمة.

ويوضح الباحث سكر أن التشاركية هذه ليست خصخصة، بل هي قيام القطاع الخاص بإنشاء وتمويل مرفق عام وإدارته على مدى سريان العقد الذي قد تصل مدته إلى عشرين سنة أو أكثر، وتحويل ملكية المشروع إلى القطاع العام في نهاية العقد، في حين تعني الخصخصة الكاملة نقل ملكية أصول من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
وينظم قانون التشاركية عادةً آليات التشارك والتعاقد بين القطاعين طرح المناقصات والمزايدات، والإشراف على التنفيذ ويسمح بمنح القطاع الخاص حوافز للدخول في الاستثمار مقابل المخاطر التي سيتحملها، وبنفس الوقت يحفظ حق الدولة والمواطن، من خلال تحديد تعرفة الخدمات التي يقدمها المرفق العام مثل (تعرفة الكهرباء وتعرفة المياه وتعرفة الطرق)، وتبقى الدولة مسؤولة تجاه المواطن عن توفير خدمة المرفق العام. ويشمل القانون في بعض الأحيان إقامة هيئة قضائية ذات صلاحيات مبرمة للفصل في أي خلاف ينشأ بين الدولة والقطاع الخاص، نظراً لطول مدة العقد واحتمال بروز مخاطر عديدة ومتنوعة خلال تنفيذه، مثل مخاطر الإنشاء ومخاطر الطلب ومخاطر تغيّر الأنظمة والقوانين في البلد والمخاطر السياسية وغيرها.

تحديد الخدمات
أما العقد فيتضمن عادة تحديد الخدمات المطلوبة من القطاع الخاص المتعاقد وتحديد المخاطر وتوزعها بين الدولة والقطاع الخاص المتعاقد والجهة المصرفية الممولة، ويضع معايير للأداء وعقوبات على مخالفة هذه المعايير؛ كل ذلك لتحقيق التوليفة المناسبة بين الجانب التنموي للمشروع والربحية التجارية المشروعة للفريق الخاص المتعاقد.
فليس مجرد إصدار القانون ووضع المنظومة القانونية للتشاركية هذه، سيمكننا من بدء العمل به في اليوم التالي، فهناك حاجة للاستعداد له وإقامة المؤسسات اللازمة لتنفيذه، فهناك حاجة لتقوية قدرات الدولة الإدارية في هذا المجال كطرح عطاءات المشاريع بشكل عالي الاحترافية والشفافية والإشراف على تنفيذ العقود، واستعداد القطاع الخاص للخوض في مثل هذه المشاريع الضخمة، وضمان عدم سيطرة الأقوياء والمتنفذين على هذه المشاريع. كذلك هناك حاجة لتطوير القطاع المصرفي المحلي ليستطيع التعاون مع القطاع الخاص المتعاقد في تمويل هذه المشاريع، بما فيه خلق سوق للسندات طويلة الأجل.

ليست عقائدية
 ويؤكد سكر أن مشاركة القطاع الخاص في المجال الإنتاجي والخدمي، كما في إعادة بناء وتطوير البنى التحتية بكل جوانبها لم تعد قضية عقائدية في سورية، بل هي حاجة ملحة في مرحلة إعادة الإعمار وفي عملية التنمية؛ خلالها وفيما بعدها، للتعويض عمّا خسرناه خلال الأزمة، وهي خسائر لا تقل عن إنجازات عشر سنوات من التنمية، وللعودة إلى اللحاق بالركب الاقتصادي العالمي، وهو الركب الذي كنّا مقصرين عنه بشكل كبير حتى قبل الأزمة.
 وإن كانت بعض التجارب الناجحة قد سبقت إقرار مشروع القانون فإنه يتوجب البناء عليها وتفادي نتائج التجارب الفاشلة وخاصة في القطاع الصناعي الذي يعد عمود الاقتصاد الوطني والاستفادة من هذا القانون في إعادة تأهيل القطاع العام الصناعي وإعادة عجلة الإنتاج إليه لما له من آثار إيجابية ستنعكس على المدى الطويل على الاقتصاد الوطني وتعزيز حضور الدولة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.