المطلوب إيجاد الحلول العاجلة وتنفيذ القوانين

المطلوب إيجاد الحلول العاجلة وتنفيذ القوانين

الأزمنة

الأحد، ٦ يوليو ٢٠١٤

زهير جبور
طرأت على حياتنا العامة تبدلات كثيرة جداً أوجدتها الأزمة الدموية التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية ولا يمكننا تجاهلها، وقد شملت الإنسان والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والبيئية، وخسائرها كبيرة جداً، ويشير العلم أن تعريف البيئة هو دراسة التأثيرات المتبادلة بين الأنواع المختلفة من الكائنات وعلاقتها بالبيئة المحيطة، وتشمل أنماط الحياة والدورات الطبيعية وعلاقات الكائنات وتفاعلات بعضها مع بعض، والتغييرات السكانية، إذن هو علم يرتبط مباشرة بأنماط الحياة وشروطها وسلامتها، وهي في حال إهمالها والإساءة إليها سوف تخلف الأمراض وتلوث الهواء المسبب الرئيس للاستمرارية، ومن دونه تفقد الأرض وجودها، ويقضى على الكائنات التي تعيش فوقها، وفي جيولوجيا البيئة أنها تطبق أساسيات الجيولوجيا ومعطياتها في حل المشاكل الناشئة عن وجود الإنسان وتفاعله مع الطبيعة، وتضم دراسات حول الماء، والتضاريس، والهندسة، والاقتصاد، وتهتم بالمصادر الطبيعية، والعمليات الأرضية والخواص الهندسية لمواد الأرض، وتتعامل مع مشاكل الإنشاءات وتسهيلات النقل، وهي بكاملها تعاريف عملية درست من قبل العلماء وتطورت مع مرور الزمن وأخذت أهميتها، وكان من المفترض تطبيقها، لكن الصناعة والمعامل والحروب والتجارب والإنسان جميعها عوامل خربت ودمرت، وإذا أحصينا ما صنعته الأزمة السورية من دمار وحرائق وإتلاف للبيئة فسوف نجدها مرعبة جداً، وهي لا تقاس هنا بقيمتها المادية التي يمكن تعويضها بل بقيمة زمنية طويلة لاسترجاعها واستقرارها.
تم تحرير مصيف كسب بفضل بطولات جيشنا العربي السوري واسترجع إلى حضن الوطن هذا المصيف الجبلي المتميز ببيئة نادرة وجمال ساحر، وعاد أهالي المنطقة إليه ليتابعوا مسيرة حياتهم التي أخرجتها عن مألوفها عصابات مسلحة. مخربة. دموية. ومن البساطة أن يعاد بناء البيت الذي هدم والأدوات التي نهبت، لكن ليس من البساطة تحرير البيئة من آثار خلفتها القذائف والبنادق لتقتل الإنسان والحيوان والطيور، وتحرق الأشجار وتجعل مساحاتها مجرد أراضي سوداء، وقد وصل التلف إلى جذر الأرض التي عليها استكمال دورة كي تعيد بناء نفسها، وهذا يستغرق أكثر من نصف قرن، وينبغي أن تبدأ المعالجة منذ الآن وتشكل الفرق العلمية لدراسة الناتج المؤسف، مع ملاحظة ما سوف تخلفه الناقلات الكبيرة من تلوث في الهواء وإثارة الغبار الذي كانت تحاصره كثافة الأشجار، وهي تفرز أوكسجينها النقي خدمة للإنسان إلى جانب الأضرار التي لحقت بالمياه الجوفية والينابيع العذبة وغيرها الكثير، لكنه الغدر وأينما حل يحاذيه الشر بلية الخلق منذ نشوء الكون.
   
ما قبل وبعد
تحدثنا عن البيئة في مجلة الأزمنة، تابعناها قبل وقوع الأحداث المؤسفة، وجاء الحرص عليها من خلال قيم وأهداف كان من المطلوب تحقيقها، ومعرفة المشكلة ينبغي أن يكون منطلقاً لفهمها وحلها لاحقاً، تقول مصادر البيئة أن اللاذقية متنوعة النظم البيئية ومنطقة حساسة بيئياً وهي غنية بالمصادر المائية والغطاء النباتي، وأن العمل عليها بوشر به خلال العشر سنوات الماضية، مدعماً في المراسيم والعمل المبدئي، حيث تم التعاون مع شركة الصرف الصحي لإنقاذ البحر من مخلفات المجاري التي كانت تصب على شواطئه القريبة من المدينة وهو العمل الذي لم يكتمل بعد في الكثير من المواقع ذات الأهمية السياحية، والتي يمكن أن تتحول إلى مواقع استجمام مميزة بعد الانجاز.
بعض مشاريع الصرف الصحي نفذت ودرست محطات الضخ والرفع والمعالجة بغرض تحقيق التكامل بين انجاز المحاور ومحطات المعالجة الرئيسية بها للحد من التلوث بشكل عام وحماية أحواض السدود والمياه الجوفية بشكل خاص، وبعض هذه الأماكن تعرض لقذائف المسلحين التي سببت أضراراً ومن ضمن السياق العام لموضوع البيئة وتلوثها ذلك المكب القمامي في موقع البصة وهو يشكل أحد أهم أسباب التلوث ومعضلته، ويقع على شاطئ البحر مباشرة، واستعمل على مدى سنوات طويلة وما زال حتى الآن ما أدى إلى تراكم مئات الآلاف من أطنان القمامة على طبقات يصل ارتفاعها إلى 9 أمتار، تنبعث منها الغازات الضارة والروائح والدخان الناتج عن الاحتراق، والحشرات، والقوارض الناقلة للأمراض وهذا ما يؤثر على الصحة العامة إذا ما قدرنا انعكاسه على تفاعله مع أنماط الحياة وشروطها وسلامتها، وهي مفقودة بنسبة عالية جداً، فيما يخص المحيط السكاني وقربه من المدينة، واتجاه الريح التي هي غالباً غريبة، أي أنها ناقلة للأمراض في امتياز، كنا في الأزمنة قد رافقنا أكثر من محافظ إلى المكان وسمعنا الوعود المستعجلة، ذلك حصل قبل وقوع الأحداث بعدة سنوات، وجميعهم رفضوا هذا الواقع واستنكروه، وكذلك الحال مع رؤساء لمجلس المدينة وأعضاء من المكتب التنفيذي، وخبراء محليين وأجانب، وبعد وقوع الأحداث المؤسفة ، وحين حلت الفوضى في البناء العشوائي الذي تم التسابق عليه دون رادع ولا رقيب، وتراجعت النظافة إلى درجة الصفر أحياناً، يمكننا أن نصنف اللاذقية اليوم مدينة لا انضباط فيها ولا سيطرة ولا رقيب ولا جولات ميدانية ولا حساب لأحد على أحد، في ظل هذه الظروف بقي المكب على حاله بل وتضاعفت أضراره، والتبرير الجاهز دائماً بسبب الظروف الأمنية، وبسببها انتشر المزيد من الفساد وكثرت اللصوصية، ومعظم من يعنيهم الأمر منشغلون في أمورهم الخاصة.
 إلى متى هذا الحال؟ إنه السؤال الذي يطلقه المواطنون في الريف اللاذقاني حيث مجالس بلداتهم ومدنهم ليست أحسن حالاً، وما يجري في مدينة جبلة يبعث على العجب فعلاً.

المطلوب
من الطبيعي أنه في حال فشل إدارة ما يستبدل أفراد طاقمها وتجري تقويمات لتنفيذها للعمل، أين وقع التقصير؟ ولماذا؟ وهذا لا يطبق في اللاذقية، وثمة مدراء وأعضاء وعناصر أكدوا فشلهم الذريع وظلوا على رأس عملهم، يدعمهم الفساد ويثبت أقدامهم، والآن مع المرحلة القادمة والتي اختارها بديمقراطية كاملة جميع أبناء سورية الذي يحرصون على أمنها وسلامتها، وإعادة البناء ومحاربة الفساد، ينبغي أن تتخذ الحكومة المستقبلية إجراءات الحد من العبث في تطبيق القانون، والظروف الأمنية لا تحول دون ذلك، والذي يحول هو المصالح، والتلوث ليس مسألة عابرة وتزول تلقائياً، والأخطاء التي ارتكبت بحق الطبيعة ينبغي عدم ترسيخها وجعلها أمراً واقعاً، وثمة تفاصيل تكشف عن نفسها، والموضوع لا يحتاج إلا لمتابعة وجولات وتدقيق، والمخالفات منتشرة بوضوح وتتم دون خجل، لأنها محمية من جهة المراقبة المعنية بقمعها، مخالفات على امتداد الشاطئ والأحياء، قلع أشجار دون توقف، تلوث من خلفه آخر، والمطلوب إعادة المدينة إلى وجهها السياحي الذي غاب تماماً مع غيابها، وهي مهمات تتطلب خطوات جادة وفهم حقيقي لمن وصلوا إلى مواقعهم الإدارية دون أن يكونوا جديرين بها، والمشكلة تكمن في الوفاء أولاً والجدارة والنزاهة، وليس من المقبول أن توزع مساحات شاطئية لإقامة منشآت سياحية لمجموعة أفراد تربطهم علاقات خاصة جداً مع المعنيين.
اتخذت عدة إجراءات لمكافحة التلوث واستنفرت الجهات لهذا الغرض، وكان من المفترض سلامة المحميات، ومنها من تعرض للحرق والتدمير نتيجة الأحداث، لكن محمية صيد السمك ظلت بعيدة عن ذلك، وهي الآن دون حماية تذكر، ومركز البحوث البحرية لا يقدم شيئاً، وبحرنا في واقعه ملوثاً لدرجة لا يجوز السكوت عنها.
ثمة إجراءات ينبغي أن تتخذ، وحكومة العمل القادم عليها القيام بفعل ذلك وفي وقت  قصير جداً، بسبب الظروف الأمنية خسرنا ما خسرناه، فهل لنا أن نجتهد سوياً لنحافظ على ما تبقى لإنساننا السوري من بيئة نظيفة وأوكسجين نقي ومياه شرب وطعام، وهو الذي أكد مدى تضحيته وإيمانه وإخلاصه، فهل يترك بين أيدي المخادعين. المتلاعبين. الذين لا يعنيهم في كل الموضوع إلا مصالحهم ومن دونها فليكن الطوفان.