المهجرون يواجهون متاجرة واستغلالاً بأجور الشقق السكنية.. فهل يمكن تنظيم أجور الشقق السكنية وإن كانت ملكية شخصية؟..

المهجرون يواجهون متاجرة واستغلالاً بأجور الشقق السكنية.. فهل يمكن تنظيم أجور الشقق السكنية وإن كانت ملكية شخصية؟..

الأزمنة

الخميس، ٣ يوليو ٢٠١٤

وسيم وليد إبراهيم
شكاوى كثيرة ترد عن استغلال يتعرض له المواطنون وخاصة المهجرين من المناطق الساخنة، فيما يتعلق بمسألة إيجارات الشقق السكنية حتى التي تكون على الهيكل، حيث أصبحت الإيجارات تحدد وفق مزاجية الأشخاص، وحسب ضميرهم.. فإن كان الضمير مستيقظاً فإن الإيجارات ستكون منخفضة وقد تكون مجانية أيضاً، وفي حال كانت الضمائر نائمة فحدِّث ولا حرج عن الاستغلال الذي يتعرض له المحتاجون للمسكن.
وبالطبع فإن الدستور السوري يحمي الملكية الشخصية، بحيث لا يحدث أي تدخل في عمليات إيجار الشقق السكنية، حيث أوضح رئيس الدائرة الاجتماعية للعقود والإيجار في محافظة دمشق محمد عقيل بإحدى تصريحات، إنه لا يمكن لمحافظة دمشق التدخل بأي نزاع بين مؤجر عقار ومستأجر، فالمحافظة ليس لها دور في أي شيء يخص عقود الإيجار التي تتم برضى الطرفين، إلا فما يخص التسجيل والرسوم، مشيراً إلى أن مقترح فتح المنازل الآمنة وتأجيرها للأسر النازحة، والذي طُرح مؤخراً في إحدى الصحف الرسمية هو مجرد طروحات يعيقها الدستور الذي ينص على حماية الملكية الشخصية، مؤكداً على أن محافظة دمشق تشارك في لجنة متخصصة بتعديل قانون الاستئجار بممثلَين اثنين، منوهاً  إلى إمكانية صدور قرارات وإجراءات تخص تعديل قانون الإيجارات خلال الشهر الجاري.

لماذا لا يتم تنظيم أجور العقارات؟
إذاً، هناك تعديل لقانون الإيجارات قريباً.. ولكن بطبيعة الحال يجب التنويه إلى أن الشقق المؤجرة تعتبر استثماراً ويجب إخضاعها لقانون ينظم عملها لا أن تترك على أهواء أصحابها وإن كانت ملكية شخصية، فيجب سنّ قانون يعمل على تنظيم عمليات إيجار الشقق السكنية ويضع له حدوداً معينة وفق شروط معينة، بحيث يتم تقسيمها وفق مستويات من حيث مساحتها وموقعها والخدمات الموجودة فيها والمحيطة بها، وبناء على الشروط المتوفرة فيها يتم تحديد إيجار الشقة السكنية بحيث يتم استيفاء كامل الضرائب والرسوم من عملية الإيجار هذه ومن حصة المؤجر وليس المستأجر، وذلك كون عمليات الإيجار حالياً تشهد مزاجية مفرطة ولا أخلاقية أيضاً بحق المستأجرين المضطرين للسكن والذين هُجروا من مساكنهم بفعل الإرهاب.
بالطبع هذا الأمر يمكن تنظيمه وليس بمعجزة، فهناك دول سبقتنا في ذلك واستطاعت تنظيم هذه العملية منْعاً من الاستغلال وتنظيماً للسوق العقارية أيضاً.

مشروع سكني للإيجار فقط.. يكبح الأسعار والاستغلال
كما يمكن للحكومة أن تسعى في كبح جماح استغلال أصحاب الشقق السكنية التي يعرضونها للإيجار بأسعار فلكية، من خلال طرح مشروع سكني خاص للإيجار فقط، بعقود سنوية أو نصف سنوية وبأسعار تدخّلية منخفضة من شأنها أن تضرب استغلال حاجات المواطنين للسكن، وتخمد نار الإيجارات لصالحها، وذلك من خلال مشاريع سكنية على غرار مشاريع السكن الشبابي أو العمالي أو غيرها، ولكن هذه المشاريع يجب أن تتسم بسرعة الإنجاز كون آلاف الأسر السورية ترزح تحت وطأة الاستغلال من قبل المستغلين وتدفع إيجارات سكنية تضاهي دخلها لمدة عام وأكثر.. وبهذه الحالة تكون الحكومة حققت استثماراً مضموناً وناجحاً وذا عائد اقتصادي واجتماعي في الوقت نفسه، ويمكنها بعد انتهاء الأزمة وعودة الأمان إلى ربوع الوطن من عرض هذه الشقق للبيع وتلبية الطلب المتزايد على السكن.
ولا يخفى على أحد أن السوق العقارية حالياً تعيش حالة من الركود رغم زيادة الطلب على الإيجارات، فلا يوجد شقق للإيجار وإن وُجدت فإن أسعارها كافية أن تسبب "جلطة دماغية وقلبية وجيبية" للمحتاج.. فأقل شقة إيجارها حالياً 15 ألف ليرة في ريف دمشق البعيد عن العاصمة، وهي غير مفروشة.
أما كلّما اقتربنا من العاصمة فإن أسعار الإيجارات ترتفع بغض النظر عن كون الشقة تناسب السكن أم كونها عبارة عن غرفة أو غرفتين لا تحملان أدنى مواصفات المعيشة، فمثلاً سعر شقة على "العظم" كما يقال أصبح حالياً في بعض مناطق ريف دمشق نحو 15 ألف ليرة، وسعرها "مكسية" دون فرش يتراوح ما بين 25 و30 ألف ليرة، وبالطبع هذه الإيجارات ليست لشقق بمساحات 200 متر بل بمساحات لا تتجاوز 90 متراً مربعاً، وربما لا تتوفر فيها جميع مقومات الحياة سواء الكهرباء أو المياه أو حتى الصرف الصحي، ولكن الشغل الشاغل أصبح حالياً هو الاستغلال للأسف، وخاصة مع نهضة المخالفات العمرانية التي شهدتها سورية خلال فترة الأزمة، حيث بدأ العديد من المستغلين ببناء مساكن وغرف ليس لحاجتهم للسكن، ولكن لعرضها للإيجار واستثمارها على حساب حاجات المواطنين الذين دمرت منازلهم بفعل الإرهاب.
وبالطبع، هؤلاء المستغلون ما برحوا يرفعون إيجارات المساكن المخالفة التي قاموا ببنائها رغم مخالفتها، دون أدنى شفقة أو شعور بالمسؤولية تجاه المواطنين المهجّرين.

دمشق وريفها.. الطلب موجود وندرة في العرض
وفي حال انتقلنا إلى دمشق فإن الإيجارات تأخذ اتجاهاً تصاعدياً بامتياز، بل وفلكياً، حيث ذكر صاحب مكتب للعقارات لـ"الأزمنة"، أن الطلب على إيجار الشقق السكنية موجود وبكثرة، ولكن المشكلة هي أن العرض نادر جداً في ظل إشغال معظم الشقق من قبل المهجّرين الذين اضطروا لترك منازلهم في المناطق الساخنة واللجوء إلى دمشق وضواحيها، لافتاً إلى أنه في حال توفر شقة سكنية للإيجار فإنه لن يستطيع ذوو الدخل المحدود من سكنها كون هناك اشتراطات يفرضها المؤجر على المستأجر وتعتبر صعبة جداً لغير المقتدر مالياً، فمثلاً يطلب المؤجِّر إيجاراً يبدأ بحدود 35 ألف ويصل إلى 60 ألف ليرة وذلك حسب منطقة الشقة السكنية، ومساحتها، وبالطبع المعضلة لا تتوقف على هذا الأمر بل إن المشكلة الحقيقية هي أن المؤجر يطلب عقداً لمدة عام أو ستة أشهر على الأقل على أن يدفع المستأجر الأجرة "نقداً" للمدة المذكورة في العقد، أي أن المستأجر يجب أن يدفع ما لا يقل عن نصف مليون ليرة كإيجار للشقة السكنية، وأعتقد أن ذوي الدخل المحدود من المهجّرين، لا يملكون هكذا سيولة في أيديهم، ودفعة واحدة وخاصة بعد أن خسروا منازلهم ودخلهم وقوت يومهم.
أما في ريف دمشق فلم يكن الوضع أفضل، حيث أن الشقق غير "المكسية" أصبحت ملاذاً للأسر المهجرة، وبعضها يدفع أجوراً تصل إلى 7 آلاف ليرة، وبعضها الآخر لا يدفع وذلك حسب المؤجِّر وضميره.. ولكن يمكن القول بأن المناطق الآمنة في ريف دمشق تشهد اكتظاظاً سكانياً عالياً وعدم توفر مساكن فارغة للسكن مع ارتفاع كبير في أسعار العقارات، فسعر شقة في إحدى مناطق ريف دمشق تضاعف كثيراً حيث بلغ سعر الشقة السكنية العادية نحو 7 ملايين ليرة في حين كان سعرها قبل الأزمة لا يتجاوز 800 ألف ليرة أو مليون ليرة على الأكثر.
مهجرون يواجهون الاستغلال..
المتتبع لوضع المستأجرين وخاصة المهجّرين منهم، يرى أن أكثر من أسرة واحدة تقوم باستئجار شقة لا تزيد مساحتها عن 100 متر مربع، فمثلاً يوجد في ريف دمشق شقق تسكنها أكثر من 3 أسر، وذلك من أجل أن تتعاون وتتقاسم فيما بينها أجرة الشقة السكنية ذات السعر المرتفع والخدمات الوسط، وبالطبع يمكن سحب ذلك على العديد من الأسر التي لجأت إلى هذا الأمر، فلا تكاد شقة إلا ويوجد فيها أكثر من أسرة تتعاون فيما بينها على دفع الأجرة الشهرية.
وللأسف فإن المستغلين لا يعرفون الشبع، فكثيراً ما نسمع عن أسر طُردت من شقق سكنية "مكسية" أو غير "مكسية"، لأن صاحب الشقة يريد زيادة الأجرة عليهم ورفعها أكثر، وهذا ما تتعرض له الكثير من الأسر المهجرة للأسف، فهي أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما أن تدفع زيادة في الإيجار أو أن المؤجر سيطردهم من المنزل.. كونه حصل على عرض مغرٍ أكثر.. وهكذا تدور الدائرة على الأسر المهجَّرة التي لجأ بعضها إلى الأرصفة وإلى الحدائق وإلى مراكز المأوى وغيرها..
ولا شك أن الحكومة عملت جاهدة على تأمين مأوى للأسر المهجرة فهي فتحت الكثير من مراكز الإيواء وعملت على احتضان الأسر المهجرة، ولكن ما نريد التأكيد عليه هو أن المراكز لن تستطيع احتضان جميع الأسر المهجرة، وأن المستغلين لحاجات المهجرين يجب وضع حد لهم ولجشعهم.
كما عملت العديد من الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر وغيرها من المنظمات على مساعدة المهجرين في تأهيل أماكن لسكنهم.
ولكن يبقى القول بأن المهجر ربما خسر كل شيء لديه، سواء منزله وباب رزقه، أي أنه متعطل عن العمل وهو غير قادر على دفع أي أجرة.. لدرجة أن هناك بعض المهجرين يتناولون الخبز والشاي منتظرين المعونة التي تقدم لهم كل فترة.. وهم يتاجرون إما على البسطات ببيع الدخان أو بعض البسكوت وما شابه من السلع سعياً منهم لتأمين سعر ربطة الخبز التي قد تسد رمقهم، ليأتي مستغل ويطلب منهم أجوراً تتجاوز 30 ألف ليرة شهرياً أو الطرد خارج الشقة التي تكون على "العظم" أصلاً.
وفي نهاية الحديث نأمل من الحكومة أن تسعى لوضع حدٍّ لاستغلال المستغلين في أجور السكن وتنظيم هذه العملية، كما نناشد الضمائر الحيّة من أصحاب الشقق السكنية المعروضة للإيجار أن يخفِّضوا أجورهم على المحتاجين للسكن وأن يأخذوا حقهم بالمعقول دون إفراط بحق المستأجرين.