الخروج عن قاعدة الفرح ونتائجها العكسية

الخروج عن قاعدة الفرح ونتائجها العكسية

الأزمنة

الأحد، ٢٩ يونيو ٢٠١٤

زهير جبور
جاء في التحليل النفسي الفلسفي عن الفرح إنه الشعور الذي ينتاب الإنسان حين يحقق الإنجاز، ويكون جماعياً أو فردياً، فالنجاح في المشاريع والدراسة واكتمال العمل بتفوق يعكس الفرح، وعند الجماعة الانتصار على الأعداء، تحقيق عدالة كانت مفقودة، وهو في مثل هذه الحالة التعبير عن تضامنها وتوحد جهودها للوصول إلى المنجز، ويختلف التعبير عن الفرحة بين جماعة وأخرى، وعندنا يتم تبادل التهاني والقُبل، والاندفاع بحماسة نحو الآخر، ويشمل التسامح والعفو عن الأخطاء، والرقص كميزة إنسانية. حضارية. أخلاقية. تظهر بعفوية، وبتلقائية غير مصنعة، ونحن في سورية أتقنّا الفرح كما أتقنّا الحزن، ولعل ظروف البلاد التي نجتازها الآن بثقة علّمتنا أن للفرح مكانه في قلوبنا وينبغي أن لا يغادرنا كي لا نفقد الأمل، وحكمة الحزن أنه منحنا المزيد من القوة والإصرار والإرادة من أجل الوصول إلى الفرح، ولا يجوز بأي حال جعْله حزناً على الآخر، وإخراجه عن معانيه النبيلة.
•    ليلة اللاذقية
تابع أبناء سورية بكاملها نتائج انتخابات الرئاسة، وكنا قد جُلنا على بعض صناديق الاقتراع، وسجلنا الإقبال الجماهيري على امتداد الساحل، وحمل كل مواطن بطاقته الشخصية ليدلي بصوته في انتخابات ديمقراطية حرة، لم يسجل فيها أي خرق ولا ضغط أو توجيه، هي الأمثل والأنزه والأرقى، وتعامل معها أبناء الشعب بحضارة مستمدة من التاريخ والأبجدية والقلاع والأزقة القديمة بشعبيتها وألفتها، وكانت ثقافتهم متواجدة، عشت هذا عبر تنقلي بين صندوق وآخر، رجال.شبان. شابات. حملوا حريتهم وانطلقوا ليقولوا نعم للحياة للأمان. للاستقرار. للبناء. للإنسان السوري الأصيل، لكنهم ووجهوا في تلك الليلة بخرق فظيع، ليدب الذعر في قلوبهم، وليفرّوا من الشوارع ويتركوا لهؤلاء الذين يحتاجون التوعية أكثر من الغذاء، والذين لم يجيدوا التعبير، ولا المحاكمة العقلية، وخرجوا عن طورهم في هستيريا كان من المفترض السيطرة عليها، وتبديدها، فتوجهت فوهات البنادق والرشاشات وصنوف أخرى من الأسلحة مشعلة الأحياء، مخلِّفة الكثير من الجرحى والخوف، واستمر هؤلاء دون رادع، أو تقدير لقيمة الإنجاز العظيم الذي شارك فيه أبناء سورية الشرفاء، استقبلت المستشفيات من أصيبوا، واستنفرت غرف العمليات وهي كانت مستعدة لاستقبال جرحى المواجهات في المناطق الساخنة، وليس لمن يصابون بسبب جهل، من لم يعيروا الفرح أيَّ انتباه، وحسب أمّيتهم ظنوا في كثافة النيران فرحة، ووقعت وفيات، وتناقلت الأحاديث سقوط شاب وحيد لأسرته كان على شرفة بيته فأصابته الرصاصة الطائشة وفارق الحياة، وطفلة صغيرة لقيت نفس المصير، وآخرون كانوا في الشوارع والأصوات تتعالى، وعربات الإسعاف تطلق شاراتها، وفقدت السيطرة تماماً، وكانت ليلة رعب بما تعنيه، هذا ما جرى وتصاعد أكثر بعد ظهور النتائج وفوز الرئيس بشار الأسد بالنسبة الأعلى والجماهيرية الأكثر.
•    ماذا قالوا؟
كما قلنا كانت ليلة استثنائية خارجة على قانون الفرح، وفوارغ الطلقات تسقط على الشرفات تحدث أضراراً، وبكاء الأطفال الذين لم يتمكنوا من النوم، تقول ندى إنها وأسرتها لم تنم طوال الليل، وكانت قلقة بشأن الأطفال، وعملت جاهدة على تهدئتهم ولم يثمر ذلك، وصوت الرصاص كان فوق كل صوت، أما فؤاد الذي يبلغ من العمر ستين عاماً فهو لم يعش مثلها ليلة، ويعللها بسبب الظروف التي تمر بها البلاد وانتصار السيد الرئيس فرحة كبرى لكل القلوب، وهو صمام الأمان وآمال الشعب في الخلاص مركزة عليه، ويضيف تابعنا المباركات عبر الهواتف واحتفلنا، لكن ما جرى في الخارج من مبالغة لا مبرر لها أبداً ولا معنى؛ أدخلنا في نطاق الذعر، وهذا التصرف لم يهدد الأعداء المتربصين بنا بل هدد الأبرياء من أبناء الشعب، وتجدها السيدة رحاب ليلة لا تنسى، وانتخاب الرئيس اختيار الأمة، فما الداعي لمثل هذا الخرق؟ والفورة الرعونة التي لم تهدأ، مع ملاحظة أن صانع الفرح كان قد وجّه بتوفير الطلقات لجيشنا وهو يواجه الأعداء، هل كان ثمن الطلقات المهدورة من جيوب هؤلاء الذين لا يليق بهم سوى اسم "الطائشون"، بصراحة خشينا أن يجدها المندسون فرصة للتخريب والقتل، نعم، حلّت فوضى كبيرة في تلك الليلة وما بعدها، وكان من الواجب السيطرة على الأمر وتطويقه، سمعنا انتقادات كثيرة وأحاديث دارت بين الناس وآراء حملت ضرورة تهيئة الذين سلّموا السلاح من لجان شعبية وغيرها، وإخضاعهم لدورات بإشراف ضباط من الجيش العربي السوري، وإلزامهم بتنفيذ الأوامر وعدم التصرف كيفياً، وإيصال المعنى عن حملهم للسلاح وضبطه بين أيديهم، والقيمة التي تحملها الرصاصة وطريقها صوب العدو، وليس لدبِّ الفوضى وإشغال الجهات المسؤولة وهي ليست متفرغة في هذه الظروف لحالات لا مبرر لها، وفي هذا خسائر بشرية ومادية، وانشغال دون فائدة، إلى جانب أضرار جسيمة لحقت بالبيوت، والعربات المتوقفة في الشوارع، ونزع الفرح ليحل مكانه الذعر، فأيّ تصرف هذا لا يسمح به ولا يرضى عنه أحد؟! والمسألة تحتاج لإعادة نظر، وجعْل السلاح في مكانه، وليس بين أيدي العابثين.
 يقول الزميل داوود عباس رئيس فرع اتحاد الصحفيين في اللاذقية إن صندوق اقتراع الفرع شهد خلال النهار أعداداً كبيرة جداً من المواطنين، وحين بوشر بإطلاق النار حوالي السادسة والربع بعد تمديد ساعات الانتخاب إلى منتصف الليل قل تواجد الناس الذين فضّلوا منازلهم عن التعرض للخطر، علماً أنهم في الصباح أقاموا احتفالاتهم بين دبكة وزغاريد، ونشروا الفرح المطلوب وعبّروا عنه بحضارة مع مراعاتهم إفساح المجال لمرور العربات والمشاة، وكان ينضم إليهم الكثير ممن يرغبون في التعبير عن فرحهم، ولو أن مثل هذا الأمر قد تم تنظيمه مسبقاً لعبّرت اللاذقية وساحلها وقراها وجميع مدنها وصولاً إلى طرطوس عن الفرح الجماهيري الكبير، ولو تمكنت كاميرا التلفاز من نقلها أو تسجيلها لتمكنّا من تقديم صورة حقيقية عن فرح لم يشهد مثله الغرب بكامله، ولم تحققه الديمقراطية المزيفة التي يطرحونها وهماً، الذين استعملوا السلاح للتعبير فوّتوا الفرصة على الجماهير كي تعبِّر بطريقتها.
•    ما هو المطلوب؟
إن ما ورد في موضوعنا لا يحمل إلا التفاصيل السريعة عن ليلة خرق القانون الاجتماعي والفوضى، وما دار خلال ليال متتالية يعتبر الأشنع، وفي النهار كانت قذائف المسلحين الإرهابيين تتساقط فوق بعض القرى المحيطة، والمعارك دائرة في المواقع الساخنة وليلاً يقوم أولئك العابثون برمياتهم ونسف مفهوم الفرح، إن مسألة ضبط السلاح من أهم القضايا التي يجب معالجتها، وقد حوله بعضهم لفضِّ خلافات فردية أو إرثية، أو تفوّق وهمي لسد ثغرات ضعف الشخصية والنقص الذي يحمله من حملوه بغباء، ولا بد أن واجب السلطات المحلية إجراء التحقيقات حول ما جرى بتلك الليلة الطويلة، ومتابعة من تحملوا مسؤولياتها، ومن أين تلقّوا أوامرهم لهدر كل هذا الرصاص الذي لم يدفعوا هم ثمنه بل هو من قوت الشعب، والعودة للتدقيق بمن حمله وكيف وفي أي مكان أنفق طلقاته، والمسألة ليست بهذه البساطة فما أُطلق من رصاص يتجاوز الآلاف وضرورة إعادة النظر في المشاهد الاستعراضية التي تتكرر كثيراً بشوارعنا في حمل السلاح وتغطية مركّبات النقص بمن يجعلونه التكامل لشخصياتهم، أو ارتداء البزة العسكرية وهي برمزيتها تمثل الجيش العربي السوري المنضبط في عمله وسلوكه وأخلاقه، والذي يقدر أهمية الطلقة وقدسية السلاح، وفوهته التي تتجه إلى مكانها المناسب، من يحملون السلاح اليوم من خارج الجيش العربي السوري أو القطاع التابع له ينبغي أن يلاحقوا للتأكد من مصدر البندقية، وليس من الطبيعي انتشاره بهذا الشكل الذي نراه ولم يعد بإمكاننا التمييز بين حامل له للدفاع عنّا وآخر يهددنا ولو بنظراته، وما نأمل أن لا تتكرر أحداث تلك الليلة، الانتصارات متتالية، والتعبير عن الفرح ينبغي أن يخضع لنظام تفرضه السلطات المختصة، وتشرف على تنفيذه ضمن الأسس الاجتماعية المطلوبة، وليكن التعبير عنه كما ينبغي أن يكون، هل يتحقق ذلك؟ هذا ما ننتظره ونحن سندخل في يوم القسم القادم، وهو فرحة أيضاً. وينبغي عدم التساهل في خرقها.