بعدما طالت الأضرار معظم قطاعها العام..هل تنقذ المقترحات الحكومية قاطرة التنمية من براثن الإرهاب وتعيدها إلى سكتها؟!

بعدما طالت الأضرار معظم قطاعها العام..هل تنقذ المقترحات الحكومية قاطرة التنمية من براثن الإرهاب وتعيدها إلى سكتها؟!

الأزمنة

الأربعاء، ٢٥ يونيو ٢٠١٤

الأزمنة| أحمد سليمان
لم تشهد الصناعة الوطنية أزمة استهدفتها كما الأزمة التي تمر بها حالياً وبشكل خاص القطاع العام الذي طفت مشاكله على السطح بشكل كبير ولم يعد للحلول التجميلية أيَّ مكان فيها. وقد قامت وزارة الصناعة برفع مذكرات متعددة إلى الحكومة بهذا الشأن والتي لم تعد خافية على أحد؛ وعلى ما يبدو فإن الحكومة جادة هذه المرة في تقديم العديد من المقترحات للوزارة لإعادة تأهيل الصناعة الوطنية ومنها القطاع العام الصناعي مستندة إلى ما يواجه الصناعة من مشكلات وتحديات عانت منها قبل وخلال الأزمة، كما كشفت الأزمة عن مشكلات كانت خارج كل الحسابات أو داخلها، إلا إنه لم يتم التعاطي معها بجدية من قبل.

أكثر من ترليون...!!
 إن خروج نحو ثلثي منشآت القطاع العام الصناعي من العمل والإنتاج يعدّ نتيجة تراكمية للأزمة وغيرها بسبب العقوبات الاقتصادية والاعتداءات الإرهابية وسرقة ونهب هذه المنشآت لتتجاوز أضرار هذا القطاع وحسب القيم الدفترية مئتي المليار ليرة، ما يعني أن هذا الرقم قد يصل بالأسعار الجارية إلى أكثر من نصف ترليون ليرة، وربما تتجاوز هذه القيم أضرار القطاع الخاص إذا ما تم إحصاؤها بشكل دقيق ما يعني أن أضرار الصناعة الوطنية تتخطى ترليون الليرة، الأمر الذي يشكل عبئاً كبيراً على وزارة الصناعة يتطلب تعاون الحكومة بوزاراتها وجهاتها الأخرى للمساعدة وتخطي هذه التحديات.
وقد تكون الحكومة قد قدمت في مذكرة لوزارة الصناعة بعض المقترحات المتعلقة بإعادة تأهيل القطاع العام الصناعي في المرحلة الراهنة ومرحلة ما بعد الأزمة بداية لمرحلة قد نشهدها قريباً على مستوى التدخل الحكومي نظراً لدور وأهمية هذا القطاع؛ على أن تتم مناقشة هذه المقترحات مع عدد من المختصين والمعنيين في القطاع الصناعي والأكاديميين.
وإن تحديد الحكومة للأولويات الملحّة لإعادة تنشيط الصناعة الوطنية وبما يساهم في اختصار الوقت والجهد والكلفة لتنفيذها - من خلال المذكرة التي حصلت الأزمنة على نسخة منها - يشير إلى دلالات كبيرة على مستوى التدخل، لتؤكد أن إعادة تأهيل الصناعة مرهون بداية بتوفر الأرضية اللازمة والتي تتطلب العمل على ثلاثة مستويات، أولها مستوى السياسات الكلية ثم المستوى المتوسط المتمثل بالجهات الداعمة للصناعة إضافة إلى المستوى الجزئي أي الشركات.

المحافظة على الاستمرارية
ولإنجاز ذلك تحتاج الصناعة أيضاً إلى ثلاث مهام رئيسة تكمن في المحافظة قدر المستطاع على وجود واستمرارية العمل في المنشآت الصناعية والتي ما تزال قائمة وتمكين أكبر عدد ممكن من المعامل من معاودة الإنتاج ولو جزئياً من أجل تلبية حاجة السوق المحلية من السلع الضرورية منها، واستيعاب ما يمكن من العمال العاطلين عن العمل لإعادة عجلة الإنتاج إلى العمل وتحريك الأسواق الداخلية وعملية التصدير، وهذا الأمر يتطلب توفير الشروط والتسهيلات اللازمة لذلك في المجالات كافة وعلى جميع المستويات وبشكل مؤقت ريثما تستقر الظروف.

مواقع بديلة
وإن تحقيق هذه المهمة يتطلب تسريع إجراءات تأمين المواقع البديلة الآمنة للمنشآت الصناعية التي تم تدميرها أو يصعب الوصول إليها وتوفير الأمن والأمان في المناطق والمدن الصناعية والإسراع في تنفيذ المناطق الصناعية الجديدة في مدينة عدرا الصناعية وفي السويداء وفي المنطقة الحرة باللاذقية وأي مناطق مناسبة أخرى؛ مع مراعاة أن تتم هذه العملية قدر الإمكان وفق منظور أوسع وأشمل يتمثل بإعادة النظر بالتوزع الجغرافي للمنشآت الصناعية من ناحية؛ ومراعاة التخطيط الإقليمي والعمل على تنظيم هذه المنشآت ضمن تجمعات صناعية عنقودية تساهم في تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة من ناحية أخرى في المرحلة المقبلة، والعمل على معالجة المصاعب التي تواجه الصناعيين فيما يتعلق بإعادة جدولة ديونهم وبشكل خاص تخفيض دفعة حسن النية، والحوار بين الجهات الحكومية المعنية والمصارف الخاصة لدراسة إمكانية تسهيل عملية تأجيل سداد ديونها للصناعيين وخفض كلفتها كأن تتحمل الحكومة جزءاً من كلفة إعادة جدولة الديون لدى هذه المصارف.

إعادة إحياء
 ولعلّ المذكرة التي أرسلتها رئاسة الحكومة قد لا تكون في عهدة أو سلطات أو حتى صلاحيات وزارة الصناعة؛ وخاصة ما يتعلق بالبت السريع بصرف التعويضات للمنشآت الصناعية المتضررة، ودفع جزء مقبول منها لتمكين الصناعيين من إعادة إحياء منشآتهم وتشغيلها أو نقلها إلى الأماكن الآمنة، وتقديم قروض قصيرة وبشروط ميسرة للمنشآت الصناعية المتعثرة حالياً لاستخدامها كرأسمال عامل من أجل تحريك الإنتاج والأسواق والمحافظة على وجودها والعاملين فيها، إلى جانب تسهيل عملية فتح الاعتمادات المستندية ومنح إجازات الاستيراد لتعويض الآلات والتجهيزات ووسائل النقل التي دُمّرت وكذلك مستلزمات الإنتاج وإعفاؤها من كل الرسوم والضرائب.
 وإنّ ما ذهبنا إليه بشأن الصلاحيات هو أمر واضح، وخاصة مقترحات تتعلق بإصلاح وإعادة تأهيل البنية التحتية والخدمات اللازمة من طرق ومحطات التوليد والتحويل والنقل للكهرباء وشبكات النقل الطرقي والسكك الحديدية والاتصالات وإعطاء الأولوية للمرافق التي تربط المدن والمناطق الصناعية العاملة وبشكل يتزامن مع العمل في تنفيذ المجالات الأخرى، وإحداث صندوق وطني لإعادة إعمار وتشغيل المنشآت الصناعية يتولى تقديم قروض وتسهيلات بشروط ميسرة للصناعيين المتضررين وتعويضهم.

تأجير تمويلي
إن حثّ المصارف على استخدام التأجير التمويلي وتشجيع القطاعين العام والخاص على الاستفادة من هذا الأسلوب لإعادة تأهيل المنشآت المتضررة وإحداث صندوق وطني لتمويل إعادة تأهيل الصناعة يكون من موارده فرض رسم على المستوردات الصناعية، إضافة إلى أي موارد أخرى ممكنة، تعدّ مقترحات مهمة إلى جانب الحلول الأخرى المقدمة في هذا المجال، وهي الاتفاق مع شركات منتجة للآلات من الدول الصديقة على تزويد المنشآت الصناعية المتضررة بالآلات والتجهيزات مقابل تسديد قيمتها أو جزء منها بمنتجات المشروع وتشجيع المصارف الخاصة على التمويل الصناعي من خلال تحمل الدولة الفرق بين الفوائد التشجيعية وسعر الفائدة الرائج وتسهيل عملية منح القروض والتسهيلات المصرفية للمنشآت الصناعية بحيث تكون موجودات المعامل هي الضمانة لهذه القروض، والإسراع في البت بطلبات التعويض للمنشآت الصناعية المتضررة وصرف جزء معقول من هذه التعويضات بما يمكّن أصحاب هذه المنشآت من إعادة تشغيلها ولو بالحدود الدنيا إلى جانب تشجيع وتسهيل عملية تحويل الشركات الفردية إلى شركات محدودة أو مساهمة خاصة أو عامة تطرح أسهمها للاكتتاب العام بهدف تغطية ما يمكن من نفقات إعادة التأهيل.
 واقترحت المذكرة العمل على تحويل بعض الشركات الصناعية العامة التي هي خارج الإنتاج حالياً إلى شركات مشتركة أو مساهمة عامة لتغطية قيمة الآلات والتجهيزات اللازمة لإعادة الشركات إلى الإنتاج وفق قواعد وأسس واضحة ومحددة.

تفصيلية أكثر
 وقد تتقاطع المذكرة في عدد من النقاط مع المقترحات التي تضمّنتها مذكرة غرفة صناعة دمشق وريفها والتي توصلت إليها هيئتها العامة في اجتماعها السنوي الأخير، إلا أن مذكرة الغرفة التي رفعتها إلى رئاسة مجلس الوزراء تتضمّن عدداً من النقاط التفصيلة لاستمرار العمل الصناعي خلال هذه الفترة ومعالجة المشكلات الناجمة عن منعكسات الأزمة كتأسيس واعتماد نظام للعمل بالبوليصة الداخلية للشحن بين الصناعيين المصدِّرين وشركات الشحن بهدف تمكين الصناعي المصدّر الحقيقي من الاستفادة من محفزات التصدير كصندوق دعم الصادرات والإعفاء من ضريبة الدخل للمصدر الحقيقي وتعزيز الشفافية في بيانات حوالات التصدير وحماية الصناعي من الملاحقة عند استلامه لقيمة حوالته التصديرية والوصول للبيانات الحقيقية عن المصدرين الصناعيين الحقيقيين.‏

عدم التوقيف للصناعي
وتذهب الغرفة إلى الدعوة لعدم ملاحقة أو توقيف أي صناعي عند استلامه لحوالة بالدولار نقداً بقيمة صادراته، وفي حال ورود أي مخالفة على أي صناعي مسجل لدى الغرفة إحالة الموضوع للتداول بين غرفة الصناعة مع الضابطة الخاصة في البنك المركزي لدراسة الحالة قبل اتخاذ أي إجراء ضده، واستثناء إجازات الاستيراد الخاصة بالمواد الأولية اللازمة لاستخدامها في المنشآت الصناعية من تعليمات وزارة الاقتصاد المتعلقة بالتقنين كون المواد الأولية تشغل المصانع واليد العاملة لافتاً إلى أهمية عدم اشتراط إنهاء إجازات الاستيراد السابقة وإلغاء رصيدها لمنح إجازة استيراد جديدة نظراً لوجود تعرِفات جمركية متشابهة وكونها تتعلق بمواد أولية وخاصة بعد أن تم تحديد مدة إجازة الاستيراد بـ 3 أشهر ورفع التعويض عن المتضررين إلى السقف الأعلى لها وهو مبلغ /25/ مليون ليرة للمتضررين نتيجة الأعمال التخريبية من قبل العصابات الإجرامية المسلحة والإسراع في دفع التعويضات للمتضررين المتقدمين بطلباتهم إلى المحافظة، إضافة إلى منح موافقة لعمل المنشآت التي نُقلت إلى مناطق آمنة استثناءً من التعليمات الناظمة للتراخيص الإدارية واعتماد التراخيص الصناعية والصحية التي حصلت عليها المنشآت سابقاً في المناطق السابقة دون الحاجة لتراخيص جديدة وخاصة للمنشآت التي لا تسبب أضراراً بيئية كإجراء مؤقت ريثما يتم إعادة الأمن للمناطق الصناعية وإعادة تأهيلها.‏

إلى سكتها الصحيحة
 قد لا يكون العديد من الصناعيين قد تمكنوا من التأقلم مع الأوضاع والحرب المتنقلة التي طالت وتطول القطاع الصناعي، إلا أن الإسراع بمناقشة هذه المقترحات ووضعها في صيغة قرارات وتشريعات ملزمة التنفيذ قد تشكل دفعاً لعملية النهوض بالصناعة الوطنية وبخاصة المقترحات التي كانت قد تقدمت بها وزارة الصناعة لهيئة البيئة القانونية والتشريعية لها والانطلاق بها إلى الأمام وإعادة قاطرة التنمية إلى سكتها الصحيحة.. فهل نفعلها؟!.