برادون شريان حياة دمّره الإرهاب

برادون شريان حياة دمّره الإرهاب

الأزمنة

الأحد، ١٥ يونيو ٢٠١٤

زهير جبور
لا بأس في مثل هذه المناسبة أن نتوقف عند بعض المقارنات، التي تجعلنا بين الماضي والحاضر, وتحفّزنا للكثير من تصورات المستقبل وتوحي لنا بشكل أو آخر ما يمكن فعله واستنتاج فوائده، وتغيِّر في الأفكار, وتساهم في تطورها، وهي مهمة الحكومة, تتحملها بمقدار علمها وتخطيطها.
وقد شهدنا فيما مضى إجراءات لم تكن في مكانها الصحيح، وينبغي ونحن نخطو صوب الخروج من الأزمة التي عاشتها البلاد, أن نكون قد حصلنا على العبر، برغم قسوتها لكنها منحتنا قوة البصيرة فيما نعمل، وزودتنا بقيمة العلم بما نخطط، وأمدتنا بخطاب المسؤولية الحق الذي غاب عن حياتنا، ولندرك أن المنصب ليس للواجهة, ونخرج من عقلية المختار التي تجاوزها الزمن، ولنتسلح بالصواب قبل القرار, وننظر إلى البعيد، ولكل خطوة نتائجها الاقتصادية المفترضة ولو بعد سنين.
وبما أننا دخلنا في الانعطاف الكبير، والتفتت جماهيرنا حول سوريتها محصنة, منيعة, لا تسقطها مؤامرات ولا إرهاب، وقدم أبناء الشعب الفقراء الشهداء بسخاء وإيمان، وكشفت هذه الجماهير وجوه المستغلين، الفاسدين، الانتهازيين، من تاجروا وخانوا، وسقطوا عن طريق الإخلاص إلى هاوية الخيانة؛ علينا أن نفكر معاً للوصول إلى الحلول التي نحتاجها كوطن، وشعب، وقيادة، إذ إن المسألة ليست في تعدد المشاريع عبر تقارير إعلامية لا وجود لها على أرض الواقع، بل هي في عمل ميداني قائم, ملموس، ليست في استعراض إنجازات الوزير, وكثيرة هي الاستعراضات التي كانت وهمية ولم تخرج عن نطاق الوسيلة التي قدمتها،، الآن يجب ربطها بجدية العمل، والوقت لا يسمح بغير ذلك.
فموضوع المياه بالنسبة للساحل السوري أعطي في الماضي أهمية خاصة، جاءت من خلال حرص القائد الخالد حافظ الأسد، وبغرض تطوير عمل التخطيط الاستراتيجي لقطاع المياه ,تم بموجب المرسوم 90 تاريخ 29/9/2005 إحداث الهيئة العامة للموارد المائية, لتحل محل مديريات الري العامة للأحواض المائية, ومحل المديريات المركزية في وزارة الري التي تعمل في مجال الري, ومحل دوائر الري التابعة للمؤسسة العامة لسد الفرات وأحدثت فروع تابعة للهيئة في المحافظات، منها مديرية الموارد المائية في اللاذقية ثم تم بموجب المرسوم التشريعي رقم 44 تاريخ 23/6/2012 إحداث وزارة الموارد المائية لتحل محل وزارة الري، لابد إنها إجراءات سليمة، هامة، اقتصادية بامتياز, تؤمن الاستفادة من المياه، وتنعكس على حياة الجميع دون استثناء، وتوفر للأرض السقاية اللازمة، وهي في مثل ظروفنا الحالية حيث الجفاف, وتراجع النسب المئوية كثيراً لهطول الأمطار، تلبي الحاجة وتحل المشكلة إلى حين إيجاد حلول طبيعية، أو علمية يمكن التعامل معها.. وإذا ما أجرينا مقارنة في الماضي فسوف نجد أن كل مياه الأمطار كانت تذهب إلى البحر، وغزارتها في الساحل لا تُستثمر، وهو ما يعيدنا إلى سلامة التخطيط وإنجاز السدود، والتوسع بها، ما أحدث التطور العام في البنية الزراعية, والسياحية والاجتماعية وغيرها، وإذا سألنا اليوم عن أهم المواقع في اللاذقية  وأكثرها حضارة وفائدة وقيمة اجتماعية وسياحية، يأتي جوابنا المباشر، جامعة تشرين بمواصفاتها وتطورها، والمدينة الرياضية التي أقيمت لاستقبال دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط عام 1978, وبحيرة سد 16 تشرين التي تحولت إلى نقطة جذب سياحي, وحملت على أنها أجمل بحيرات العالم بعد واحدة في ألمانيا،، لكن يد التخريب والدمار والإرهاب التي عبثت حولت المدينة الرياضية إلى مقر للإخوة الوافدين من المحافظات الساخنة، وجعلت من بحيرة السد مركزاً لإسقاط القذائف، وحرمت الناس من زيارتها، أليس من المحزن جداً  والمبكي أن تدمر المنشآت والمدن, ويضرب الاقتصاد, ويهجر الأبرياء؟، هذا ما جرى وما جعل أبناء الشعب يزدادون إصراراً على المواجهة والصبر والتضحية، والقادم أفضل, وإرادة الحياة هي المنتصرة دائماً.
•    الإرهاب والسد
لم يكتمل مخطط تنفيذ السدود في المحافظة، فثمة عراقيل برزت قبل الأحداث، ودراسات غير منجزة، وأسباب أخرى، وأكثر من سد تعرض لأخطاء فنية, منها ما عولج، وما هو قيد المعالجة المتوقفة حالياً بسبب الظروف الأمنية، وإجمالاً يمكن القول إن خطوط الري شبه مكتملة, وتغطي نسبة لا بأس بها من المساحات الزراعية، وكان من المفترض أن يترافق ذلك مع خطة زراعية متكاملة بين الإنتاج والتسويق، والاستهلاك المحلي، وغيره من الجوانب التي تم التقصير في تنفيذها، وكنا في مجلة الأزمنة قد رافقنا بداية العمل في مشروع ري سد برادون، حضرنا مع الضربات الأولى للآليات الضخمة, التي عليها أن تتعامل مع طبيعة قاسية، وتابعنا المشروع في /4/ مواضيع نُشرت بمعدل زيارة واحدة كل عام، وكغيرنا من أبناء سورية الذين يقدرون أهميته الاقتصادية والسياحية، فرحنا كثيراً , خاصة وأن كوادرنا الفنية والهندسية تشرف عليه، وهو يبعد عن اللاذقية 45 كم  شمال شرق, على مجرى نهر الكبير الشمالي ويبعد عن موقع البحيرة الأم 16 تشرين 18 كم, وهدفه تنظيم جريان النهر والتخزين لاستخدامات مياه الشرب, وري الأراضي، والطاقة، واستثمار البحيرة للجوانب السياحية، وينبغي أن نتوقف هنا لوصف المكان من الناحية الجمالية وهو الموقع المنحدر إلى طريق حلب من غابات الفرنلق, وجميع الهضاب المحيطة مكسوة بأشجار الصنوبر, لتشكل منظراً طبيعياً, يمكن تصوره، وهو في الواقع أقرب إلى الخيال، وصمم لإرواء مساحة 7500 هكتار ومنها 5000 هكتار شبكات ري هضبة عين البيضا، ومساحة 2500 هكتار واقعة في محيط السد، والمزيد من المواصفات الفنية الهندسية التي صممتها الدراسة كان من المتوقع أن ينتهي العمل بها، ويبدأ الاستثمار, خاصة وأن الخطوات الأولى للتجميع قد بوشر بها، طالت يد الإرهاب موقع السد، وعملت على تخريبه بوحشية لا علاقة لها بأية إنسانية تذكر، ولو أن لهؤلاء أي انتماء سوري أو بشري لقدروا أهميته وتجنبوا تدميره, وحرصوا عليه، عملوا على تهديم المبنى الإداري وحرق ما فيه من مخططات  ودراسات  ومصنفات، ثم استمروا في تدمير المباني الأخرى، وسرقوا الآليات المتواجدة الصالحة للاستعمال، وأحرقوا الذي يمكن إصلاحه واستعماله لاحقاً، وتمركزوا في المكان الذي تقابله بعض القرى, ليهجرها سكانها وتترك فارغة، وتتلف المواسم المتعاقبة من زيتون, وحمضيات, وفواكه مختلفة، وتحرق أشجار الصنوبر على امتداد المساحة المنتهية في غابات كسب، مروراً بغابة الفرنلق، وحين وصلنا إلى المكان الذي لا يمكننا تجاوزه بسبب تواجدهم البربري كانت المأساة ظاهرة على طبيعة الأرض، وبقايا الحرائق تغطي المساحات بلونها الفحمي، هو المشهد المتكرر على امتداد المحافظات الساخنة الذي يبعث الدمار فيها على الحزن العميق.
أليست هذه ملكية الشعب السوري سواء كانت عامة أم خاصة؟، وكان موقع السد قد أحيط بشبكة من الطرق التخديمية والتي تربطه بجميع الاتجاهات، في تنفيذ يحمل مستواه التقني, ويؤدي أغراضه المطلوبة، لا طيور على الأشجار، ولا حركة لحياة، لا شيء سوى أصوات القذائف والبنادق والقتل، وفي إحدى القرى التقينا بعض سكانها الذين يغادرونها ويعودون لتفقد أرزاقهم وممتلكاتهم، تحدثنا إليهم وحدّدوا لنا مواقع المسلحين وتحركاتهم، وهم لا يتوانون عن قنص أي إنسان يمكن أن يطالوه، إلى جانب الكمائن التي يقيمونها لقتل الأبرياء، الفلاحون الذين يدفعهم فقرهم وحاجتهم للاطمئنان على مزروعاتهم, أو محاولة الحصول على بعض منها لسد حاجة منزلية، طُلب إلينا أن نبتعد عن موقعنا خوفاً من المفاجئات التي أودت بحياة مواطنين.
•    ماذا لو أنجزت الأعمال؟!
هو السؤال الذي ملأ شاشة تفكيري، شبكة من أقنية للري، وبحيرة سوف تجذب الاستثمار السياحي، وتبدل مادي واجتماعي في حياة أبناء القرى، وثمة مشاريع مائية أخرى أوقفتها الحرب، كان الهدف المطلوب رفع مستوى الإنتاج، والاعتماد على الذات، والحد دون وصول سعر الخيار والبندورة, والفول, والفاصولياء إلى ما وصلت إليه، كان الهدف استمرارية للحياة الآمنة التي يحلم بها كل مواطن سوري شريف، وما تبقى يمكن معالجته وبتره والتخلص منه, لكنه الشر حين يحل فسوف يحرق الخير، والتاريخ بحكمته يقول له جولة مهما طال زمنه، وبذور الخير لا تموت حرقاً في أرضها، بل هي قابلة للنمو  والتجدد، والتعمق حتى تشمل ظلالها الأبناء الذين من دونه يضحون للانتصار، وقوة الحياة لا يبددها الجور, والنكران, والجحود.