مقومات السلوك وانعكاسه على الحياة العامة

مقومات السلوك وانعكاسه على الحياة العامة

الأزمنة

الأربعاء، ١١ يونيو ٢٠١٤

تعيش سورية وشعبها هذه الأيام مرحلة الاستحقاق الرئاسي الديمقراطي. عبر تبدل في أسلوب الترشيح ,والدعاية، ورأينا عبر الشاشات ما لم نكن نعرفه سابقاً من برامج للمرشحين وتطلعاتهم وصورهم, وغيرها. وهذا يعتبر خروجاً عن المعهود القديم, والمحلل النبيه سيجد فيه ملامح القادم. وإذا ما غاص في نبض الشارع فسوف يدرك أنه يتطلع إلى أشياء أكبر وأهم تبدأ من لقمة عيشه، وتنتهي عند الحرية. وفي بحث عميق قرأته للمفكر الدكتور نبيل طعمة, ما استوقفني فعلاً, ودفعني لعكس الأفكار الواردة على الواقع. وأهمية ذلك على طبيعة الموضوع الذي أتطرق إليه حالياً, وملخصه كيف فهمت القيادة المجتمع السوري. وعلى أي أساس تعاملت معه. ولابد أن مقارنة بسيطة بين سورية اليوم, وما كانت عليه في النصف الثاني من القرن الماضي. وتحديداً بعد ثورة آذار، سنجد ثمة فوارق شاسعة. وإنجازات قدمت. وخدمت، وأعطت، ووصلت إلى كل مكان مع بعض التقصير بين هنا وهناك. والسؤال هل ساهم هذا في بناء الإنسان السوري كما ينبغي أن يكون. هل المدارس التي انتشرت، والجامعات، والمراكز الثقافية أدت دورها، أم بقيت مجرد عمران يفتقر لمقوماته الفكرية, والثقافية. وعند الدكتور طعمه الجواب (هل تحررنا نحن أولاً من دواخلنا لنقول: إننا نحمل معنىً كبيراً للحرية؟.. الحرية تبدأ من الشخصية الذاتية، وحينما تتحرر علميتنا ونتحرر من العُقد ومن الآفات ومن الموبقات المتعلقة بعملية عدم التجانس الإنساني يغدو الإنسان حراً؛ فيعي ما يريد ويطلب ما يريد بعد ذلك). (الباحثون. العدد 76. شباط آذار 2014). هي عملية إنسان دون شك. فشبكة الطرق وحدها لا تصنعه تساهم بسهولة حركته وانتقاله من ركوب الحمير إلى باص النقل. وترشده إلى أن الطاقة يمكنها أن تضيء بدل السراج. وهذا بكامله ينبغي أن يتراكم معرفة علمية، وحرية أيضاً في مفهومها البنائي. وليس التهديمي. أي نموّ الإدراك متساوياً مع الحضارة. وفي حال الاهتمام، والبحث, والرؤية المستقبلية للتخطيط لها، وتطويرها.
   
ما قبل المدرسة الأولى:
(إن أية أمة تريد أن تنطلق إلى الحضور وتثبت حضورها، عليها أن تتربى جمالياً، وبعد أن أضعنا تلك المفاهيم البناءة في بنائنا نجد أنفسنا الآن وكأنّ بنا نحيا عصور الظلمات، تبعاً لما يجري ويحدث لهذه الشخصية العربية) ما يقوله الدكتور نبيل طعمة. وهي الفكرة التي نقلناها للكثير من المختصين والمعلمين. وممن يعملون في المجال النفسي والتربوي. كانت الآراء مختلفة مع تطورنا الذي شهدناه وعلى الساحل مثلاً. جامعة ضمت اليوم أكثر من 80 ألف طالب وطالبة لكافة الفروع بمختلف أنواعها. أبنية مدرسية انتشرت على نطاق واسع. مراكز ثقافية، وهجرة معاكسة من المدينة إلى الريف. فهل حققنا انطلاقة التربية الجمالية بما تعنيه, وتهدف إليه.. لم نكن بعيدين عن هذه التربية لكننا لم نؤسس لها. ورياض الأطفال لبنة بناء الشخصية بعد الأسرة.. حولت إلى تجارة مربحة. ولعب الفساد دوره في الحصول على الترخيص دون تحقيق الشروط المطلوبة. في الموقع، والأسلوب، وفهم اللعب على إنه مسألة تربوية تؤدي إلى صقل الهواية, وليست وسيلة تسلية فارغة. وهو يحرك العقل وهذا يؤدي إلى الاستكشاف, لم نهيئ المشرفين المتقنين لمثل ذلك. وهم دون شك أهم من أساتذة الجامعة وخطابهم مع الكبار الذين تجاوزوا مرحلة التأسيس، ووصلوا إلى الصواب أو الخطأ. والتربية الجمالية تعني المفاهيم والقيم, والحضارة. وما بعد الروضة يجب أن يستمر الخطاب مع عمقه المطلوب. وسهولة إيصاله إلى المتلقين. وهي حلقة متصلة، تنتهي عند اكتشاف الميول, والهواية. وطبيعة الاندفاع. وكم من عبقرية دُفنت دون التمكن من الوصول إليها. بسبب التربية وارتجاليتها وعدم إتقان التعامل معها.. نحن بحاجة الآن لزج كامل جهودنا للتخلص من أخطاء التربية وفي مثل هذه الظروف التي نعيشها ستكون المهمة أصعب. ومعالجة آثار الصدمة النفسية تتطلب المزيد من العمل الاختصاصي. ولابد أن نظهر حاجتنا لعلم الجمال المعني وهو كما أشار د. نبيل طعمة (علم تربوي، أخلاقي وتكويني في آن واحد. فكيف بنا الآن لا نرى جمال بعضنا؟!).
   
لأرى جمالك
وكي أراه ينبغي أن تتوفر شروط التربية. والحياة ليست قبيحة. وهي جميلة إذا فهمناها. ومن أجل ذلك ينبغي أن نتقن فن معرفتها. أرى جمالك من خلال العمق وليس الشكل. وأراه حين تحترم رأيي وأبادلك الاحترام. القذائف التي ترمى فوقنا تبعدنا كثيراً عن أشياء كنا نسعى لتحقيقها. وفي الوقت ذاته ينبغي أن تزيدنا إصراراً على العيش، والانتصار. والاستسلام يعني الهزيمة والانهيار. وعلينا أن لا نجيّر خروجنا عن القانون والانجراف نحو الفوضى للظروف الأمنية. وحين تتمسك بالجمال يجب أن يكون القهر الأمني وسيلة للتقيد الفردي بنظم المجتمع, ابتداءً من شارة المرور, وانتهاء برمي القمامة في الحاوية. إلى عدم الهدر في الماء، والطاقة. وأي بشاعة يمكن أن تشوه الجمالية الحياتية, والنفسية. والتربوية. حين تتجه كل القيم لعدم الإسراف في الماء بسبب خطورة الجفاف, وانعكاساته السلبية. وبالمقابل نراهم في الشارع، والزقاق. وأمام البيوت، والمحلات يصلون الخراطيم بالصنبور ويغسلون عرباتهم. لأرى جمالك عليَّ تقويم أفعالك. ومدى ثقافة تربيتك. ولابد أننا نحتاج لذلك. وينبغي أن نركز عليه. ونعتمده أساسياً في حياتنا القادمة. مترافقاً مع إعادة البناء والخطط التي من الواجب اتباعها من أجل الأفضل. والأمثل.
   
دور المؤسسات
عملنا في الماضي على إيجاد المؤسسات، والمنظمات. وطرحنا تاريخنا السوري. وحضارتنا ناقشناها في الكتب، والمناظرات. ركزنا على لغتنا العربية وأسهبنا في جماليتها. لتحل الدهشة علينا ونحن في مواجهة طالب تخرّج من كلية الأدب العربي, ولا يحسن القراءة أو الكتابة الإملائية. وآخر من كلية الهندسة الزراعية لا يميّز بين شجرة الزيتون، والبرتقال. وأخطاء دراسة الطرق وهي كثيرة في عيوبها. وانجرافاتها وطبيب لا يحسن استعمال مقاييس الضغط الشرياني. أخطاء فادحة من منّا لم يعرفها. أو يتحدث عنها. أو دفع ثمناً صحياً أو مادياً بسببها.. أجابني أحدهم أنت تعيد ما هو معروف للجميع. والسؤال الأهم والذي ينبغي العمل عليه مع نقطة الانعطاف والتحول الجديدة. لماذا تنجح كوادرنا إذا خرجت من البلاد وعملت. وتحقق انتصارات يُعترف بها عالمياً, وهي تفشل هنا. ولا تستطيع تقديم أي شيء. محاربة العقول مؤامرة لا تقل خطورة عن قذيفة تدمّر. أو رصاصة غدر.. وعلى مؤسساتنا بطواقمها غير الفاسدة. والتي لا تبرر وسيلتها من أجل غاياتها أن توقف هذه الحرب اللعينة، الخفية، القذرة. والجمال الحقيقي في أن يتقن الصانع ما يصنع. وأن يجتهد للتطوير. وتكريس الخبرة للصالح العام. وليس الفردي الذي ينتهي عند حدود الذات. ويرسّخ جذور أنانيته وليكن الطوفان من بعدي. ألم تُثبت الأحداث أن ثمة أناساً كرّمهم الوطن, وأعطاهم وكانوا لا يستحقون ومع الامتحان الأول أعلنوا شعارهم ونفذوه هاربين بأموالهم، وهناك من استغل بقبح لا يوصف، ولصوص في وضح النهار. وفساد تضاعف عما كان عليه مرات.. ومرات.. هي معارك يجب خوضها. والشعب الذي صمد في وجه مؤامرة القتل. وانتصر عليها لا بد أنه قادر على فعل كل شيء من أجل تحقيق الجمال. وفهمه. وأخيراً يقول د. نبيل طعمة المحرض لي لكتابة هذا الموضوع (لماذا نحارب بعضنا حتى فكرياً.. أليس هذا له علاقة كبرى بعملية التربية؟.. ولنعترف أننا مجتمعات "أنا" و"الأنا الفردية" متضخمة في كل واحد منا إلى حد كبير.. "أنا السلطة" و"أنا الفرد" و"أنا الإبداع" و"أنا الاختراع" و"أنا اللوحة".. هذه "الأنا" خطيرة إلى درجة كبيرة؟!).
   
أخيراً
مسؤوليات كبيرة جداً تنتظرنا, والعمل عليها يتطلب شروط الوفاء، والإخلاص, والتضحية، والوقوف في وجه تلك الأنا.. وتحويلها إلى مجتمع "نحن" الذي يقام على التعاون والتشارك في الصوت الواحد. والمواطَنة الحقيقية. وليست الوهمية الهشة القابلة للكسر في أبسط امتحان، نحتاج فعلاً إلى مواطنة البناء والجمال والتحدي التي ينبغي أن تشمل الجميع وليكن عملنا القادم وعلى مختلف المستويات (سوا) من أجل تحقيق ذلك.