أربع سنوات من الأزمة تحوِّل سورية إلى بلد للفقراء.. تقرير المركز السوري لبحوث السياسات: خسائر الاقتصاد السوري وصلت إلى 144 مليار دولار

أربع سنوات من الأزمة تحوِّل سورية إلى بلد للفقراء.. تقرير المركز السوري لبحوث السياسات: خسائر الاقتصاد السوري وصلت إلى 144 مليار دولار

الأزمنة

الأربعاء، ١١ يونيو ٢٠١٤

روله السلاخ
أصدر المركز السوري لبحوث السياسات تقريره الثالث ضمن سلسلة التقارير الصادرة عنه، يغطي هذا التقرير الربعين الثالث والرابع أي الفترة ما بين تموز وكانون الأول لعام 2013، ويعدّ المركز السوري لبحوث السياسات هذه التقارير الربعية لمتابعة وتقييم أثر الأزمة الحالية على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للسوريين بدعم من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
الأثر الاقتصادي للأزمة
لقد أدت الأزمة إلى تفكك كبير لبنية القطاع الصناعي وإغلاق وإفلاس الكثير من المشاريع وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، إضافة إلى عمليات النهب والسلب للأصول المادية. كما أدى النزاع المسلح إلى تشوه المؤسسات نتيجة تشكل اقتصاد سياسي جديد يتّسم بانتشار اقتصاديات العنف التي تمتهن حقوق الإنسان والحريات المدنية وحقوق الملكية وسيادة القانون، وظهور نخبة سياسية واقتصادية جديدة، تستغل ظروف الأزمة للاتجار بالسلاح والسلع والبشر من خلال شبكات غير شرعية عابرة للحدود؛ وتنخرط هذه النخبة في عمليات النهب والسرقة والخطف واستغلال المساعدات الإنسانية. إن قواعد الاقتصاد السياسي الجديد تحفز على إدامة النزاع.
بلغت الخسائر الاقتصادية الإجمالية نتيجة الأزمة لغاية نهاية عام 2013 حوالي 143.8 مليار دولار أميركي، وتعادل الخسارة بالأسعار الثابتة 276% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 . وكانت الخسائر الناجمة عن تضرر مخزون رأس المال قد بلغت 64.81 مليار دولار أميركي لتشكل 45% من إجمالي الخسارة الاقتصادية. وقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 38.2% في الربع الثالث من العام 2013 ، في حين انكمش بمعدل 37.8% في الربع الرابع لنفس العام، مقارنة مع الربعين المقابلين من العام 2012 ، لتكون إجمالي خسائر الناتج المحلي الإجمالي منذ بداية الأزمة وحتى نهاية عام 2013 نحو 70.88 مليار دولار أميركي، و 16.48  مليار سجلت في النصف الأخير من عام 2013.. وقد  أدت الأزمة إلى تغير هيكلية الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، حيث شكل القطاعان الزراعي والخدمات الحكومية حوالي 50% من الناتج خلال عام 2013 ، بعد أن كانا يشكلان عام 2010 ما يعادل 30.4% من الناتج المحلي، إذ تعرضا إلى خسائر أقلّ نسبياً من باقي القطاعات. واستمر التراجع في الاستثمار الخاص للعام الثالث على التوالي منذ 2011 ، حيث انكمش الاستثمار الخاص بمعدل 18.7% في الربع الثالث و 16.9% في الربع الرابع لعام 2013 ؛ كما انكمش الاستثمار العام بمعدل 39.8 % خلال النصف الثاني من عام 2013.. إضافة إلى  تفاقم الدين العام في النصف الثاني من عام 2013 ، حيث استوردت الحكومة النفط والسلع الأساسية لمواجهة نقص العرض في السوق المحلية واستمرت بدعم بعض أسعار السلع والخدمات الأساسية. ومع نهاية عام 2013 وصل الدين العام الإجمالي إلى 126% من الناتج، حيث تزايد الاعتماد بشكل كبير على الاقتراض الخارجي وخاصة من إيران.. أيضاً  انكمش الاستهلاك الخاص الذي يعكس رفاهية الأسر بمعدل 21.1% في الربع الثالث و 25.5% في الربع الرابع. وترافق ذلك بزيادة في أسعار المستهلك بمعدل 178% منذ بداية الأزمة حتى نهاية عام 2013؛ حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل الألبان والأجبان والبيض بمعدل 360% كما ارتفعت أسعار مجمل السلع الغذائية بمعدل 275% وارتفعت أسعار التدفئة ووقود الطهي بمعدل 300%.. وبالتالي فإن تضخم الأسعار ضغط على ميزانيات الأسر التي تعاني بشكل متزايد من فقدان فرص العمل والفقر والنزوح.
لعب الاستهلاك العام دوراً حيوياً في تجنب انهيار الطلب في الاقتصاد بشكل كامل في ظل الأزمة. فقد تراجع الاستهلاك العام بشكل طفيف بمعدل 16.2% في الربع الثالث و 0.3% في الربع الرابع. وتواجه الحكومة في هذا الإطار تحدياً مزدوجاً، فمن جهة تحاول المحافظة على الطلب والدخل الأساسي للأسر من خلال دعم السلع الأساسية التي غدت بشكل متزايد حيوية للأسر الفقيرة، ومن جهة أخرى تخصص أجزاء متزايدة من الموارد العامة للأغراض العسكرية.
تعاني سورية من فقدان فرص العمل وارتفاع معدل البطالة بشكل حاد ليصل إلى 54.3%، أي إن 3.39 مليون شخص عاطل عن العمل، منهم 2.67 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة الأمر الذي أدى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 11.03 مليون شخص. ومع نهاية عام 2013 تدهورت قيمة الدليل المركب للمؤسسات في سورية بحوالي 80% مقارنة مع قيمته في العام 2010 .
غدت سورية بلداً من الفقراء إذ أصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع بداية عام 2013 ، وأكثر من نصف السكان ) 54.3%( يعيشون في حالة الفقر الشديد حيث لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية. كما أن 20% يعيشون في حالة من الفقر المدقع أي لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في المناطق المحاصرة والساخنة حيث ينتشر الجوع وسوء التغذية.
ارتفاع كلفة المعيشة
بناء على أرقام المكتب المركزي للإحصاء حتى آب 2013، وإسقاطات المركز السوري لبحوث السياسات للأشهر الأربعة المتبقية من العام، يُقدّر بأن مؤشر أسعار المستهلكين قد سجّل زيادة بنسبة 18.6%، و 8.9% في الربعين الثالث والرابع من العام 2013، على التوالي. وبحلول نهاية العام 2013، سجّل مؤشر أسعار المستهلكين زيادة مقدارها 178.7% مقارنة مع بداية النزاع في آذار 2011. ومع ذلك، فإن الإسقاطات الخاصة بمؤشر أسعار المستهلكين في الربع الرابع من العام 2013 شهدت تراجعاً بنسبة 8.2% مقارنة مع الربع الثالث من العام 2013 . ويمكن تفسير هذا الانخفاض بارتفاع قيمة الليرة السورية في السوق غير الرسمية، وإلى حدّ أقل، بالتحسّن الطفيف في العملية الإنتاجية لعدد من السلع في بعض المناطق. وعلاوة على ذلك، فقد تدخّلت الحكومة في السوق من خلال بيع السلع الأساسية مباشرة إلى المستهلكين عبر منافذ للبيع، وكان لذلك أثر إيجابي وإن كان طفيفاً على أسعار هذه السلع. ومن الجدير بالذكر بأن أسعار السلع تختلف اختلافاً جذرياً ما بين المناطق، وعادة ما تعاني مناطق النزاع من ارتفاع الأسعار بسبب ندرة السلع الأساسية، وهو أمر ناجم عن الوضع الأمني أو إغلاق الطرق.
يستخدم التقرير خطوط الفقر الوطنية لتقدير وقياس انتشار وفجوة وشدة الفقر على المستوى الوطني وحسب المحافظات. وتستند التقديرات إلى مسوح دخل ونفقات الأسرة وتطبق منهجية المقارنة بين السيناريو الاستمراري وسيناريو الأزمة للنمو الحقيقي في الاستهلاك الخاص للفرد خلال الفترة الواقعة بين 2010 و 2013 من خلال تقنية المحاكاة الجزئية.
خلال النصف الثاني من عام 2013 ازداد انتشار الفقر في جميع أنحاء البلاد كنتيجة لعدد من العوامل تتضمن ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وفقدان الوظائف والارتفاع الحاد بمعدلات البطالة، والازدياد الحاد في عدد النازحين الذين فقدوا ممتلكاتهم، إضافة إلى الانكماش الاقتصادي الكبير. وبالتالي فإن انتشار الفقر في سورية وصل إلى مستويات كارثية حيث غالبية السوريين يسعون للحفاظ على الحد الأدنى من المستوى اللائق للمعيشة الذي لم يعد بمقدور العديد من الأسر الوصول إليه.
مع افتراض عدم حصول أي تغيّر في توزع الإنفاق ضمن كل محافظة والأخذ بعين الاعتبار التغيّر في الأسعار بين المحافظات مقارنة مع العام 2009 ، تشير التقديرات إلى أن معدّل الفقر الإجمالي قد وصل إلى 75.4% مع نهاية 2013 . ويختلف معدل الفقر الإجمالي بين المحافظات بشكل ملحوظ، حيث إن المحافظات الأكثر معاناة من الفقر هي تلك التي كانت ذات معدّلات فقر مرتفعة تاريخياً وعانت بشكل كبير من الأزمة. وقد سجلت إدلب أعلى معدّل للفقر حيث وصل إلى 83%، كما تعاني محافظات دير الزور وريف دمشق والرقة من معدلات فقر مرتفعة. وبشكل عام ارتفع الفقر بشكل كبير في جميع المحافظات لكنه سجل أقلَّ معدل له في اللاذقية حيث وصل إلى 65%، تليها السويداء والحسكة وطرطوس على التوالي، إلا أن غالبية سكان هذه  المحافظات يعانون من الفقر.
وباستخدام خط الفقر الوطني عند الحد الأدنى فإن نسبة من يعانون من "الفقر الشديد" تصل إلى 54.3%في نهاية 2013 وهو جزء ممن يعانون من "الفقر الإجمالي"، وتختلف هذه النسبة بين المحافظات وترتفع في المناطق الساخنة والأكثر تأثراً بالأزمة إذ تُبيّن النتائج أن إدلب، وبشكل مماثل للفقر الإجمالي، تضم أعلى نسبة للفقر الشديد والتي تقدّر عند 69% مما يعكس معاناة أغلب الأسر للحصول على الحد الأدنى من السلع الأساسية الغذائية وغير الغذائية. وتأتي محافظة دير الزور بالدرجة الثانية من حيث المعاناة من الفقر الشديد بنسبة 65% تليها الرقة وحلب وحمص.
وسُجلت أدنى نسب للفقر الشديد في المحافظات التي كان أثر الأزمة عليها أقلّ نسبياً وخاصة من حيث العمليات العسكرية المباشرة، إذ سجّلت اللاذقية والسويداء أدنى معدل للفقر الشديد الذي يؤثر على حوالي ثلث السكان فيها.
أدى ارتفاع حدّة العمليات العسكرية وحالات الحصار في مناطق عديدة من سورية إلى زيادة هائلة في الأسعار وإلى ندرة في السلع الأساسية، ولاسيما الغذاء. وقد انعكس ذلك في الزيادة الحادّة بنسبة الفقر المدقع والتي وصلت إلى 20% حتى نهاية 2013، ومع هذا المستوى من الفقر يواجه السكان صعوبة في الحصول على السلع الغذائية وغير الغذائية اللازمة مما زاد من الحرمان ووضع حياة السكان في خطر، الأمر الذي انعكس بارتفاع حالات الوفاة نتيجة الجوع وخاصة في المناطق المحاصرة. وتظهر التقديرات أن حوالي ثلث السكان في كل من محافظتي إدلب ودير الزور يعانون من الفقر المدقع ويجدون صعوبة في الحصول على الحاجات الغذائية الأساسية التي تبقيهم على قيد الحياة، كما يعاني حوالي ربع سكان حلب ودرعا من الفقر المدقع. بينما يقع حوالي 7% فقط من السكان تحت خط الفقر المدقع في كل من محافظات اللاذقية وطرطوس ودمشق كما كانت هذه النسبة منخفضة نسبياً في محافظة السويداء.
لم يؤثر النزاع المسلح على تعميق الحرمان الاقتصادي بشكل كبير فحسب بل أدى إلى تفاقم الحرمان الاجتماعي والسياسي للسوريين حيث خلقت الأزمة بيئة تغيب عنها سيادة القانون إلى درجة كبيرة وتنعدم  فيها المساواة في الحصول على السلع والخدمات الأساسية وتتدهور فيها مستويات المعيشة بشكل سريع، وقد أدت هذه البيئة إلى فقدان معظم السوريين لقدرتهم على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية.
ويمكن القول إن النزاع المسلح قد حوّل سورية إلى دولة تهجير وبطالة وفقر وهدر للإنسانية.