في ظل ممارسات و إجراءات أفقدت السياسات الاقتصادية وجهتها .. هل يحمل المرشحون وصفة إنقاذ الاقتصاد السوري؟

في ظل ممارسات و إجراءات أفقدت السياسات الاقتصادية وجهتها .. هل يحمل المرشحون وصفة إنقاذ الاقتصاد السوري؟

الأزمنة

الأربعاء، ٤ يونيو ٢٠١٤

*أحمد سليمان
قد نتفق أو نختلف في تفاصيل أسباب الأزمة السورية الحالية في جوانبها المختلفة إلا أن الجميع يتفق على أن  نتائج السياسات الاقتصادية السابقة في عهد الحكومات السابقة لم تصب في صالح الأغلبية الساحقة من المواطنين بل صبّت أغلب التشريعات والقرارات التي سُنت خلال سنوات الانفتاح الاقتصادي والتي تجاوزت الألفي تشريع وقرار في صالح فئة من السوريين أو استغلت أو استثمرت لصالحها إما عن قصد أو عن غير قصد, وإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.

وعود كانت تطرب
رغم الوعود التي كانت تحاول الحكومات السابقة أن تطرب آذان السوريين بانعكاس هذه السياسات الاقتصادية لصالح عامة الشعب مع تطور الاستثمارات وتنمية الاقتصاد الوطني وتعزيزه مع انفتاحه على الأسواق الخارجية؛ إلا أن هذه الاستثمارات وإن بدت بوادرها بالظهور مع تطور بعض القطاعات ونموها لم تلامس انعكاساتها الشريحة الواسعة من المواطنين وبخاصة من غير القادرين على الاستفادة من هذا النمو الاقتصادي وبخاصة مع إطلاق برنامج تحرر اقتصادي حاول أن يحل الدولة من مسؤولياتها الاجتماعية بطريقة غير مباشرة عبر تخفيف الدعم الذي كانت تقدمه الدولة وإطلاق حزمة من وعود التشريعات لصناديق الدعم الاجتماعي كتعويض عما فقد من الدعم الذي كان قائماً إلى وعود صدور تشريعات صدرت وظلت غالبية المواطنين تحت وطأة التشريعات الاقتصادية الظالمة بحقهم والتي صبت في صالح فئة صغيرة وخاصة مع تزايد الأعباء الاقتصادية للدولة وتراجع الإيرادات وبخاصة الضريبية منها مع وجود تهرب ضريبي قدّرته وزارة المالية آنذاك بنحو (200 مليار ليرة) وعادت وسحبت تصريحاً بهذا الشأن بخصوص إطلاق العديد من المبادرات والتسهيلات والحوافز والتشريعات للحد من هذا التهرب إلا أن كل ذلك لم يحدّ منه!!
أنفاسها..!!
مع دخول الأزمة عامها الرابع وبالكاد تلتقط الحكومة أنفاسها للإيفاء بمتطلبات موظفيها ورواتبهم وتأمين الاحتياجات الأساسية مع تراجع النشاط الاقتصادي ليس لمؤسسات الدولة فحسب بل حتى للقطاع الخاص الذي لم تسلم أي منشأة إلا وتضررت بنسب وأشكال مختلفة ليصل إجمالي الأضرار كما صرح عنها رئيس الحكومة بنحو (من 7ر4 ترليونات ليرة) ما يعني أن النهوض من هذه الأزمة يحتاج إلى الكثير من الاستثمارات لضخها في القطاعات المختلفة وبخاصة الاقتصادية منها وعلى الأخص المنشآت الصناعية والحرفية على وجه التحديد باعتبارها محور الاقتصاد والتنمية ومرتبطة بعلاقات أمامية وخلفية بالقطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية الأخرى.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى نهج اقتصادي جديد يأخذ بالاعتبار تلبية الحاجات اليومية والأساسية للأغلبية الساحقة من المواطنين الذين توسعت رقعة الفقر والعوز بينهم مع تراجع فرص العمل أمامهم وفقدانهم لنحو 3ر2 مليون فرصة عمل والتهجير الذي طال أكثر من ربع السكان والتدمير الذي طال عشرات الآلاف من المساكن بفعل هذه الحرب.
وبكلام أوضح؛ الحاجة إلى نهج اقتصادي يستطيع أن يأخذ كل هذه المدخلات والوقائع بعين الاعتبار والانطلاق إلى مرحلة إعادة إعمار ترسم وجهاً جديداً لسورية، وتجربة يجب أن تكون فريدة تنقل البلاد إلى ورشة إعمار وبناء، وإطلاقها على أكثر من محور وفي مختلف المناطق...
 ورغم أن الدستور الجديد لم يحدد نهجاً اقتصادياً بعينه على الحكومات اتباعه بل ركّز على  الجوانب التنموية وعدالة توزيع الدخل على المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية بهذا الشأن وعلى مركزية الدولة، إلا أن البرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة بغض النظر عن  فرص فوزهم بمنصب رئاسة الجمهورية تطرح تساؤلات حول مدى قدرتها على الاستجابة لاحتياجات المرحلة القادمة وأن تأخذ  بعين الاعتبار المعطيات المذكورة.
 
النوري..
 فمما تضمنه برنامج المرشح حسان النوري في الملف الاقتصادي التأكيد على إنّ التعددية الاقتصادية القائمة على الشراكة الحقيقية أحد أهم العناوين الرئيسة للمرحلة القادمة، للمساهمة في إعادة الإعمار في سورية، غير أنه لا يمكن لهذه التعددية الاقتصادية أن تنجح إلا من  خلال تكافؤ الفرص، واعتماد مبدأ التوازن والاحترام في التعامل ما بين القطاعات الاقتصادية في سورية، ليس من مبدأ الوصي والتابع، وإنما من مبدأ الشراكة الحقيقية.
ويذهب النوري  في رؤيته وبكلام أوضح لينسج إطاراً عاماً لهذه الرؤية معتبرا أنّ العالم اليوم، يعيش حالة تحرّر اقتصادي كامل، ولا بد لنا من إيجاد قوانين وتشريعات اقتصادية تتأقلم مع التشريعات الاقتصادية السائدة عالمياً، وذلك بصهر مؤسساتنا الاقتصادية بأشكالها كافة، وبشكل يواكب العولمة الاقتصادية، والتطوّر التكنولوجي، وتحديث أساليب العمل الاقتصادي، ومن ثمّ احتضانها بقوانين وتشريعات قادرة على التفاعل محلياً وإقليمياً ودولياً؛ فقوانين الاستثمار، وتشجيع الصادرات، والشركات، وسوق الأوراق المالية، كل ذلك يشكّل جزءاً من القوانين الاقتصادية التي يجب أن تتأقلم مع الانفتاح الدولي على سورية؛ لأنّ الإعمار وإعادة تأهيل المؤسسات الوطنية بحاجة إلى تشجيع المستثمرين السوريين أولاً، والأصدقاء ثانياً، على استثمار مكوّناتهم الاقتصادية في سورية من أجل المساهمة في نهوض اقتصادنا الوطني معتبراً أن الواقع الاقتصادي، ولاسيما بعد بدء الأزمة، وصل إلى مرحلة بالغة الخطورة نحتاج معها إلى قيادة اقتصادية فاعلة تدرك بوعي مسؤول أن الوضع الاقتصادي يحتاج إلى إعادة النظر في السائد، ومن ثَمّ التفكير في اللون الاقتصادي الواجب تحديده مستقبلاً.
 
حرّ ذكي
 وحدّد النوري بعض السياسات الاقتصادية الواجب اتباعها، منها سياسة الاقتصاد الحر الذكي، الذي يعطي المكونات الاقتصادية المختلفة الفرصة لتطبيق قوانين الاقتصاد الحر، وهنا على الدولة ألا تتدخل في هذه الآلية إلا في حالات الأزمات الاقتصادية، كارتفاع التضخم، وظهور بوادر احتكار اقتصادي، وفي حالة تأثر بعض الطبقات الاجتماعية بسياسات اقتصادية معينة  إضافة إلى التشاركية الاقتصادية حيث لا يكون القطاع العام المحور الأساسي والقطاع الخاص تابعاً له، بل يجب النظر إلى القطاع الخاص على أنه شريك استراتيجي فاعل ووطني، لأنه أثبت أنه اقتصاد فاعل ووطني، خاصة خلال الأزمة في سورية.
ويذهب النوري إلى التأكيد أن القطاعين الزراعي والصناعي هما قطاعان استراتيجيان أثبتا أنهما عنوان الاستقلال الوطني بما رسخ ويرسّخ السيادة الوطنية والقرار المستقل، ومن هنا يجب منحهما الأولوية في السياسات الحكومية وفي الاستثمار، يعتبر عنوان المرحلة القادمة، لذلك يجب علينا تطوير قوانين الاستثمار، ولاسيما الاستثمار الوطني، وتشجيع المستثمرين للمساهمة في بناء سورية ما بعد الأزمة، وليؤكد أيضاً أن الإعمار هو العنوان الأبرز في المرحلة القادمة، وهنا نجد أنه يجب دعوة جميع المواطنين للمساهمة في مرحلة البناء، والدول الصديقة والشقيقة للمساهمة في تغطية تكلفة الإعمار، مع إعطاء الأولوية للدول التي وقفت إلى جانبنا خلال الأزمة، ولم تسهم في تفاقمها.

الحجار أعلى نمو وأعمق عدالة
 وفيما حدّد المرشح النوري بطريقة أكاديمية الجوانب الاقتصادية والإدارية والاجتماعية في برنامجه الاقتصادي، ذهب المرشح ماهر الحجار إلى دمج الملفين الاقتصادي والاجتماعي ليؤكد سعيه لبناء نموذج اقتصادي- اجتماعي جديد يستند إلى تحقيق أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية و رفع عائدية رأس المال في الاقتصاد السوري بالاعتماد على ميزاته المطلقة، وزيادة فعالية وكفاءة الميزات النسبية له، والعمل على اعتماد أكبر تراكم ممكن في استثمارات الدولة واعتماد خطة خمسية تستهدف معدلات نمو استثنائية قادرة على إنجاز إعادة
الإعمار وبناء اقتصاد مقاوم قادر على التصدي لمهام الدولة الوطنية والاجتماعية إضافة إلى حل مشكلة الفقر بزيادات جدية للأجور على حساب الأرباح التي تُكدس من عرق الكادحين، وبما يحقق حداً معقولاً من العدالة الاجتماعية، وإعادة توزيع الثروة.‏‏
 ويعتبِر أن حل مشكلة البطالة والسكن عبر مشاريع استثمارية عملاقة تقوم بها الدولة وزيادة حجم الدولة في الاقتصاد، وتحويل سورية إلى ورشة عمل وبناء باعتماد مبدأ تكافؤ الفرص داعيا إلى اجتثاث الفساد في الدولة والمجتمع من جذوره، وإعادة ما تم نهبه من عرق الشعب السوري، وتحويله للمساهمة في زيادة نمو الناتج الوطني الإجمالي وتأمين الدعم لاحتياجات الشعب.‏‏
 ويؤكد أن إصلاح الخلل الهيكلي في الاقتصاد السوري، والاعتماد على قطاعات الإنتاج الحقيقية من صناعة وزراعة وبناء على أساس التكامل بينها إضافة إلى  تغيير السياستين النقدية والمالية الحالية بشكل جذري وشامل، واعتماد سياسة جديدة تعيد سعر صرف الليرة السورية إلى مستواه الحقيقي، ووقف التضخم المفتعل.‏‏
  لعل التمعن ببرنامجي المرشحين مع تباينهما يوضح أنهما يُجمعان على الاستثمار الأمثل للموارد وتنمية القطاعات الرئيسية وبخاصة الصناعة والزراعة وتطوير قوانين الاستثمار  ومسائل إعادة الإعمار وغيرها من الموضوعات التي تشغل المواطنين. 
على كل لا ندري ماذا ستحمل الحكومات القادمة في جعبتها من سياسات وبرامج اقتصادية لكن ليس التعويل لا على البرامج المذكورة آنفاً ولا على السياسات بل على الممارسات لأنها هي التي تؤخر تنفيذ أو تفرغ أي برنامج أو سياسة اقتصادية أو قرار اقتصادي أو قانون من مضمونه عبر تعليماته التنفيذية ولعل في المرحلة القادمة سيكون مطلوباً من القائمين ربط أي سياسة اقتصادية- مهما اختلفنا أو اتفقنا معها أو قانون أو قرار- بإجراءات تنفيذية تمكن من تقييم مدى حسن التنفيذ للوصول إلى نتائج تخدم الاقتصاد الوطني بشكل كامل وتحفز كفاءاته وموارده لبناء سورية المستقبل.. فهل يتحقق ذلك؟!.