التهريب وتجار السوق السوداء والدولار!! خبراء يقترحون آليات لضبط سعر الصرف..

التهريب وتجار السوق السوداء والدولار!! خبراء يقترحون آليات لضبط سعر الصرف..

الأزمنة

الثلاثاء، ٣ يونيو ٢٠١٤

وسيم وليد إبراهيم
أسباب يكشف عنها مصرف سورية المركزي المتعلقة بانخفاض سعر الليرة السورية مقابل الدولار، حيث أوضح مؤخراً حاكم مصرف سورية المركزي في إحدى تصريحاته، أن انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار يعود إلى عدة أسباب منها، وجود طلبات تجارية صغيرة الحجم لا تمر عبر قنوات التمويل الرسمية مثل الهواتف النقالة والأجهزة الكهربائية، بالإضافة إلى بعض السلع المهربة كالتبغ، ولجوء جزء من التجار إلى السوق الموازية لتلبية احتياجاتهم من القطع بالإضافة إلى تواجد الطلبات التجارية المذكورة شكّل ضغطاً على سعر الصرف، لاسيما في ظل التخوّف والحذر من التعامل مع مؤسسات الصرافة المرخصة، والذي لا يزال قائماً لدى شريحة واسعة من التجار والمواطنين إثر حملات المداهمة التي تمت أواخر الشهر الماضي.
إذا يمكن القول إن السلع المهربة التي تنتشر في أسواقنا حالياً وراء تذبذب سعر صرف الدولار بالإضافة إلى توجه بعض التجار إلى السوق السوداء لتأمين الدولار من أجل عملياتهم التجارية، وخاصة بعد اتباع سياسة ترشيد الاستيراد وعدم تمويل المصرف المركزي لجميع السلع والمواد، إلا الضرورية والأساسية منها، وهنا لا بد من طرح سؤال: هل حقاً هذان السببان وراء تذبذب سعر الصرف، وهل هناك آلية معينة للحد من تأثير هذين العاملين على سعر الصرف؟..

عاصي: المشكلة مركبة ولا يمكن تجاوزها بإجراء واحد
وزير الاقتصاد السابقة لمياء عاصي أوضحت في تصريح خاص لـ"الأزمنة"، أن التهريب وتوجه التجار إلى السوق الموازية للحصول على القطع الأجنبي تعتبر من العوامل التي تلعب دوراً في تأرجح سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، متسائلة: "كيف سيلبي التجار احتياجاتهم من القطع الأجنبي إذا كان المصرف المركزي لا يموّلهم، وهم لا يلجؤون إلى السوق الموازية؟ هناك احتياجات للناس ويوجد أيضاً احتياجات للسوق".
ولفتت عاصي، إلى أن مصرف سورية المركزي يمول ولا يمول السلع والمواد حسب اعتبارات مشكوك بموضوعيتها وحياديتها، هذا حسب التجار أنفسهم.
وعن كيفية الوصول إلى حل عادل يشمل الطرفين: التجار، والمحافظة على القطع الأجنبي وترشيده ومنع تذبذبه نتيجة زيادة الطلب عليه في السوق السوداء قالت عاصي: "هناك مشكلة مركبة حقيقية لا يمكن تجاوزها بإجراء واحد مثل ترشيد الاستيراد، بالطبع ترشيد الاستيراد يساعد على تخفيف الضغط على الطلب على القطع الأجنبي، ولكن هذا لا يحل المشكلة، ولا يحقق التوازن المطلوب".

الحل بتشجيع الإنتاج الوطني وعقد اتفاقيات الربح المشترك
وسألنا عمّا إذا كان هناك إجراءات أخرى يجب أن توازي إجراء ترشيد الاستيراد باعتباره غير كافٍ لضبط سعر الصرف، فقالت الوزيرة السابقة: "لا حل سوى بتشجيع الإنتاج الوطني بأي طريقة وعقد اتفاقيات التبادل بالعملات المحلية مع دول صديقة مثل الصين التي عقدت مثل هذه الاتفاقية مع عدد كبير من الدول الآسيوية والإفريقية".
ولفتت إلى أن اللجوء لاتفاقيات التبادل بالعملات الوطنية والمقايضة على منتجات محلية يخفف الضغط على الدولار إلى حدود كبيرة، مشيرة إلى أنه بالنسبة للتجار الذين يستوردون السلع الكمالية ليدفعوا الدولار بسعره السوقي، وهذا سينعكس على أسعار البضائع نفسها كما يجب رفع الرسوم الجمركية عليها لتشكل وارداً معقولاً للخزينة العامة.
 وعن كون الإنتاج المحلي يعاني صعوبات حالية ولا يوجد ما نقايضه في الأسواق الخارجية، أوضحت وزيرة الاقتصاد السابقة، أن الإنتاج يمكن أن يكون موادّ أولية أو زراعية فائضة عن الحاجة، مضيفة "بالنتيجة البلد غنية". وأكدت على أهمية إيجاد صيغ مبتكرة لاتفاقيات مع الدول الصديقة، "لأن لدى الكثير منها فائضاً نقدياً تودّ استثماره خارج بلادها وأهمها الصين".
ولفتت إلى أنه بالنسبة للسلع التي تدخل إلى السوق السورية، فإن هذه السلع سواء دخلت بشكل نظامي أو تهريباً هي بالنتيجة تشكل جزءاً من الطلب المحلي الذي لا بدّ من تلبيته، مؤكدة أنه لا يمكن اعتبار التهريب السبب الرئيس أو الوحيد لارتفاع سعر الدولار، ولو أن التهريب بشكل عام له أضرار كبيرة على الاقتصاد الوطني.
وبالنسبة لجذب الاستثمارات وكون نسبة المخاطر في سورية تعتبر حالياً مرتفعة والظروف غير مهيأة لجذب هذه الاستثمارات في ظل الأوضاع الراهنة، قالت عاصي: "بالنسبة لدولة عملاقة مثل الصين يهمها التعاون الاقتصادي مع سورية لو أحسن التفاوض في هذا الملف، سبق وأن أجريت محادثات مع بنك التنمية الصيني في عام 2010 وعبروا عن رغبة أكيدة للتعاون مع سورية، إضافة إلى أن استثماراتهم في إفريقيا كبيرة جداً، وتعتمد سيناريو الربح المشترك للأطراف، وعامل المخاطرة في إفريقيا أيضاً كبير جداً، وهنا لا أقصد الاستثمار الأجنبي بشكله التقليدي المعروف والذي هو سيء السمعة في بلدنا، وإنما اتفاقيات تعاون مع الدول الصديقة في آسيا تكون أكبر من جذب استثمارات بالمعنى التقليدي".

ثلاث خطوات مساعدة لضبط سعر الصرف
ولفتت إلى أن حل قضية سعر الصرف بشكله الحالي لن يتم عن طريق التقييد والترشيد فقط بالرغم من أهميتهما ولكن لا بد من إجراءات إضافية. وعن إجراءات المصرف المركزي التي أعلن عنها مؤخراً، حيث يعتزم السماح بإدخال القطع الأجنبي إلى سورية كما أنه سيترك 20% من الحوالات الشخصية الواردة إلى سورية يومياً وتتراوح قيمة المبالغ فيها بين 1.5- 2.5 مليون دولار يومياً ليتم طرحها في السوق بشكل فوري من قبل شركات الصرافة، أوضحت عاصي أنها إجراءات مساعدة وجيدة ولكن لا تكفي حيث لا بد من أن يكون هناك حلول مبتكرة ومتعددة تماماً كما المشكلة الحالية مركبة ومعقدة.
ولخصت عاصي أهم الخطوات التي من شأنها أن تضبط سعر الصرف في السوق المحلية حيث أوضحت بأنها تشمل احتياجات في السوق ولابد من تلبيتها وإن لم تأت بالشكل النظامي ستأتي تهريباً وهذا سيخلق نفس الطلب على القطع الأجنبي، إضافة إلى إجراء واحد لمعالجة موضوع القطع لا يكفي ولابد من رفد الإجراءات المحلية بإجراء اتفاقيات مع الدول الصديقة ولاسيما الصين للتبادل بالعملات المحلية. كما يمكن إجراء اتفاقيات تعاون أيضاً مع الدول الصديقة وخصوصاً الآسيوية منها لزيادة التعاون والاستثمار ضمن سيناريو "وين - وين" أو لنربح معاً.

طالب: التهريب يساعد في تذبذب سعر الصرف
بالمقابل الخبير الاقتصادي نضال طالب أوضح في تصريحه لـ"الأزمنة"، أن السلع المهربة تعتبر إحدى عوامل انخفاض سعر صرف الليرة السورية، ولكن ليس منطقياً أن تكون هي السبب الرئيسي في انخفاض قيمة العملة، لافتاً إلى أن السلع المهربة موجودة في الأسواق منذ زمن وقبل الأزمة وهي ليست بجديدة، ولها مصادرها الخاصة في الحصول على القطع الأجنبي من السوق السوداء. وأشار طالب إلى أن التهريب ربما زاد نتيجة الأزمة الراهنة التي تمر على سورية، ويمكن اعتباره سبباً مساعداً في تذبذب سعر صرف الليرة أمام الدولار، ولكن ليست بسبب رئيسي. وأشار الخبير إلى أن الاقتصاد السوري يعاني من السلع المهربة، وكذلك الكثير من التجار يلجؤون إلى السوق السوداء من أجل الحصول على القطع الأجنبي الخاص بتجارتهم هرباً من الإجراءات الصعبة المفروضة من القنوات الحكومية التي تعمل على تمويل التجار، حيث إن السوق السوداء أكثر مرونة في الحصول على القطع الأجنبي.

لا خطَّ واضحاً لعمل المصرف المركزي
ولفت إلى أن المصرف المركزي ذكر هذين السببين لانخفاض سعر صرف الليرة، إلا أنه لم يذكر أسباباً جوهرية أخرى تمسّ عمله، مثل عدم وجود خط واضح في عمله، فكل مرحلة نجد أن لها سياسة معينة وكأنها سياسة تجريب، والمتتبع لإجراءات المصرف المركزي، يجد أنه منذ عامين طرح جزءاً من الاحتياطي الأجنبي في السوق لضبط سعر الصرف، إلا أن أسعار الصرف إلى الآن لم تنخفض ولم تشهد استقراراً وفقاً لما كان مخطط له، فالتدخلات السابقة لم تعطِ نتيجة مرجوة وإلى الآن لا يزال يتبع نفس الأمر، بالرغم من الزحف البطيء لقيمة العملة نحو الانخفاض. وأشار إلى أهمية أن يقوم المصرف المركزي باتباع سياسة نقدية وثيقة ومدروسة ومستقرة تعطي ثقة لأصحاب العلاقة ذات الارتباط بنشاطه.
ولفت طالب إلى أن التجار كانوا يلجؤون إلى السوق السوداء للحصول على القطع الأجنبي منه ليس لندرته بل لسهولة الحصول عليه، مشيراً إلى أن ترشيد الاستيراد ضروري حالياً بحيث يتم وضع أولويات في استخدام القطع الأجنبي ولا يؤثر على العمل بشكل مباشر، "فلا بد من وجود تنسيق بين وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والمصرف المركزي، بحيث يكون هناك إجراء يخفف من وطأة الترشيد على العملة نوعاً ما".

تجربة مصرية في مكافحة السوق السوداء للدولار
بعد عرض السابق، فإن الأزمة الراهنة التي تمر على سورية تفرض على مختلف الجهات اتخاذ خطوات استثنائية وفقاً للظروف الاستثنائية، ومن خلال اطلاعي على أخبار اقتصاد العالم العربي، فإن مصر تواجه أيضاً أزمة دولار وانخفاضاً في قيمة الجنيه، ولكن طلبت البنوك المصرية من جميع المستوردين تحديد احتياجاتهم من الدولار، تمهيداً لتوفيرها في الفترة القادمة، بإجراء يعتبر الأول من نوعه منذ بداية أزمة الدولار والجنيه حيث طالبت مستوردي السلع غير الأساسية بتحديد احتياجاتهم لتوفيرها جنباً إلى جنب، مع توفير الدولار لمستوردي السلع الأساسية، ويهدف هكذا إجراء لقطع الطريق أمام السوق السوداء وتجار العملة من استغلال حاجة المستوردين للدولار وفرض أسعار تخالف السوق الرسمية.
بالطبع بالنظر إلى ترشيد الاستيراد الذي يعتبر أمراً هاماً وضرورياً في ظل الظروف الحالية، فإن الترشيد الذي أشار إليه العديد من الخبراء حتى هيئة المنافسة ومنع الاحتكار بأنه يشجع على التهريب والفساد، فإن ذلك بمقتضى الحالة أيضاً ساهم بتذبذب سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار كون المصرف المركزي أوضح أن التهريب يلعب دوراً في تأرجح سعر الصرف وبما أن الترشيد شجع على التهريب فإنه أيضاً لعب دوراً في تأرجح سعر الصرف، وهذا ما يخالف تصريح وزارة الاقتصاد مؤخراً، حيث أوضحت أن إجراءات وزارة الاقتصاد ساهمت إلى حد كبير في ضبط سعر الصرف وخاصة بما يتعلق بالتعديلات التي أجريت على تعليمات منح إجازات الاستيراد، وتطبيق ترشيد الاستيراد، لذا لابد من إجراء يخفف الطلب على الدولار في السوق السوداء.