التضخم.. الأسباب والحلول.. خبراء يعرضون الفرص المتاحة أمام الحكومة لمعالجة التضخم

التضخم.. الأسباب والحلول.. خبراء يعرضون الفرص المتاحة أمام الحكومة لمعالجة التضخم

الأزمنة

الأحد، ٢٠ أبريل ٢٠١٤

وسيم وليد إبراهيم
الاقتصاد السوري ونتيجة للأزمة التي تمر على سورية، يعاني حالياً من التضخم الذي بلغ نِسَباً ليست بقليلة، حيث توقع المكتب المركزي للإحصاء أن ينخفض معدل التضخم في سورية بشكل تدريجي خلال الربع الأول من عام 2014، نظراً لاستقرار الأسواق والأسعار وميولها نحو الانخفاض ولكن ليس بالسرعة التي شهدت ارتفاعها، كما توقع صندوق النقد العربي، انكماش الناتج المحلي السوري بنسبة 19% لعام 2013، وأن يرتفع معدل التضخم إلى نحو 59%، وفي آخر تقرير لغرفة تجارة دمشق عن العام الماضي أوضحت فيه الغرفة أن معدل التضخم في سورية سجل نحو 60%.
إذاً، معدلات ليست بقليلة للتضخم وإن كانت هذه المعدلات تعتبر وسطية، أو أقرب للواقع، ولكن هناك معدلات لبعض السلع بلغت فيها نسب التضخم أكثر من النسب المذكورة بكثير، ولا بد من ذكر مفهوم التضخم الذي يتعدد كثيراً وفق آراء العديد من الخبراء، ولكن يمكن إجماله بأنه الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار وارتفاع التكاليف، ويترتب عليه تدهور القوة الشرائية للعملة، وبالطبع هذا قريب جداً للواقع الحالي الذي يعيشه الاقتصاد السوري، حيث يوجد ارتفاع في الأسعار وهناك زيادة في تكاليف الإنتاج مع انخفاض القدرة الشرائية بشكل كبير، ولكن يبقى السؤال الذي لا بد من طرحه حالياً وهو: ما هي الحلول التي يمكن أن تتخذها الحكومة في سبيل الحد من معدلات التضخم الحالية، أو على الأقل جعْلها تستقر عند مستوى معين دون أن تزيد؟.. هذا السؤال توجهنا به إلى عدد من الخبراء الاقتصاديين للإجابة عنه.

فضلية: هكذا يمكن معالجة التضخم.. والاقتصاد السوري متماسك
الخبير الاقتصادي عابد فضلية أوضح في تصريحه لـ"الأزمنة"، أن معظم نسب وأرقام معدلات التضخم المعلن عنها تعتبر مبهمة وغامضة، إلا أنها أقرب للواقع بالمتوسط، في حال كانت تتكلم وتم قياسها منذ بداية الأزمة السورية وحتى الآن.
ولفت إلى إنه لمعرفة كيفية معالجة التضخم فلابد من معرفة أسبابه في البداية والتي تتمثل بعدم وجود السلع بالكمية الكافية وفي الوقت المناسب ضمن الأسواق، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار الاحتكاري، أي الناتج عن عمليات الاحتكار، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي ارتفاع الأسعار.
وأضاف فضلية: "إذاً، هناك ثلاثة عوامل لارتفاع معدلات التضخم هي: قلة العرض وارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة تأمين السلع في الوقت المناسب، ومعالجة هذه العوامل من شأنها أن تقلل من نسب التضخم".
وعن كيفية المعالجة قال الخبير الاقتصادي: "لا يمكن القضاء على التضخم في ظل الظروف الحالية ولكن يمكن التقليص من نسَبه، فارتفاع تكاليف الإنتاج من الصعب حالياً معالجته بسبب الظروف الحالية التي تمرّ على سورية، وكذلك الأمر بالنسبة للعامل الثاني وهو تأمين السلع وعرضها في الوقت المناسب بسبب الظروف الحالية، إذاً، يبقى أمامنا زيادة عرض السلع في السوق وتأمينها وهو العامل الذي يجب العمل عليه من خلال دفع عملية الإنتاج المحلي، والتدخل الإيجابي من قبل مؤسسات الحكومة، وتسهيل عمليات استيراد السلع وتسريعها قدر الإمكان بحيث تشمل نوعين من السلع أولها السلع والمواد الغذائية الضرورية والأساسية، أما النوع الثاني من المواد فهي المواد الأولية الخاصة بالعمليات الإنتاجية والصناعة، بالإضافة إلى مساعدة المنتجين وضبط أكثر للأسواق وسوق سعر الصرف كون الدولار يلعب دوراً في التضخم".
ولفت فضلية إلى أن الحلول المذكورة يمكن العمل عليها في ظل الظروف الحالية من قبل الحكومة، مشيراً إلى أن معدل التضخم الذي أشار إلى نسبة 60% يعتبر موجعاً للشرائح الفقيرة وذوي الدخل المحدود ويقلل من القدرة الشرائية ولكن في ظل الحرب الداخلية والخارجية على سورية، اعتقد أن هذا الرقم معقول بل ويعبِّر عن أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد متماسك وحقيقي.

طالب: للمصرف المركزي ولوزارة التجارة دور في الحد من التضخم
الخبير الاقتصادي نضال طالب أوضح في تصريحه لـ"الأزمنة"، أن التضخم انعكس بضعف القدرة الشرائية حيث ارتبط بقيمة العملة المحلية، لافتاً إلى أن علاج التضخم يجب أن يستهدف السلعة والأسواق والعملة المحلية ودعمها قدر الإمكان، وهنا يأتي وِفق طالب دور مصرف سورية المركزي ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أيضاً، حيث يعتبران اللاعبين الأساسيين لمحاربة التضخم بالإضافة إلى ضرورة رسم السياسة الاقتصادية الخاصة بكبح جماح ارتفاع سعر الصرف.
ولفت طالب إلى أن المصرف المركزي يجب أن يسعى قدر الإمكان لإرجاع سعر الدولار مقابل الليرة أكثر قدر الإمكان، كما يجب على وزارة التجارة الداخلية أن تلعب دورا في مراقبة الأسواق واعتماد الأسعار الفعلية والعادلة، بالإضافة إلى دفع للعجلة الاقتصادية، والعمل على تعزيز دخل المواطن فعندما يكون هناك قوة شرائية فعندها يكون التضخم بدأ بالانخفاض.
وأكد على أهمية أن تطور الوزارات من أدائها بشكل أفضل من أجل دفع العملية الإنتاجية أكثر، بحيث يتم رفد السوق بالسلع وتخفيف عبء الاستيراد والذي يمتص القطع الأجنبي ويزيد من الطلب عليه مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف ويؤثر على العملة المحلية.
وعن أسباب التضخم، لفت طالب إلى أن سورية تعيش أزمة وحرب ونحن أمام واقع يفرض توقف عدد كبير من المعامل والشركات التي كانت تستطيع أن ترفد السوق المحلية بالعديد من السلع، عدا عن تأثير الحالة النفسية على السوق المحلية وعلى سعر العملة والتي من شأنها أن تحدد مؤشر التضخم.
وأكد على أهمية أن تلعب الحكومة دوراً بعدم السماح للتضخم من أن يرتفع أكثر من ذلك، مشيراً إلى أن معدل التضخم 60% يعتبر معدلاً مقبولاً وواقعياً ولكن هل ينطبق على القطاعات كلها؟.. بالطبع لا، فيمكن أن يكون أعلى من ذلك في قطاعات أخرى، ولكن يمكن القول بأنه معدل مقبول في ظل الظروف الحالية ولكن يجب العمل على سياسات اقتصادية معينة وأن لا تسمح الحكومة للتضخم أن يرتفع أكثر من ذلك حتى لا يصبح الرجوع به إلى الوراء أمراً صعباً.

عثمان: الحد من التضخم يمكن من خلال ضبط الأسعار
الخبير الاقتصادي محمد عثمان أوضح لـ"الأزمنة"، إنه لا مجال لخفض التضخم في ظل الظروف الراهنة، مشيراً إلى أن الأسعار الحالية تشهد اختلافاً كبيراً بين يوم ويوم آخر وفوارق كبيرة في فترات زمنية متقاربة، عدا عن ارتفاع أسعار العقارات والمازوت.
وأشار إلى أن الحل الأمثل للحد من ارتفاع التضخم في المرحلة الحالية من خلال ضبط الأسعار عن طريق تحديد هوامش الأرباح للسلع والمواد، وضخ المواد والسلع في السوق بشكل كبير، بالإضافة إلى جعل العرض والطلب هو من الذي يحدد أسعار المواد والسلع ضمن السوق المحلية.
ولفت إلى أن أسباب التضخم يعود لعدم وجود إنتاج محلي وانخفاض العرض في الأسواق، والاعتماد على الاستيراد وبالتالي زيادة الطلب على القطع الأجنبي، والذي يواجه تذبذباً وتقلباً وبالتالي تقلب الأسعار ويعني ذلك تضخماً متقلباً، مؤكداً على أن نسبة 60% للتضخم تم تحديدها على سنة أساس 2012، وتعتبر نسبة منطقية وقريبة من الواقع وتشمل السلع والخدمات.

دراسة آثار التضخم على المنشآت وضرورة معالجته بالحلول الممكنة
بعد عرض السابق يبقى القول، أن نسبة التضخم تعبر عن واقع الحراك الاقتصادي، ومن خلال تتبع مسيرة التضخم في سورية فإن التضخم كان يسير بشكل بطيء خلال عامي 2011 و2012، حيث أخذت الأسعار ترتفع بشكل تدريجي، إلا أن عام 2013 شهد تسارعاً في نمو معدلات التضخم، وارتفعت الأسعار بشكل كبير وبالطبع لم تغفل الحكومة عن ذلك حيث لمسنا ما تسعى به الحكومة منذ العام الماضي وخلال العام الحالي حيث اتخذت سياسة جديدة لضبط الأسعار، تمثلت بتعزيز تدخلها الإيجابي في الأسواق، عدا عن اتباع إجراءات جديدة في مراقبة الأسواق وتكثيف الحملات عليها والسعي لضبط الأسعار وتحديد هوامش الأرباح، وتداول الفواتير، ونقل المنشآت الصناعية من المناطق الساخنة إلى المناطق الحرة والآمنة، وجميع هذه العوامل ساعدت على الحد من ارتفاع نسب التضخم ولكن قد لا تكون هذه الإجراءات كفيلة بشكل دائم للحد من هذا الارتفاع فيجب على الحكومة أن تعمل على وضع استيراتيجة محددة لمعالجة التضخم وخفضه قدر الإمكان، كما يجب أن تدرس آثار التضخم على المستهلك وعلى القطاع الإنتاجي سواء الصناعي أو الزراعي والتجاري، حيث أن للتضخم أثراً بالغاً على شتى المنشآت الاقتصادية حيث أنه يعمل على تآكل رأس مال المنشأة الاقتصادية، وبالتالي عدم قدرتها على المتابعة والإنتاج لاحقاً. وكان المكتب المركزي للإحصاء أصدر الرقم القياسي لأسعار المستهلك عن تشرين الأول في 2013، حيث بلغ 491% محققاً ارتفاعاً قدره 4 نقاط عن أيلول للعام ذاته، ما يعني تضخماً شهرياً بمعدل 1%، في حين سجل تضخماً سنوياً عن تشرين الأول للعام 2012 بمعدل 117%، متوقعاً بذلك انخفاض معدل التضخم بشكل تدريجي خلال الربع الأول من عام 2014، نظراً لاستقرار الأسواق والأسعار وميولها نحو الانخفاض ولكن ليس بالسرعة التي شهدت ارتفاعها.
وبالطبع التوقع هذا اصطدم حالياً بارتفاع أسعار العديد من السلع والمواد في الأسواق بعد تذبذب سعر الصرف مما يعني معاودة تقلّب نسب التضخم وارتفاعه، وخاصة أن الأسواق لدينا أخذت تتعامل مع قضية الدولار على إنه اللاعب الرئيسي في رفع الأسعار.
نهاية القول نود التأكيد على أهمية أن تقوم الحكومة بمعالجة التضخم من خلال الحلول الممكنة سواء عن طريق رفد الأسواق بالمواد والسلع، وضبط الأسعار ودراسة آثار التضخم على شتى المنشآت الاقتصادية الهامة للوصول إلى حلول ناجعة لهذه المنشآت قبل وصولها لمرحلة التوقف.