هدايا عيد الأم قذائف تسقط في الشوارع والبلدات

هدايا عيد الأم قذائف تسقط في الشوارع والبلدات

الأزمنة

الاثنين، ٧ أبريل ٢٠١٤

شهدت اللاذقية في الأسبوعين الماضيين اعتداءات بالقذائف أطلقتها العصابات المسلحة وطالت بعض قرى الريف على طريق كسب، وكذلك المشروع العاشر, والزراعة, ورأس شمرا وغيرها. ومؤخراً هاجم هؤلاء الممر المؤدي إلى مدينة أنطاكيا المحتلة وخلقوا الذعر والهلع في نفوس السكان, ويظهر أنهم لم يكتفوا بحرق الغابات, وعلى رأسها الفرنلق ذات الشهرة العالمية والعراقة. بل وجدوا استكمالاً لتخريبهم وتدميرهم الوصول إلى بساتين أشجار الفواكه المحيطة بكسب, وهي ذات الإنتاج الصيفي الجيد. ويعتمد اقتصادها على السياحة التي توقفت منذ بداية الأحداث المؤسفة لتؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العام وتشل حركته. وثمة صالات لتقديم الطعام أُغلقت، وحصلت كسب شهرتها السياحية من خلال خدماتها المتميزة, ووداعة سكانها واستقبالهم الحار لزوارهم. وفيها عدة منشآت لصناعة صابون الغار الذي وصلت دعايته إلى معظم بلدان العالم. وكان تصديره يحقق أرباحاً جيدة جداً. وأثناء قطاف الأوراق يتوفر للكثيرين من أبناء المنطقة العمل الذي يستمر عدة أشهر إلى حين الانتهاء.. توقفت السياحة ومنشآت التصنيع, وقطاف الفواكه التي واجهت في العام الماضي صعوبات النقل واليد العاملة لتسقط الثمرة على الأرض، وهو المصير الذي واجهته الأماكن الساخنة التي تعرضت لغزو هؤلاء، وبدلت في وجه الحياة السورية التي لم تكن يوماً إلا قائمة على الحب المتبادل والتفاهم المشترك.. ومن الضرورة أن نذكِّر بأن المنطقة التي لا تبعد عن شاطئ البسيط سوى ثلث الساعة امتازت بمناخها المعتدل. وهي تعتبر مصحاً لمن يعانون من أمراض الربو أو التنفس والذين كانوا يحضرون من جميع مناطق البلاد، والدول العربية لهذا الغرض الصحي، ويجدون فيها العناية والرعاية والاهتمام.
   
في عيد الأم
عيد الأم، هو المناسبة الإنسانية التي تحمل في معانيها السمو والاعتراف بجميل الأم. التي تغنّى بها الشعراء والعظماء وكل إنسان حقيقي على وجه الأرض. وحين كانت الأسر اللاذقانية تستعد لمشاركة العالم بالمناسبة؛ حاملة جراحها وحزنها، متجهة إلى أمهات الشهداء للمواساة. واستجلاب الفرح البسيط لنفوس أبناء الشهداء الذين أفقدتهم إياه أيادي المؤامرة الدموية بدأت القذائف تتساقط في المدينة، ليس على أي هدف إلا بيوت الناس المدنيين, ليجعلوا منها حسب مفهوم حقدهم هدايا للأمهات في عيدهن. وهو منطق الشر الذي في نفوسهم. توقفت حركة المدينة وريفها. ولم يتم تحقيق حتى استجلاب القليل جداً من الفرح في مناسبة مقدسة. تجلّها الأديان السماوية ويحترمها كل أبناء البشرية. إلا هؤلاء الأوغاد الذين أرادوها مناسبة لكثير من الموت, واليتم, والدموع. وهم لم يكتفوا بكل ما صنعت أيديهم الملوثة بالخيانة.
غاب عن كسب تفاعلها الأمومي في هذا اليوم كما قالت كارولينا, التي أرادت أن تجمع أمهات الحي الكسبي على مائدة متواضعة للطعام. ليس من أجل الكبار؛ بل الأطفال الذين افتقدوا الابتسام منذ أن استبدل صوت زقزقة العصافير بطلقات الرصاص، وحل مكان نقاء أوكسجين الصنوبر والشوح رائحة البارود وانفجارات القذائف لقتل ما هو على الأرض.. لم يخرجوا من البيوت وكانوا ينتظرون الحسم الذي سيحققه الجيش العربي السوري. وتمكن من ذلك بعد ساعات قليلة وعلى امتداد المسافة بين كسب واللاذقية كانت جميع البلدات مستنفرة, والشبان من مختلف الأعمار على استعداد للمواجهة ومشاركة القوات السورية المسلحة بالدفاع، وكانوا يترقبون مثل هذه الأعمال الوحشية والعصابات المسلحة تتوعد بوقت قريب لفتح جبهة الساحل وهو ليس منفرداً عن أية جبهة أخرى على امتداد الوطن، وسمعتها من الشبان بمختلف أعمارهم (نحن على استعداد للموت على أن لا نرى تلك الوجوه الحاقدة. الخائنة. الغبية)، وهذا ما تردد على لسان فتيات خلعن وجه الأنوثة وحملن الوجه النضالي الذي سيدافعن من خلاله عن أنفسهن وشرفهن ووجودهن الحر الكريم.. هذا ما جرى؛ وكل ريف المحافظة بمن فيه تأهب للمشاركة وتقديم التضحية المطلوبة. كان يوم الجمعة للأم ولم يكتمل حسب ما خُطط له. لكنه جاء وطنياً بامتياز وهذا ليس غريباً عن أبناء سورية. وفي كل البلدات التي جُلت عليها كنت أسمع العبارات وفيها عزيمة الإصرار والتحدي. قالت إحداهن سوف نلقنهم درساً لن ينسوه. وسنجعلهم نادمين على تلك اللحظة التي فكروا فيها للاقتراب من بلداتنا وقرانا.. وكلنا مشاريع شهادة، وقد ودعنا الكثير وثمة من سيزفنا شهداء.. هذا خطابهم وقرارهم وهم يتابعون الأحداث وينتظرون النتائج.
   
الحقد لا يولد إلا الحقد
هي نظرية نفسية تلخص الحالة المأساوية التي ألمّت بشعبنا السوري بكامله. ونحن نواجه بريفنا الساحلي ومدنه أمهات الدموع الذين ودعوا أبنائهن. وما يقوم به هؤلاء ما هو إلا حقد متفجر من حقد. وهو ما انعكس ثقة أكبر في جيشنا الباسل. والمؤشر الحقيقي على أن سحقهم حتمي وانتصار إرادتنا قادم في وقت قريب. هذا ما قالته السيدة ميس التي تعمل في مجال التعليم، وعندها ابنتها نايا وابنها كامل، وأضافت أنها كانت تخطط لزيارة بعض الزميلات وتستغلها لتمشي مع الولدين تحت الشمس، ومن ثم تدخلهم حديقة لقضاء بعض الوقت. ولم يحصل ذلك وتضيف أن بلدتهم في ريف جبلة ودعت عشرات الشهداء, وجميع الأمهات في قلوبهن جراح, وجميعهن يعتبرن أي جندي سوري هو ابن لهن. وتقول سالي الطالبة في جامعة تشرين سنة أخيرة: إن ما قام به المسلحون اليوم من رمي القذائف على الأحياء هو أكبر دليل على أنهم لا يشعرون, ولا يمتلكون أي إحساس، ولا يرتبطون بدين ووطن بأي شكل من الأشكال وما قذائفهم إلا تعبير عن حقد لشعبهم ووطنهم, وهو ما يزيدنا إصراراً في المواجهة، كنت في الماضي أخاف من صوت القذائف والرصاص، الآن لم يعد يهمني أي شيء، نزع الخوف من نفسي، وأنا على أتم الاستعداد للموت قبل أن يتدنس بصري برؤية من هم ليسوا من البشر ويمشون فقط على قدمين. وتجد مايا مدرّسة مادة اللغة الإنكليزية  أنها لم تعد تستغرب شيئاً من تصرفات تلك العصابات التي تجاوزت كل حدود ومفهوم البشرية, لأنهم في الأساس يحملون أفكاراً لا علاقة لها بالإنسانية. وليس بوسعي في مثل هذه المناسبة إلا أن أتقدم لأمهات الشهداء بالتعازي التي لا تؤدي أي دور في حالة اكتمال الحزن. وهنّ في انتظار عيدهن حين تنتصر سورية, وتهزم الأعداء. وتشهد روح الشهيد ذلك مرفرفة فوق رؤوس الأمهات. ويقول أبو علي: من الطبيعي أن ليس لأمثال هؤلاء الإرهابيين أمهات ومنذ متى ارتبط هذا بالعاطفة. ومن رضع من ثدي أم حنون سيحملها. ومن نما بداخله الوحش الإرهابي فلا حنّيّة لديه, ولا شعور ولا عاطفة.

ما هو الهدف؟
ليس بالإمكان أن نحدد هدفاً واحداً لما يقوم به هؤلاء من قتل. وإذا كانت ثورات التحرر الذي درسنا عنها قديماً تستند إلى الخراب والدم والحرق, والفتك كيفما اتفق فتباً لهكذا ثورات همجية, بربرية خططت لها أيدي الجريمة المطلقة. ليس من هدف يذكر سوى المزيد من اليتم والتشريد، وتدمير البنى والبيوت وحرق الثروات بمختلف أنواعها، وقد فعلوا ذلك وهم يفعلون.. ولابد أن نهايتهم قريبة جداً.