لغة الضاد في مهب الريح.. صراع الوجود.. الشباب واللغة العربية

لغة الضاد في مهب الريح.. صراع الوجود.. الشباب واللغة العربية

الأزمنة

الأربعاء، ٢ أبريل ٢٠١٤

نجوى عيدة
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامن... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها سورية, وفي ظلام هذه الحرب الكارثية ,تلوح في الأفق حرب من نوع آخر تهدد الوجود العربي, وإن لم نتداركها قبل فوات الأوان غرقنا في جهل أبدي ,هذه الحرب هي حرب على اللغة العربية التي تمثل قوميتنا وهويتنا, ونهضة أي أمة تتمثل بلغتها الأم ,المكون الحضاري لها ,ونحن اليوم وفي غفلة عمّا يجري نلاحظ هجرة عدد كبير من الشباب السوري للغة العربية متوجهين إلى لغات أخرى ,وليس الهدف ثقافياً أو تعليمياً بل الهجرة خارج البلد وبالتالي هجرة للغة العربية ,فكيف نستطيع اليوم الحفاظ على لغتنا مع هذا السيل الجارف من اللغات.

لمحة أبجدية
وُجدت الأبجدية لأول مرة في أوغاريت وكتبت لأول مرة في القرن الثاني والثالث الموافق لعهد الأخميدين في بلاد مابين النهرين، واعتمدت في القرن السابع ,ولها جذور تعود إلى الآشوريين في القرن التاسع قبل الميلاد ,وهي من أكثر اللغات تحدثاً ضمن اللغات السامية وأكثرها انتشاراً يتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة وهي من أغزر اللغات فمعجم لسان العرب لابن منظور يحوي 80 ألف مادة بينما قاموس جونسون في اللغة الإنكليزية يحوي 42 ألف كلمة.
واللغة العربية هي اللغة الرسمية في سورية بالإضافة إلى اللغة الآرامية القديمة التي ظهرت قبل الإسلام والسريانية التي تستعمل في طقوس للطوائف السريانية المختلفة ,والكردية التي لا يصل عدد المتحدثين بها لـ 10% من سكان سورية.

حرب اللغات
تعيش اللغة العربية اليوم حرباً مصيرية ,ومن المؤكد أنها لم تأتِ من العدم فمن يستهدف وجود الإنسان العربي يستهدف لغته حتماً، بأدوات يصنعها ويصدرها إلى البلاد العربية بهدف القضاء على لغتنا ,ويتجه اليوم معظم الشباب لتعلم أي لغة تفرضها عليهم وجهة السفر التي حدّدوها فتعلم التركية والإسبانية واليابانية اليوم ينذر بإفراغ سورية من شبابها وهذا لمسناه من خلال كلامهم أنفسهم.. دعاء خريجة اقتصاد تقول: أريد أن أتعلم الفرنسية لأني مسافرة أنا وخطيبي للعيش في إفريقيا وأنا أحتاج للعيش هناك تعلّم الفرنسية أو البرتغالية واللغة العربية لن أحتاجها هناك أبداً.
أما ليلى طالبة أدب إنكليزي فتقول: أريد أن أقوّي نفسي أكثر باللغة الإنكليزية لأننا سنغادر أنا وأهلي البلد عما قريب ,أما سعيد المقبل بشغف على تعلّم التركية يقول: إن وُجدت الوظائف اليوم فهم يحتاجون لغة إنكليزية وأنا لا أجيدها, لي أصدقاء في تركيا لذلك سأسافر إلى هناك وأنا أتعلم التركية اليوم لأنها اللغة المطلوبة للعيش والعمل هناك ,وإن وجدت وظائف في سورية تحفظ كرامة الإنسان وبمرتب جيد وتليق بالشباب السوري صدّقوا عندها لن تجدوا أحداً يغادرها.

لغة الأقوياء
عبر التاريخ وفي ظل الحروب التي قامت وسادت البلاد العربية كان دائماً هناك وجود لبند بين البلد المحتل والواقع تحت الاحتلال ينص على بقاء اللغة العربية لغة رسمية في البلاد ودارت الأيام وذهب الاحتلال اسماً فقط وبقي ثقافةً ولغةً في بعض البلاد العربية ,واللغة العربية اليوم لا تقل أهمية عن الإنكليزية أو الفرنسية لكن الدولة الأقوى هي من تفرض لغتها.

مفاجآت غير سارة
في لبنان يفاخر الأهل بتعلّم أبنائهم لغتين أو ثلاث ويتجهون إلى تعليم أبنائهم اللغات من الأشهر الأولى لولادتهم ,وفي الجزائر اللغة العربية مذلولة والفرنسية هي السيدة؛ هكذا يقول رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية, وهي في المغرب العربي في مهب الريح و90% من وثائق الإدارات العمومية ما تزال تصدر بالفرنسية دون ترجمتها إلى العربية.

سورية لسان العرب
ما يعزي العربي وأصالة الضاد اليوم أن هناك بلداً مثل سورية اليوم ورغم المآسي التي يعيشها ما يزال متمسكاً بلغته العربية وهذا ما جرّ عليه الكثير من الويلات باعتباره المعجم العربي الوحيد ,ويعتبر مجمع اللغة العربية في دمشق أقدم مجمع في الوطن العربي. والحكومة السورية أولت العربية اهتماماً واضحاً وظهر ذلك في خطاب سابق للسيد الرئيس تطرّق خلاله للغة العربية وأهميتها ,وقد أصدرت الحكومة السورية قراراً يجبر من خلاله أصحاب المحال التجارية والأماكن السياحية والفنادق و"الآرمات" الإعلانية وما يمكن تعريبه إلى كتابة الاسم بالعربية ثم بالإنكليزية بخط صغير تحته فلا يجوز أن تعلو الإنكليزية على العربية.

أما من كان بها خبيراً؟
الدكتور محمد موعد دكتور في قسم اللغة العربية في دمشق وعضو في الهيئة التدريسية لتمكين اللغة العربية يقول: ما يعزينا اليوم ونشكر الله عليه أن المناهج التعليمية ما تزال باللغة العربية وبالتالي عند وفود الطلبة العرب والأجانب للتعلم في سورية يتعلمون العربية لكي يستطيعوا إكمال دراستهم ,ولا خوف على العربية اليوم رغم زحمة اللغات الأخرى، فالسر يكمن في قدسية اللغة العربية ,ونحن منفتحون على تعلم اللغات وهناك خطة لإدخال اللغة الروسية إلى المناهج التعليمية إلى جانب اللغة الفرنسية والإنكليزية وهذا شيء جميل على أن لا تكون على حساب اللغة العربية وهنا تقع مسؤولية الأهل والمدرسة في تمكين الطفل من اللغة العربية، يتابع الدكتور محمد موعد حديثه: نحن نفخر بكل خريجي اللغة العربية ونحن واثقون من قدرتهم على حمايتها في المستقبل وسيكونون أكفاء لتعليم أجيالنا القادمة, ومن كان من الطلبة غير متمكن من اللغة العربية كونوا على ثقة أنه لن يقدر على إتمام مرحلته الجامعية أبداً ,يتابع الدكتور موعد: خلال اجتماعاتنا مع أعضاء الهيئة نقدم اقتراحاتنا وملاحظاتنا وتؤخذ كلها بعين الاعتبار ,نأمل بوجود معاهد لتمكين اللغة العربية ,أو قطاعات عمل تطلب لغة عربية، هكذا نحافظ على شبابنا وعلى لغتنا.

خلود اللغة العربية
نحن لسنا بصدد رفع شأن اللغة العربية ,فشأنها مرفوع فهي لغة القرآن الكريم وصعب أن تزول ,لكن نريد الحفاظ عليها فالمتنكرون للغة العربية هم من ساقوها لتكون لغة شاعرية ووجدانية بعيدة عن الحياة العملية وغير صالحة للتداول العملي ,نحن في عصر العولمة ,ولغتنا مهددة بالانقراض إن لم نحافظ عل قدسيتها ,نحن غير متعصبين للغتنا أبداً ولا يمكن إنكار أهمية اللغات الأخرى في عصر التكنولوجيا والإنترنت لكن اللغة التي ميّزها الله وفضّلها تتطلب منا الحفاظ عليها ,إن لم تتمكن الدولة من الحفاظ على العربية, سنفقد تميزنا بين البلدان, على الدولة أيضاً إيجاد سوق عمل للشباب للحد من هجرتهم خارج البلاد فسورية قوية بشبابها أولاً وتفخر بلغتها دائماً.
أخيراً.. يقول الشاعر حافظ إبراهيم:


أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً
 وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
 أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً
فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
 أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ
يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
أَيهجُرنِي قومِي-عفا الله عنهمُ
إلى لغة ٍ لمْ تتّصلِ برواة ِ