قانون لم ينفذ!! شركات الضمان الصحي ما لها وما عليها في ظل الأزمة وقبلها.. تشتت الأنظمة التأمينية في سورية وغياب الرؤية الشمولية

قانون لم ينفذ!! شركات الضمان الصحي ما لها وما عليها في ظل الأزمة وقبلها.. تشتت الأنظمة التأمينية في سورية وغياب الرؤية الشمولية

الأزمنة

السبت، ٢٩ مارس ٢٠١٤

الأزمنة – ياسر حاج حسين
تعتمد أنظمة الضمان الاجتماعي عالمياً في تمويلها على الاشتراكات المهنية أو الضرائب، لأن ميدان تطبيق الضمان الاجتماعي لم يقتصر على الإجراء المعنيين بالنص العام، بل عمد المشرع، رغبة منه في توسيع نطاق الحماية الاجتماعية، إلى إخضاع فئات أخرى بموجب نصوص خاصة، ولقد تضمنت هذه النصوص أحيانا شروطاً خاصة للخضوع. أما الشروط العامة للخضوع الواردة في النص العام فإنها تطبق عند عدم وجود نصوص خاصة تتعارض معها.
برزت في سورية خلال السنوات الأخيرة الحاجة للبحث عن بدائل لتمويل الخدمات الصحية نتيجة الضغوط الاقتصادية بالتزامن مع المعدلات المرتفعة لنمو السكان وارتفاع تكاليف الخدمات الصحية وطرح مشروع التأمين الصحي كأحد هذه البدائل وواجه منذ انطلاقه عدة تحديات وصعوبات وتعالت مع مرور الوقت أصوات الرفض له من قبل مقدمي الخدمة ومتلقيها.
وبدأت فكرة التأمين في سورية رسمياً عند صدور القانون رقم /1/ لعام 1979، إنما لم يطبق القانون لأسباب عديدة أهمها عدم توفر البنية التحتية في ذلك الوقت، وتوجه القانون للعاملين في الدولة فقط دون شموله جميع المواطنين، وعدم الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.
والسؤال هو: هل صحيح أن العمل على تحضير التأمين الصحي توقف بسبب التنازع بين وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل "سابقاً" على تبعية هيئة الضمان الصحي؟!.

شركات على حساب العامل
على الرغم من الضجة التي لحقت السؤال السابق وبالتوازي معها أحدثت هيئة الإشراف على التأمين بموجب المرسوم /68/ لعام 2004 بهدف تنظيم قطاع التأمين والإشراف عليه، وتلاها المرسوم التشريعي /43/ لعام 2005 الناظم لأعمال التأمين الخاص في سورية، بناء عليه مارست /12/ شركة تأمين خاصة أعمالها في سورية في المجال الصحي، إنما التأمين الصحي الخاص وحسب تجارب الدول العربية والأجنبية لا يغطي بأحسن الأحوال أكثر من 5% من المواطنين وأكبر مثال على ذلك مصر حيث يغطي فقط 3% بعد تطبيقه منذ أكثر من ستين عاماً، ثم أصدرت القيادة القطرية للحزب قراراً في أيار 2008 بإحداث شركة للتأمين الصحي هدفها المبدئي التوجه نحو تغطية 600 ألف موظف من العاملين في الدولة.
وبذلك حدثت مشاكل عديدة منها تشتت الأنظمة التأمينية في سورية، وغياب الرؤية الشمولية بسبب قانون لم ينفذ، ودخول شركات التأمين الخاصة، ووجود أشكال مختلفة من نماذج الضمان الصحي المقدمة للعاملين في الدولة، وصعوبة استمرار الحكومة في زيادة موازنة القطاع الصحي بشكل عشوائي، وقد بدأت تزداد كمية الديون على مؤسسات القطاع العام، حيث ازدادت موازنة وزارة الصحة من 8،9 مليار عام 2000 إلى 33 مليار عام 2009، مما خلق ضعف مستوى الثقافة التأمينية لدى المواطن السوري، وضعف دخله ومؤهلات الكادر الوطني في مجال التأمين الصحي.
السؤال: ما الذي يجبر شركات التأمين على تنفيذ التزاماتها بعد الحصول على هدفها؟!.

حلول في غاية الأهمية
بعيداً عن الخطة الأخيرة التي اعتمدها اتحاد نقابات العمال بدمشق، وجمع جميع المستوصفات واعتمادها كشركة تأمين صحية، فإن إصدار قانون شامل للضمان الصحي في سورية كان ضرورة لابد منها، وذلك بهدف تغطية جميع المواطنين في سورية، حتى وإن طبق بشكل تدريجي، وعلى محافظة معينة، يساهم بشكل أساسي في ترشيد استخدام الموارد المتاحة وتوجيهها لمستحقيها وتطوير جودة الخدمات الصحية، مما يوقف نزيف موازنة الدولة، ويوفر القانون "المفترض" الحل لمشكلة التشتت الحالي في أنظمة التأمين الصحي لدى القطاع العام، وتقديم رؤية لموضوع المجانية في العلاج في مؤسسات الدولة. وتنفيذ البرنامج التنفيذي المقترح من قبل خبير الضمان الصحي في الاتحاد الأوروبي، لتطبيق الضمان الصحي على مدى عشر سنوات، والفئة التي سيغطيها.
بالتزامن مع متابعة القطاع الخاص عمله وفق ما صدر من قوانين وتعليمات، ضمن إطار توجه شمولي للضمان الصحي في سورية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه سيبقى يغطي فئة محدودة من المواطنين، وحسب الدراسة الميدانية العلمية التي أعدتها الباحثة في العلوم الاقتصادية "رنا إبراهيم الدعبول" بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء في سورية ومن خلال رصد العديد من وجهات نظر المرضى والعاملين في قطاع الخدمات الطبية في سورية، وبالتالي رصد الصعوبات التي تواجه القطاع الصحي بشكل عام في سورية ومشروع التأمين الصحي بشكل خاص.

فقدان التمويل المطلوب
لقد أظهرت الدراسة التي أجرتها الباحثة أن الصعوبات تتمثل بعدم القدرة على تأمين المستوى المناسب من التمويل لمواكبة ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية، وعدم وجود نظام تأميني صحي لجميع العاملين في الدولة ناهيك عن عدم تشميل العديد من المواطنين من أي شكل من أشكال التأمين الصحي، وعدم قدرة مراكز الأعمال الجراحية الكبيرة على سد احتياجات المرضى الوافدين ما يؤدي إلى ضعف الأداء الطبي وضعف الصناعات التحويلية الدوائية التي تعتمد على استيراد المواد الأولية من الخارج وضعف الرقابة الصحيحة على المشافي الخاصة من قبل وزارة الصحة. ولأجل ذلك دعت الدراسة إلى تأمين تمويل معقول للرعاية الصحية عبر إصدار تشريعات صحية تخدم الأنشطة المشتركة بين القطاعين العام والخاص، وإعادة النظر في دور الدولة بالمجال الصحي الذي يغطي 50% من العبء المرضي في المجتمع، ووضع الأولويات لتلك التغطية بحيث تتوجه هذه الخدمات إلى الطب الوقائي والإسعافي، إضافة للتركيز على الأورام والأمراض التي يمكن معالجتها وجعل أولويات تقديم الخدمات لهذه الأمراض وللأدوية التي يحتاجها غالبية المواطنين مع ضرورة مراجعة أولويات الخدمات المجانية.

مقترحات مهمة لم يؤخذ بها
قدمت تلك الدراسة مقترحات مهمة لتحسين وتطوير نظام الضمان الصحي لكن لم يؤخذ بها، حيث أشارت إلى ضرورة وضع معايير لجودة الخدمات الصحية، والعمل على تبنّيها من قبل المستشفيات والمستوصفات وإتاحة الفرصة للقطاع الصحي الخاص للقيام بدور أكثر فعالية في القطاع الصحي والاستفادة من طاقته التشغيلية القصوى لرفع مستوى الخدمات الصحية مع التأكيد على ضرورة التزام هذا القطاع بمعايير الجودة والإسراع بتهيئة المناخ اللازم لعمل شركات التأمين وزيادة دورها في تقديم التأمين الصحي والعمل الجاد على إزالة المعوقات التي تقف في طريق تطبيق الضمان الصحي للاستفادة من المنافع الكثيرة المتوقعة من عملية التطبيق.
ومن باب النصيحة والمعرفة العلمية والعملية دعت الدراسة إلى رسم سياسة جديدة للمشافي الحكومية والخاصة تمكِّنها من الاستفادة من اشتراكات الضمان الصحي بالشكل الصحيح، والاستفادة من التوسع المتوقع في الأنشطة الصحية نتيجة تطبيق نظام الضمان في زيادة عدد العاملين في القطاع، وتنفيذ البرامج التدريبية اللازمة لتأهيلهم للانخراط في العمل بكافة التخصصات الطبية، وتشجيع الجهات المعنية على الإسراع بوضع نظام للتأمين وإنشاء هيئة للرقابة على نشاط التأمين ووضع نظام لتسجيل الشركات وبما يؤدي إلى تنظيم سوق التأمين.

تخفيف العبء عن المستشفيات
ومن المهام الكبرى للدراسة أنها تضمنت تطبيق برامج توعية صحية لتوضيح الأسلوب الأمثل للاستفادة من هذه البرامج دون المبالغة في طلب خدمات علاجية لا ضرورة لها، ومعرفة المشاكل التي تواجه شركات إدارة الخدمات الطبية وشركات التأمين، ومراقبة فعاليات الخدمة التي تقدمها تلك الشركات بشكل مستمر، ووضع أسس عامة لعملية تحقيق الجودة لمقدمي الخدمة الطبية، وتأسيس صندوق للشكاوى ومعالجتها مع شركات التأمين، والاهتمام بالكوادر الفنية التي تقوم بالاكتتاب والتوصية بأتمتة الصيدليات، وربطها مع شركات التأمين وتوجيه الإعلام لقضايا التأمين في القطاع الصحي، وتشكيل لجنة مؤلفة من مندوبين عن هيئة الإشراف على التأمين والإدارات السورية لشركات التأمين وشركات إدارة الخدمات الطبية السورية للعمل على تطبيق الضمان الصحي بشكل فعال في سورية بالكلام فقط!!.
وأكدت الدراسة أن التطبيق الجيد للضمان الصحي يؤثر إيجاباً على التنمية الاجتماعية والصحية ويسهم في خفض معدل الوفيات، ويحقق دعماً للرعاية الصحية في القطاع الخاص، ويخفف العبء عن المستشفيات الحكومية، ويتيح قناة تمويل للقطاع الصحي عبر سداد كلفة الرعاية الصحية من قبل شركات التأمين مقابل الأقساط التي تحصل عليها من المستفيدين بغض النظر عن قيمتها أو عن القدرة المالية للمستفيد، وتبيّن أن تطوير نظام الضمان الصحي يسهم في رفع مستوى جودة الخدمات الصحية عبر تأمين ضمان وصول الخدمات الصحية المتفق عليها في وثيقة التأمين الصحي من مقدم الخدمة الصحية إلى المؤمَّن له بالجودة والمستوى اللائق وانعكاس الأمر على صحة المجتمع وبالتالي الوصول به إلى معدلات نمو عالية مستقبلاً.

نجهل قوانين التأمين الصحي
كان الأول من حزيران لعام 2010 بداية العمل في الاتفاق الموقع للضمان الصحي في سورية، لكن هناك قاعدة تقول إن الإنسان عدوّ ما يجهل، ولحداثة ظهور شركات التأمين في السوق السورية، فإن المواطن دخل تجربة الضمان الصحي وهو لا يعرف عنها شيئاً، ولم يطّلع على تجارب الآخرين إلا فيما ندر، سوى من كان مغترباً أو عاش في بلد عربي كان سبّاقاً في تطبيق تجربة الضمان الصحي، ولذلك كانت آراء الأشخاص متباينة, لكن الأهم إنها خطوة رائعة وجيدة جداً بالأخص أن تكلفة عمليات القلب باهظة الثمن، ولا يستطيع أغلب الناس دفعها وجاءت هذه الخطوة لتحل مشكلة العديد من الأشخاص وقد أجريت أكثر من عملية، ودفع المريض فقط 10% من تكلفة العملية، فالعملية التي تكلف" 200" ألف ليرة سورية يدفع المريض منها" 20" ألف ليرة سورية، أما بخصوص المعاينات يمكن أن يكون مقدوراً عليها فالمريض يدفع 50 ليرة سورية فقط أحياناً آخذها وأحياناً لا آخذها.
لذلك يبقى السؤال المهم هو: ما الإجراءات التي تم اتخاذها لضمان تطبيق الأطراف التزاماتها تجاه الموظف؟ وهل يعرف المواطن ماذا يعني "ضمان صحي" أصلاً؟!!.