حقائق جديدة عن الغش.. وقرارات حكومية مستحيلة التنفيذ!! نحو 60% من الثروة البقرية فقدناها وغياب التسويق رفع أسعار الحليب

حقائق جديدة عن الغش.. وقرارات حكومية مستحيلة التنفيذ!! نحو 60% من الثروة البقرية فقدناها وغياب التسويق رفع أسعار الحليب

الأزمنة

الأربعاء، ١٩ مارس ٢٠١٤

وسيم وليد إبراهيم
أثناء تصفّحي اليومي لفت نظري رقم ليس بقليل عن حجم خسائر الاقتصاد السوري نتيجة انخفاض إنتاج الحليب، حيث أوضح أحد الخبراء أن الخسائر قدرت بأكثر من 100 مليار ليرة سنوياً، وهذا بالطبع رقم ليس بهيِّن بل يعبِّر عن حجم خسائر ربما لم تكن بحسبان الاقتصاديين لدينا، مما جعلني أتساءل.. كيف هو حال إنتاج الحليب حالياً في سورية؟ وهل رقم الخسائر المذكور أعلاه تحقق فعلاً؟، وماذا عن الغش في مشتقات الحليب؟

جمعية مشتقات الحليب بدمشق: فقدنا أكثر من 60% من الثروة الحيوانية
رئيس جمعية مشتقات الحليب بدمشق وريفها عبد الرحمن الصعيدي أوضح في تصريحه لـ"الأزمنة"، أن إنتاج الحليب انخفض نتيجة نقص رؤوس الأبقار، لافتاً إلى أن أكثر من 60% من الثروة الحيوانية فقدت في دمشق وريفها، وأن منطقة المليحة كان يوجد فيها نحو 6 آلاف رأس بقر وفي دوما كان هناك نحو ألفي ورشة لصناعة الجبنة وجميعها أغلقت وهذا ما أثر على السوق.
وأشار إلى أن أعداد الأبقار في ريف دمشق أصبحت لا تذكر، حيث أصبحت دمشق وريفها تعتمد على ما يتم توريده وبشكل متقطع من حماة ومن درعا وبعض مناطق القلمون بريف دمشق، فلا يمكن الوصول إلى إحصاءات رسمية حالياً حول عدد الأبقار.
وأشار إلى أن الجمعية ردّت على كتاب وزارة التجارة الداخلية حول تسعير مشتقات الحليب من لبنة وجبنة وغيرها، مشيراً إلى أن تسعير هذه المواد صعب في ظل الظروف الحالية، مؤكداً على أن الظروف الحالية تعتبر قاهرة حيث يوجد الكثير من التكاليف التي لا يتم تسجيلها مثل عمليات النقل، فمثلاً عملية نقل 15 طناً من مادة القشقوان من دير الزور إلى دمشق تكلف التاجر نحو مليون ليرة.
وأشار إلى أن تراجع أسعار مشتقات الحليب حالياً في الأسواق المحلية، كونه يعتبر موسماً للمؤونة، لافتاً إلى أهمية تكامل الجهود من أجل إيجاد مناطق آمنة لدعمها بالثروة الحيوانية، مشيراً إلى أن استيراد الأبقار والذي تعمل عليه الحكومة يحتاج إلى مناطق آمنة وخاصة في الأرياف.

استيراد الحليب أمر مستحيل.. وقرار الاقتصاد لا يمكن تنفيذه
وعن قرار وزارة الاقتصاد القاضي بالسماح باستيراد الحليب الخام قال الصعيدي: "القرار مستحيل التنفيذ، فكيف لنا أن نستورد الحليب ومن أين، فالأردن كانت تستورد من سورية وكذلك لبنان ومن تركيا صعب الاستيراد، لأن الحليب مادة سريعة التلف ولا يمكن بقاؤها كثيراً في الطرقات"، لافتاً إلى أن سورية كانت تصدِّر مادة الحليب ومشتقاته لجميع الدول المجاورة لها سواء للبنان أو الأردن وغيرها من الدول العربية، مشيراً إلى أن استيراد حليب البودرة لم يتوقف وهذا بفضل الحكومة التي لم تقصِّر في توفير المواد الغذائية في الأسواق.

لا يوجد سبيداج في مادة اللبنة
وعن عمليات الغش التي تنتشر في الأسواق أكد رئيس جمعية مشتقات الحليب في دمشق وريفها أن ما أثير عن وضع مادة السبيداج ضمن اللبنة أمر عارٍ عن الصحة، فلم يتم ضبط أي بائع يقوم بذلك أو أي معمل، مؤكداً على أن عملية غش اللبنة تتم فقط عن طريف وضع النشاء والزبدة النباتية فيها، وهو ليس بغش لأنه ليس بمواد ضارة صحياً حيث أن هناك العديد من الدول العربية وغير العربية تصنع اللبنة من خلال إضافة بعض الدسم النباتي لها وتكون على شكل "كريمة"، لافتاً إلى أن ما يباع في الشوارع من لبنة بسعر 250 ليرة للكيلو هي ليست بضارة صحياً ولكن أصبحت تلائم دخل المواطن، الذي بدأ يبحث عن الأرخص في تأمين معيشته ومستلزماته الأساسية حيث أن سعر كيلو اللبنة النظامي يصل لنحو 550 ليرة.

مدير مشروع تطوير الثروة الحيوانية: البقر لا يهرب من سورية بل العكس
مدير مشروع تطوير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي محمد أيمن دبا أوضح في تصريحه لـ "الأزمنة"، إنه لا يعلم كيف تم حساب الرقم المذكور أعلاه حول خسائر الاقتصاد السوري نتيجة انخفاض إنتاج الحليب، مؤكداً على أنه لا يمكن ضمن الأزمة الحالية التي تمر على سورية، وضع رقم إحصائي عن عدد الثروة الحيوانية الخاصة بالأبقار، لافتاً إلى أن عدد رؤوس الأبقار في سورية يبلغ نحو مليون رأس وذلك وفق آخر إحصائية لها، مشيراً إلى أن حركة القطعان في سورية تبدلت كثيراً نتيجة الأحداث الراهنة، لافتاً إلى أنه لا يوجد أي رقم إحصائي عن الثروة الحيوانية في سورية خلال العام الحالي.
وأكد على أن هناك حركة دائمة ومستمرة للقطعان ضمن المحافظات السورية وذلك وفق الظروف التي تعيشها مناطق تواجد القطعان من حيث كونها آمنة أو غير ذلك، ولفت إلى أن هناك الكثير من الأقاويل التي تشير إلى تهريب الأبقار السورية لخارج سورية في حين إن هناك معلومات توضح أنه يجري العكس تماماً، حيث يتم تهريب الأبقار الأجنبية لداخل سورية، وذلك كون الأبقار الخارجية أرخص من الأبقار السورية، ومردودها أكبر حيث يصل سعر البقرة الأجنبية نحو 1200 يورو، في حين إن سعر البقرة السورية لا يتجاوز 500 ألف ليرة سورية.

إنتاج الحليب لم يتغيّر.. ومشكلتنا في التسويق
ولفت إلى أن إنتاج الحليب من الأبقار السورية لم يتغير على ما كان عليه قبل الأزمة السورية، ولكن المشكلة الحقيقية هي ليس في قلة كمية الحليب المنتجة ولكن في تسوق وتصنيع الحليب، وخاصة أن مادة الحليب تعتبر سريعة التلف، وتحتاج إلى شروط تخزينيّة معيّنة، وزادت الظروف الراهنة من صعوبة تسويق هذه المادة بين الأماكن المنتجة لها والأماكن التي تستهلك الحليب، فسعر كيلو الجبنة البلدية في السلمية يبلغ نحو 450 ليرة في حين إن سعرها في دمشق يصل إلى نحو 550 ـ 600 ليرة للكيلو، وهذا الفرق في الأسعار يجب أن لا يحدث ولكن نتيجة صعوبة تسويق المادة حدث هذا الفارق في الأسعار، فالحليب متواجد ولم تختلف كميات الإنتاج.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الحليب ضمن الأسواق المحلية جاء نتيجة قلة المعروض الناتج عن الأزمة الراهنة، مؤكداً على إنه نتيجة الظروف الراهنة فإن العديد من المربين قاموا بالاستغناء عن بعض رؤوس الأبقار ذات الإنتاجية الضعيفة وذلك من أجل سهولة التنقل بين المناطق والتخفيف من تكاليف التربية، في حين أبقوا على الرؤوس ذات الإنتاجية العالية من الحليب، مشيراً إلى أن هناك العديد من المناطق تحوي على الحليب وبشكل وفير مثل منطقة الغاب ولكن لا يوجد تصريف لهذه المادة لصعوبة تسويقه كما ذكرنا سابقاً.

غياب منظومة لتسويق الحليب ومشتقاته رفع الأسعار
ولفت إلى أن عدم وجود منظومة واحدة معنيّة بتسويق الحليب ومشتقاته أدى إلى العديد من مشكلات التسويق، لافتاً إلى أن تسويق الحليب ومشتقاته حالياً متشابك بين العديد من الوزارات ولا يوجد جهة واحدة تضبطه، مؤكداً على إنه في حال تم حل مشكلة التسويق فإن ذلك من شأنه أن يخفّض سعر الحليب إلى أقل من 100 ليرة للكيلو الواحد، مشيراً إلى أن هناك بعض مناطق ريف دمشق تبيع كيلو الحليب حالياً بنحو 120، منوهاً إلى أن وزارة الزراعة تعمل على مجموعة اتجاهات وإجراءات فورية بالإضافة إلى إجراءات متوسطة الأمد من أجل تطوير هذه الثروة وإيجاد الحلول المناسبة التي تعترضها من خلال ورش عمل سيتم تنظيمها.

اتحاد حرفيي دمشق: هكذا يتم غش مشتقات الحليب!
بالمقابل رئيس اتحاد حرفيي دمشق أوضح في تصريحه لـ "الأزمنة"، أن عدد قطعان الأبقار في دمشق وضواحيها يعتبر قليلاً؛ ولكن في ظل الظروف الراهنة التي تمر على سورية يعتبر جيداً، مشيراً إلى أن المشكلة الحقيقية في المناطق التي كانت تربي قطعان الأبقار متسائلاً: "هل حال القطيع ظلّ على ما هو عليه إلى الآن، أم لا؟".
وأشار إلى أن قلة مادة الحليب في الأسواق أدى إلى ارتفاع أسعارها، لافتاً إلى أن أسعار مشتقات الحليب بدأت بالانخفاض ضمن أسواق دمشق وريفها وذلك نتيجة تسرّب كميات من الحليب ومشتقاته من بوادي سورية إلى الأسواق، حيث أصبح سعر كيلو الجبنة البلدية نحو 525 ليرة في حين كان سعره نحو 800 ليرة سورية.
وأشار إلى أن الحليب ومشتقاته للأسف أصبح محطاً للغشاشين، حيث يتم خلط الحليب بالمياه والحليب الناشف غير الصحي أحياناً نتيجة انتهاء صلاحيته، بالإضافة إلى أن العديد من البائعين وخاصة البسطات التي تنتشر في الشوارع تقوم ببيع مشتقات الحليب وهي مغشوشة ومخلوطة بمواد غير صحية حيث يتم خلط اللبنة واللبن إما بالنشاء أو الأرز المطحون وقد يكون أيضاً مسوساً، بالإضافة إلى الحليب الناشف، مشيراً إلى أن فوق عملية الغش التي تمارس على المستهلك من قبل باعة البسطات وباعة محلات المفرق والجملة فإن الغش أيضاً طال الأوزان حيث يتم بيع المستهلك عبوة 800 غرام من اللبن على أنها كيلو وبنفس سعر الكيلو، مؤكداً على أهمية مكافحة ظاهرة البسطات التي تبيع المواد الغذائية في الطرقات دون أدنى شروط الصحة والسلامة للمستهلك.

ضرران لانخفاض إنتاج الحليب
بالطبع مشتقات الحليب تعتبر مواد ضرورية ضمن أسواقنا ولا يمكن الاستغناء عنها، وخسائر اقتصادنا الوطني فيها ليست بقليلة، وخاصة أننا كنّا نصدر هذه المشتقات إلى العديد من الأسواق الخارجية سواء من شركات القطاع العام أم الخاص، وحالياً فإنه نتيجة الظروف الراهنة ونفوق عدد ليس بقليل من قطعان الأبقار تضرر إنتاج الحليب وبالتالي ارتفعت أسعاره ولم تعد مشتقات الحليب تكفي لسد حاجة السوق المحلية، أي هناك ضرران الأول فقدان الأسواق الخارجية والتي كانت تجلب أرباحاً ليست بقليلة إلى اقتصادنا الوطني، وفقدان السوق المحلية التي أصبح العرض فيها من مشتقات الحليب قليلاً جداً، وبالتالي بدأنا نرى العجب العجاب عن أساليب الغش في الألبان والأجبان والحليب للأسف، ونتيجة لكل ذلك بدأ المستهلك يبحث عن الطريقة الأوفر في تلبية حاجاته اليومية من مشتقات الحليب، فلجأ إلى البسطات لشراء اللبنة والجبنة مع علمه بأن هذه اللبنة التي تباع على البسطات ليست بأصلية وأنها مخلوطة بالعديد من المواد الأخرى، إلا أنه رضي بها مرغماً لارتفاع أسعار اللبنة والجنبة الأصلية وغير المخلوطة.
وسعَت الحكومة في سبيل ذلك إلى إصدار العديد من القرارات منها ما يتعلق بالسماح باستيراد الحليب الخام، وعمل اتحاد غرف الزراعة أيضاً على استيراد الأبقار والعجول من أجل تربيتها، كما صرّحت محافظة دمشق مؤخراً بأن اللبنة التي تباع بـ 250 ليرة للكيلو لا تحتوي على مادة السبيداج، وأن الغش في الألبان يقتصر على خلطها بمواد غذائية أخرى مثل الزبدة والنشاء وهي غير ضارة صحية.
نأمل في نهاية العرض أن تتدخل الحكومة في سوق الحليب ومشتقاته لخفض أسعاره قدر الإمكان كونه مادة غذائية أساسية، وتعمل على إعادة الثروة الحيوانية التي كانت تتمتع بها سورية قبل الأزمة وأن تحافظ عليها، وتقدم التسهيلات اللازمة لاستيراد الأبقار السليمة التي من شأنها أن ترفع إنتاج الحليب وإنتاج الثروة الحيوانية في أسواقنا المحلية، كما نأمل من الجهات الرقابية أن لا تتهاون أبداً في حالات الغش التي تطال المواد الغذائية بشتى أنواعها.