السكن الحلم.. بين "العظم والإكساء".. والمشوار الصعب

السكن الحلم.. بين "العظم والإكساء".. والمشوار الصعب

الأزمنة

السبت، ١ مارس ٢٠١٤

زهير جبور
تحتاج الأعمال التي من المتوجب القيام بها وبشكل سريع لأعداد كبيرة جداً من الأيدي العاملة المختصة والفنية، لإعادة بناء ما تهدم بسبب الأزمة اللعينة التي ستخرج منها البلاد وهي في طريقها إلى هذا، وتشمل قطاعات كثيرة منها الاقتصاد. الزراعة. الثروة الحيوانية. وكل ما امتدت إليه آلة القتل والتدمير، وفي أمر البناء ما يحتاج لتخطيط وتوفر كبير للمواد الأولية. الإسمنت. الصحية بكامل تجهيزاتها. الأدوات الكهربائية. البلاط. وكل ما يمكن تسميته "الكسوة" وهو المصطلح المتعارف عليه في المكاتب العقارية، وهذه مفردة تعبر ببساطة لكن واقعها الميداني وتكلفتها الباهظة تجعلها أصعب مرحلة في الإنجاز، وهو ما يتعلق على الصعيد الفردي بالشباب الذين كانوا قبل الأزمة ومن بعدها يحلمون بالبيت على "العظم" وإن وصلوا إليه صُدموا في عملية الاستكمال التي قد تكون غائبة عن الذهن أمام توفر المبلغ لإنجاز "ملكية العظم"، وكثيرون ممن حققوها توقفوا عندها، أمام عدم توفر السيولة المالية، وبسببها تخبو الآمال، وتبدأ المعاناة من جديد، وهذا التفكير جعلنا نتجه إلى سوق الأدوات الصحية والكهربائية، وكل ما يتعلق بشأن البناء من حديد وإسمنت وغيرها، والقادم يتطلب كميات كبيرة جداً وستكون الأولوية لما نتج عن التخريب، ولا بد أن مثل هذا الأمر سوف يعيق من خططوا للبيت والزواج وتكوين الأسرة وغيرها.
   
الأدوات الصحية
تتميز سوق الأدوات الصحية بمكانة خاصة لدى المعنيين في شؤون حماية المستهلك ومراقبة أسعارها، وذلك نظراً للحاجة الدائمة لها، وهذا ما يجعلهم يتقربون منها ويتوددون لتجارها، وطبيعة استهلاك موادها لا تتوقف من صنبور ماء أو (دوش). أنابيب حفر وتكسير. وإلى ما هنالك، ويمكن أن نطرح مقارنة تشير إلى أهميتها القصوى، فالطبيب المختص وبدافع من نزعة إنسانية إن امتلكها يقلل من أجوره، وربما يقدمها مجانية دون مقابل، أما من يسمونه معلم صحية فيأخذ دوره التسلطي والحاجة إليه لا يمكن تأجيلها، والبعض ممن يعملون في المهنة يفتقدون إلى أدبياتها، ويُخضعونها للابتزاز في غياب الرقابة، والتحكم المزاجي، وحين كانت مستودعات تجار المفرق مليئة بالمواد مع بداية التلاعب بأسعار العملة الصعبة وخضوع السوق لارتفاعها، أخذت هذه المواد طريقها إلى التضاعف السعري المجنون، خلاط الماء الذي كان ثمنه /3000/ ل.س وصل إلى / 15000/ ل.س، المواد المصنعة من البلاستيك وصلت إلى سعر خيالي، والإسمنت بين الفقدان والسوق السوداء، جرى ذلك وما زال قائماً، ولا حماية للمواطن الذي يتعرض في كل الأسواق إلى مثل هذه الحالة بين السلعة والأخرى.
   
أدوات الطاقة
ضمن هذه الزحمة الخانقة وبين توفر المادة أو فقدانها المقصود واختفائها، عملت لجنة وزارية على تحرير أسعار السلع الكهربائية كما أطلق عليها، بغرض تحديد نسب أرباحها، وكانت هذه السوق قد شهدت ركوداً بسبب الغلاء الفاحش الذي حل بها حيث وصل سعر متر الشريط إلى 150 ل.س في حين كان سعره السابق /15/ ل.س، وهذا فجور حقيقي وليس تجارة منطقية، كما ارتفعت أسعار المدافئ الكهربائية عدة أضعاف عما كانت عليه، وتعتبر صناعة خفيفة محلية، أُتقن مظهرها الخارجي وأخذت أشكالها المختلفة، أمام تراجع الشراء استدرك تجار الجملة والمفرق ما ارتكبوه من خطأ فتراجعوا ليس تنفيذاً لقرارات اللجنة بل استرجاعاً لحركة السوق وللتقنين الكهربائي أثره البالغ عليها، وإلى الآن لم تعد الأسعار إلى طبيعتها.
   
القادم والرقابة
كما وضحنا سوف ندخل قريباً في مرحلة إعادة الإعمار، وأزمة البلاد في طريقها إلى الانحسار، وهو ما يتطلب جهوداً كبيرة، وزج طاقات، وتوفر مواد، وتشديد رقابة، والانتهاء التام من استغلال واحتكار، وبعد خروجنا من الامتحان الصعب بدروس قاسية تلقاها كل فرد سوري ليدرك من كانوا لا يدركون سابقاً ماذا يعني الفساد وإلى أي حال يوصل البلاد، ومن لم يسارع لنزع جذوره ينبغي أن يحارب كما حورب الإرهاب ومن يمارسه أو يتعامل معه خائن، وستكون الحاجة للإسمنت بكميات كبيرة جداً ربما لم يتم تقديرها العلمي إلى الآن، لكنها تقدر بحجم ما حل من دمار، وسوف يعتمد على الإنتاج المحلي والمستورد، ومن المحتمل غياب تشدد الرقابة وتطبيق القوانين وظهور طبقة من التجار الذي يخططون لاستغلال الفرصة والكسب بعيداً عن أية مسؤولية وطنية وأخلاقية، وسوف ينقضّون كما انقض من قبلهم تجار على مادة الإسمنت وجعلوها مادة في السوق السوداء، ولنذكّر أن مؤسسة عمران التي أنشئت مع بداية سبعينات القرن الماضي كان القصد منها تأمين مادة الإسمنت وإنقاذها والعمل على توفرها، والذي حصل هو العكس لأن عمران والذين عاصروها في حينه يذكرون جيداً كيف انخرطت في الفساد الإداري، وأصبح إغراء العمل في أحد مراكز البيع فيها يتساوى إلى حد ما مع مغريات التعيين في الجمارك، وكانت الشاحنات تعبأ في المركز لتخرج منه عدة أمتار لتستقبلها السوق السوداء، أمام أعين من يشرفون ويراقبون ويتقاضون، ومنهم من تشكلت لديه ثروات باهظة، وكان المواطن المحتاج للمادة فعلاً يخضع لعمليات روتينية تبدأ من إبراز دفتر العائلة ورخصة البناء والانتظار الطويل جداً حتى يحل دوره، وقد لا يحل، وعلمنا من مصادر عمرانية أنها ستنهض في السوق من جديد لتدخل النشاط التجاري على ضوء ما يحمله القادم، وسيتم التوسع في حركتها، وستقيم في اللاذقية مجمعاً تجارياً وسط المدينة يلبي كافة احتياجات البناء من المواد الصحية والكهربائية، وستتوسع في افتتاح مراكز الإسمنت، اعتماداً على المنتج الوطني الذي عُرف بجودته، وستدخل في السوق بقوة تنافسية، وفي حال تم ذلك فعلاً فإنها ستؤدي دورها الاقتصادي إذا ما أديرت بعقول نظيفة ووطنية تدرك مسؤوليتها فعلاً، وهذا يساهم في إنجاز عمليات البناء، ويخفف من صعوبة الحصول على المواد وبسعرها المنطقي اختصاراً للوقت الذي يستغرقه العمل حالياً بين العظم والكساء، وتسهيلاً لتحقيق الحلم المنشود في اقتناء البيت بمواصفات يمكن للفقراء وأصحاب الدخل المحدود تحقيقها وتوفر الراحة الاجتماعية والنفسية لقطاع واسع جداً من أبناء المجتمع الذين لا يفكرون حتماً ولا يجوز لهم أن يفكروا بأن تكون قبضات الأبواب من الذهب، و"جلاس التواليت" من المرمر، وثمة من باعوا أنفسهم للشيطان مقابل هذا التسطح الذي لا يعني شيئاً لمن يتفهمون إنسانيتهم، ولنسترجع في ذاكرتنا الأيام الجميلة جداً كيف كان الحمام وتسخين الماء على بابور الكاز والصب بالطاسة، والتطور لا يتحقق في المظاهر الكاذبة، ولا التقليد الأعمى، والمطلوب أن نتفهّم واقعنا ومجتمعنا ونسعى لتطوير الفكر في عمقه، وليس التسطيح بقشوره، وما نحتاجه إعادة لبناء الإنسان السوري الذي عرف بالوفاء والإخلاص، ونأمل أن يتحقق العمران النفسي والإسمنتي والحياتي بشكل عام.

ملاحظات
منذ أكثر من سنة ونصف شهدت أسواق اللاذقية تبدلات في طبيعة أعمال المحال التجارية وتغيير مواصفاتها، ولاحظنا نشاطاً في افتتاح بيع الأدوات الاستكمالية للأبنية. مواد صحية. كهربائية. وفي الأطراف مستودعات تخزين الإسمنت، ولهذا مدلولاته القادمة، وهم يفكرون في رواج العمل، وكان من المفترض أن نلحظ هذه التبدلات، وبالمقابل بدأت بعض المهن تأخذ طابع الورشات، وكثيرون ممن كانوا يعملون في التمديدات الصحية بطريقة إفرادية تحولوا إلى ورش لها إعلاناتها ووسائل الترويج، وثمة من عملوا على تأجير محالهم لإخوة وافدين من المحافظات الساخنة وبأسعار دون ضابط أو رقابة، وتدخل من الجهات المعنية على أن الأمر علاقة بين المؤجر والمستأجر، وهنا ينبغي أن ننوه إلى قانون اجتماعي وهو إدراج الاستغلال في مثل هذه الحالات كجريمة تعرض صاحبها للمسؤولية وإعادة إحياء روح التعاون، ونجدة الملهوف، وتقديم يد المساعدة، وترسيخ منطق الفكر السليم الذي نحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى.