معاناة المواطن بين توفر الدواء وفقدانه

معاناة المواطن بين توفر الدواء وفقدانه

الأزمنة

الأربعاء، ١٢ فبراير ٢٠١٤

زهير جبور
حقيقة الأمر أن المواطن يقع في حيرة وهو يستمع إلى تصريحات بعض المسؤولين في الحكومة المتعلقة بواقع الدواء وتوفره في الصيدليات، وضبط أسعاره تحت طائلة المسؤولية النقابية أو القضائية، وغيرها، وهو يواجه - أي المواطن الملتاع- صعوبات في تأمين الكثير من الأدوية وتلاعب الأسعار واحتكارها، ومثال ذلك أدوية السرطانات التي اختفت تماماً إلا في حال تدبير السعر المطلوب لإيجادها؛ وبعضها قفز من 25000 ليرة إلى 100000 ليرة والمشفى المخصص يقدمها مجاناً حال توفرها، وفي عدمه فعلى المريض استجلابها، وللإنصاف فإن مستشفيات القطاع العام تؤدي دورها المطلوب، وأثبتت في سنوات الأزمة المؤلمة التي تعيشها البلاد جدارتها ومصداقيتها، وهي تستقبل جميع الحالات دون استثناء حتى في الطوارئ الشديدة تحاول أن لا ترفض أحداً، وهذا ما وجدناه بمستشفى الأسد الجامعي، ونحن نتابع أحد المرضى منذ دخوله الإسعاف وإنقاذه من الجلطة القلبية حتى عملية التنظير، ومن بعدها خروجه، طلبوا دواء غير موجود عندهم لكنهم قدموا ما بوسعهم دون أي مقابل، وكانت أسّرتهم كاملة الإشغال، وكذلك الحال في المستشفى الوطني، وينبغي أن لا ننسى إسعافاتهم للجرحى في المناطق الساخنة، وهم ينطلقون تحت القصف لعملهم الإنساني، وبالمقابل ففي سوق الدواء من هم تجار أزمة لا تقل عفونتهم عن أولئك الذين يحتكرون غذاء المواطن وقد اخترقوا أدبيات المهنة وإنسانيتها وتحولت صيدلياتهم إلى مجرد حوانيت "سمانة" فيها الغش وانحلال الخلق، و بحال الإمساك بهم يحتجون مباشرة بالشركات المصنعة، وارتفاع أسعار المادة الأولية، وأنهم إن التزموا بالتسعيرة المقررة فمن الأفضل أن يغلقوا ولا يعملوا، وثمة صيادلة احتفظوا بقدسية مهنتهم وهم يصارحون المواطن ويتجنبون استغلاله، لكن الشريحة الأولى هي الأكثر انتشاراً ويا للعار.
   
فماذا يجري؟
الذي يجري فعلاً حسب مصادر الصيادلة أن أدوية كثيرة جداً مفقودة خاصة المتعلقة بالأمراض المزمنة ضغط. سكري. مميعات دم. ومنها أسبرين الأطفال الغائب منذ مدة طويلة عن السوق، وأسباب ذلك تعود لمعامل توقفت عن العمل، أو هدمت، والشركة الأهم (آسيا) توقفت عن الإنتاج كلياً، وكانت تغطي نسبة لا بأس بها من تلك الأدوية، وبقرار من الحكومة ارتفع سعر الدواء حسب نسب تم إقرارها تبدأ بسعر 120 ل.س يضاف إليها 50% ومن سعر 121 ل.س وما فوق 25%، بعد دراسة المواد الأولية وغلائها وسعر العملة الصعبة، وهو المطلب الذي جاء من جهات التصنيع تجنباً للخسارة والعجز عن الربح، وتحقق ذلك على حساب المواطن الفقير الذي كان يشعر بالطمأنينة وهو يتعامل مع الدواء بسعر يتناسب ودخله، وقبل الأزمة اللعينة كنا في سورية نُحسد على هذا خاصة إذا ما قورن بسعره في الدول المجاورة، وبمواصفات عالمية، يظهر تأثير شفائها على المعالج، وهو ما نفتقر إليه اليوم، فـ"السّعلة تبقى سعلة" مع العلاج ولا تتراجع، والحرارة تحافظ على ارتفاعها دون فائدة تذكر، لأن الدواء المخصص لها فقد الكثير من مواصفاته، وربما تم الاعتماد على إيهام المريض أنه قد أخذ الدواء والباقي على رب العباد، ألم نكن قدريين منذ وجودنا، والعلم المزود بطاقة الضمير لم يقرع أبوابنا، وهؤلاء (سكاجة) الصيادلة الذين يفرغون علب الدواء من حافظاتها ويبيعونها مفرقة دون نشرة تعليمات مرفقة، أو تحديد مدة الصلاحية، ودون تقيد بسعر، وبعضهم يجيب ( خود هالكام ظرف إذا بحثت في كل سورية لن تجده إلا عندي)  وكأنه الوكيل الحصري للجهة المنتجة، وبالمقابل المبيعات لا تخضع لرقابة النقابة، والصيدلي الذي يحترم مهنته لا يقول لطالب الدواء بعد تاريخ مدة الصلاحية يمكن استعماله لعدة أشهر أخرى، وهذا منطق يتجرد من الإنسانية والأخلاق وقيم المهنة، ويعرض حياة الناس للخطر.
   
أما في التصنيع
فثمة من يمارس دوراً لا يليق بمكانته الصناعية، يصل بعض الدواء دون علب كرتونية تحفظه بحجة أن معمل الكرتون مغلق، أو أن المادة بحد ذاتها مفقودة، وإحدى الشركات كانت تصنع معجون الأسنان وتوزعه على شكل عبوة صغيرة بسعر 200 ل.س وأخرى كبيرة بسعر 400 ل.س ، اختفى المعجون لعدة أشهر ثم عاد من جديد بسعر 450 ل.س للعبوة الصغيرة وألغيت الكبيرة تماماً، يقال إنهم حافظوا على فعالية المواد المصنعة كي لا يضرب إنتاجهم لكن هذا لا يبرر أن يحل سعر الصغيرة مكان الكبيرة بكل بساطة وكأن شيئاً لم يكن، وتفاصيل أخرى من هذه القضايا التي تشغل الناس المحتاجين، وتلقينا شكاوي كثيرة خاصة وأن من باسمهم شهادة ممارسة المهنة يتركونها لغيرهم، أو لمن يحل مكانهم ولا علاقة له إلا من خلال صلته بالصيدلي الذي غالباً ما يتفرغ لعمل آخر.
   
مشاكل الصيادلة
الذين قابلناهم من الصيادلة نقلوا لنا مشكلتهم الأهم وهي في توفر الدواء ووصوله وغير ذلك مع ملاحظة أن ارتفاع أسعاره جاءت غير منسجمة مع الشركات المنتجة التي لا تتساوى أرباحها مع مخططاتها الاقتصادية على ضوء أسعار المواد الأولية ومرتبات الخبرة، واليد العاملة، وما تكبدته من خسائر في تدمير المنشآت، أو توقف العمل، وفي موضوع آخر أن على الزملاء الصيادلة احترام القانون والتقيد في جدول المناوبات، وفي اللاذقية صيدليات بمواقعها تستقبل الوصفات الطبية أضعاف ما يتاح لغيرها، وفي حال فوضى المناوبة فهناك ظلم حقيقي مع عدم مراعاة الأماكن والاكتظاظ وعمليات تهريب الدواء من الخارج، وفي اللاذقية على الصيدلي أن يسدد للنقابة من 26000 إلى 34000 ل.س سنوياً، إضافة للمبالغ التي تدفع للزملاء المتوفين، وفي دمشق القسط السنوي 3000 ل.س، بسبب مجموعة الاستثمارات التي أنشأتها النقابة مثل صيدلية نقابة الصيادلة وغيرها، وهذه الأرباح تعوض عن القسط السنوي للصيدلي وفي اللاذقية لا وجود لأية استثمارات تذكر للنقابة.
   
إجراءات متخذة
لا بد أن الإجراءات التي اتُخذت حققت إلى حد ما توفر الدواء برغم فقدان الكثير منه، وفي ظل هذه الظروف من الطبيعي أن يقع مثل هذا خاصة وأن الأزمة عكست قيودها على جوانب الحياة السورية المختلفة، وجميعها انصبت على كاهل المواطن ودخله وعوزه وفقره، ومن الملاحظ أن الدواء السوري الذي كنا نتفاخر بجودة صناعته قد ظُلم كثيراً على حساب الأجنبي خاصة في فوارق الأسعار، ولا ننسى أننا في ظل الاستقرار القديم كنا نصل إليه بسهولة ويسر، اختلف الأمر الآن والمشكلة قائمة والاهتمام من قبل الحكومة متواجد بقوة حسب التصريحات لكن ماذا يمكن أن يكون الحال؟ هو الحال الذي نعيشه وإلى حين تغييره ستبقى المعاناة قائمة كغيرها وهي ليست الوحيدة.