التحدي التقاني للصناعة السورية.. عقوبات مستمرة منذ عقود ودعوات تحتاج إلى وسائل تنفيذ!!

التحدي التقاني للصناعة السورية.. عقوبات مستمرة منذ عقود ودعوات تحتاج إلى وسائل تنفيذ!!

الأزمنة

الخميس، ٦ فبراير ٢٠١٤

الأزمنة| أحمد سليمان
Ahmadsulyman@gmail.com
إذا كان التحدي التقاني قد واجه الصناعة الوطنية بشكل عام والقطاع العام منها على وجه الخصوص خلال العقود الماضية بحكم العقوبات الاقتصادية التي ألِفَت الدول الغربية ممارستها ضد سورية، ليس في ظل الأزمة؛ بل يعود ذلك إلى ثمانينات القرن الماضي ما جعل منشآتها وآلاتها وخطوط إنتاجها تعاني تخلفاً تقانياً أثّر على تنافسية المنشآت الصناعية وعلى منتجاتها أيضاً.
 
تحت حدود الأمل
ورغم الانفتاح الاقتصادي الذي أبدته الحكومة والدولة السورية منذ تسعينات القرن الماضي بفتح أبواب الاستثمار للقطاع الخاص ودخوله للاستثمار في قطاعات مختلفة ومنها الصناعة؛ إلا أن هذا لم يلامس في البداية قطاع الصناعة بالقدر الذي كان يؤمل منه، بل دخل إلى القطاعات الخدمية مع دخول خجول للاستثمار إلى بعض الصناعات الخفيفة والتي لا تحتاج إلى تقانات متطورة، ولم تلج منشآت الصناعات التقليدية السورية التقانات الحديثة التي كانت تحتاجها لتطوير آلاتها وخطوط إنتاجها بالقدر الذي يرفع من قدرة القطاع العام التنافسية مقابل المنتجات الأخرى وبخاصة منتجات القطاع الخاص التي بدأت تدخل السوق المحلية أو المنتجات المستوردة التي دخلت السوق فيما بعد وخاصة بعد تحرير التجارة الخارجية ودخول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى حيز التنفيذ؛ والتي ساهمت بدخول منتجات الدول العربية والتي تحقق قيمة مضافة لا تتجاوز 40 بالمئة في بلدانها المصنعة ما جعل السوق المحلية تغص بهذه المنتجات في حين منتجاتها الصناعية لم تستطع المنافسة.
ورغم كل المرونة التي أبدتها الحكومة السورية في سنوات ما قبل الأزمة بالموضوع الاقتصادي وتحرير التجارة الداخلية وعقد اتفاقيات تجارة خارجية مع دول أخرى إلا أنها لم تستطع إدخال التقانات المتطورة وخاصة الأوروبية والغربية في سنوات ما قبل الأزمة وظل الحصار والعقوبات الاقتصادية تحت عناوين الخوف من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على من يتعامل مع الشركات السورية وبخاصة القطاع العام؛ هي ما تتلطى تحته الشركات الأوروبية لتبقى شركات القطاع العام على حالها منذ سنوات تأسيسها والتي استعان بعضها بالشركات الأوروبية لاستيراد آلات وخطوط الإنتاج ما جعل أمر تحديثها مرهوناً برفع العقوبات الأمريكية آنذاك..
والآن وفي ظل الأزمة الممتدة منذ سنوات والتي يعاني ويتألم منها كلّ السوريين والتي لا يعلم أحد متى تنتهي وكيف تنتهي، فإن هذه الدول أول ما فعلته هو توسيع العقوبات التي كانت مفروضة سابقاً تحت لافتات وشعارات لا تقنع أحداً إلا من اشترك في توسيع هذه الأزمة وتورط ولم يعد يريد أن يفهم ويقتنع أن هذه الدول تتآمر على هذا البلد/ الدولة والشعب والحكومة بهدف كسر شوكته؛ ومن ضمنها هذه العقوبات التي تهدف إلى ثني سورية عن مواقفها بعد تدمير مقدراتها ما يجعل موضوع رفع العقوبات مؤجلاً إلى سنوات قد تطول أو تقصر وبالتالي الاستعانة بالتقانات الغربية.

اختلاف.. ولكن!!
ويختلف الواقع التقاني في الصناعة السورية بين القطاع العام والقطاع الخاص حيث تبدو التقانات في القطاع العام متقادمة على الرغم من بعض التحديثات التي طرأت عليها في السنوات العشر الماضية في فرعي النسيج والهندسية حيث تعتمد التقانات الحالية في القطاع العام بشكل رئيسي على كثافة اليد العاملة في حين تقانات القطاع الخاص وخاصة في الشركات المتوسطة التي تضم أكثر من 50 عاملاً فلديها تقانات حديثة مؤتمتة لا تعتمد بشكل كبير على المهارات الخاصة واليد العاملة المدربة وإنما على اليد العاملة الأكثر تعليماً ويبقى القطاع الحرفي وفي جميع فروع الصناعة بدائياً ويستخدم تقانات متقادمة وآلات ذات كفاءة متدنية.
 وكما ذكرنا سابقاً؛ أحدثت التقانة القائمة حالياً في سورية في النصف الثاني من العقد السابع من القرن الماضي وكان معظمها مفتاحاً باليد لصالح القطاع العام تنفيذاً لسياسة إحلال الواردات ضمن رؤية غير مكتملة لعملية نقل التقانة والتي اعتمدت على شراء الآلات والتجهيزات وتدريب العاملين على تشغيلها وتقديم منتجات مشابهة للمنتجات التي كانت سورية تستوردها مع الاعتماد بقدر الإمكان على المواد والموارد المحلية ما جعل قضايا أساسية مهملة كعملية نقل التقانة وتوطينها كما تقول إحدى الدراسات الموضوعة في هذا المجال والتي أشارت إلى ضعف القدرة على تطوير التقانات المنقولة وعدم وجود تكامل تقاني بين مكونات التقانة الواحدة أو التقانات الوطنية الأخرى ما أدى منذ بداية تسعينات القرن الماضي إلى توقف عدد من المعامل بشكل كامل أو جزئي لعدم القدرة على صيانة أو تطوير خطوط الإنتاج القائمة وفقدان القدرة التنافسية بسبب تقادم التقانة وعدم القدرة على تطويرها وغياب الإدارة الاستراتيجية للتقانة وخاصة في مجال إدارة الأفراد وإدارة الجودة.

خروج عن السيطرة
وفي بداية الألفية الثالثة بدأ القطاع الخاص الصناعي السوري يفقد قدرته التنافسية أيضاً بسبب فقدان ميزة الحماية الوطنية حيث بدا في السنوات الخمس الماضية أنه غير قادر على المتابعة باستثناء بعض الحالات وبسبب ما يتمتع به من مرونة وسهولة اتخاذ القرار ورشاقة اليد العاملة لديه، فاتجه إلى التجارة واستيراد المواد التي كان يصنعها أو إلى الاستثمار الأجنبي المباشر لتعود الصناعة السورية مرة أخرى إلى الركود ولم تعد السياسات الإصلاحية التقليدية المتبعة قادرة على تحريكه.
أما القضية الكامنة والقاتلة أحياناً وغير المنظورة في الواقع التقاني للصناعة السورية فهي عدم وجود علاقة ذات مغزى بين الصناعة ومنظومة العلم والتقانة السورية وعلى جميع المستويات؛ فلا الصناعة ولدت منظومة علم وتقانة خاصة بها قادرة على تطويرها أو حل مشاكلها، ولا أثّرت الصناعة بمنظومة العلم والتقانة وعدلت مناهجها وقدرات العاملين بها بما يخدم الصناعة ويساعد على تطويرها، ولا قامت عملية نقل التقانة في مرحلتي السبعينات "القطاع العام" والتسعينات "القطاع الخاص" على أسس صحيحة ومتكاملة.
 
لا دعم للرأسمال الفكري
وتظهر دراسات أن الصناعة لم تدعم الرأسمال الفكري الوطني ليتطور ويخدمها ولا الرأسمال الفكري الوطني بيّن قدراته على خدمة الصناعة السورية.. وعلى الرغم من التوافق الشكلي أو القسري بين الصناعة ومنظومة العلم والتقانة في سورية الذي فرضته القرارات الحكومية، إلا أن هناك عدم توافق نوعي بين الطرفين ما أدى إلى انخفاض مستمر في المكوّن التكنولوجي في الصناعة ومستمر إلى سنوات؛ مع تخلف للمؤسسات الداعمة وضعف القدرة التنافسية إلى جانب إهمال مشاريع البحث والتطوير وتواضع البحث العلمي في الصناعة مع ضعف التمويل للصناعة وارتفاع تكاليفها ووجود قطاع صناعي متعثر وانخفاض إنتاجية العامل ونقص في مهارات التسويق الحديثة.
فديناميكية التغيير التقاني العالية والانتشار السريع للعولمة والضغوط المتنامية للانفتاح على العالم يتطلب بالضرورة اتخاذ خيار اقتصادي فاعل ينقل سورية من بلد مستهلك مستحق للمساعدات إلى بلد فاعل في اقتصاد المنطقة والعالم؛ ما يتطلب على المستوى الاستراتيجي تحديد الإمكانيات المادية والبشرية الفعلية لسورية ومسح السوق العالمية وتحديد الصناعات التي يمكن لسورية الاختراق بها وفتح الأبواب أمام الشركات العالمية المعنية للعمل بها وبناء القدرات والبنية التحتية اللازمة لعمل هذه الشركات وإصدار الأنظمة والقوانين اللازمة لعمل هذه الشركات ودون إعاقة ودون أن يمسّ ذلك بالسيادة الوطنية.
 
إعادة صياغة
هذه المتطلبات حسب هيئة البحث العلمي تستدعي إعادة صياغة السياسة الاقتصادية ومنظومة العلم والتقانة من خلال دمجها بالمنظومة العالمية وتغيير المناهج التعليمية والتدريبية بما يضمن تحقيق متطلبات عمل الشركات العالمية والمحلية وتوجيه معظم الطاقات الوطنية لبناء القدرات البشرية والبنية التحتية المتميزتين اللازمتين لعمل الشركات إلى جانب التفكير جدياً بالتعامل مع التقانات الجديدة كتقانة "النانو" في المواد الجديدة. تحويل الطاقة الشمسية، إلغاء القوانين والقرارات الاقتصادية المؤقتة والاستثنائية، وتقديم ضمانات وطنية بذلك، إلى جانب إدماج احتياجات الصناعة الحالية والمستقبلية بشقيها العام والخاص بالعملية التعليمية والتدريبية على كافة المستويات من خلال المناهج والتدريب العملي السنوي للطلاب والرسائل ومشاريع التخرج والإيفاد والتدريب الخارجي والتركيز في مشاريع التخرج على المشاكل العملية للصناعة ومتطلبات تطويرها.
 
إنفاق على البحث العلمي
وهناك قرار مجلس الوزراء بخصوص تخفيض نسبة 7 بالمئة من الأرباح الصافية كنفقات شخصية ما يتطلب إنفاقها على التدريب والبحث العلمي؛ إذ من الممكن فرض نسبة 3 بالمئة سنوياً للبحث والتطوير والعمل وتحويلها إلى صندوق مشترك بهذا الخصوص إذا لم تنفقها الشركات الصناعية خلال ثلاث سنوات كما هو في الأردن حيث أوصت الهيئة في ورقة بحث لها إلى تحويل غرف الصناعة والقطاع الخاص الدراسات والبحوث التي تلبي حاجة الصناعة الحالية والمستقبلية ووضع آلية ملموسة وفعالة للتطبيقات العملية والصناعية لنتائج وأبحاث المخترعين وحماية حقوقهم وإبلاء البحث العلمي معالجة المشاكل القائمة وحسن استغلال الموارد المتاحة وتحسين مردودها وترشيد استخدام المياه والطاقة، مع اعتماد حزمة متكاملة من الإجراءات والتدابير بهدف زيادة فعالية عملية التدريب والتأهيل لجهة اختيار موضوع التدريب والمتدربين وتمكينهم من تطبيق ما تدربوا عليه والمحافظة عليه والمحافظة عليهم وكذلك المدربين والإداريين المسؤولين عن العملية التدريبية ورفع مستوى خبراتهم ومناهج التدريب بشكل مستمر وإحداث الهيئة الموحدة للإشراف على التدريب المهني والتنسيق بين مختلف الجهات العامة العاملة في مجال البحث العلمي من أجل تعظيم الفوائد وترشيد الإنفاق والحد من الازدواجية والتكرار.
 
مراكز تخصصية
إن إقامة مراكز فنية تخصصية في القطاعات النسيجية والغذائية والهندسية والكيميائية بالمشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص يمكن أن تكون بمثابة مخابر معتمدة دولياً وتُولى التدريب والتأهيل الفني وتقديم المعلومات والدراسات الفنية والتسويقية وغيرها والاستفادة من فرص ومؤسسات العمل العربي المشترك لإجراء البحوث العلمية المتقدمة التي تحتاج إلى إمكانيات بشرية ومادية قد تعجز الدول العربية منفردة على تحمّلها، ومن فرص الاستثمار الخارجي وبرامج واتفاقيات التعاون الدولي الثنائية والمتعددة في تنفيذ خطط البحث والتطوير ونقل أساليب الإدارة والتسويق والبحث الحديثة بالإضافة إلى التركيز على بناء قدرات وكفاءة الأجهزة التي تتابع عملية البحث والتطوير والتعاون الدولي والإقليمي الخاص بذلك من أجل توفير أكثر قدر ممكن من التنسيق والتكامل في أنشطتها وتحقيق الاستفادة القصوى من تلك الأنشطة.