بعدما كشفت الأزمة عيوب الصناعة..إعادة تموضع شركات القطاع العام الصناعي مكانياً واقتصادياً في مرحلة إعادة الإعمار

بعدما كشفت الأزمة عيوب الصناعة..إعادة تموضع شركات القطاع العام الصناعي مكانياً واقتصادياً في مرحلة إعادة الإعمار

الأزمنة

الأربعاء، ٢٩ يناير ٢٠١٤

أحمد سليمان
كشفت الأزمة- التي نأمل أن تكون- في مراحلها النهائية وحتى السنوات التي ما قبلها عن خلل في التخطيط لإقامة العديد من الصناعات والتي لم تُثبت خلال سنوات ما قبل الأزمة قوة تنافسية بالقدر الذي كانت فيه صناعات القطاع الخاص تتطور وتأكل كعكة السوق التي كان لهذه الصناعات العامة الحصة الأكبر فيها.
هذه الصناعات التي كانت منتجاتها، عند تأسيسها وانطلاقتها، رائدة في السوق المحلية، ليس للفرص التسويقية التي كانت تستحوذ عليها فحسب، بل لقوة الدولة الاقتصادية وللقوانين الاقتصادية التي كانت سائدة آنذاك، والتي أتاحت لعقود حماية هذه الصناعات وتوفير تسويق لمنتجاتها، بحكم التوجهات الاقتصادية حينها، وسيطرة الدولة على كافة النشاطات الاقتصادية وغيرها، إلى جانب ما واجهته سورية في تلك السنوات من صعوبات في استيراد السلع نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها آنذاك، والتي تجددت الآن في ظل الأزمة الحالية تحت مبررات لبست ثوب الأزمة الحالية، واضطرارنا في ذلك الحين إلى الاعتماد على الذات لتوفير احتياجات المواطنين من السلع والمنتجات الصناعية.

منافسة؛ ولكن..
وبحكم هذه العقوبات من جانب والتي لم توفر مجالاً لتجديد آلات وخطوط هذه المعامل مع ما سببته من صعوبات في استيرادها وآلاتها، إلى جانب القرارات والقوانين التي صدرت وقيّدت عمل القطاع العام ومنها منشآت القطاع العام الصناعي، ما دفع إلى جانب صدور قانون الاستثمار في تسعينيات القرن الماضي، والذي كانت نتيجته دخول استثمارات القطاع الخاص إلى العديد من القطاعات ومنها القطاع الصناعي، الذي نافست منتجاته بشراسة منتجات القطاع العام التي كانت منهكة تنافسياً، في حين دخلت السوق منتجات القطاع الخاص المثيلة لمنتجات القطاع العام بأسعار منافسة و"أمبالاجات" لافتة وقدرة تسويقية عالية من الترويج والضخ الإعلاني، رغم أن منتجاتها لم تكن بالجودة والمواصفة التي تتمتع بها منتجات القطاع العام.
ولكن ومع فصول الأزمة والحرب التي تشن على سورية وفي أرضها وما تضمنته هذه الحرب من استهداف لمكونات الدولة وللمنشآت الخاصة والعامة ومنها منشآت القطاع العام الصناعي بشكل ممنهج ما جعل هذه الأزمة تكشف عن عيوب أخرى.
وقبل أن ندخل في العيوب لابد من ذكر أن عدد الشركات التي توقفت بفعل الأزمة وما قبلها وصل إلى 48 شركة وبلغت قيمة الأضرار التي لحقت بها إلى أكثر من 137 مليار ليرة ما تطلب من إدارات المؤسسات ونظراً لحجم الدمار الذي لحق بالشركات وخاصة التي لم تكن منتجاتها ذات تنافسية عالية وتعاني من مشكلات في الإنتاج والتسويق إعادة النظر في العديد من نشاطات شركاتها والتي لم يعد القطاع العام القادر على الإنتاج بالمواصفات المتغيرة ولا تسويقها ودعم النشاطات الأخرى.

تصفية الألبان
ففي القطاع الغذائي تتوجه الوزارة في مجال نشاط الزيوت إلى تصفية معمل الليرمون، وشركة زيوت حماة والعمل على تطوير معملي عين التل والنيرب وإقامة معمل لتصنيع زيت الزيتون في عفرين، ومتابعة العمل لتنفيذ اتفاقية إقامة شركة مشتركة لتعبئة وتكرير زيت الزيتون مع الجانب الفنزويلي في حين تتجه إلى تصفية معمل بيرة بردى وإعادة تأهيل معمل البيرة في حلب، وإقامة منشأة لإنتاج البيرة الكحولية وغير الكحولية في الساحل السوري وتصفية وحدة كونسروة الميادين وتطوير كونسروة دمشق وإدلب وإقامة مشاريع في السويداء والساحل السوري وتصفية معمل ألبان الشرق في حلب، وشركتي ألبان دمشق وحلب وإعداد دراسة جدوى اقتصادية لإقامة شركة متكاملة بدءاً من المبقرة إلى المنتج النهائي وكذلك تصفية شركة بسكويت غراوي وشركة معكرونة درعا وإعداد دراسات جدوى اقتصادية لتطوير صناعة المجففات ورفع الطاقة الإنتاجية للبرغل ،مشيرة إلى إعداد دراسات جدوى اقتصادية لإقامة معمل لتعبئة المياه في القنيطرة وإضافة منتجات جديدة كالمياه الغازية والمياه المنكهة ودراسة أخرى لإقامة معمل لإنتاج العصائر الطبيعية في الساحل السوري والسويداء. بينما وضعت الوزارة مقترحات خاصة بعمل قطاع النسيج منها تغيير النشاط الصناعي للشركات التي كانت متوقفة قبل الأزمة بأنشطة صناعية أخرى استراتيجية وتخصيص شركة حرير الدريكيش لإنتاج كونات الكرتون المستخدمة في لف الخيوط عليها وإنتاج أقمشة الجينز والبشكير في مصابغ حمص وإعادة تأهيل شركات الغزل والنسيج في حلب وفقاً لاستراتيجية صناعية حديثة تأخذ بالتكنولوجيا الحديثة أساساً في عملها وإعادة تأهيل وتطوير شركات النسيج بسبب التقادم التكنولوجي في خطوط الإنتاج.

إعادة تأهيل بالجملة
  كما تم وضع مقترحات خاصة بعمل القطاع الهندسي مثل شركة بردى للصناعات المعدنية التي يتم إعداد دراسة جدوى لإعادة تأهيلها واستقدام تكنولوجيا جديدة لإنتاج البرادات والغسالات وأفران الغاز وخاصة أن آلاتها سُرقت بالكامل، في حين يمكن توطين صناعة بديلة في شركة الكبريت حيث يتم الدراسة حالياً لإقامة معمل لتصنيع أسطوانات الغاز مع شركة إيرانية وتطوير العملية التصنيعية في شركة كنار باستقدام تكنولوجيا حديثة وإدخال منتجات جديدة، والعمل على صناعة البطاريات الجافة والمغلقة وفقاً لاحتياجات السوق، وإعداد دراسة جدوى لإعادة تأهيل شركة تصنيع وتوزيع الآليات الزراعية، واستبدال نشاط الشركة العامة لصناعة الأخشاب في اللاذقية وتوطين صناعة جديدة، في حين تقرح الوزارة متابعة إجراءات تأسيس الشركة المشتركة السورية – البيلاروسية لتجميع الشاحنات ومتابعة العمل لإقامة خط لإنتاج أبراج التوتر العالي في شركة الإنشاءات المعدنية بالمشاركة مع وزارة الكهرباء وشركة أوكرانية، كما ويمكن العمل على إقامة خط لإنتاج المراجل ذات الاستطاعات العالية بالتعاون مع الشركة الأوكرانية المذكورة، وتصنيع الصهاريج والقلابات، والعمل على تطوير صناعة العدادات الكهربائية والإلكترونية في شركة سيرونيكس لاستخدامات مختلفة حيث تجرى الآن مباحثات مع شركات أوكرانية وإيرانية لإقامة هذا المشروع، مع تطوير معمل القضبان في الشركة العامة للمنتجات الحديدية في حماة أو إقامة معمل قضبان جديد بكلفة تقديرية بعد إقلاع معمل الصهر في الشركة؛ الذي يجري تحديثه بالتعاون مع شركة أبولو الهندية، وإعادة تأهيل وتطوير معمل الباسل للمطروقات الفولاذية لتلبية احتياجات مركز الدراسات والبحوث العلمية بالمشاركة مع شركة أوكرانية أبدت رغبتها بعملية التطوير.
وفيما يتعلق بقطاع السكر يتم العمل كما بينت الوزارة على رفع الطاقات الاستيعابية لمعامل تصنيع السكر وتخفيض كلف الإنتاج في هذه الصناعة من خلال الاستفادة من التكاليف الثابتة المدفوعة خلال العام بإدخال النشاط التكريري على هذه الخطوط، مشيرة إلى إجراء دراسة جدوى اقتصادية لإقامة معمل لتصنيع الخميرة في إحدى المحافظات الشرقية والساحل السوري نظراً لوجود معملين لتصنيع السكر من الشوندر وبالتالي توفر المادة الأولية اللازمة لتصنيع الخميرة(الميلاس).

30 مليون طن سنوياً
أما قطاع الإسمنت الذي قدرت الوزارة أنه سيشهد طلباً متزايداً في مرحلة إعادة الإعمار؛ حيث إنه من المتوقع أن يصل الطلب إلى /30/ مليون طن سنوياً فإنها بصدد إعادة تأهيله وتشغيل شركتي الرستن والعربية بإمكانيات ذاتية من قبل المؤسسة وضمن فترة حوالي ثلاثة أشهر وإعداد دراسة جدوى لإقامة خط حديث ومتطور في شركة الشهباء لتصنيع الإسمنت بطاقة إنتاجية عالية مع إعادة تأهيل شركة عدرا وتحديث بعض الأقسام؛ إلى جانب إقامة مجابل متنوعة ثابتة ومتحركة، ومعامل لتصنيع البلوك وبلاط الأرصفة وتحويل خطوط الإنتاج التي تعمل على الطريقة الرطبة باتجاه استخدام حوامل طاقة أقل كلفة.

خروج من البعض
وفيما يتعلق بعمل القطاع الكيميائي تنوي وزارة الصناعة إعادة تأهيل البنى التحتية والإعمار للشركة الطبية العربية / تاميكو وتجديد الآلات وخطوط الإنتاج والتركيز على إنتاج الأدوية النوعية فيها، وفتح فرع للشركة في السويداء وإقامة معمل للسيروم، وكذلك الشركة العامة للأسمدة وخاصة تأهيل معملي اليوريا والسماد الفوسفاتي وزيادة الطاقة الإنتاجية، كما يُدرس حالياً في الوزارة مشروع تصنيع السماد الفوسفاتي وذلك للاستفادة من القيم المضافة المحققة فيما لو تم تصنيع الفوسفات الخام بدلاً من تصديره، وأيضاً شركتا المطاط سار والشركة العامة لصناعة الزجاج بحلب والشركة العامة للدهانات التي يجري العمل على إعداد الدراسات اللازمة لتصنيع المواد الأولية، والشركة العامة لصناعة الأحذية:سيتم إعادة تأهيل معمل النبك بعد أن تمت استعادة جزء من الآلات المسروقة، أما معمل درعا فسيتم النظر بتغيير نشاطه بعد أن احترقت معظم آلاته لاسيما آلة الحقن الرئيسية. أما بشأن الشركة العامة للصناعات الزجاجية بدمشق؛ فيتم العمل على تشغيل فرن الزجاج المحجر ثم فرن السليكات والكرتون، وعند استقرار الوضع الأمني سيتم استقدام خبراء شركة ياهوا الصينية لمتابعة العمل في مشروع إنتاج الزجاج المسطح، والشركة العامة للإطارات التي تم مؤخراً توقيع مذكرة تفاهم لإعادة تأهيلها ودعمها بآلات جديدة لإنتاج إطارات ذات طلب عليها في السوق المحلية، والعمل على إعداد دراسة لإعادة تأهيل شركة بلاستيك حلب.

التوافق على برنامج وطني
وعَود على بدء، فالقطاع العام الصناعي من أهم القطاعات الاقتصادية المنتجة في الاقتصاد السوري وهو يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة في غاية الصعوبة والتعقيد تتفاعل فيها متغيرات ومستجدات عربية وإقليمية ودولية تتجلى بالانفتاح وتحرير الاستيراد وتقليص الحماية والدعم والبدء بالتحول الاقتصادي من جهة، والأزمة الحالية والصراع العالمي الذي تشهده سورية؛ ما أدى إلى تفاقم الضغوط التنافسية على منتجات القطاع العام الصناعي داخلياً وفي الأسواق التصديرية، لذلك من الضروري التوافق على برنـامج عمل وطنـي واضح وواقعي ومحدد لا يقبل التأويل يكون مسؤولية تشاركية بين جميع الأطراف تؤدي للنهوض بهذا القطاع ليلعب الدور المأمول منه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، باعتباره فرصة مهمة للاستثمار مقارنةً بقطاعات اقتصادية أخرى، كون قطاع الصناعة يتصف بالاستقرار مقارنةً بقطاع الزراعة الذي يتأثر بالتقلبات المناخية، وأيضاً من جهة قدرته على توليد القيمة المضافة العاليـة.