مشكلة السكن وانعكاسها على المجتمع

مشكلة السكن وانعكاسها على المجتمع

الأزمنة

الأحد، ٢٦ يناير ٢٠١٤

زهير جبور
الوقوف عند مشاكل الشباب؛ خاصة في هذه الظروف القاسية والأحداث المؤلمة التي تشهدها البلاد يتطلب الكثير من الدقة والتأمل والفهم وهم يواجهون ما لم تشهده أجيال سابقة، ويتحملون مسؤوليات ويضحون ببسالة، وقد ترفّعوا عن كل القضايا الأخرى، واختاروا طريقهم الوطني، لينضموا إلى القوى الوطنية دفاعاً واستشهاداً، وبذلك انتصروا على زيف الحياة ومغرياتها، وفضلوا قيمة الوطن فوق كل القيم الدنيوية. حسان. ومراد. ونعمان. أجلوا موضوع الخطبة وما بعده الزواج إلى حين الخلاص من الأزمة، وعودة الاستقرار والأمان، وكما عبّر حسان "عودة الحياة"، وكل انشغالنا الآن في الهم الوطني. يقول: ( بصراحة أنا غير متحمس لارتباط عائلي مجهول المصير) ترى كم مواطن سوري يطرح السؤال ذاته؟ إلى أين المصير؟ وهم يشاهدون وحوشاً تمشي على قدمين، وعقولاً تخلو من التفكير والإنسانية، تبعث دمارها فوق الأرض، وأيديها ترتكب الجريمة، وهكذا رفاقه الذين التقيناهم، ومنهم من توقف عن متابعة دراسته الجامعية والآخر الذي التحق بميدان القتال في المواقع الساخنة، ثم يعود ليتابع عمله بقيادة عربة عامة كي يعيل أفراد أسرته والأب العاجز وغير قادر على القيام بأي عمل، ونماذج أخرى كثيرة تحمل النبل الوطني، مقدرة ماذا يمكن أن يأخذ الحريق الهمجي في حال انتشاره وتوسّعه، وأيّ جحيم يحمله إلى كل فرد سوري والشباب هم الأمل في الحرب والسلم، في الرخاء والشدة.
      
مقابل ذلك
ثمة من مارس عكس الفعل الشبابي المقصود وجعل الأحداث المؤسفة فرصة للاستغلال والاحتكار والانتهاز الرخيص، بعيداً عن أي شعور وطني وإنساني، ودون تحكم للضمير وفي غيابه لا تحكم عليه، ومن هؤلاء التجار. السماسرة. الفاسدين في مواقعهم الرسمية والشعبية، ومن لا يعرفون الانتماء ولا الوفاء، وهم متواجدون في كل مكان، ولنكن أكثر واقعية في كل زمان أيضاً، وحين يطغى الشر في الذات البشرية على الخير فسوف تندفع إليه بقوة شيطانية لا تقدر ولا تميز، والأهم أنها تفقد كل شعور، واستغلال الفرص ظهر بوضوح تام عند بعض التجار الذين تلاعبوا بلقمة المواطن الفقير. المحتاج. المقهور. المضحي. والذي أثبت أنه أكثر وفاء، ومن بينهم تجار البناء وهؤلاء أعلنوا لافتتهم الكبيرة جداً غلاء أسعار مواد البناء، وجعلوا منها خطة استغلالية لرفع الأسعار بشكل جنوني، وعلى سبيل المثال فإن المتر الواحد الذي يباع على أطراف المدينة وأقيم دون طابو أخضر فيه، وصل سعره اليوم إلى /25000/ ل.س، وقبل الأحداث كان بمبلغ/4000/ ل.س والمستغرب أن سعر أية مادة يبقى قابلاً للارتفاع في حال انخفاض العملة الصعبة، ولا يتراجع إن تراجع سعرها، وكأن مؤشره لا يقبل العد التنازلي بل إلى الصعود دائماً، وهذا بحسب مفهوم الجشع الذي يحملونه، والأنانية المفرطة المشبعة بها نفوسهم، وما جرى في منطقة (سقوبين) المخالفة في أحد أطراف المدينة الدليل الأكثر وضوحاً على وحشية هؤلاء، وخطورتها لا تقل عن خطورة الذين يحملون السلاح ويقتلون الأبرياء، وتعددت الأسباب والنتيجة واحدة، وعدوك المعلن يمكن أن تواجهه لكن العدو الأخطر والأفتك هو من يختبئ ويستغل الفرصة لينتفض وينهش، وقديماً تم تشبيهه بحية تحت التبن.
      
المشكلة مستمرة
هي مشكلة قديمة، وموضوع الربح في العقارات والبيوت شغل المجتمع السوري، وحقق التجار من خلاله أرباحاً خيالية، وتم تحديد المواقع حسب جغرافيتها وإطلالتها، وقربها وبعدها، وإمكانية تخديمها أو صعوبة ذلك، والعكس تماماً، وكنّا في السابق نراقب أعمال أصحاب النفوذ السلطوي وهم يختارون قمم الجبال والهضاب ليقيموا قصورهم، وخلال مدة وجيزة جداً تُخدّم بكل ما يلزم، وهي في الغالب تقام لقضاء عدة أيام محدودة أيام الصيف ثم تُغلق أو تترك للحراسة حتى الصيف القادم، يقابلها في الطرف الآخر غرفة أو أكثر لشاب اقتطع من أرض ورثها عن المرحوم ومن قبله تبقى مهملة دون أية خدمة تذكر، وكان السؤال دائماً لماذا الحال هناك يختلف عن الحال هنا؟
حدّثني أحمد.. أنه بنى غرفة إضافية في بيت الأسرة القديم وجعلها من الإسمنت في إحدى القرى لتعتبر مخالفة، وهي تقع في مكان لا علاقة له بالمخالفات، ويتطلب الأمر الترخيص النظامي، في حين أن أبراجاً مخالفة أقيمت في أحياء (الدعتور) (سقوبين) (كرسانا) (القنجرة) ولم تلتفت إليها الجهات المعنية أو تنفذ القرارات الصادرة بكل حزمها وشدتها، وما تزال هذه المخالفات مستمرة، ومشكلتها أن من يصل إلى المكان المناسب ويقدم اللازم يمكنه فعل ما يريد.. ومن لا يصل لن يصل.. وفي حال فقدان المواد المطلوبة نجدها متوفرة وبغزارة عند الواصلين، أما غيرهم فلن يتمكنوا من الحصول على (البرغي).. هو الفساد الذي جعل من مشاكل البناء وارتفاع أسعاره بجنون على هذا الحال الذي نحن عليه، وسوق البناء لا رقابة عليه، والأسعار ترتفع كما يريد التاجر وليس كما ينص القانون.
      
الحركة العمرانية
وحقيقة الأمر أن المتابع لمشاريع حركة البناء في اللاذقية يجدها نشطة ودائمة في كل الظروف دون توقف، والأحداث المؤسفة لم تؤثر عليها إلا في بعض المواقع الساخنة البعيدة عن مركز المدينة وهي غالباً للاصطياف والسياحة وليست للسكن، وازدهر نشاطها مع زيادة أعداد القادمين سابقاً من دول الخليج وتملّكهم، وغيرها من المتاجرات، ووصلت هذه إلى درجة بناء (الفيلا) فوق أملاك الدولة، أما ما يخص الاتحاد التعاوني السكني وجمعياته فالعمل متوقف منذ عدة سنوات لأسباب عدم توزيع الأراضي في انتظار المخطط التنظيمي الذي تعثّر صدوره وحلّت أزمة ارتفاع أسعار مواد البناء لتضيف إلى الجمود ما يجمّده أكثر، وظهرت فروق الأسعار. وارتفاع ثمن الأراضي. ومشاريع سكن الشباب تواجه هي الأخرى صعوبات وعراقيل، وفي هذا المحيط الواسع تبرز مشاريع القطاع الخاص نشطة. متقافزة. متحفزة لأي طارئ. مستعدة للارتفاع دون الانخفاض. قاطعة لأشجار الحمضيات والزيتون. محولة إياها إلى كتل من إسمنت. متسارعة بين هنا وهناك، وجاء الإخوة الوافدون من المحافظات الساخنة ليزيدوا من نشاطهم ويسرعوا في إنجاز أعمالهم، ولا بأس أن يستأجر الهيكل دون غطاء للنوافذ، والمشمع المطري يلبي الغرض مقابل مبلغ من المال يفرضه الظالم إذا ما جعلته الإنسانية ونادراً ما يحدث ذلك مع التجار يشعر بمدى ظلمه وقسوته وهو العيب بكل ما يعنيه تماماً، وأمثال هؤلاء يتحكمون بالسوق العقارية، ويسيِّرونها كما يرغبون بعيداً عن أي قانون أو نظام رسمي أو أخلاقي واجتماعي.
      
آفاق المستقبل
من التقيناهم حول موضوع السكن والشباب والتطلع إلى القادم حمل بعضهم الأمل في المستقبل، وجميعهم طرحوا همّ الوطن كقضية أولى، وانتصاره يعني الجميع دون استثناء، ومنهم من ترك بيت الزوجية دون أن ينهي الأعمال فيه ويستكملها إلى حين الانتصار وعودة الحياة، ومنهم من عليه أن يسدد القرض العقاري والبالغ /11000/ ل.س شهرياً من راتب مقداره بحدود /20000/ ل.س وبناء عليه فهو لا يتمكن من أن يخطو خطوة واحدة في اتجاه تحمل مسؤولية إضافية وفيما هو الآن لا يمكن التفكير باستئجار غرفة واحدة دون المستلزمات الأخرى، لأنها تطرح في مزاد غير معلن من يدفع أكثر يحصل عليها، وهكذا هو الحال القائم. يتحمّلون المعاناة من أجل القضية الأكبر والأهم، وبعد الانتصار القادم والذي يؤكدون عليه ينبغي أن يرتدي الوطن بكامله حلّته الجديدة والتي دفع من أجلها الدم الغالي، وأول عمل في المستقبل القريب إعادة بناء كل شيء دون استثناء، وعلى رأسها محاربة الفساد والفاسدين ومن استغلوا واحتكروا وانتهزوا، ويجب الاستفادة التامة من الدروس الصعبة التي حصلنا عليها من الأحداث المؤلمة.. نعم هم ينتظرون القادم وعودة الحياة إلى طبيعتها حيث سورية المتجددة. الناهضة . المنتصرة.