مع دخولنا أبواب الحل السياسي..هل نستفيد من منتجات العقل السوري؟ ملايين الاختراعات لم تُستثمر ورأس المال الشجاع كان مفقوداً!!

مع دخولنا أبواب الحل السياسي..هل نستفيد من منتجات العقل السوري؟ ملايين الاختراعات لم تُستثمر ورأس المال الشجاع كان مفقوداً!!

الأزمنة

الخميس، ٢٣ يناير ٢٠١٤

أحمد سليمان
Ahmadsulyman@gmail.com
ربما مرّ خبر تسجيل نحو ملايين الاختراعات السورية لدى مديرية حماية الملكية مرور الكرام على كثير من وسائل الإعلام ولم يتم التعامل معه أكثر من خبر وعنوان أضيف إلى المواد والأنواع الإعلامية المنشورة في هذه الوسائل وفي أحسن الأحوال تم إبرازه كرقم لافت!!..
فهذا الرقم الذي أعلنت عنه مديرية حماية الملكية الفكرية والذي يصل إلى نحو 6 ملايين اختراع يدفعنا إلى طرح العديد من الأسئلة حول إنجازات السوريين في سنوات ما قبل الأزمة، ولم تستثمر بالشكل الأفضل، الذي كان قد دفع بالاقتصاد الوطني إلى تحقيق قيم مضافة أكثر مما حققه خلال السنوات السابقة، فيما لو توفر لهذه الاختراعات البيئة الحاضنة والتشجيع اللازم من قبل الحكومة من جانب، ومن قبل القطاع الخاص من جانب آخر.
 وقد يكون هذا الرقم عامّاً وكبيراً إذا ما تمّت مقارنته بعدد الاختراعات التي تنتجها عقول كثير من الدول المتقدمة أو بمقارنة عدد السكان والتطور الحضاري من جانب والتقني من جانب آخر والبيئة المشجعة لمثل هذه الاختراعات وتحويلها إلى خدمات أو سلع تضيف إلى ما هو متوفر ومنتج في هذه الدول الكثير ما يضاعف من قوة ومتانة وتفوق اقتصاديات هذه الدول.
ومع التشجيع الذي أقدمت عليه الدولة خلال السنوات الماضي لمثل هذه النشاطات من خلال إقامة معرض سنوي للاختراع والإبداع بهدف الترويج لهذه الاختراعات وجذب جهات القطاع الخاص وتشجيعها لتبنّي هذه الاختراعات إضافة إلى إتاحة الفرصة لتسجيلها في مديرية حماية الملكية الفكرية لضمان حقوق المخترعين، كل ذلك لم يحمل النتائج المرجوة من ذلك بغض النظر عن عدد الاختراعات ذات الجدوى الاقتصادية.
 وليكون من كل هذه الملايين من الاختراعات السورية بضعة آلاف فقط هي ذات جدوى اقتصادية، أين هي في سوقنا المحلية؟ أو حتى لم نسمع بها أو نستعملها ولم يُقْدم القطاع الخاص على استثمارها مع العلم أن الاستثمار في الاختراعات يعتبر من أكثر الاستثمارات الرابحة على المدى الطويل وخاصة عندما يوجد اختراع ما لحل مشكلة في أيٍّ من القطاعات الاقتصادية والخدمية على حد سواء، أو كبديل لسلع أو خدمات لن تعدّ ملائمة في ظل ارتفاع تكاليف إنتاجها أو لتوفير الوقت والجهد اللازمين لإنتاجها بالطرق التقليدية أو لاستعمالها؟..
فمقولة رأس المال جبان في الأدبيات الاقتصادية تنطبق على رؤوس الأموال السورية خلال السنوات الماضية التي لم تدخل بالمعنى الحقيقي إلى هذا القطاع ولم تستثمر بما ينتجه عقل بني وطنهم وظلت رؤوس هذه الأموال تستهل دورة رأس المال القصيرة وخاصة ما يتعلق بالأعمال التجارية والتي لا تزيد مهما طالت هذه الدورة عن ستة أشهر إلى عام على أبعد تقدير، إلى جانب الاستثمار الصناعي والسياحي، والذي قد يحتاج إلى بضعة سنوات لإعادة رأس المال المستثمر، والبدء بجني الأرباح، مع أن هذا النوع من الاستثمارات طويل نسبياً، إلا أن حجم رأس المال هنا لا يبدو كبيراً، إذا ما تمت مقارنته برأس المال المستثمر في القطاع التجاري، لكن الاستثمار في منتجات العقل البشري (الاختراعات والابتكارات) قد لا تحتاج لإعادة رأس المال إلا بضعة سنوات أو تزيد أكثر وحسب الاختراع وجدواه الاقتصادية وتسويق منتجاته.

بيئة طاردة
يُجمع كثير من المخترعين على مشكلات واجهتهم، لدى تعاملهم مع من يُقْدم من القطاع الخاص على استثمار اختراعاتهم أو مع من يتفاوض معهم، هذا كله في سنوات ما قبل الأزمة والتي لم تكن فيها البيئة جاذبة بقدر ما هي طاردة.. إلا إنه وفي سنوات الأزمة التي وصلت إلى الثلاث تقريباً والتي طفا على وجهها أناس لا يتمتعون بقدر كاف من العلم والوعي ليتحكموا بمصير الناس بتمويل وتسليح من دول هي أقل الدول اهتماماً بالعلم والعلماء لتوجه هؤلاء الناس لاستهداف العقول والمخترعين السوريين بشكل مباشر عبر الاغتيال والقتل بحجج واهية ولأسباب لم يعقلها مجنون كما صوروها ووثقوها وبثوها على شبكة الإنترنت أو عبر وسائل الإعلام التي حاولت تضليل العقول وتوجيه الرأي العام بعكس المنطق والعقل لتبرير هذه الأفعال والوحشية والبربرية؛ والتي لم يشهد لها التاريح حتى خلال غزو المغول والتتار للمنطقة العربية في محاولة لتعمية الرأي العام، ولأهداف سياسية نتنة تتمثل بتفريغ البلاد ضمن استهداف أوسع له من العقول التي يمكن أن تسهم في تطوير هذا البلد إلى جانب سيطرة هؤلاء على بعض المناطق في البلاد وتهجير الناس منها واستهداف الناس ما دفع بهؤلاء المبدعين والمخترعين إلى هجرة هذه المناطق والبلاد بحثاً عن أماكن أكثر أمناً يمكن أن تكون بيئة حاضنة ومشجعة لإبداعاتهم وابتكاراتهم حيث تشهد المعارض الدولية فوز مخترعين سوريين بجوائز عديدة.

أين التميّز والقوة؟
خلال السنوات الماضية أي قبل الأزمة، حرصنا على تعزيز تواجدنا الاقتصادي وتمكنت قطاعات لا بأس بها من الصناعة المحلية ممن أثبت وجوده على النطاق المحلي وتمكنت من الدخول إلى بعض الأسواق الإقليمية والاستحواذ على جزء من كعكة تلك الأسواق منافسة هناك بطريقتين أولها الأسعار وثانيها المواصفات الخاصة لتلك المنتجات دون التأكيد على خصوصية المنتج السوري وتميزه، بل استطعنا بمنتجات تقليدية من الحضور القوي في تلك الأسواق بالاعتماد على الموردين وعلى قدرات مختلف الحلقات التجارية وتصريف منتجاتنا على عكس ما تفعله تلك المعامل في السوق المحلية من تأكيد حضور الكثير من منتجاتها وخاصة منتجات معاملنا الوطنية في القطاع الخاص؛ إذ لم يوفر القائمون على تلك المصانع وخاصة الكبيرة منها جهداً في العمل على تعزيز حضور تلك المنتجات وتكثيف الدعاية والإعلان وحملات التسويق التي تسلك مختلف الوسائل لتحقيق أهدافها؛ ولكن تلك المنافسة لم تخرج عن إطار منافسة المصانع الوطنية التي تنتج نفس المنتجات أي إنها تصب كل قواها التسويقية في معركة الجبهة الداخلية ضد المنتجات الوطنية الشقيقة ما أثر على قدرة المنشآت الصغيرة التي تعاني هي الأخرى من المنتجات المستوردة المنافسة، فالمنتجات المستوردة وماركاتها العالمية والتي دخلت السوق المحلية لتنافس المنتجات المحلية وماركاتها، أو دخول الشركات العالمية أو الأجنبية المعروفة لإقامة مصانعها في سورية وسعي العديد من رجال الأعمال إلى استقطاب هذه الشركات عبر الحصول على امتيازات تصنيع، ورغم أهميتها، كان الأجدى بأن تدفع هذه الأموال لشراء هذه الامتيازات أو الوكالات بدلاً من دفعها لاستثمار اختراعات وطنية أو تبنّي ماركات وطنية وصناعاتها والدعاية والترويج لها.

مشكلات بالجملة
وتشير جمعية المخترعين السوريين إلى أن نسبة الاستثمار في الاختراعات السورية المسجلة لا تتجاوز 3 بالمئة في حين تشير دراسة أكاديمية أن براءات الاختراع تفيد كمؤشرات في رصد أنشطة البحث والتطوير، لكنها لا تعبّر بحد ذاتها عن حجم وأهمية أنشطة الابتكار الواسعة التي يمكن أن تشمل تطوير منتج أو طريقة إنتاج أو خدمة ما مبيّنة أن الأسواق العربية ومنها السوق السورية تكاد تخلو من منتجات أو خدمات ابتكارية من إنتاج محلي، والعدد المستثمر من براءات الاختراع هو حتماً أقل بكثير من المسجّل.
فمعظم الاختراعات السورية كما قلنا مقدمة من أفراد أغلبهم لا يتابعون إجراءات المنح، ولا يستكملون دفع الرسوم السنوي إما لعدم توفر الإمكانية، أو لشعورهم بعدم الجدوى، حسب مديرية حماية الملكية التجارية والصناعية، في حين إن هناك مخترعين لم يتمكنوا من استثمار اختراعاتهم؛ ما أدى إلى خسائر تكبدوها تراوحت قيمتها مادياً بين مئات الألوف إلى بضعة ملايين، في حين يعاني مخترعون آخرون من سرقة اختراعاتهم أو تقليدها غير واثقين من أية ملاحقة للقضاء بهذا الشأن وعدم توفر المال إضافة إلى الوقت الطويل الذي تأخذه مثل هذه القضايا، حيث تعلموا من تجارب من لجؤوا إلى القضاء وكيف أنهم واجهوا صعوبات تمثلت بالروتين والمماطلة والوقت الطويل الذي أمضوه في المحاكم، والمال الذي أنفقوه.. الأمر الذي يتطلب العمل على وضع استراتيجية وأدوات تنفيذية.

هل نستفيد من دروس مضت؟
ونحن الآن نلج إلى بوابات الحل السياسي للأزمة السورية والآمال بأن تفضي هذه الحلول إلى إنهاء الاقتتال الدائر على الأرض السورية وأن تتم محاربة هؤلاء الإرهابيين ودحر الإرهاب وأدواته عن الأرض السورية، نتطلع إلى مرحلة إعادة بناء ما دمرته هذه الحرب وخاصة القطاع الاقتصادي ومنشآته ومنها الصناعة السورية التي طال معاملها ومنشآتها الكثير من الدمار والخراب وتشريد عمالها وهجرة رؤوس أموالها وما يتطلب ذلك من إعادة إعمار وإقلاع بهذا القطاع الرائد الذي يتطلب تشجيع وتحفيز العقول واستثمار منتجاتها، أي ما يعني أننا بحاجة إلى العقول المبتكِرة الوطنية التي تجد حلولاً للمشكلات التي تواجه إقلاع الصناعة السورية بشكل عام والمنشآت الصناعية على وجه التحديد بآلاتها وخطوط إنتاجها إلى جانب الدخول في استثمارات نوعية تخرج من نطاق الإنتاج التقليدي إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية ومنها طبعاً استثمار هذه الملايين أو بالحد الأدنى المئات أو الآلاف من هذه الاختراعات التي يمكن أن تشكل عامل قوة للاقتصاد الوطني عبر تصدير منتجات هذه الاختراعات إلى الأسواق الخارجية لتستحق بحق أن تنتمي إلى منتجاتنا السورية وأن يُكتب عليها "صُنع في سورية" لنعيد الألق والحضور الاقتصادي والحضاري في العالم.