السوق السوداء تنتعش وجيوب المواطنين تحتاج إلى إنعاش..من وراء انتشار السوق السوداء؟.. وعلى من يقع اللوم؟

السوق السوداء تنتعش وجيوب المواطنين تحتاج إلى إنعاش..من وراء انتشار السوق السوداء؟.. وعلى من يقع اللوم؟

الأزمنة

الخميس، ١٦ يناير ٢٠١٤

وسيم وليد إبراهيم
في ظل أي أزمة تتعرض لها أي بلاد ينشأ خلالها من يسمون بمنتهزي الفرص وتجار الأزمات والذين ينشطون في السوق السوداء مستغلين حاجات المواطنين لبعض السلع أو الخدمات فيقومون برفع أسعارها أو احتكارها.
وبالطبع لم يكن ذلك بعيداً عن الأسواق السورية التي شهدت انتعاشاً كبيراً في السوق السوداء وانتشاراً سريعا لها، وخاصة أن هناك أرضية جاهزة للسوق السوداء في مجتمعنا وخاصة مع ضعف الرقابة وانتشار الفساد، كما كان للأزمة الحالية التي تمرّ على سورية دور بالغ في تعزيز عدم الثقة وانتشار الشائعات وبالطبع العوامل السابقة من شأنها أن تجعل من السوق السوداء ذراعاً لها أثر بالغ في الأسواق.
وعلى سبيل المثال حالياً يعاني المواطن من انتشار للسوق السوداء في المواد المتعلقة بالمحروقات مثل المازوت والبنزين والغاز، وقامت الحكومة سابقاً برفع أسعار جميع المواد السابقة ولكن مازالت أسعار المواد السابقة تتطاول أكثر فأكثر في السوق السوداء حتى بلغ سعر ليتر المازوت 130 ليرة في ريف دمشق ووصل سعر ليتر البنزين نحو 120 ليرة وأكثر عدا عن الإكراميات التي تدفع لسائق الصهريج أو التي تدفع لمن يقوم بتعبئة مادة البنزين في المحطات، مما يجعلنا نطرح سؤالاً هاماً: هل برفع الأسعار يمكن التقليل من انتشار السوق السوداء والحد منها؟.. وما هي عوامل انتشار السوق السوداء وتوسّعها؟.. وهل يلام المواطن على الشراء من السوق السوداء؟.. وكيف يمكن المعالجة؟.

خبير اقتصادي: السوق السوداء مشكلة فساد عامودي وشاقولي
الخبير الاقتصادي عابد فضلية أوضح في تصريحه لـ"الأزمنة"، أن هناك سببين لانتشار السوق السوداء في سورية وهما الفساد وضعف الرقابة، لافتاً إلى أن المواطن عندما يكون محتاجاً ومضطراً فإنه سيشتري أي خدمة أو سلعة بسعر أعلى من سعرها الحقيقي، لأنه لا يوجد مواطن في العالم كله يرغب بدفع زيادة على سعر سلعة أو خدمة إلا إذا كان مضطراً لها، لافتاً إلى أن المواطن هو دائماً في دائرة الاتهام في انتشار السوق السوداء إلا أن ذلك على العكس تماماً.
وضرب فضلية مثالاً على مادة المازوت حيث قال: "إذا رفعت الحكومة سعر ليتر المازوت إلى 500 ليرة فإنه سيباع في السوق السوداء بـ510 ليرات، أي إن السوق السوداء لن تتوقف لدى رفع سعر المادة بل ستزداد وتتسع أكثر".
وعن كيفية معالجة ووضع حد لانتشار السوق السوداء قال فضلية: "جميع الجهات الرقابية وجميع المواطنين يدركون ويعلمون كيف تتم معالجة السوق السوداء، لأن مكامن الخلل أصبحت معروفة وواضحة، فمثلاً شركة المحروقات سادكوب تُلزم المواطن بصهاريج معينة لتقوم بتعبئة المازوت له، ومن المعروف أن الكثير من أصحاب الصهاريج هم سارقون سواء من حيث السعر أو من حيث الكمية حيث تتراوح نسب السرقة ما بين 10 إلى 30%".
وسأل الخبير الاقتصادي فضلية: "لماذا لا تقوم صهاريج شركة المحروقات سادكوب بعملية تعبئة مادة المازوت للمواطنين منعاً من حدوث أي تلاعب بسعر وكمية المادة؟..ولماذا يتعاقدون مع سارقين يسرقون جزءاً من الكمية حتما؟.. ولماذا لم يتم شراء وتوفير صهاريج تتبع للشركة إلى الآن؟..ولماذا تعاقدت شركة المحروقات مع صهاريج القطاع الخاص؟..لأن معظم صهاريج القطاع الخاص يسرقون المواطن".
ولفت فضلية إلى أنه حتى تسعيرة ليتر المازوت التي تم وضعها تشجع على انتشار السوق السوداء بالنسبة لمادة المازوت، حيث إن سعر ليتر المازوت هو 61 ليرة وبالطبع الذي يقوم بتعبئة المازوت للمواطن لن يحاسب بهذه التسعيرة بل سيأخذ كحد أدنى 65 ليرة، عدا عن حالات السرقة بكميات المازوت "حيث أعلم أناساً قاموا بشراء 1500 ليتر من المازوت في حين كانت الكمية الحقيقية التي وُجدت في خزاناتهم لا تتجاوز 900 ليتر فقط وشركة سادكوب تعلم بذلك وجميع الجهات الرقابية تعلم".
ولفت فضلية إلى أنه حتى بعض موظفي التموين قد اضطروا لشراء المازوت من السوق السوداء، مؤكداً على أن السوق السوداء هي مشكلة فساد لا يستطيع الموظف أو البائع أن يستمر في هكذا فساد إلا إذا كان الفساد عامودياً وشاقولياً أيضاً.

نقابة عمال النفط: انتشار السوق السوداء سببه ضعف الرقابة.. والتموين يتحمل المسؤولية
رئيس نقابة عمال النفط والثروة المعدنية بدمشق وريفها علي مرعي قال في تصريحه لـ"الأزمنة": إن المسؤول عن انتشار السوق السوداء هو ضعف الرقابة وهي مسؤولية وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فهي المسؤولة عن متابعة الأسواق، قائلاً: "لو قامت الوزارة بضبط المخالفات لمَا كان بعض المستغلين تمادوا وباعوا ليتر المازوت بـ130 ليرة، فعندما يتم ضبطهم وردعهم بعقوبات شديدة فعندها سيمتنع الجميع عن التجارة بمواد مدعومة وبالتالي ستتقلص السوق السوداء".
وعمّا قيل بأن شركة المحروقات سادكوب تتحمل جزءاً من انتشار السوق السوداء من خلال عدم توفيرها لصهاريج تتبع لها تقوم بتعبئة المادة للمواطنين بسعر نظامي وبكميات نظامية أيضاً قال مرعي: "الصهاريج الحالية تقوم بتخديم القطاع العام والقطاع الخاص معاً بموجب موافقات للتعبئة، وشركة المحروقات كانت تسعى لشراء صهاريج خاصة بها لنقل المازوت والغاز، ولكن الأمر يحتاج إلى اعتمادات كبيرة وتم تأجيل الأمر بسبب الظروف الراهنة التي تمر على سورية".
وأكد مرعي على أن القطاع الخاص لا توجد عليه أي رقابة ولا حتى معايرة للكميات التي يحصل عليها من المازوت والبنزين، ويتم تهريب المادة من خلالها إلى السوق السوداء، مشيراً إلى أهمية ضبط كل من البائع والممول الذي يقوم بعملية بيع مادتي البنزين والمازوت في السوق السوداء، مؤكداً على أن شركة المحروقات ليس لها علاقة بضبط الأسواق حيث تعاني الشركة ووزارة النفط كثيراً في تأمين المادة.

المواطن في مواجهة السوق السوداء وارتفاع الأسعار
وعن رفع أسعار المواد والخدمات ودور ذلك في التخفيف من انتشار السوق السوداء أكد مرعي، على أن القضاء على السوق السوداء لا يتم من خلال رفع الأسعار، فكلما تم رفع سعر المادة فإن سعرها سيرتفع أيضاً في السوق السوداء، وإذا أصبح سعر ليتر المازوت بـ100 ليرة فإن سعره في السوق السوداء سيصبح بـ110 ليرات وبأكثر من ذلك، "فالسعر ليس له علاقة في الحد من انتشار السوق السوداء بل على العكس تماماً، حيث أن رفع الأسعار سيزيد من معاناة المواطن؛ فالمواطن حالياً يعاني من أمرين: أولهما السوق السوداء والثاني ارتفاع سعر المادة، لذا نجد أن نسبة 10% من عدد المسجلين في مراكز دمشق وريفها رفضوا استلام مادة المازوت كون سعرها مرتفعاً ولعدم قدرتهم على دفع ثمنها".
وعن مدى توفر مادتي البنزين والمازوت في دمشق وريفها أكد مرعي، على توفر كلا المادتين حيثي يتم تزويد دمشق وريفها بشكل دائم، لافتاً إلى أن هناك نحو 200 مليون ليتر من المازوت وصلت إلى سورية لتغذية دمشق وريفها.

خبير: عدم تأمين المادة بشكل سهل للمواطن يخلق السوق السوداء
الخبير في شؤون النفط والمدير السابق لفرع محروقات ريف دمشق منصور طه أكد في تصريحه لـ"الأزمنة"، أن أهم سبب في انتشار السوق السوداء هو قلة توفر المادة، فطالما أن هناك نقصاً في أي مادة فإن ذلك سيؤدي إلى خلق سوق سوداء لها بشكل فوري.
وأشار إلى أن رفع سعر المادة ليس له علاقة في السوق السوداء من حيث تحجيمها، بل إن عدم تأمين المادة "بشكل مباشر وسهل للمواطنين" هو العامل الأساسي في خلق السوق السوداء، لافتا إلى أن حتى مادة البنزين أصبح لها سوق سوداء حيث يضطر المواطن لشراء البنزين بأسعار مرتفعة جداً وذلك لكي يلبي حاجته الضرورية، "فالمواطن ليس له علاقة في انتشار السوق السوداء بل أصحاب النفوس الضعيفة وأصحاب المحطات الخاصة يلعبون الدور الأكبر في انتشار السوق السوداء، كما نجد حالياً مادة الخبز التي أصبحت تباع أيضاً في السوق السوداء، فالمواطن لا يمكن أن يساعد في كبح السوق السوداء لأنه مضطر ويسعى لتأمين احتياجاته الضرورية ولو قام بدفع المزيد".
ونوّه طه إلى أن للرقابة دوراً كبيراً في الحد من انتشار السوق السوداء فيجب أن تكون موجودة، لأن الرقابة ليست مرتبطة فقط من حيث السعر بل أيضاً من حيث الغش، لذا يجب أن تقوم الجهات الرقابية بمراقبة الكميات التي تصل إلى المحطات الخاصة ومعرفة أين توزع وبأيِّ سعر.

تموين دمشق: السوق السوداء سببها العرض والطلب
مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق باسل طحان أكد في تصريحه لـ الأزمنة، أن مفهوم السوق السوداء يعني نوعاً من الاحتكار والبيع بسعر زائد معاً، وضرب في سبيل ذلك مثالاً على مادة المازوت حيث قال: "يوجد سوق سوداء لمادة المازوت ونقوم بمكافحتها قدر الإمكان، حيث تم ضبط الكثير من الموزعين يقومون ببيع المادة إلى موزع آخر وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، حيث يتم حجز السيارة وإلغاء الرخصة أو توقيفها لمدة معينة؛ أما في حال لا يوجد رخصة فيتم تحويله المخالف إلى القضاء المختص".
وقال أيضاً: "لدينا سيارات مرخصة لمادة المازوت تقوم بتوزيع المازوت على المواطنين، ولا تخرج إلا بموجب موافقات وطلبات مرخصة أصولاً، حيث تحدد الكمية وتحمل المادة إلى المكان المحدد ويتم أخذ توقيع مستلم المادة".
وأشار إلى إنه تم ضبط نحو 500 أسطوانة غاز خلال مدة أسبوع يتم الاتجار بها بدون ترخيص في السوق السوداء وتم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة بحق المخالفين.
وعن أسباب انتشار السوق السوداء قال طحان: "السوق السوداء تُخلق عندما يكون هناك قلة في المادة أو زيادة في الطلب، فمثلاً خلال فترة الصيف يكون الطلب على المازوت قليلاً لذا نجد أيضاً أن عامل العرض والطلب يلعب دوراً في السوق السوداء، وحالياً نجد أن الخبز أصبح يباع في السوق السوداء حيث تم ضبط نحو 200 شخص يقومون ببيع الخبز دون ترخيص وتم إحالة نحو 100 شخص إلى القضاء المختص".

من الذي يزوِّد تجار الأزمات بالمواد المدعومة للمتاجرة بها؟..
أيّ أزمة على أي مادة يمكن أن يتمخض عنها سوق سوداء في حال عدم معالجتها بشكل سريع وإيجاد البدائل المناسبة، فإطالة عمر نقص المواد والخدمات يمكن أن يجعل للسوق السوداء أثراً أكبر على السوق، وخاصة بما يتعلق بالسلع والخدمات الأساسية للمواطنين، فتوفير المادة هو الأساس في القضاء على السوق السوداء الخاص بها، كما أن مكافحة الفساد والرقابة يعتبر العامل الثاني في الحد من انتشار السوق السوداء، ويبقى السؤال: من الذي يزوّد تجار الأزمات بالمواد المدعومة ليقوموا بالمتاجرة بها؟.. ولماذا لا يتم ملاحقة الممول والاكتفاء بملاحقة البائع فقط؟..