ميلاد مجيد.. وليفتح السوريون قلوبهم للفرح

ميلاد مجيد.. وليفتح السوريون قلوبهم للفرح

الأزمنة

الثلاثاء، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٣

في التحفّظ والانضباط والاتّزان نسأل: ماذا سيكون على السوريين جميعاً أن يظهروا وماذا سيكون عليهم أن يفعلوا وماذا سيكون عليهم أن يقولوا؟!.. هكذا يصبح القلب والعقل أمام سؤال العيد في عهدة الوطن.. فرحاً من أرضٍ، هي في التاريخ لم تكن مرّة إلا موطئ القداسة والحب والسلام والتسامح.. في عيد ميلاد السيد المسيح سيكون على السوريين جميعاً أن يستنبطوا الفرح من هذا الألم، ألم تكن آلام صلب من ولد على أرض سورية التاريخية سبيلاً للخلاص؟!..
في موسم العيد هذا العام يقف السوريون جنباً إلى جنب، ويسألون السؤال ذاته كلّ إلى الآخر: هل نفرح؟… سيأتي من يقول: ليس التقديم السابق سوى نوع من النظرة الجمالية!!.. وكأن من يسأل ينسى أن يبحث في الفرق بين الفرح والاحتفال.. ينسى أن يدرك الفرق بين الزينة والجمال.. ينسى في كلّ ما ينسى أن يتذكر أنه دوماً لم تكن الدعوة الإلهية إلا للفرح.. فرح الروح والقلب، لئلّا ننسى أن أطفال سورية يريدون أن يكبروا من دون أن ينسوا أنهم "كانوا مرة أطفالاً"!!.. ليست الدعوة إلى الفرح في كل هذا الألم إلا دعوةً إلى الحب والتسامح، وإلا كيف يمكن لنا أن نحبّ ونسامح ونسالم من دون أن نفرح؟!..
فليفتح كل سوري على هذه الأرض المقدّسة قلبه للفرح والسلام، كما فتح رسول المحبة والسلام في يوم ولادته وفي يوم صلبه قلبه وروحه لكل البشر، موجها الخدّ الأيسر إلى من يلطمه على الأيمن، ومحبّاً أعداءه ومصلياً لأجل مضطهديه.. وفي الفرح وحده سيحيا السوريون كل ذاك الخلاص..
يعتبر عيد الميلاد ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، ويُمثل تذكار ميلاد يسوع المسيح.. ويترافق عيد الميلاد باحتفالات دينية وصلوات خاصة للمناسبة، واجتماعات عائلية واحتفالات اجتماعية أبرزها وضع شجرة الميلاد وتبادل الهدايا واستقبال بابا نويل وتناول عشاء الميلاد، علماً أن أعداداً كبيرة من غير المسيحيين تحتفل بالعيد أيضاً، وهو عطلة رسمية في أغلب دول العالم وفي سورية ولبنان ومصر والأردن وفلسطين ولأبناء الطائفة المسيحية في العراق.

تُذكر رواية الميلاد في إنجيلي متى ولوقا، وتغدو الرواية في إنجيل لوقا أكثر تفصيلاً؛ عناصر الرواية الإنجيلية للميلاد مفادها أن مريم قد ظهر لها جبرائيل مرسلاً من قبل الله وأخبرها أنها ستحبل بقوّة الروح القدس بطفل "يكون عظيماً وابن العلي يدعى، ولن يكون لمُلكه نهاية"،[لوقا 1/32] وعندما اضطرب يوسف النجار خطيب مريم من روايتها ظهر له الملاك أيضاً في الحلم تصديقاً لرواية مريم وتشجيعاً له، ويتفق متى ولوقا أن الميلاد قد تمّ في بيت لحم مدينة النبي داوود لا في مدينة الناصرة حيث كانا يعيشان وحيث تمت البشارة، يعود ذلك تتميما للنبوءات السابقة حول مكان الميلاد سيّما نبوءة النبي ميخا، أما السبب المباشر فهو طلب أغسطس قيصر إحصاء سكان الإمبراطورية الرومانية تمهيداً لدفع الضرائب، ولذلك سافر يوسف مع مريم وكان حينها قد ضمها إلى بيته كزوجته دون أن تنشأ بينهما علاقة زوجية، وعند وصولهما إلى بيت لحم لم يجدا مكاناً للإقامة في فندق أو نزل وحان وقت وضع مريم، فبحسب إنجيل لوقا وضعت طفلها في مذود ولفّته بقماط. [لوقا 2/7] وإن ذكر المذود هو الدافع الأساسي للاعتقاد بوجود المغارة أو الحظيرة، لأن الحظائر عادة كانت عبارة عن كهوف أما المذود فهو مكان وضع علف الحيوانات، وكان أوريجانوس قد أثبت المغارة وقال إنه نقل القصة عن تقاليد أقدم، وتُجمع تفاسير آباء الكنيسة أن ميلاد يسوع بظروف "فقيرة حقيرة" لتعليم البشر التواضع وكمثال على الترفع عن الأمور الماديّة، كذلك فإن المناخ اليهودي حينها كان ينتظر قدوم "الماشيح" ملكاً ومحرراً من السلطة الرومانية، وبالتالي فإن مولد المسيح يجب أن يكون كقائد عسكري أو ملك في قصر لا مذود، وفي ذلك إشارة إلى كون ملك المسيح ملكاً روحياً لا دنيوياً.]

في غضون ذلك، كان ملاك من السماء قد ظهر لرعاة في المنطقة مبشرًا إياهم بميلاد المسيح، وظهر في إثره جندٌ من السماء حسب المصطلح الإنجيلي، مُسبحين وشاكرين، أما الرعاة فقد زاروا مكان مولده وشاهدوه مع أمه ويوسف وانطلقوا مخبرين بما قيل لهم من قبل الملاك، ولذلك هم أول من احتفل بعيد الميلاد وفق التقليد. ولعلّ زيارة المجوس الثلاثة هي من أشد الأحداث اللاحقة للميلاد ارتباطاً به، ولا يُعرف من رواية إنجيل متى عددهم غير أنه قد درج التقليد على اعتبارهم ثلاثاً للهدايا الثلاث التي قدموها وهي الذهب والبخور والمر،[متى 2/11] بعد أن سجدوا له. كما أنّ أغلب الدراسات الحديثة تشير إلى أنهم جاؤوا من الأردن أو السعودية حالياً، وأما التقاليد القديمة فتشير إلى أنهم جاؤوا من العراق أو إيران حالياً. وقد قام نجم من السماء بهداية المجوس من بلادهم إلى موقع الميلاد، وكان النبي بلعام قد أشار إلى "نجم من يعقوب" سابقاً، وأشار الباحثون إلى أن النجم اللامع المذكور في إنجيل متى قد يكون اقتران كواكب المشتري وزحل والمريخ الذي تم بين عامي 6 و4 قبل الميلاد، وقدّم باحثون آخرون تفسيرات مختلفة. وبكل الأحوال فإن قدوم المجوس مع الرعاة يحوي إشارتين الأولى لاجتماع الأغنياء والفقراء حول يسوع والثانية اجتماع اليهود والوثنيين حوله أيضاً، بما يعني عمومية رسالة يسوع لجميع البشر. أما أبرز الأحداث اللاحقة للميلاد فهي ختان يسوع في القدس، وهرب العائلة إلى مصر خوفاً على حياته من هيرودوس الذي أراد قتله، ومن ثم عودة العائلة من مصر بعد وفاة الملك. ويذكر أيضاً، أن عيد الميلاد هو عيد ميلاد يسوع المسيح بالجسد أما من حيث الوجود، فهو منذ الأزل، وبالتالي وكما جاء في قانون الإيمان هو مولود غير مخلوق.
يترافق عيد الميلاد مع تزيين المنازل والكنائس والشوارع الرئيسة والساحات والأماكن العامة في المناطق التي تحتفل بالعيد، بزينة خاصة به. عادة يعتبر اللونين الأخضر والأحمر هما اللونان التقليديان للإشارة إلى عيد الميلاد، تطعم أيضاً بشيء من اللونين الذهبي أو الفضي؛ ويرمز اللون الأخضر "للحياة الأبدية" خصوصاً مع استخدامه للأشجار دائمة الخضرة التي لا تفقد أوراقها، في حين يرمز الأحمر ليسوع نفسه. وإن تاريخ نشوء زينة الميلاد طويل للغاية ويرقى للقرن الخامس عشر، حيث انتشرت وفي لندن تحديداً، عادة تزيين المنازل والكنائس بمختلف وسائل الزينة، تشمل زينة الميلاد شجرة العيد وهي رمز لقدوم يسوع إلى الأرض من ناحية، وهو حسب التقليد يجب أن تكون من نوع شجرة اللبلاب بحيث ترمز ثمارها الحمراء إلى دم يسوع وإبرها إلى تاج الشوك الذي ارتداه خلال محاكمته وصلبه وفق العهد الجديد.

يلحق بالشجرة عادة، مغارة الميلاد، وهي أقدم من الشجرة تاريخيًا، إذ كان تصوير مشاهد ولادة يسوع منتشرًا في روما خلال القرن العاشر، وكان القديس فرنسيس الأسيزي قد قام عام 1223 بتشييد مغارة حيّة، أي وضع رجلاً وامرأة لتمثيل مريم ويوسف وطفلاً لتمثيل يسوع مع بقرة وحمار المستمدين من نبوءة أشعياء حول المسيح، وانتشرت بعد مغارة القديس فرنسيس هذا التقليد في أوروبا ومنه إلى مختلف أنحاء العالم، وهي تمثل حدث الميلاد. إلى جانب الشجرة والمغارة، فإنّ الأجراس والسلاسل الذهبية والكرات الحمراء وندف الثلج وأكاليل أغصان دائمة الخضرة، والشموع اللولبية والملائكة وحلوى القصب والجوارب الحمراء، والنجوم - رمزاً لنجم بيت لحم - تعتبر داخلة في إطار زينة الميلاد التقليدية، ذلك يشمل أيضاً وجوهاً لبابا نويل وغزلانه، حيث درجت التقاليد الشعبية على اعتباره قادماً على متن عربة يجرها الغزلان؛ أما الأكاليل الأغصان دائمة الخضرة فتوضع عادة على أبواب المنازل أو النوافذ لإظهار أن المسيحيين يؤمنون بأن يسوع هو نور العالم؛ في المكسيك يرتبط نبات الصبار أيضاً بعيد الميلاد إلى جانب البونسيتة وهو نبات محلي في البلاد. سوى ذلك، فإن تزيين الشوارع بلافتات خاصة وسلاسل ضوئية على طول الشارع ووضع أشجار الميلاد في أماكن بارزة، تعتبر داخلة ضمن زينة الميلاد، فضلاً عن الساحات ومناطق التسوق. تزايدت زينة عيد الميلاد، وتنوعت أشكالها وزخارفها واقتبست من التقاليد المحلية والموارد المتاحة في مختلف أنحاء العالم، أول محل تجاري متخصص بزينة الميلاد افتتح في ألمانيا خلال عقد 1860، وسرعان ما تكاثرت هذه المحلات، وتنافست حول أجمل زينة مقدمة للميلاد.