فرص العمل التي ضيّعتها الأزمة.. هل تتلقفها إعادة الإعمار؟!! وعشرون ألف فرصة عمل يحتاجها "إقلاع" منشآت القطاع العام الصناعي

فرص العمل التي ضيّعتها الأزمة.. هل تتلقفها إعادة الإعمار؟!! وعشرون ألف فرصة عمل يحتاجها "إقلاع" منشآت القطاع العام الصناعي

الأزمنة

الاثنين، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٣

*أحمد سليمان
ahmadsulyman@gmail.com
هل سنستقدم عمالاً وكوادر خلال الفترة القادمة؟ رغم أن أكثر من ستة ملايين سوري فقدوا أعمالهم ووظائفهم خلال الأزمة حسب ما صرح به أحد وزراء الحكومة الحالية!! فالحرب الضروس التي تجري رحاها على الأراضي السورية وتطحن معها ما تواجهه من تدمير ممنهج للمنشآت العاملة من قطاع عام أو خاص ومعها المؤسسات الحكومية الخدمية وترحيل وتهجير للناس من أماكن سكناهم وأعمالهم؛ أفقدت ملايين المواطنين أعمالهم بفعل الإرهاب المتنقل من منطقة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى؛ فالقطاعات الإنتاجية الرئيسة وبخاصة الصناعة والزراعة باعتبارهما محرك الاقتصاد الذي تتكئ عليه معظم القطاعات الأخرى الخدمية وتنمو وتنتعش في ظلاله تراجعت إلى حد كبير؛ حيث تتقاطع الدراسات وتتباعد التقديرات بين المصادر الحكومية والدراسات التي تجريها بعض المراكز الداخلية والخارجية حول الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري جراء هذه الحرب إلا أنها لا تقل عن عشرات المليارات من الدولارات؛ ما يعني معها فقدان مئات آلاف فرص العمل ودخول عشرات آلاف الأسر السورية دائرة الفقر، ففي الوقت الذي كشفت فيه دراسة أكاديمية أعدّها المركز السوري لبحوث السياسات عن أن خسائر الاقتصاد السوري بسبب الحرب حتى الربع الأول من العام الحالي وصلت إلى ما يقارب 4ر84 مليار دولار في نهاية الربع الأول من هذا العام بعد أن كانت نهاية 2012 نحو 48 مليار دولار منها نحو 8 مليارات خسائر بالناتج المحلي الإجمالي، ونحو 13 ملياراً خسائر في رأس المال، إضافة إلى ارتفاع الدين العام لسورية داخلياً وخارجياً من 48% من الناتج المحلي في العام 2012 إلى 65% من الناتج المحلي خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث شكل الدين الخارجي خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي 49% من الناتج المحلي الإجمالي.

2900 مليار أضرار
 في الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني وصلت إلى مبلغ 2900 مليار ليرة سورية في القطاعين العام والخاص وحسب تصريح رئيس الحكومة في شهر تشرين الأول الماضي فأياً كانت التقديرات كما قلنا؛ فإن هذه المبالغ قابلة للزيادة مع مرور كل يوم وعجلة الاقتصاد متوقفة عن الدوران إضافة إلى الاعتداءات المستمرة من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة مع دخولهم لأي منطقة..
 وإن خطط الحكومات السابقة الاقتصادية ورغم التوسع من حيث الظاهر اقتصادياً إلا إنه في المضمون الاجتماعي لهذه الخطط والسياسات لم تسهم في امتصاص الأعداد المتزايدة من طالبي فرص العمل لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص مع ضعف النمو الاقتصادي وعدم التوسع الأفقي في أعداد المنشآت وضعف التقنيات المستخدمة في المنشآت القائمة وتركيز القطاع الخاص في نشاطه على التجارة والخدمات، وإفلاس المشاريع الصغيرة والمهن الحرة أو انخفاض مردودها نتيجة المنافسة بسبب سياسة الانفتاح التي اتُبعت خلال السنوات الماضية إضافة إلى عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، واستبعاد العناصر النزيهة ذات الكفاءة مما أدى إلى إفشال العديد من المؤسسات المنتجة.

أخطاء سياسات
 ويضاف إلى ذلك سوء توزيع العاملين على قطاعات وأجهزة ومؤسسات الدولة حيث يلاحظ تضخم أعدادهم في بعضها دون الحاجة إلى ذلك وقلتهم في بعضها الآخر بالرغم من الحاجة إلى أعداد أكبر، الأمر الذي أحدث ما يسمى بالبطالة المقنعة بالإضافة إلى تشغيل القطاع الخاص للأطفال بدافع انخفاض أجورهم، وبالتالي الاستغناء عن اليد العاملة الحقيقية دون أي رادع، فالسياسات الاقتصادية الجديدة المتمثلة في تخلّي الدولة بشكل أو بآخر عن دورها الاقتصادي والاجتماعي كما يقول أكاديميون ومنه فكّ الدولة التزامها بتعيين خريجي الجامعات، الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد العاطلين عن العمل من هذه الشريحة الكبيرة في المجتمع إلى جانب تركز النشاط الاقتصادي في المدن وزيادة تحكم أرباب العمل بشروط العمل، وهيمنة القوانين الاستثنائية لم يشجع الكثير من رؤوس الأموال ومنها المهاجرة على الاستثمار وبالتالي خلق فرص عمل جديدة في سورية.
أما الآن والوضع اختلف جذرياً وهوية اقتصادنا أو توجّهه لم تتضح بعد وخاصة في الأزمة التي تدل المؤشرات أننا في طريق الخروج منها، إلا أن هوية هذا الاقتصاد يمكن أن ترسمها المرحلة القادمة التي يتوجب أن تحل مشكلة البطالة وتخفيض أعداد العاطلين عن العمل والحد من زيادتها؛ ما يتطلب القيام بعملية إصلاح شاملة تطال كافة مستويات البنية الاجتماعية، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والثقافية.

 تعزيز قوة الدولة
أولى خطوات هذه العملية الإصلاحية كما يرى أكاديميون تفعيل الدور الإشرافي والتخطيطي للدولة، وإصلاح القطاع العام إصلاحاً جذرياً وشاملاً، بحيث يلعب دوراً اقتصادياً أساسياً ومنتجاً كما هو الحال في العديد من دول العالم، والقضاء على التضخم البيروقراطي في أجهزة الدولة المختلفة، إضافة إلى إعادة الاعتبار للدور الاجتماعي للدولة، وإصدارها لقانون يمنح بموجبه العاطل عن العمل راتباً يكفيه لتأمين مستلزمات حياته، وحماية وتعزيز وتطوير حقوق العمال المتعارف عليها كالراتب التقاعدي والضمان الصحي وذلك في القطاعين العام والخاص، إصلاح النظام الضريبي بحيث يتم تطبيق نظام الضريبة التصاعدية أسوة بالعديد من دول العالم المتقدمة وهو ما سيساهم في تأمين رواتب العاطلين عن العمل وإصلاح القضاء، ونظام التعليم، وتشجيع المرأة على الانخراط في العمل، وتشديد المراقبة لمنع تشغيل الأطفال.
 
لا رضوخ
ودعا أكاديميون إلى عدم الرضوخ لشروط وضغوط المراكز الرأسمالية العالمية ومؤسساتها كصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية والاستفادة من بعض التجارب العالمية الناجحة في صياغة شكل العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص كالصين وماليزيا إلى جانب مبادرة الدولة لتشجيع شكل من العمل الخاص المدروس، الموجه والمخطط له بمشاركتها أو إشرافها، وتشجيع كافة أشكال العمل الأهلي والتعاوني، وتقديم التسهيلات لإنجاح ذلك وإطلاق الحريات العامة وإلغاء القوانين الاستثنائية ومحاربة كافة أشكال الفساد بالاستناد إلى استراتيجية واضحة يجري العمل بها في ظل الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون والحد من ظاهرة الهجرة "من الريف إلى المدينة" من خلال استراتيجية تستند إلى تحسين الخدمات في الريف، وتطوير الزراعة والتصنيع الزراعي، وإعادة توزيع النشاطات والمؤسسات الاقتصادية المختلفة واعتماد مبدأ تبادل وتكافؤ المنفعة في بناء العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى، وإعطاء الأولوية لتطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية.

فرص إعادة الإعمار
لكن؛ ونحن الآن بصدد عملية إعادة الإعمار بعد الانتهاء من الأزمة الحالية فإن الحكومة كما أكد رئيسها إنها بصدد إعداد مشروع لإعادة الإعمار الذي سينفذ بخبرات وقدرات وطنية؛ حيث من الممكن أن تموّل ببعض القروض من دول صديقة، مبيناً أن المشروع سيعتمد على ثلاث أولويات: الأول إسعافي وسريع يترتب على إعمار جزئي للبنى التي أصابها الضرر، ومتوسط بأن يكون هناك ترميم كامل لبعض البنى التي أصابها الضرر، ومستوى بعيد لإعادة إعمار كل ما تم تخريبه من المجموعات المسلحة على أن تنطلق عملية إعادة الإعمار في الموعد الذي تبدأ فيه عودة الأمن والاستقرار إلى سورية.
حيث يمكن أن توفر عملية إعادة الإعمار فرص عمل كبيرة يمكن أن توفَّر لمئات الآلاف؛ لكن السؤل هل تكفي الأعداد الموجودة لدينا ممن يعملون في مجال إعادة الإعمار للقيام بهذه العملية أم أننا سنلجأ إلى توريد عمالة متخصصة إضافة إلى العمالة الموجودة لدينا؟.. فضرورة تطوير سوق العمل في سورية هو ما أكده وزير الأشغال العامة حسين عرنوس ورفده بالتكنولوجيا والتقنيات الحديثة وتأهيل مراكز التدريب في الدولة والمراكز التابعة لوزارته تحضيراً لمرحلة البناء وإعادة الإعمار القادمة وذلك لتحويل سورية إلى ورشة عمل كبيرة ومن خلال الكوادر السورية المؤهلة والمدربة على تقانات البناء الحديثة.
وقال نرصد الواقع حالياً مع هيئة التخطيط الإقليمي وبدأت كل جهات الدولة بإعداد كشوف تفصيلية تقديرية وتحديد وحصر للكلف الحقيقية وعدم التعامل مع مثل هذا الموضوع الكبير بالوسائل التقليدية والكلاسيكية والتي يمكن أن تستغرق زمناً طويلاً لا تحتملها المرحلة القادمة حيث لابد من إدخال تقنيات الإنشاء والتشييد الحديثة والسريعة إذ باتت القناعة لدى الحكومة كاملة بضرورة اعتماد هذه التقنيات في مجال البناء وإدخالها عبر شركات مختصة، مشيراً إلى اختيار شركتين من أصل ست بهذا المجال حالياً للقيام بهذه المهمة بالتعاون والتشاركية مع الشركات الإنشائية الأخرى.
 
في البناء تدريب
إن إيجاد الأرضية المناسبة لتدريب العاملين والمدربين والمتدربين على تقانات البناء الحديثة ستكون من خلال 11 مركزاً تدريبياً لدى الوزارة لتأهيل الكوادر في جميع المحافظات حيث تنتشر في خمس محافظات ويتبع لهذه المراكز ورشات كبيرة في المحافظات الأخرى هو ما ذكره الوزير عرنوس حيث يتضمن كل مركز كافة الاختصاصات لتأمين كفاية كل محافظة من العمال المتدربين في كل المهن وإغناء سوق العمل وخاصة في مجال البناء بهذه الاختصاصات والمهن وبهدف تشغيل المواطنين السوريين من القطاعين العام والخاص وإيجاد فرص العمل المطلوبة لهم في مرحلة إعادة الإعمار القادمة ولربطهم بأسواق العمل بشكل مباشر بالتنسيق مع وزارة العمل ومنظمة الهجرة والإفادة من برنامج تصنيفات وزارة العمل للعمالة في سوق العمل وخاصة ممن فقدوا أعمالهم وممن يتخذون مراكز الإيواء مكاناً للإقامة لهم وهي مرحلة بدأت الحكومة تعمل عليها على المديين المتوسط والبعيد.
 
المبشرون
 وإذا كانت إعادة الإعمار ستستوعب العاملين في قطاع الإعمار والذين يشكلون 17 بالمئة من عدد الذين فقدوا أعمالهم وهو من أكثر المتأثرين بالأحداث الجارية، بشَّر وزير العمل حسن حجازي بأن الخطة القادمة من مرحلة إعادة الإعمار ستحول سورية إلى ورشة عمل واحدة كبيرة لتدريب وتأهيل الكوادر لبناء سورية الحديثة ومواكبة التطور التقني في العالم الذي يتطلب رفع كفاءة العمل في سورية، مشيراً إلى أهمية العمل على توفير أدوات التدريب المستمر في عالم متغير يمتلك القوة التكنولوجية وضرورة التواصل مع هذه التقانات والخبرات العلمية والفنية ونقلها إلى سورية والاستفادة من المراكز التدريبية الموجودة في سورية لبناء سورية بأيدي أبنائها في قطاع البناء المحرك الأساس للاقتصاد الوطني.
 
كي لا نكرر الخطأ
 لكن؛ ومع كل ما ذُكر فإن قطاع البناء ليس القطاع الوحيد الذي يمكن أن يستقطب عمالة، بل هناك قطاعات يتطلب إعادة تأهيلها عمالة كبيرة حيث أشار مصدر في وزارة الصناعة بأن السنة الأولى لإعادة الإعمار أي إعادة إقلاع منشآت القطاع العام الصناعي ستحتاج في الحد الأدنى لعشرين ألف فرصة عمل؛ ما يعني أن هناك فرصاً ما زالت موعودة للعاطلين عن العمل في كافة الوزارات وجهات القطاعين العام والخاص؛ لكن علينا أن نفكر في ضمان حقوق هؤلاء وألّا نعاملهم معاملة الموسميين وإيجاد آليات تمويل للمشاريع متناهية الصغر لمن لا يرغب بالعمل في أيٍّ من القطاعين وتشجيعها إلى جانب العمل على ربط سياسة التعليم باحتياجات سوق العمل على المدى الطويل؟!!