انتهازيو الأزمة والغشاشون يأكلون لحم أخيهم ميتاً..المواطنون هم الفريسة السهلة.. دخول متآكلة ورقابة شبه غائبة

انتهازيو الأزمة والغشاشون يأكلون لحم أخيهم ميتاً..المواطنون هم الفريسة السهلة.. دخول متآكلة ورقابة شبه غائبة

الأزمنة

الاثنين، ١٦ ديسمبر ٢٠١٣

أحمد سليمان
Ahmadsulyman@gmail.com
إذا كان الغشاشون والانتهازيون يجدون لأعمالهم اللاأخلاقية مساحة تتسع وتضيق حسب متطلبات تلك الأعمال خلال فترات سيطرة الدولة وسيادة القانون، فكيف بهم  في فترات ومناطق تنحسر سيطرة الدولة فيها نسبياً أو كلّياً بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد.
فمع اشتداد الأزمة التي تعيشها البلاد وما رافق ذلك من عقوبات اقتصادية واعتداءات من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة على المنشآت والطرقات وتقطيع أوصال البلاد وسيطرة هذه المجموعات على بعض المناطق وما نتج عن ذلك من صعوبة في إيصال المواد والسلع إلى محتاجيها وما ترافق مع نقص في المواد وارتفاع في الأسعار، كل ذلك أوجد مساحة أرحب لهؤلاء(الطفيليين) لتتوسع أعمالهم ويزداد عدد المشتغلين فيها وتزداد وتنتشر بسرعة كالفطر طمعاً وراء دخول أعلى حتى ولو كانت على حساب حياة أو صحة العباد.
 
دون اتجاه محدد
كل ذلك جعل السوق المحلية بمنتجاتها وكأنها مخلفات مدينة ضربها إعصار تطفو على سطح نهر يسير دون اتجاه محدد وخاصة بمنتجاتها التي أصبحت دون رقابة على جودتها بعد أن تعذر مراقبة أسعارها في ظلّ دخول مئات الأصناف إلى مساحة الاستهلاك المحلي والتي لا يدري أحد أنّ مواصفاتها لا شيء مع إغلاق أو سرقة المصانع وتهديمها في مناطق الاشتباك، وعدم قدرة المعامل القائمة على الإنتاج بالكفاءة نفسها فيما قبل الأزمة وليس بكامل طاقتها، لأسباب تتعلق بعدم قدرة وصول العمال بشكل مستمر إلى معاملهم، والتضييق في موضوع وصول المواد الأولية إلى المعامل، والمنتجات إلى الأسواق وكذلك قطع التبديل.
 
إلى 70 بالمئة
فهذا الأمر نتج عنه توقف للمصانع الكبيرة والمتوسطة بموازاة انتشار واسع للورشات التي تعمل في الأقبية التي كانت سائدة قبل الأزمة ولكن بنسب قليلة وهي جزء من اقتصاد الظل الذي كان يشكل مابين 30 و40 بالمئة لتزداد هذه النسبة مع الأوضاع الأمنية في بعض المناطق لتصل تقديرات هذا الاقتصاد حالياً إلى أكثر من 70 بالمئة حسب مراقبين تنتج معظم المنتجات وتوفر الخدمات في السوق المحلية؛ ما يعني أن هذه الأقبية تعدّ مكاناً آمناً.
فالأخبار التي تردنا يومياً من مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات عن ضبوط لمستودعات ومحلات معامل ومنشآت وحِرف إما تنتج أو تخزن أو تبيع أو تعرض منتجات ليست ذات جودة عالية أو غير صالحة للاستهلاك.. يعزز ذلك حكايا وقصص عن أناس عاديين تعرضوا لصور من الغش في السوق، إما من بسطات أو من محلات معروفة وتبيع منتجات بسعر أو بمواصفة سلع معينة أو غيرها حيث وجد أبو سالم نفسه أمام فرصة مهمة لشراء 3 كيلو من مسحوق الغسيل بسعر لا يصل إلى نصف السعر المعروف في السوق ومع تآكل ما حمله في جيبه من نقود اضطر لشراء هذه الكمية التي أقسم بائعها أنها لا تختلف عن مواصفة المنتجات المعروفة في السوق وأنه استعملها شخصياً وحققت نتائج لا تختلف عن غيرها.
 وأبو سالم الذي حمل كمية المنظفات إلى منزله لتضع زوجته قدراً منها في الغسالة فوجئ بحجم البياض على الألبسة الملونة والمسحوق الذي لا يدري ماهيته الموجود بكثافة في طيات الألبسة، ما يشير إلى وقوعه في فخ أحدهم دون أن يعلم ماذا يفعل معتقداً أن الشكوى على بائع بسطة هو بمثابة (الضحك على اللحى) لأنه يعلم أن هذا الشخص لا يمكن أن يبقى في مكانه أكثر من يوم واحد وأن دوريات حماية المستهلك لا يمكن أن تستجيب بالسرعة المطلوبة؛ هذا في المناطق الآمنة فكيف في المناطق التي لا تستطيع تلك الدوريات دخولها لأسباب أمنية (ليضرب كفاً بكف) وليقول في نفسه بأنه (أكلها)!!.
 وأبو سالم واحد من مئات المواطنين الذين يقعون فريسة جشع وغش باعة ووسطاء كُثر سواء في الخدمات أو السلع ولا يشتكون ولا يعلم ما حلّ بهم إلا المقربون منهم، الأمر الذي يجعل ضبوط دوريات حماية المستهلك غير قادرة على أن تقدم صورة كاملة عما يحدث في أسواقنا.

بدائل اضطرارية
فارتفاع الأسعار مع ارتفاع أسعار صرف الدولار وانخفاض الدخول أو انعدامها ودفْع المستهلك إلى البحث عن البدائل الأقل تكلفة عليه؛ ما زاد الطلب على هذه المواد والمنتجات بغض النظر عن جودتها أو مواصفاتها مقابل إجراءات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك غير المدروسة والتي تُتخذ تحت تأثير الاجتهادات الشخصية والحلول المكررة التي لم تنجح سابقاً حتى تنجح اليوم وفي مثل هذه الظروف؛ حيث أتاح تراخي الرقابة أو عدمها وجود سلع في السوق المحلية دون أدنى مستوى من الجودة وبأسعار عالية.
فمعالجة هذا الأمر على المستوى الآني لا تبدو متاحة في ظل عدم وجود عدد كبير من مراقبي حماية المستهلك وعدم تمكنهم من الوصول إلى معظم المناطق، لكن ثمة وعوداً تطلقها الحكومة على المستوى القريب من خلال مشروع قانون حماية المستهلك الجديد، الذي يتضمن الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة مالية لا تقل عن 500 ألف ليرة مع إغلاق المحل أو المنشأة، لكلِّ من يخدع أو يشرع في خداع المتعاقد في حقيقة البضاعة، ونصّ على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة مالية مليون ليرة لكل من غش أو شرع في أغذية الإنسان أو الحيوان أو العقاقير الطبية أو الحاصلات الزراعية أو الطبيعية متى كان معداً للبيع وكل من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئاً من هذه المواد أو العقاقير أو الحاصلات مع علمه بغشها أو فسادها علماً بأنه يفترض العلم بالغش أو فساد البضاعة إذا كان المخالف من المشتغلين بالصناعة والتجارة.
 
حسب مواصفات دولية
 لكنْ وحسب مصدر حكومي فإن الحكومة تعدّ على المدى المتوسط والطويل وبعد زوال الأزمة مشروعات قوانين أخرى لمعالجة هذا الأمر، ما يؤمّن إيجاد بيئة ملائمة لجودة المنتجات والخدمات عبر إصدار تشريعات جديدة تضمن توفير الوسائل الكفيلة لاختبار وإثبات سلامة وأداء السلع والخدمات الأساسية للمستهلك، عبر العمل على تطوير آليات إعداد المواصفات بالتوافق مع الممارسات الدولية.. مديرة برنامج الجودة الوطني رانيا عبد ربه وفي تصريح لـ(الأزمنة) أشارت إلى سعي البرنامج للعمل على التأكيد على التشريعات التي تضمن جودة المنتجات ومطابقة مواصفاتها للمواصفات القياسية السورية أو الدولية المعتمدة والحفاظ على سلامة صحة المستهلك وسلامة أداء المنتجات التي يتداولها خلال التشريعات التي يعدّها، بالإضافة إلى تطوير نظام مراقبة الأسواق من خلال إعداد كادر مؤهل لمراقبة الأسواق وتفعيل قانون سلامة الغذاء، وإعادة هيكلة مجلس سلامة الغذاء، وإحداث شبكة تبادل معلومات بنتائج الرقابة على الأسواق، وتطبيق نظام الأخطار على المواقع الإلكترونية.

تشديد الرقابة
 وقد يكون تخطيط البرنامج مشروع طويل أو متوسط الأمد لا يمكن أن ينفذ في الوقت الحالي في ظل الظروف الحالية، إلا أن تنفيذه لاحقاً يشكّل تعزيزاً لمصداقية الجهات الرقابية على مختلف المنتجات وتعزيز سلطة القانون الذي نحن أحوج ما نكون إليه الآن ولاحقاً، وفي ظل ما هو متوفر من إمكانيات يتطلب تشديد الرقابة لحماية سلامة المستهلك والتشدد على الأسعار التي وصلت لبعض السلع إلى أكثر من ثلاثة أضعاف حيث لم تعد تكفي الدخول الثابتة قبل الأزمة للاحتياجات الأساسية وقد نكون أحوج من تشريعات إطارية في الوقت الراهن بل إلى إجراءات ترافقها قرارات وإجراءات متشددة وإلى الأدوات التي تنفذ هذه التشريعات والقرارات وإلى ضمير حي يضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار ليس فيمن يطبق التشريعات بل حتى في كل مفاصل العملية والإنتاجية والتسويقية والتجارية وغيرها من المفاصل؛ حيث يعدّ فرض أحكام قضائية رادعة بحق المخالفين وإيجاد آلية مراقبة فعالة لكل مراحل الإنتاج والخدمات المتعلقة من نقل والقيام بدوريات مفاجئة على الباعة النهائيين وإعادة الحياة إلى الرقابة الشعبية أموراً قد تكون مؤثرة.
 
كي لا نقع فريسة
ويضاف إلى ذلك أن التوسع بإحداث مراكز البيع التابعة للدولة بمختلف أشكالها قد تسدّ بعض الثغرات في السوق بالإضافة إلى متابعة معالجة تحسين دخول الموطنين عبر زيادات على الرواتب وتفعيل وتمويل صناديق الإعانة الاجتماعية وإحداث صناديق جديدة على المدى المتوسط كي لا نقع فريسة أصحاب النفوس الضعيفة من التجار.