بين التجاذبات والاتّهامات والمخالفات..القطاع المصرفي في سورية لا يزال "وجهة نظر"!!

بين التجاذبات والاتّهامات والمخالفات..القطاع المصرفي في سورية لا يزال "وجهة نظر"!!

الأزمنة

الأحد، ١٥ ديسمبر ٢٠١٣

الأزمنة- وسيم وليد إبراهيم
قضية عادت لتُطرح من جديد حول تبعية المصارف في سورية، ففي آخر التصريحات أكّد وزير المالية إسماعيل إسماعيل أمام مجلس الشعب، ضرورة إنشاء هيئة عامة للإشراف على المصارف تتبع لمجلس الوزراء، كما شهدت مناقشة ميزانية وزارة المالية في "لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب" تساؤلات تتضمن تبعيّة المصارف.. وعلى خلفية هذا النقاش طرح بعض الحضور فكرة إحداث هيئة عليا للمصارف على أن تكون مستقلة عن الوزارات وتتبع إلى رئاسة "مجلس الوزراء" وترتبط بها، حتى تنتهي تجاذبات التبعية الإدارية للمصارف وتتمكن بموجب هذه الهيئة من التحرك بالمرونة التي يقتضيها عمل المصارف.
وهنا لابد من طرح عدة أسئلة تتعلق بهذه الفكرة.. هل بإنشاء هيئة مستقلة تنظّم عمل المصارف يمكن أن تحل معضلة تبعية المصارف والتجاذبات بين الجهات حول مسؤولية الإشراف على القطاع المصرفي؟..
 
فضلية: الهيئة فكرة جيدة ويمكن أن تمنح المصارف استقلالية.. وتبعيّتها للمالية مخالف للقانون
الخبير الاقتصادي عابد فضلية أوضح في تصريحه لـ الأزمنة، أن فكرة إنشاء هيئة مستقلة تتبع لرئاسة "مجلس الوزراء" بحيث تكون مظلة للمصارف العامة، تعتبر فكرة جيدة وإيجابية كونها ستمنح استقلالية نسبية للمصارف ومرونة في عملها ويجنبها الكثير من البيروقراطية والتدخل من الوزارة التي تتبع لها المصارف سواء "وزارة المالية" أم "وزارة الاقتصاد.
وأشار فضلية الذي كان مديراً سابقاً للمصرف العقاري"، إلى أن هذه الفكرة أتت نتيجة معاناة المصارف لفترات طويلة وغياب وضوح وحدود المسؤولية بين المصارف و"وزارة المالية"، منوهاً إلى أن المصارف تعاني من العديد من التدخلات في شؤونها لم تكن واردة في الصكوك القانونية الناظمة لعملها، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الفنية والإقراض والتسليف والمسائل الإدارية، "فعانت المصارف العامة إلى حد ما من تداخل الصلاحيات، وليس في المصارف فقط بل أيضاً كان هناك تداخل في الصلاحيات بين وزارة المالية والمصرف المركزي عدا عن تكرار التوجيهات وعدم تطابقها".
ولفت إلى أنه من الضروري في حال تم تشكيل الهيئة فإنه يجب توخي الشفافية في النصوص القانونية التي ستحدثها، بالإضافة إلى أهمية أن تكون النصوص القانونية دقيقة، مؤكداً على أن تشكيل الهيئة يعتبر أفضل من بقاء المصارف على وضعها الحالي وأن تكون تابعة لوزير معين، لأن الهيئة من شأنها أن تحقق استقلالية إدارية نوعاً ما للمصارف، "مع الإشارة إلى أنه يجب أن تتبع المصارف إلى المصرف المركزي من الناحية الفنية فنياً فقط".
وبالنسبة لتشكيل مجلس إدارة الهيئة، أوضح فضلية أن هذا المجلس يجب أن يضم فنيين مصرفيين وإداريين وماليين واقتصاديين سواء "اقتصاد جزئي أو كلي"، لأن العمل المصرفي يعتبر عملاً متنوعاً فهو لا يقتصر على العمل النقدي أو المالي أو الإداري، بل أيضاً هو عمل يسير ضمن سياق استراتيجيات الاقتصاد الكلي وأهداف الحكومة، بحيث يكون قادراً على تحقيق أهداف عليا واستراتيجية.
وعن فكرة إنشاء منصب يسمى "نائب الوزير لشؤون المصارف" أكد الخبير الاقتصادي عابد فضلية، إنه في حال عدم إنشاء هيئة مستقلة تتبع لها المصارف فإنه من الأفضل إنشاء هكذا منصب أو منصب معاون وزير لشؤون المصارف، وأن يكون متفهّماً ومتخصصاً بالقطاع المصرفي "فنشاط القطاع المصرفي وتطويره لا يتحقق بتبعيته لشخص معين بل من قدرة هذا الشخص على تفهّمه للقطاع المصرفي وكيفية جعله أكثر نشاطاً وخدمة لجميع العملاء".
ولفت فضلية إلى أن تبعية المصارف حالياً إلى وزارة المالية يعتبر أمراً مخالفاً للقانون، حيث إن القانون الذي فصَل وزارة الاقتصاد عن وزارة التجارة الداخلية أعاد المصارف إلى وزارة الاقتصاد ولكن حالياً نجد أن المالية هي التي تدير المصارف.
مصدر في الاقتصاد: المصارف للاقتصاد.. وهيئة مستقلة يمكن أن تنهي التجاذبات
مصدر في وزارة الاقتصاد فضّل عدم ذكر اسمه أوضح لـ الأزمنة، أنه يجب أن تعود المصارف إلى عهدة وزارة الاقتصاد وخاصة بعد فصلها عن وزارة التجارة الداخلية، حيث إن قانون فصل الوزارتين أعاد مسؤولية الإشراف على المصارف إلى عهدة وزارة الاقتصاد، لافتاً إلى أن وزارة الاقتصاد لم يتم تمثيلها حتى في مجلس النقد والتسليف، متسائلاً عن كيفية وضع منصب حاكم مصرف سورية المركزي ضمن مجلس النقد والتسليف فهو وفق ما ذكره المصدر أمر غير متعارف عليه دولياً وغير منطقي، فمن الأفضل أن لا يكون الحاكم معيناً في مجلس النقد والتسليف. وأكد المصدر أن إنشاء هيئة مستقلة تتبع لها المصارف يمكن أن ينهي التجاذبات حول تبعية المصارف. وعن مجلس إدارة الهيئة وأعضائها أوضح المصدر، أنه يجب أن يتكوّن مجلس إدارة الهيئة في حال تشكيله من خبراء مصرفيين كما هو الحال في القطاع المصرفي الخاص، بالإضافة إلى المستشارين، ومن الضروري وضع وزير المالية ووزير الاقتصاد ضمن مجلس إدارة الهيئة للمشاركة في الآراء لأن التفرّد بالرأي أمر غير منطقي في الأمور الاقتصادية.

طالب: الهيئة يجب أن تدرس واقع القطاع المصرفي وتعمل على تطويره
الخبير الاقتصادي نضال طالب أوضح في تصريحه للأزمنة، أن إنشاء هيئة مستقلة للقطاع المصرفي لا يمكن أن ينهي الجدل حول تبعية المصارف إلا في حال أن تكون الهيئة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء ومشكّلة من الوزراء المعنيين بالقطاع المصرفي مثل وزير المالية و وزير الاقتصاد، وأن يكون رئيس الهيئة هو رئيس مجلس الوزراء. ولفت إلى أن إنشاء الهيئة يعتبر حلاً سليماً لأنه يجمع الأطراف على طاولة واحدة، ويمكن أن يضع حلاً لجميع المشكلات التي تواجه القطاع المصرفي، وبالطبع هذا الحل هو أفضل من الواقع الحالي للقطاع المصرفي وإبقائه بين تجاذبات وزارتي المالية والاقتصاد.
وعن مدى قدرة هذه الهيئة بإحداث اختلاف في عمل القطاع المصرفي في حال تم إحداثها قال طالب: "لا أتوقع أن نجد اختلافاً في طبيعة عمل القطاع المصرفي في حال إنشاء هذه الهيئة ولكن يمكن أن تحل العقبات التي تواجه عمل المصارف، كون جميع الأطراف المعنية في العمل المصرفي ستجلس على طاولة واحدة وبالتالي إيجاد حلول سريعة دون تجاذبات".
ولفت إلى أن الكثير من الهيئات أحدثت، إلا أنها لم تغير من طبيعة عمل القطاعات المشرفة عليها حتى أنها لم تطوره، فالهيئة التي يجب إحداثها يجب أن تسهل عمل المصارف، لذا فإن التشريع الجيد الذي سيعمل على إنشاء هذه الهيئة يجب أن يشخِّص واقع القطاع المصرفي في سورية بشقِّيه العام والخاص، كما يجب أن يدرس الثغرات والعقبات التي تواجه عمل المصارف وإيجاد حلول لها، لذا فيجب أن يكون التشريع متكاملاً.
ونوّه طالب إلى أن القطاع المصرفي حالياً يعاني من مشكلات تنظيمية مثل أسس التمويل ومسؤوليته وحركة التحويل والعلاقة مع مجلس النقد والتسليف ومع المصرف المركزي وغيرها من الأمور، لذا يجب أن يأخذ التشريع وقته الكافي من حيث الدراسة وأن يكون حلاً لعقبات القطاع المصرفي.
وأضاف: "على الرغم من دعم القطاع المصرفي في سورية إلا إنه لم يكن بالمستوى المطلوب من حيث تقديم خدماته للمواطن، وذلك في حال مقارنة خدماته وأدائه مع أداء وخدمات القطاعات المصرفية في الدول المجاورة، حيث يعاني القطاع المصرفي السوري من ضعف التنظيم والأتمتة حتى أنه يعاني من ضعف الكوادر، لذا لابد من أن تكون الهيئة قادرة على حل جميع المشكلات التي تواجه القطاع المصرفي السوري، وتحسين مستواه وأدائه لكي يستطيع أن يؤسس ويساهم في الاقتصاد السوري، وأن لا تكون الهيئة كغيرها من الهيئات التي تم تأسيسها على الورق ولم تقدم أو تساهم في تطوير قطاعاتها أو المساهمة في الاقتصاد السوري بشيء".

رئيس نقابة عمال المصارف بدمشق: لا نحتاج إلى عبء إضافي وكوادر إدارية تعزز الروتين
رئيس نقابة عمال المصارف والتأمين في دمشق حسام منصور أوضح في تصريحه للأزمنة، أن الهيئة من شأنها أن تزيد العمل المصرفي عبئاً فوق العبء الحالي، متسائلاً عن سبب إنشاء الهيئة طالما هناك مجلس للنقد والتسليف بالإضافة إلى المصرف المركزي.
وأكد منصور أن تشكيل هيئة مستقلة للمصارف لن يجدي نفعاً؛ قائلاً: "بدلاً من تشكيل هيئة مستقلة يجب تفعيل عمل المصارف وتحديث الأنظمة والقوانين التي تعمل في إطارها المصارف وذلك لخدمة مصلحة الوطن والمواطن، لا أن نزيد العبء عبئاً إضافياً".
وأضاف منصور: "تم إحداث قوانين تخدم المصارف الخاصة وتدعمها، في حين أنها لم تقدم أي استثمار يفيد الاقتصاد السوري أو المواطن السوري، وهنا تكمن أهمية تعديل القوانين التي من شأنها إلزام المصارف الخاصة بتقديم خدماتها للاقتصاد السوري".

أسئلة للقطاع المصرفي
وأكد رئيس نقابة عمال المصارف على أنه لا أهمية لمن تتبع المصارف؛ بل الأهم من ذلك هو القدرة على جعل القطاع المصرفي أكثر فعالية. وسأل رئيس نقابة عمال المصارف في دمشق: "هل أدت المصارف العامة دورها؟ وهل استطاعت المصارف العامة تحصيل الديون المتعثرة من "كبار المقترضين" الذين أخذوا القروض وغادروا البلاد؟ بالطبع لم تستطع لأن هناك قصوراً بالقوانين والأنظمة". وأشار منصور إلى أن إنشاء هيئة مستقلة للمصارف من شأنه أن يزيد الروتين والبيروقراطية، مضيفاً: "نحن بغنى عن كوادر إدارية إضافية، فيجب تقليص الإدارات لا تزويدها".

الهيئة يجب أن تكون أداة لتفعيل القطاع المصرفي لا العكس!!
بعد عرض السابق يتضح لنا أن القطاع المصرفي يعاني من تداخل المسؤوليات والصلاحيات وهذا من شأنه أن يعيق العمل المصرفي، وأن إنشاء هيئة مستقلة تشرف على المصارف من شأنه أن يساعد على تحديد وجهة واحدة للمصارف ومظلة تشرف على عملها وخاصة إذا شملت هذه الهيئة اختصاصيين وخبراء بالإضافة إلى الجهات المعنية بعمل المصارف وذلك لإبداء الآراء حيال القضايا والصعوبات التي تواجه العمل المصرفي واتخاذ القرارات بشكل سريع دون تناقض أو تداخل، مما يتيح تفعيل عمل القطاع المصرفي أكثر، مع الإشارة إلى أهمية أن تكون الهيئة أداةً لتسهيل عمل المصارف وإلزامها بتقديم خدماتها للاقتصاد الوطني وللمواطن لا أن تكون الهيئة مجرد هيئة تزيد من عدد المعاملات والقرارات والتوقيعات والروتين.. بل على العكس يجب أن تكون عاملاً لاختصار الزمن في اتخاذ القرارات وحل المشكلات وجعل القطاع المصرفي مساهماً حقيقياً في الاقتصاد السوري.