المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012
بين استراتيجية الفكرة والرهان على التطبيق

المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012 بين استراتيجية الفكرة والرهان على التطبيق

الأزمنة

السبت، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٢

منذ ما يتجاوز العقود الخمسة بدأت ظاهرة تنمو على أطراف المدن السورية وخاصة الرئيسية منها كدمشق العاصمة وحلب وحمص وهي ظهور تجمعات بشرية بطريقة عشوائية بدأت تحيط بالمدينة وتشوه مداخلها والطرق المؤدية إليها؛ مما شكل تهديداً حقيقياً للبيئة الاجتماعية والعمرانية المدنية وخلق تجمعات بشرية وبنائية لا تتجانس مع المدن التي نشأت حولها أضف إلى التضارب في الامتداد مع ما يفرضه التوسع التنظيمي العلمي لهذه المدن.
ولم تولِ الحكومات المتعاقبة الاهتمام الكافي لتلك الظاهرة رغم صدور العديد من القرارات للحد من انتشارها كان آخرها المرسوم (40) في العام 2012 الخاص بمخالفات البناء, إلى أن تطورت وتجاوزت الحدود المنطقية من حيث الكثافة السكانية والطريقة الإنشائية التقليدية وغير الآمنة للأبنية المنشأة في تلك المناطق وبدأت تشكل ضغطاً على الحكومة من حيث حاجتها إلى البنية التحتية والخدمات.. وكانت الخطوات المتخذة في هذا المجال تعتمد على مبدأ (السكاجة أو الترقيع) الأمر الذي فاقم الوضع سوءاً وكان لذلك الإهمال عدة أسباب كما يقول الخبير الاقتصادي الدكتور رسلان خضور أهمها الفساد الذي كان متفشياً.. إذ إنه وبرغم طرح العديد من المشاريع الاستثمارية لمناطق السكن العشوائي منذ سنوات عديدة ومن قبل شركات سورية مع شراكات غير سورية, إلا أن وجود أشخاص فاسدين وبعض المضاربين العقاريين الذين وجدوا أن هذه المشاريع المطروحة لن تحقق ما يصبون إليه من مكاسب خاصة وطموحات مادية, أدى إلى التعامل بإهمال مع هذه المشاريع ولم تؤخذ أهميتها على محمل الجد!!..
ويشكل المرسوم 66 الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد خطوة حقيقية وجدية في مجال تنظيم مناطق السكن العشوائي. وتأتي أهميته من السرعة في إنجازه؛ إذ إنه ورغم التأخر كثيراً في معالجة مناطق السكن العشوائي إلا أن الوقت الحالي والظروف سرّعت من اتخاذ القرار في معالجته.. والجميع يأمل أن يتم ضبط الفاسدين وإبعادهم عن هكذا مشاريع للوصول بها إلى الغاية التي صدرت المراسيم لأجلها!!..
أهمية المرسوم
تأتي أهمية المرسوم من صدوره في توقيت وظروف استثنائية تمر بها سورية حيث فرضت الأزمة الراهنة ونتيجة لاستخدام المجموعات المسلحة في معظم نشاطاتها وتجمعاتها من مناطق السكن العشوائي بيئة حاضنة وملاذاً لها لما تشكله هذه المناطق وبسبب الطريقة الإنشائية لها مكاناً جيداً للاختباء والانخراط ضمن السكان وبعدها عن المراكز الأمنية, إضافة إلى تشكيلها تهديداً للقاطنين فيها.. وفي تصريح لـ "سانا " أوضح المهندس عمر إبراهيم غلاونجي نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات وزير الإدارة المحلية أن المرسوم 66 يمثل استجابة لأولويات عمل الحكومة ورؤيتها لتجاوز تداعيات الأزمة التي تمر بها سورية وكخطوة أولى من خطوات إعادة إعمار مناطق المخالفات والسكن العشوائي وخاصة التي تم استهدافها من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة وذلك بتنظيم وبناء تلك المناطق لتصبح مناطق تنموية ذات صبغة عمرانية متميزة وذات كفاءة عالية تحقق كثافات عمرانية وسكانية متنوعة وتوفير جميع الخدمات اللازمة للقاطنين اجتماعياً واقتصادياً وخدمياً وبيئياً..
يقول عبد الرحمن من قاطني أحد مناطق السكن العشوائي: "إن الظروف المعاشية فرضت علينا السكن في هذه المناطق بسبب انخفاض التكاليف وأسعار المنازل أو الإيجارات. وهذا المرسوم قد يعطينا فرصة أفضل في الحصول على بيت فيه مواصفات بيت بمعنى الكلمة صحية على أقل احتمال".
أبعاد المرسوم
لم يأت المرسوم وفي هذا التوقيت والظرف بالذات كمرسوم في الجانب التنظيمي العقاري وإنما تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك فشمل في مضمونه وبنوده استراتيجية سياسية اجتماعية واقتصادية من شأنها الانتقال بالتنظيم العمراني إلى أبعد من مجرد سكن.. إنه انتقال إلى مشاريع نهضوية تعنى برفع السوية الاجتماعية والخدمية والاقتصادية لشريحة واسعة من المجتمع السوري بغية الوصول به إلى المستوى الذي يستحقه المواطن السوري.. فيقول المهندس غلاونجي وحسب تصريحه لـ "سانا" إن خصوصية المرسوم تأتي من أحكامه الواردة التي تكفل السرعة واختصار الزمن اللازم لتنفيذ تلك المناطق التنظيمية وتحقيق عدالة أكبر للمواطنين قياساً إلى ما كان معمولاً به في الفترة السابقة.
البعد السياسي الاجتماعي
تشكل المجتمعات القاعدة الأساسية لأي خطوة سياسية تضعها الحكومات.وتبنى عليها الخطوات التي يجب أن تقوم بها لخلق قاعدة مواطنية قوية تدعم التوجهات السياسية التي تتبناها القيادة فارتباط السياسة بالمجتمع ارتباط وثيق وبقدر متانته يكون الوطن قوياً. وقد عانى المجتمع السوري وفي ظل حكومات عدة إهمالاً كبيراً للعديد من النواحي المهمة في حياته وإحدى هذه النواحي المهملة هي تنظيم مناطق السكن العشوائي وتخديمها..
يقول المحلل السياسي عبد الله منيني إنه عندما نتحدث بالسياسة نتحدث عن مجتمع لأن الفعل السياسي هو الارتدادات الطبيعية لحالة المجتمع وتطلعاته ورؤاه. وفي العودة إلى ما جرى في سوريا كان واضحاً جداً وجود مطالب محقة نادى بها معظم المواطنون السوريون ترتبط بالوضع الاجتماعي والمعيشي اليومي وتلك الأصوات استقبلت من القيادة السورية بآذان صاغية وجرى وضع منهجية عملية ترتبط برؤية سياسية واضحة عنوانها الحفاظ على وحدة المجتمع السوري. ويتابع منيني حديثه عن نتائج إهمال هذه المناطق من قبل الحكومات السابقة والنتائج الكارثية التي أدّى إليها ذلك الإهمال وعن أهمية المرسوم بمعالجة هذه النتائج بقوله: "إن معظم تجمعات السكن العشوائي والتي تعاني من تراجع حقيقي في التنمية الاجتماعية والبنى التحتية وصولاً إلى تحقيق العدالة الاجتماعية المطلوبة للنهوض بأي مجتمع شكلت بيئة حاضنة لفكر دخيل على المجتمع السوري لبس لبوس الفكر الديني مستغلاً الوضع الذي تعاني منه معظم هذه المناطق ودرجة الابتعاد عن الواقع والتدني في المستوى العلمي والمعرفي وانتشار البطالة عدا عن الآفات المجتمعية من تعاطي مخدرات وغيرها والتي أمنت مناخاً فعلياً لمن يريد أن يقوم بمثل هذه الإساءات المرفوضة اجتماعياً وأخلاقياً وقانونياً ودينياً لذلك نرى أن المرسوم 66 جاء برؤية سياسية تعي تماماً أن الخروج مما تعانيه سورية المتجددة التي نصبو إليها جميعاً تحتاج إلى رسم خارطة مجتمعية ترتبط بالتوزع السكاني وإيجاد حلول منطقية للقاطنين في مناطق السكن العشوائي دون إجحافهم أو ظلمهم في محاولة لخلق رافعة جديدة تساهم في النهوض المجتمعي ونسف كل الأخطاء التي ارتبطت بمثل هذه التجمعات من قرارات إدارية أو تنظيمية لم تلمس حاجة المواطن وهمّ الوطن, فالمرسوم 66 هو خطوة أساسية تتزامن مع سلة من المراسيم والقوانين التي تشكل فيما بينها خارطة عمل وطنية تشترك فيها الجغرافيا والمواطن والحكومة.
ويعبِّر سميح عن الآمال التي يبنيها على تنفيذ هذا المرسوم بكل ما يتضمنه من بنود بقوله: "نتمنى من القيِّمين على تنفيذ هذا المرسوم الالتزام ببنوده كاملة وأن لا يتم التلاعب عليها كما كان يحدث سابقاً من تفريغ للقوانين من مضمونها لأن هذا المرسوم يشكل نقلة نوعية في النظرة إلى المواطن وإلى حقه في أن يحيا في بيئة اجتماعية سليمة ينال فيها حقوقه الحياتية التي يستحقها.
البعد الاقتصادي
تضمن المرسوم في بعده الاقتصادي العديد من البنود التي توفر على المواطنين القاطنين في المناطق الخاضعة للتنظيم أعباء مالية نتيجة الانتقال من مناطقهم إلى مناطق سكنية أخرى والغاية منه التعاون مع المواطن في تنفيذ هذا المشروع دون تأخير.. وتم تكليف محافظة دمشق للقيام بذلك حيث يقول الغلاونجي وضمن تصريحه لـ " سانا "إنه سيتم حل مشكلة الإشغالات السكنية المخالفة من خلال قيام الوحدة الإدارية بتأمين السكن البديل ومنح بدلات الإيجار للشاغلين خلال أعمال التنفيذ بما يضمن راحة الشاغلين وعدم تكبيدهم أي مبالغ مالية وبيّن أن المحافظة تتحمل جميع نفقات التنظيم وتنفيذ البنى التحتية والمرافق وتخديمها وتطويرها وتوفير ما يقارب 400 ألف فرصة عمل خلال فترة الإنجاز إضافة إلى فرص العمل الدائمة التي ستنشأ من خلال إقامة المشروعات الاستثمارية والخدمية.
أما الخبير الاقتصادي الدكتور رسلان خضور فقد رأى المرسوم من وجهة نظر أخرى قائلاً: "من الناحية الاقتصادية كانت مناطق السكن العشوائي تشكل حالة تجميد اقتصادي للمناطق التي تقوم عليها لأنها عملياً هي خارج المخططات النظامية للمدن ولم يكن بالاستطاعة البيع أو الاستثمار أو الاقتراض من البنوك ولذلك كانت هذه المناطق تشكل تجميداً لمساحات كبيرة وفي مناطق استراتيجية من الممكن استثمارها اقتصادياً.. وبتحويل هذه المناطق إلى منطقة منظمة تخضع للشروط التنظيمية سوف يجعل الحركة الاقتصادية فيها أقوى وأفضل لأنه سوف يتم بناءً على تنظيمها إصدار صكوك ملكية نظامية تنطبق عليها شروط الإقراض والاستثمار والبيع والشراء وهذا من شأنه تدوير الأموال وتحريك الاقتصاد في تلك المناطق.
ويتابع الدكتور خضور: إن هذا المرسوم بتفاصيله يندرج تحت بند المشاريع الوطنية الاستراتيجية التنموية ويشكل بداية موفقة لمشاريع أخرى تصب في نفس النطاق، فهذه المشاريع تشكل بحد ذاتها حلقة اقتصادية متكاملة لما توفره من مناخ ملائم لقيام فعاليات اقتصادية تبدأ في فترة الإنجاز بخلق فرص عمل للعمال العضليين والذين يشكلون شريحة واسعة ومهمة في النسيج الاجتماعي إلى المكاتب الهندسية وشركات الدراسات وشركات الاستثمار العقاري انتقالاً إلى ما بعد الإنجاز من استثمار البنى التحتية إلى الاستثمارات الاقتصادية الخاصة من بيع وشراء واستثمار منشآت.
ويرى الدكتور رسلان خضور: "بما أن هذا المرسوم سيكون تجربة أولى في مجال تنظيم مناطق السكن العشوائي فقد نجد فيه خلال التنفيذ أو ما بعده مجموعة من الثغرات أو النواقص وهذا ليس عيباً ولكن لا عيب أيضاً من تعديل المراسيم والقرارات الناظمة لهذه المشاريع ليتم تعميمها على بقية المناطق التي من الممكن أن تخضع للتنظيم وتنفيذها على أكمل وجه وتؤدي الغاية المرجوة منها.

عماد ونوس