"توب العيرة مابدفي" ..رصيدنا من الموارد البشرية يكفي للإقلاع بثورة علمية مذهلة

"توب العيرة مابدفي" ..رصيدنا من الموارد البشرية يكفي للإقلاع بثورة علمية مذهلة

الأزمنة

الأربعاء، ٢٧ يوليو ٢٠١١


بالرغم من أننا غير قادرين على الاستغناء عنهم بالشكل الكامل إلا أنه من غير المقبول أن نقع في غرامهم إلى درجة الهيام.. ويجب أن يكون ما فعله الأوربيون عبر مقارهم في بلدنا قبل وخلال الأزمة التي نمر بها درساً لا ينسى، حيث علقوا بين ليلة وضحاها جميع نشاطاتهم في مؤسساتنا غير آبهين بدرجة الضرر التي يمكن أن تخلفها قراراتهم هذه.
الخبراء، هذا السلاح ثنائي الحد نحتاجه ويمكن الاستغناء عنه، لكن يمكن أن نقول إنه لم تعد مؤسساتنا قادرة على تحمل المزيد من الأخطاء المقصودة أحياناً أو الناتجة عن فقر الخبرة أو بعد النظر أحياناً أكثر، لقد وصل مسؤولونا إلى درجة لا يستشيرون أصحاب الخبرات التي حولهم إلا بالأمور الفنية وبعض القانونية، وإن استسلموا لهذه الخبرات، إصبعهم تشير أتوماتيكيا إلى الخبير الأجنبي صاحب القبعة والشنطة، بينما لا تزال خبراتنا الوطنية تحملق مستغربة تهميشها وعدم الثقة بها، تحملق والدهشة تغزو كيانها، ملايين الدولارات يحصدها الأجنبي حين تستخسر بهم القروش.. وهنا نتساءل كيف لمؤسساتنا أن تقلع وهي لا تزال في طور التجاذبات مع بيوت الخبرة في وقت لم تعد استحقاقات المرحلة القامة تحتمل التأخير؟ ولماذا لا تزال ثقتنا بخبراتنا الوطنية مهزوزة بينما هي مستعدة لتقديم الغالي والنفيس في سبيل تقدم بلدها؟.. وهل ما نمر به يمكن أن يغيّر من آلية التعاطي مع خبراتنا أو مع تلك الخبرات المستوردة؟.

الفرنجي برنجي
الأقوال تتضارب فهناك من يصر على عبارة "الفرنجي برنجي" وهناك من يرى أن "زوان البلد ولا حنظة جلب".. بعض المدراء والمسؤولين ممن يجدون في وجود الخبير الأجنبي مكسباً مادياً ومعنوياً أياً كانت النتائج يأخذون بالمثل الأول وبعضهم الآخر يرى بإمكانية الاستفادة من الخبرات الوطنية معتبرين أن الأمر يؤدي إلى ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحدة الأول هو الاستفادة من هذه الخبرات وتطويرها عبر ممارستها العمل الحقيقي في مواقعه، والثاني توفير مبالغ على الخزينة العامة، والثالث إعادة الثقة لهذه الخبرات وتوفير المناخ الملائم لبناء مؤسسات وطنية بخبرات وطنية.. الغريب أن بعض مسؤولينا لا يكاد يستشعر الحاجة إلى استشارة صاحب الاختصاص وذي الخبرة والمهارة المناسبة إلاّ بعد أن تستفحل المشكلة وقد يكون من العسير تدارك الأمر أو بعد أن تصبح الخسائر قد جاوزت الحدود المعقولة.. والغريب أكثر أن بعض مسؤولينا يعتبر اللجوء إلى الخبرات المحلية كمن يلجأ إلى الطب العربي أو إلى بعض الشعوذات.. حيث يلتجئ البعض إلى المشعوذين والبصارات لحل عقد إدارتهم الناتجة عن عقدهم دون الالتجاء إلى الخبراء أو المستشارين المقتدرين تحت ذريعة أنهم يعلمون كل شيء ويحيطون بكل خفايا مؤسساتهم.
فلا يستطيع أحداً إنكار أن بلدنا لديه من الموارد البشرية ما يكفي للإقلاع بثورة علمية قادرة على إنجاز قفزات نوعية في حال توفرت لها المناخات المناسبة، وعلى سبيل المثال هناك الكثير من الموظفين وفّروا على مؤسساتهم الكثير من المال نتيجة جهود فردية قاموا بها من باب الغيرة الوطنية على مؤسساتهم كان يمكن أن يُستدعى للقيام بها خبراء أجانب لولا الاندفاع الذاتي لهؤلاء الموظفين.
إذاً الاستعانة بخبرات أجنبية أصبح ممكناً الاستعاضة عنها بتأهيل كوادر سورية توفر تكاليف استقدام الشركات والخبرات الأجنبية، كما توفر تكاليف الصيانة المستمرة التي تتطلب استقدام هذه الخبرات.

يصعب الوصول
من المفروغ منه أن الإدارة التي تقوم على النمط المتسلط تؤثر في مسار العملية المؤسساتية كاملة ومنها العملية الاستشارية وفي مصيرها فقد تنجح الاستشارة إذا تهيأت لها ظروف خاصة وإذا كانت عملية يسهل تنفيذها دون أن يكون لغير المدير العام أو المسؤول الأعلى دور في مسيرتها كشراء خدمات بسيطة ولكن عندما تكون للعملية أبعاد كثيرة وعناصر وعوامل ومتغيرات متنوعة في المنشأة يصبح تفرّد المدير الأعلى بها وارتباطها بذاته ضاراً بها.. فالمدراء بحاجة إلى إدراك أن المعلومات التي تنبثق عن خبرات العمل اليومي هي ثروة وأن قيمتها لا تقدر وأنه كثيراً ما يضطر العاملون إلى بذل الجهد المضاعف والوقت الثمين للحصول على معلومات أو بيانات كانت في متناول اليد لكنها مضت دون أن يعيرها أحد اهتماماً وقد يصعب الوصول إليها رغم الجهود المضاعفة بنفس الدرجة من الدقة لو أنها سجلت في حينها وكثير من الجهود الاستشارية تتعطل لنقص المعلومات والبيانات اللازمة.. ولا يقتصر الأمر على عدم توثيق المعلومات والبيانات للرجوع إليها عند الحاجة بل إن الموقف يتجاوز هذا مع بعض المديرين إلى العزوف حتى عن الاطلاع على البيانات والمعلومات التي لا تأتي في سياق العمل الروتيني اليومي رغم ما قد يكون لها من أهمية.. فقد يفوّض المدير المستشار في عملية من العمليات وقد يأمر العاملين معه بتسهيل مهمته ولكنه يقف من العملية موقفاً سلبياً فلا يلعب دوراً في الدراسة أو تجميع البيانات اللازمة ولا حتى دراستها بعد انتهائها بل يتخذ موقفاً فيه اعتمادية كاملة تقريباً على المستشار.. بالطبع المقصود هنا بالمدراء الذين يدركون أهمية الاستشارة- ولكن الاستشارة لا يمكن أن تنجح إلا إذا شارك المدير ومن معه من المسؤولين في منشأته في العملية من بدايتها، فعملية جمع الحقائق والبيانات وتفسيرها جزء هام وأساسي لنجاح الاستشارة وتحقيق أهدافها، وهنا لابد من الإشارة إلى إنه لدينا ظاهرة عدم الاهتمام بالرصيد الماضي في مؤسساتنا ومنشآتنا بالقدر الكافي وهي نتيجة الإهمال واللامبالاة في توثيق ذلك - وقد تحدثت الأزمنة في عدد سابق عن أهمية التوثيق ودوره في اتخاذا القرار الصائب - وبالتالي يجد المسؤول نفسه في حالة حيرة عندما تضطره الظروف للرجوع إلى الخبرات الماضية والحقائق التي انبعثت عنها.

لا نفع أن يكون متفرجاً
للأسف نحن لا ننظر للمستقبل بالصورة التي تؤهلنا للتخطيط لمواجهة الاحتمالات المستقبلية معتمدين على ما تعلمناه في سياق خبراتنا الماضية لمؤشر من المؤشرات التي نستعين بها لتوجيه الحاضر ومواجهة المستقبل.. وبالتالي من المهم هنا أن يدرك مسؤولونا أن المشاركة الحقيقية مع المستشارين الأكفاء هي عملية تدريبية في غاية الفعالية عليهم ألاّ يكابروا في التعامل معها أو أن يستهتروا بأهميتها فهي تزيد فهمهم لواقع مؤسساتهم وبالتالي سيكونون أكثر قدرة على تشخيص مشاكلها وتقدير الجهود والوقت اللازمين لحل أية مشكلة مشابهة لما مر بهم من مشاكل ساهموا مساهمة إيجابية في حلها هذا طبعاً بخلاف المدير الذي يتخذ موقف المتفرج ولا يعنيه سوى أن يقدم إليه الحل الجاهز.. وهنا لابد من الإشارة إلى أن بعض القيم الاجتماعية مازالت سائدة وتعطل مسار العمل بالشكل المطلوب كالمجاملة والاهتمام الشخصي نتيجة القربى أو المعرفة الشخصية، وإذا سلّمنا أنها قيم إيجابية بالعرف الاجتماعي إلاّ أنها سلبية بالمنطق الإداري والمؤسساتي..أيضاً هنا قضية لابد من ذكرها أو الإشارة إليها هو أن البعض يحاول الاهتمام والاطلاع على ما يقدمه الخبير الأجنبي بعد تحييد الخبير الوطني، ومع ذلك فالواقع يدل على أن كثيراً من الاستشارات التي قامت بها بيوت خبرة أجنبية انتهت إلى تقارير محفوظة في أماكن مهملة ولم ينتفع بها أحد.. ولا ينكر أن من تلك الاستشارات التي قامت بها بيوت خبرة أجنبية قد نجحت وحققت أهدافها، وكل ما في الأمر هو أننا نؤكد على توفير الضمانات لإنجاح مثل تلك الخبرات الاستشارية وتحقيق أكبر كسب منها، ليس فقط بالنسبة للمهمة التي تستدعي التصدي لها وإنما بالنسبة لتدريب الكوادر المحلية وتنميتها ومن المفضل كلما أمكن ذلك أن يكون لبيت الخبرة الأجنبي شريك وطني يتعاون معه ويتكلم باسمه.

بالمحصلة
إن ربحية أي مشروع تكمن في حسن وخبرة وأمانة إدارته، وسواء كان في القطاع العام أو الخاص أو الاستثمار، وكم من مشاريع أجنبية كُبرى خسرت لسوء إدارتها.. إن إصلاح القطاع العام يحتاج إلى الإخلاص في اختيار خبرات وطنية أمينة شريفة قادرة وغير مستزلمة، وليس تنفيعات عقائدية وقرابات ورشوات.. بلدنا لا يحتاج خبرات أجنبية إلا في النادر الذي لم تختبره سابقاً.. ولكنها تحتاج إلى كلمة كبيرة جداً وهي الإخلاص.. كما أن عدد الخبراء المحليين المتخصصين في سورية، مازال أقل من المطلوب وهذه المشاريع عمرها في سورية قصير، لذلك فإن نقل الخبرة لم يتجاوز عشر سنوات حتى الآن ومهنة الاستشارات لها قوامها، وليس من الممكن بناء مهنة في زمن قصير.. لكن بالمحصلة وفي يوم من الأيام لن يكون هناك فرق بين الخبير المحلي والخبير الأجنبي إلا فيما يتعلق بخصوصية البلد الذي يعمل فيه.
فيصل المحمد