الكذب لدى الأطفال... مظاهره وتأثيره

الكذب لدى الأطفال... مظاهره وتأثيره

الأزمنة

الأربعاء، ١ يونيو ٢٠١١


الكذب ذكر شيء غير حقيقي في القول والعمل والسلوك، بنيّة غش أو خداع شخص آخر من أجل الحصول على فائدة أو للتملص من أشياء غير سارة. فالكذب عادة من العادات السيئة واتجاه غير سوي يكتسبه الطفل من البيئة التي يعيش فيها. والكذب نزعة خطيرة وسلوك اجتماعي غير صحيح ينتج عنه الكثير من المشكلات الاجتماعية. بالإضافة إلى أنه يعوّد الطفل على هذا السلوك فينشأ كذاباً.
والكذب الذي يشغل بال الأهل والمربين خطر جداً.. ويجب عدم الاستهانة به..
ونظراً لتأثيراته السلبية كان هذا الحوار مع الدكتور رمضان محفوري الاختصاصي بالأمراض النفسية والعصبية ليحدثنا عن كافة مراحله وأنواعه مع الأسباب للعلاج والوقاية...
*- ما مفهوم الكذب.. وما هي مظاهره ؟
- الكذب عادة من العادات السيئة.. وسلوك اجتماعي، غير سوي يكتسبه الطفل من البيئة التي يعيش فيها. وهو نزعة خطيرة. والكذب الذي يشغل بال الأهل والمربين قد يكون بحكم مرحلة النمو التي يمرون بها. فالطفل قد يكذب لجذب انتباه الآخرين. وقد يكذب في سن 4- 5 سنوات لأنه يجد صعوبة في التمييز بين الخيال والواقع، وهذه حالة عارضة ومألوفة. وبالرغم من ذلك فإن له دوافع وقوى نفسية تؤثر في سلوك الطفل، وأما النوع الآخر من الكذب فهو اللااجتماعي ويكون عند أطفال المدرسة الابتدائية حيث يتم الكذب عن قصد لينفي الطفل عن نفسه تهمة أو ليدفع عن نفسه عقوبة أو ضرراً ما، أو للحصول على مكاسب أو ليحط من قدر الآخرين، أو للانتقام نتيجة الشعور بالغيرة.
*- هل للكذب مراحل يتطور من خلالها معتقد الطفل بالكذب ؟
- مراحل معتقدات الطفل حول الكذب هي ثلاثة على الأقل، الأولى: يعتقد الطفل بأن الكذب خطأ لأنه موضوع يتم معاقبته من قبل الكبار ولو تم إلغاء العقوبة لأصبح الكذب مقبولاً. أما الثانية: فمعظم الأطفال يكونون في هذه المرحلة في عمر ست سنوات، حيث يصبح الكذب شيئاً خاطئاً بحد ذاته ويظل كذلك حتى لو تم إلغاء العقوبة. وفي المرحلة الثالثة يكون حوالي ثلث الأطفال في عمر 12 سنة في هذه المرحلة، وهنا الكذب خطأ لأنه يتعارض مع المتعاطف والاحترام المتبادل.
ولمعرفة مستوى المرحلة التي وصل إليها الطفل يمكن طرح أسئلة: لماذا يعتبر ذكر الأكاذيب خطأ ؟ وهل يكون مناسباً أن تكذب إذا لم يعلم أحد ولم يقم أحد بمعاقبتك على ذلك ؟
*- هل للكذب لدى الأطفال أنواع ؟
- توجد أنواع عديدة للكذب.. أهمها: كذب التقليد ويكون هذا النوع من الكذب تقليداً للناس الذين يعيش معهم كالآباء والأمهات أو أحد الزملاء الذي يعجب بشخصيته. الكذب الخيالي وهنا يكذب الطفل لأنه يتخيل الأشياء وكأنها حقيقة واقعة، ولكنها في الواقع تكون من نسج خياله وهذا النوع من الكذب يعبر عما يعانيه الطفل في الأسرة. الكذب الالتباسي ويكون نتيجة الخلط بين الواقع والخيال. الكذب الادعائي حيث يكذب الطفل مدعياً وجود شيء ما عنده لشعوره بالنقص. الكذب الانتقامي يكذب الطفل وفقاً لذلك من أجل إبعاد التهمة عنه وينسبها لغيره. الكذب من أجل الامتلاك وحسب هذا النوع من الكذب، يكذب الطفل ليستحوذ على بعض الأشياء التي يرغب فيها ولا يستطيع الحصول عليها بالطرق الصحيحة والسليمة. كما توجد أنواع أخرى للكذب مثل الكذب العرضي، الأناني، الدفاعي، والكذب العنادي وغير ذلك من أنواع الكذب.
*- وما هي أسباب الكذب ؟
- توجد أسباب كثيرة لكذب الأطفال، بعضها يعود إلى خصوبة الخيال لديهم، وبعضها لتعويض الشعور بالنقص الحقيقي أو الخيالي عندهم ،ومنهم من يكذب تجنباً للعقاب. وفي أحيان أخرى يكذب بعض الأطفال من أجل إدخال السرور إلى نفوس والديهم، فمثلاً الطفل المقصر في مدرسته يكذب على والديه بحصوله على علامات عالية لأنه يعرف أنه بإعلامهم مثل هذه الأخبار الطيبة يدخل السرور إلى نفوسهم. كما أن عدم مراقبة الوالدين لسلوك الأبناء والتدقيق فيما هو صادق وكاذب في أقوالهم وأفعالهم قد يؤدي ببعض الأطفال إلى الكذب والاستمرار فيه.
*- وكيف يمكن تصنيف أسباب الكذب ؟
- كما يلي:
 1- تقليد سلوك الراشدين: فالطفل يتعلم الكذب من قدوة سيئة سواء في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع (كذب العدوى)، فمن المعروف أن الطفل يتعلم الصدق أيضاً من الكبار المحيطين به، فإذا كانوا يلتزمون في أقوالهم وأفعالهم حدود الصدق المرعية يمكن أن يقلدهم في ذلك، أما إذا نشأ في بيئة تقوم على الخداع وعدم المصارحة وإظهار الشك في صدق الآخرين، فإن ذلك يؤدي به إلى اتباع هذه الأساليب وسوف يتبع الكذب في تعامله مع الآخرين.
 2- يكذب الطفل نتيجة فشله في تحقيق النجاح، وخوفاً من العقاب. فالعقاب إذا كان مطرداً قاسياً لا يتناسب وما يتطلبه الموقف أدى إلى اتخاذ الكذب وسيلة للوقاية (الكذب الدفاعي).
3- كما يكذب الأطفال نتيجة الشعور بالنقص، فهم يلجؤون إلى ذلك الأسلوب تعويضاً عن عجزهم وقصورهم عن التوافق مع زملائهم ورغبة في تأييد ذواتهم.
4- الصرامة في المعاملة: فقد يؤدي قلق الوالدين على أطفالهم، والتشدد في تنشئتهم على الصدق، حيث يدققون في كل عبارة تصدر عنهم، والتضييق عليهم في كل صغيرة وكبيرة تصدر عنهم، تودي بالطفل إلى اللجوء للكذب كمحاولة للظهور بالمظهر الذي يرغبه الوالدان. كما أن الإفراط في تدليل الطفل في صغره، ثم تغيّر أسلوب المعاملة بعد ذلك مما يشعر الطفل أن الأمر السابق (الدلال) قد تغير- وهذا ما يرفضه الطفل – مما يدفعه إلى التمارض والكذب المرضي بغية العودة إلى ما كان عليه (الكذب الادعائي).
5- للمجتمع تأثير كبير في الطفل، حيث يتعلم منه أحياناً المواربة والنفاق الاجتماعي واختلاق الأعذار الواهية والنجاح بواسطتها، وإسقاط الذنب على الآخرين والهروب من المسؤولية والواجب. فإذا نشأ الطفل في بيئة تحترم الحق وتلتزم الصدق بقدر دعوتها إليه، كان من الطبيعي أن يلتزم الطفل الصدق. أما إذا سمع الطفل أحد أبويه مراراً يتشكك في صدق الآخرين أو شاهد أمه تتملص من المسؤولية الملقاة عليها بإدعاء المرض، أو إذا اشترك أحد الأبوين في خداع الآخر، أو إذا تم وعد الطفل مرات عديدة دون الوفاء بذلك. فالطفل في مثل هذه الظروف يتعلم أسلوب الخداع والغش والكذب المتكرر.
6- كما يكذب الطفل أحياناً كرغبة في تحقيق غرض شخصي، كأن يذهب الطفل إلى أبيه ويطلب منه النقود مدعياً أن والدته أرسلته لإحضار ذلك لقضاء بعض الحوائج، ولكن في الواقع أن الطفل هو من يريد النقود لشراء بعض حوائجه.
7- كما يكذب الطفل أيضاً ليتّهم غيره باتهامات يترتّب عليها عقابهم أو سوء سمعتهم. ويحدث هذا النوع من الكذب الانتقامي نتيجة الغيرة التي يشعر بها الطفل، أو نتيجة عدم المساواة في المعاملة بين الأبناء.
8- كما أن صغر عمر الطفل وعدم مقدرته على التمييز بين الواقع والخيال قبل سن خمس السنوات يؤدي به إلى ذكر بعض الأماني والرغبات والإفصاح عنها بطريقة ممكنة التحقيق. وهذا النوع من الكذب مرتبط بالناحية الخرافية والأسطورية. والتي تكون قد تكونت نتيجة ذكر بعض القصص له من الجدّ أو الأب قبل ذهابه للنوم مثلاً. فخيال الطفل قوي لدرجة تجعله أقوى من الواقع نفسه. فالطفل هناك لا يفرّق بين الواقع والخيال. وتلتبس عليه الأمور، وينتج عنده تداخل في الفهم، ويصعب التفريق بينها (الكذب الخيالي أو الالتباسي).
وهناك من يكذب من الأطفال ليشعروا بالسرور والمتعة لذلك. وقد يكذب الطفل بدافع الولاء لطفل آخر لتخليصه من مشكلة أو ورطة معينة.
*- وماذا عن الوقاية والعلاج ؟
- هناك طرق كثيرة كوقاية وكعلاج... وهي كالتالي:
- يحتاج الكذب إلى علاج نفسي في عمر باكر، فإذا تطور مع نمو الطفل في العمر وأصبح ظاهرة ملازمة لحياته، هنا يقوم الطفل بالمبالغة والتهويل واختلاق الأكاذيب وتلفيق التهم، الأمر الذي يخلق شعوراً بعدم تصديقه من قبل كل من يحيط به، مما يولد عنده الشعور بعدم حبهم واحترامهم له، وهذا يؤدي إلى فقدانه لاحترامه الاجتماعي.
- كذلك يجب البحث عن كل الأسباب الكامنة وراء الكذب والعمل على تحاشيها مع إعداد نظام تربوي سلوكي للطفل تطبقه الأسرة والمدرسة، وكل من له علاقة بالطفل، ولا بد من إعطاء الطفل المزيد من الثناء والتقدير لذاته، ولا بدّ من التعامل مع الطفل بصورة أقل قسوة. والعمل على تقديم إرشاد متخصص للطفل وأسرته.
- يجب تعليم الطفل القيم الأخلاقية، ولا بد من تبصيره بأهمية الصدق في القول والفعل وتشجيعه عليه باستمرار، فالاحترام المتبادل يبنى على الاتصال الصادق بين الناس، وأن كلمة الشخص لها أهمية كبيرة.
- أن يتصف الآباء والكبار المحيطون بالطفل بالصدق، ولا يجوز للآباء إعطاء وعود لأبنائهم غير قادرين على تنفيذها، فالتزام الأهل والمربين بحدود الصدق مع أبنائهم قولاً وفعلاً شيء ضروري للأطفال ليقلدوا سلوكهم.
- استخدام الثواب والعقاب: أي يجب أن يتعلم الطفل من خلال الخبرة أن الكذب لن يؤدي إلى النجاح، وأن الصدق سوف يؤدي إلى تخفيض العقوبة التي يتلقاها نتيجة سوء تصرفه، وأن الكذب الذي يؤدي إلى التستر على سلوك غير اجتماعي لن يؤدي إلى مزيد من العقوبة ويكون العقاب على شكل خسارة الطفل لبعض الامتيازات أو يتلقى عقاباً مزدوجاًَ ولا بد من استخدام العقاب الذي يتناسب مع حجم الخطأ دون تهوّر أو انفعال زائد وعدم المبالغة في التدقيق على كل كلمة يقولها الطفل.
- لا بد من تنمية الوعي الذاتي عند الطفل وإعطائه فرصة أخرى لتحاشي الكذب مع تشجيعه على الأمانة وقول الصدق بدلاً من استمرار الزجر والعقاب.
- إعطاء الطفل البدائل والخيارات، والاختيار بين الصدق والكذب كنموذجين في السلوك لبناء معيار الخير والشر في ضميره ووجدانه بثبات وبقناعة ذاتية لا بمخاوف خارجية سلطوية مؤقتة التأثير، وإعطاؤه الفرصة للتنفيس عن أحلام اليقظة لديه لتظهر على شكل تعبير صادق عن أحاسيسه بالرسوم والنشاطات والألعاب وممارسة الهوايات بدلاً من خروجها من صندوق الكبت اللاشعوري على شكل أكاذيب مفاجئة للأبوين والرفاق والمعلمين وغيرهم...
- العمل على إشباع حاجات الطفل قدر المستطاع وتوجيه الطفل إلى قول الصدق وتوجيه سلوكه نحو الأعمال التي تتناسب وقدراته الطبيعية مما يشعره بالنجاح.
- التقليل ما أمكن من العقاب وخاصة البدني، واللوم والتوبيخ، لما لذلك من أثر عكسي، فشدة العقاب تعمل على تبلّد الإحساس، وتجعل الطفل يتعود عليه ويحدث تثبيتا على السلوك غير السوي أي عكس ما يرغب الراشدون.
- استشارة الاختصاصي النفسي عندما يزداد كذب الطفل كلما تقدم في العمر بدون مبرر وفي معظم المناسبات، وذلك من أجل المساعدة اللازمة.
  وفاء حيدر