(المعونات الاجتماعية) من يتلاعب؟! والمتابعات الحكومية.. كالإنسانية

(المعونات الاجتماعية) من يتلاعب؟! والمتابعات الحكومية.. كالإنسانية "شبه الصفر"

الأزمنة

السبت، ٣١ أكتوبر ٢٠١٥

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
سرقة المعونات التي تقدمها المنظمات الغذائية والجمعيات الخيرية للاجئين والنازحين السوريين داخل سورية وخارجها باتت من الموضوعات المهملة رقابياً، الموظفون.. المعارف.. المتنفذون.. كلهم متهمون بسحب المعونة من فم اللاجئ المحتاج. ورغم التصريحات الحكومية بالمتابعة والمراقبة والملاحقة. فيمكنك أخي المراقب أن تجد أكثر من بائع للأغذية المخصصة للاجئين منتشرين في أوسع الطرقات والأسواق، والبضائع موضوعة على الرفوف في المحال تباع بأسعار مخفضة عن سعر المواد الغذائية الأخرى، وغير مخفضة في مطارح أخرى حسب جشع السارق وتبلد إنسانيته!!
هذه السرقة اللاإنسانية أصبحت هاجساً، وتزداد هذه الظاهرة مع المجاهرة بالبضائع. ومؤخراً باتت المغالاة في الأسعار والتمسك بها موضة جديدة عند سارقي المعونات، والبيع من دون "مكارمة" بحجة الخسارة!! كل هذا وذاك يحدث من دون وجود جهة رسمية تعاقب وتحاسب الفاعلين، هذا إن لم تكن تشترك معهم أساساً الجريمة منذ بدء القضية!.
 
بيع المعونات.. مهنة التجار والباعة.. والمحتاجين:
في جولة واسعة قمنا بها على أشخاص لاجئين موجودين في المدارس ومراكز الإيواء وجدنا أن بعضهم يضطرون لبيع مخصصاتهم من الأغذية وأدوات التنظيف للحصول على المال واستهلاكه في مصروفات أخرى.
صادفنا في أحد شوارع مدينة دمشق امرأة تبيع المنظفات الخاصة بالمعونات من محارم وشامبو وفوط أطفال ومواد أخرى للمارة في الطريق، وعندما استفسرنا عن السبب أجابت بسبب قلة الحال وهذا الحل الوحيد للحصول على شيء من النقود في ظل غياب رجل البيت والحاجة الماسة للنقود، وأضافت أنها لا حاجة لها بفوط الأطفال مثلاً أو الشامبو.. أما ما يتبقى من المعونة من مواد غذائية فهي قيد الاستهلاك طبعاً.
وفي جانب آخر قابلنا رجلاً ينزّل حمل من صناديق المعونة عند أطراف سوق باب سريجة، وعند سؤاله عن مصدرها وسبب بيعها، أجاب بعنجهية وقسوة "اللص المدعوم": هذا ليس من شأنكم.. انصرفوا قبل أن.... إلخ.
في جانب آخر من المسألة قابلت الأزمنة السيد "زهير مراد" أحد العاملين في مدارس اللاجئين وأفاد بخصوص توزيع الإعانات وتهريب بعضها للبيع في الخارج بأن المعونات توزع بشكل نظامي على المهجرين، ولا يوجد سرقة لحصة اللاجئ.. إلا أنهم عرفوا عن طريق الصدفة بمجموعة من الأشخاص من اللاجئين أنفسهم يهربون حصصهم بشكل دوري، من الأغذية والمنظفات وبيعها للمحال التجارية بأسعار أرخص من المنتجات الأخرى. ونحن لا نعترض على ما يفعل اللاجئ بحصته فهو حر التصرف بها.
 
الجمعيات الخيرية غير التابعة "للهلال الأحمر".. معظمها لصوص:
أفاد السيد ناصر أحد الواقفين في طابور استلام المعونة من إحدى الجمعيات الخيرية بأن الجمعيات الخيرية غير التابعة "للهلال الأحمر".. لصوص. وذلك لأن المعونة المستلمة من الجمعيات التابعة للهلال تختلف كلياً عن الموزعة عبر الجمعيات الخيرية المستقلة أو المستحدثة. ويمكن أن تلاحظ هنا عبر الأشهر المتعاقبة من وقوفك في الطابور ما يدخل وما يخرج من الأبواب الخلفية للجمعية.. وكيف يفرغ حمل في الجمعية وأحمال تذهب إلى جهات مجهولة..
عدا الاعتذار أحياناً من توافر المعونة وبأنها أجلت للشهر القادم.. والحيل دائماً جاهزة بأن الصناديق لم تصل على الطريق.. أو أن هناك توجيهات بتخفيض الكميات.. ومن يدري صحة ما يقول؟!
ويقول آخر بأن الانتظار قد يمتد حتى ست ساعات أحياناً.. وكثير من الأشهر عدت أكثر من مرة من دون أن أحصل على المعونة.. والمفارقة أنه بعد الانتظار تجد أن المعونة مزورة.. !!
بمعنى أن البطاقة الملصقة بمحتويات الصندوق تختلف عما يحويه بنقص في عدة مواد غذائية أو نقص في الكميات..
السيدة كوثر قالت بأن الجمعيات "الإنسانية" هي اللص الأكبر لمعونة النازح والفقير، لأنها تعتمد بيع الكميات المستجرة في السوق السوداء بعيداً عن فم المحتاج. ولو كانت هناك محاسبة أو مراقبة لأمكن ضبط هذه السرقات، ولأمكن مساءلة كل عامل في جمعية أو مؤسس لها "من أين لك هذا". فلا يخفى على الدولة كم من الناس أصبحوا من أصحاب الثروات في هذه الأزمة؟!
عدا أنه في الجمعيات التابعة للهلال الأحمر والمراقبة من قبله تجد فيها عدا السلة الغذائية كثيراً من الإضافات كالإكساء والأغطية وأغراض المطبخ وقرطاسية المدرسة وغيرها الكثير من المواد التي لا نراها في جمعيات أخرى نتيجة سرقتها.
السيدة أم محمد قالت بأنها مهجرة ومستقرة في منطقة الشيباني، وهي تعاني من غبن الجمعيات الموجودة في المنطقة للمهجرين بشكل أساس، لأن المعونات – كما رأت رأي العين- توزع على أهالي المنطقة ومعارف موظفي الجمعية ويبقى المهجرون من دون أي شيء.. وأقسمت إنها لم تحصل على معونة منذ أكثر من ستة أشهر.. وتقدمت بشكوى ولم تحصل على أي نتيجة!
 
تمثيلية مكررة لمتابعات حكومية!
التبريرات المسؤولة دائماً جاهزة. أي مسؤول قادر على التبرير لدى مساءلته، وإقناع السائل والمتضرر بأنه ومؤسسته مظاليم. وبأن الظالم اللجوج هو أنت، بعد سلسلة من اللف والدوران حول كم العمل المضني المفتعل من دون جدوى..
الحقيقة بأنه لا يستهويني التصريح الرسمي، ولا يمكن أن أتطلع لاستبيان حقائق أعلمها سلفاً بأنها ليست كذلك.. ويمكن أن أذكر هاهنا فقط تصريحاً سابقاً لأمين سر اللجنة الفرعية للإغاثة في محافظة دمشق الدكتورة ميرزت عبود قالت فيه ما أتكلم عنه.. "منذ بداية العمل الإغاثي كان الملف بيد وزارة الشؤون الاجتماعية، من خلال العمل الميداني مع فريق تطوعي بالاشتراك مع محافظة دمشق، وقامت هذه الجهات بوضع أفكار وبرامج وخلقوا شبكة إلكترونية للعاملين بالملف الإغاثي على مستوى محافظة دمشق، وأهم المنظمات المسؤولة هي الهلال الأحمر والأمانة السورية للتنمية مع لجان الأحياء والمخاتير.
وتابعت: أثناء العمل اكتشفنا أن هناك ضياعاً للجمعيات بين وزارة الشؤون والشق الإغاثي، فقامت الحكومة بتحويل ملف الإغاثة لوزارة الإدارة المحلية، وكان هناك لجان فرعية للإغاثة قوامها المحافظون في المحافظات".
وأضافت إضافة غريبة.. هو أن بيع المعونات في محافظات أخرى من الممكن أن يحدث، أما في دمشق فهو أمر مستحيل.
علماً أن بيع المعونات حصل منذ الأيام الأولى لدخولها دمشق.. ولكن التصريحات تبقى تصريحات.
وأضافت عبود: "أشركنا الجمعيات التي نظامها الداخلي خيري بحت، ووافقت وزارة الشؤون الاجتماعية استثناء على ضم الجمعيات التي قامت بالمشاركة في العمل الخيري كل حسب اختصاصه، لكنها أوضحت أن عمل هذه الجمعيات مهما كان فاعلاً فهي غير قادرة على الوصول إلى جميع مناطق سورية بخلاف القدرات الهائلة لوزارة الإدارة المحلية، حيث تقوم الأخيرة هرم للأعمال ولجان أحياء ومديريات بلدات ومخاتير.
وفي تصريح آخر لمدير حماية المستهلك بوزارة التجارة الداخلية باسل طحان أفاد بأن الموضوع جداً حساس وتم ضبط عدد من حالات الاتجار بالمواد الإغاثية من تجار يقومون بشرائها أو تجميعها أو شراء المعونات المقدمة من الدولة أو من المنظمات الدولية وهم تجار جملة يقومون بالمتاجرة بها، أما العقوبة بحسب قانون حماية المستهلك الجديد فهي الحبس من شهر إلى شهرين أو غرامة مالية 30 إلى 60 ألفاً أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من تاجر أو تصرف بالمعونات والمساعدات على اختلاف أنواعها ومواد غذائية.
وبين طحان أن التجارة الداخلية لا تكتفي بمصادرة المعونات فقط، وإنما يتم مصادرتها وحجزها وتنظيم ضبط بحق المخالف وإحالته للقضاء ويتم إعادة المواد إلى المنظمات والجمعيات.
طبعاً بعد هذه التصريحات المتفائلة، تزداد الشكاوى لدى المستحقين للمعونة.. ومع عرضنا لعدة أوجه للتلاعب بها –كما أفاد مواطنون- نجد أن الرقابة شبه معدومة، علماً أن هناك أوجهاً أخرى للسرقة تتمثل بتسجيل الأسر موسورة الحال في أكثر من جمعية بطريقة ما، والاستفادة من المعونات الشهرية وحرمان اللاجئين منها.
 
رأي:
هناك جمعيات تمنح من هم ليسوا بحاجة، وهناك معونات شبه دورية على حساب أسر محتاجة لأصحاب المحسوبيات و(الوساطات). والجمعيات تعاني بظل هذه المحسوبيات من نقص في مخصصاتها، ما يدفعها لتأجيل المحتاجين لأشهر حتى يحصلوا على مستحقاتهم، مع أنهم بأمس الحاجة إليها.
إذا هناك ملامح لتجارة دنيئة داخل هذه الجمعيات التي تقوم ببيع الحصص للتجار بأسعار زهيدة، ليقوموا بدورهم ببيعها في الأسواق، عدا محال تجارية تعرض هذه المعونات للبيع في الأماكن القريبة من مقرات الجمعيات. والبسطات التي انتشرت علنا ومكانها معروف للجميع منها مخيم جرمانا وأسواق ركن الدين وشارع خالد بن الوليد.. وغيرها من مناطق العاصمة والأرياف والمحافظات الأخرى.
فالشكاوى إذا باتت كثيرة وتطول عمل الجمعيات الخيرية العاملة في سورية فيما يتعلق بتوزيع المساعدات الإغاثية. ولم يعد تبرير بأن التوزيع يتم على أساس قوائم تزود بها الجهات الرقابية واللجان الإغاثية بالمحافظات، وعند الانتهاء من التوزيع ترفع الجمعيات كشوفات بالمدخلات والمخرجات للتدقيق، لم تعد مقنعة مع ازدياد الهرج في عمليات التوزيع وازدياد السرقة من الكميات والأصناف.
إذاً فالرقابة الورقية لا تجدي نفعاً حين يقتصر العمل الرقابي على ما ترفعه هذه الجمعيات من أوراق، ما يفتح الأبواب عريضة لضعاف النفوس للتلاعب بهذه المساعدات غير مدفوعة الثمن والتي تحتاج من الجهات الوصائية المتابعة باهتمام أكثر في أصغر الجمعيات وأبعد مراكز التوزيع.