سلسلة متصلة لا تفصل حلقاتها

سلسلة متصلة لا تفصل حلقاتها

الأزمنة

الأحد، ١٨ أكتوبر ٢٠١٥

زهير جبور
الملاحظ ذلك الانقباض الاجتماعي الذي أدى إلى إحباط تأجيج المشاعر في مناسبات مفرحة، كما هي بهجة المدارس قديماً، وكانت تعتبر نقطة انعطاف في حياة الأسرة السورية، حيث الطفل الذي دخل المدرسة الرسمية (الصف الأول الابتدائي) وهو الإيحاء الأول بأنه بدأ يمهد طريقاً للمستقبل القادم، وسوف تبني العاطفة الأسرية على هذه الخطوة آمالاً تدغدغ مشاعر الأب والأم، وأطراف العائلة المعنيين، ويقابلها التعب والسهر والزمن لإنجاز المهمة  كما يتطلب الأمر، مع العلم أن المدرسة منفردة لا تكفي، ومن المفترض ألا تبتعد الأسرة عنها، وكذلك المجتمع، ولنتذكر أن المعلم كاد أن يكون رسولاً، أرأيت أشرف وأنبل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولاً، وأطلقت مفردة معلم على العباقرة والفلاسفة، والسيد المسيح عليه السلام، وللأستاذ مسؤولية لا تهاون فيها، وفي المجمل أن التربية والتعليم سلسلة متصلة لا يمكن فصل حلقاتها، وليس كل من حمل كلمة "مربٍ" جديراً بها أو أنه استحقها بتراتبية ثقافته وفهمه وإتقانه، وليس كل من خرجتهم كليات التربية في الجامعات ويمارسون المهنة تمكنوا من الوصول إلى الغاية الإنسانية النبيلة، والمسألة لا تخضع لمبدأ التجارة والربح، وعلم نفس الطفل يتطلب ثقافة تحددها معايير سلوكيات المشرفين والمشرفات، وفي ظروف بلادنا المؤسفة ما أدى إلى خلل في ضبط العناية والتوجه والحرص مع ملاحظة نوردها بكل أمانة، إن السيد الدكتور هزوان الوز وزير التربية يحاول بكل ما تمكن  من عدم توسيع الفجوات، وردم ما يستطيع، ووجه في ابتكار الأساليب المناسبة كي يجعلها عملية معقولة، تتناسب مع طبيعة الحالة وقسوتها، وثمة فوارق شاسعة بين حال الأسر السورية، ينعكس ذلك على مدرسة وأخرى، فمنها في الخاص ما تحول إلى تجارة بأقساط باهظة خيالية، تحمل اسمها الخارجي وتفتقر إلى مضمونها المهني، وأخرى رسمية ربما تحتاج لزجاج نافذة من دون إصلاحه خاصة في الريف، ومعاناة الإنفاق المدرسي تتحملها الأسر الفقيرة، وهي تضحي بقوتها من أجل حلم مستقبل لأولادها، خاضع للسقوط. للخيبة. لفقدان الرجاء. وكثيراً ما نسمع اليوم من يتحدثون لماذا درسنا وحملنا الشهادة العليا؟ ألنبقى عالة على أهالينا؟ ولنعلم أن مثل هذه الحالة لا تنتاب أولاد الأغنياء الذين لا يعنيهم أن يصل سعر المحفظة المدرسية إلى 3000 ل.س للنوع المتراجع صناعياً، وبالمقابل هناك طلاب يحملونها بسعر 20-25 ألف ليرة سورية، وهو المبلغ الذي لم تنفقه أسرنا على أبناء جيل منذ ولادتهم وحتى تخرجهم في الجامعة بامتياز، فوارق كبيرة ليس بالثراء فقط، بل بين معلم وآخر، بين ضمير وضمير، بين بناء سليم للإنسان وآخر مخرب، وهكذا فإن الحالة العامة تنعكس على التعليم والتربية، ودائماً وبكل الأحوال الفقراء هم الضحية.
•    الهم الواحد
لا أظن ونحن في سياق الموضوع أن الأمر يختلف بين أسرة فقيرة وأخرى من درعا في حوران حتى المالكية بالحسكة، وأن الإجابات متشابهة مع اختلاف صياغتها حسب ثقافة المتحدث واختياره للمفردات.
(ارتفعت جميع مستلزمات المدرسة، وأسعار الدفاتر ليست كما كانت عليه في العام الماضي، وكذلك الثياب) توجيه السيد وزير التربية جاء مراعاة لمن لا يملكون نقوداً للشراء في التساهل مع اللباس، وتوضح إحدى الأمهات الفقيرات أن للثياب خصوصيتها النفسية التي تنعكس على طبيعة استعداد الطفل وانخراطه في مجتمعه الجديد الموحد داخل المدرسة، وتعتبره جزءاً مكملاً لمناخ نظام الصف، والعيش المشترك، تلك هي نظرة أمٍّ فقيرة، تقسم إنها لا تملك ثمن اللباس، لكنها لن تتساهل في الحصول عليه ولو على حساب الغذاء، هو الهم الواحد الذي يجمع كل الأسر السورية، والقلق الذي يعيشونه، ما أدى إلى الانقباض وحالة الإحباط، وعدم تأجيج المشاعر، لكن البهجة المكبوتة سوف تلامس شغاف قلب الأم وهي تنتصر على حاجتها الملحة أثناء رؤية طفلها بثيابه المدرسية دخولاً في حياته الجديدة مع المدرسة، ولا يكفي أن ننقل صورة الحالة الخارجية، بل ينبغي الغوص في الأعماق، أن ندخل ما يمكننا في حالات الشعور المتضارب، والأطفال يتطلعون إلى المدرسة بالثياب الجديدة، والعالم الآخر الذي سيكتشفونه.
•    ومن الغوص
إن كاهل تلك الأسرة الفقيرة أصبح خارج نطاق الاحتمال، ولا من متنبه من قبل الحكومة أو من أي جهة أخرى، ولكل واحد تبريراته، والتاجر يقول: هي مرتفعة السعر من المصدر الرئيس، فماذا هل نعمل من دون ربح؟ ونحن سنعيش أيضاً، وتصريحات الحكومة تؤكد أن حماية للمستهلك هي الشغل الشاغل، وهو يجد نفسه مقهوراً أمام كل شيء يتطلب الإنفاق، وسمعت الأحاديث الموجعة التي لا تنتهي، وتدفعنا أن نكتب عنها، ونطالب من دون ملل بعدالة العيش إلى الحد الأدنى، عدالة توافر ما يسد ظلم الجوع ولا يؤدي إلى انهيار الكرامة، وأشرّ داء على الكريم إن جاع وعلى الكبرياء إن جرح، وكان تدخل المؤسسات الاستهلاكية العامة كنوع ليس لإيقاف النزف بل التخفيف منه، لكنه لم يثمر أيضاً، ومهما وصلت نسبة التخفيض، فإن عدم توافر الثمن بالأصل يعيق كل الإجراءات، هذا في حال نجاحها، وتحقيق المطلوب وسد الحاجة. وتوافر كل السلع، مع ملاحظة أن لا فوارق كبيرة بين السوق والمؤسسة، ومراعاة جودة القطعة المشتراة، ووضح أحدهم ممن يعملون في مجال إصلاح (الشناتي) أن قيمة القطعة ذات السعر المرتفع تبقى في تصنيعها ومقاومتها، أما الرخيصة فهي تتعرض للأعطال خاصة (السحابات) والتمزق، وهؤلاء الأطفال لا يعيرون انتباههم لمثل هذا، وكل عملية تبديل سحاب تحتاج لمبلغ 300  ل.س وهو يشكل نسبة لا بأس بها من السعر المدفوع للشراء. مصدر إنفاق آخر لا تتم حساباته، و بالمناسبة لا يبدل أكثر من مرة، ويمكن في حال التحايل عليه مرة أخرى، وإلى ذلك الحين تكون الحقيبة قد تلفت تماماً، ومن الغوص استرشدنا إلى أشياء كثيرة، الثياب الشتوية كي ترد البرد عن الأطفال، واقع المدارس التي تحتاج للكثير من الصيانة، التدفئة الداخلية للصف وتوافر المازوت، المسافة التي سيمشيها الطالب بين بيته ومدرسته، من واقع الغوص يمكن لمس نوع المعاناة وضخامتها، والمسألة لا تنتهي عند هذا الحد، إذا ما توقفنا عند المرض والأدوية، ونوع الغذاء وطبيعته، وفي الغوص ما يبعث على الأسى، وكل ذلك يجعلنا نتوجه للمعلمين وقداسة عملهم، أن يتجهوا لبناء الإنسان، كل شيء ينتهي عندما يبنى الإنسان كما ينبغي أن يكون، وأكدت التجربة القاسية أن الفقراء هم الأكثر إيماناً بالوطن وأكثر تضحية، ومن ساندتهم قوة القهر بتخطي الصعاب، لا بد أنها ذات القوة ستهبهم الحياة، وينتصرون، وليكن ضمير المعلم هو الحكم بين ما يقدم ويبني ويرسخ ، ومن خلاله ينبغي تحديد المعايير التعليمية والتربوية.